48 هكذا علمونا احترام الخلافة

48 هكذا علمونا احترام الخلافة

مصطفى ثابت

إن المؤمن الحصيف يتعلم من التاريخ ويستفيد من تجارب الآخرين. وعندما نلقي نظرة على تاريخ الخلافة الراشدة في المرحلة الأولى من الإسلام، نرى وقوع بعض الأخطاء التي.. بعد أن تفاقمت.. أدت إلى مقتل الخليفة الثالث والرابع، ومن ثم رفَعَ اللهُ نعمة الخلافة الراشدة، فسقطت الأمة الإسلامية في خلافات ومنازعات وانشقاقات استمرت حتى الآن.

وعند تحليل أسباب هذا النّزاع والشقاق، نجد أنه بدأ بتوجيه النقد للولاة الذين ولاّهم الخليفة أمر الأمصار والمدائن الإسلامية. ولعل بعض الولاة قد أخطأ بالفعل في بعض الأمور، ولكن علاج الأمر لم يكن بالحديث عن الأخطاء بين عامة الناس واستعدائهم ضد الولاة، وإنما بتبليغ هذه الأخطاء إلى الخليفة ليتخذ الإجراء المناسب. وفي كثير من الأحيان يخطئ المرء في تقييم تصرفات غيره من الناس، وما قد يظنه البعض خطأ.. قد يراه الآخرون صوابا، ولذلك فإن التصرف المناسب في هذه الأحوال أن يقوم المرء بتبليغ جهات الاختصاص عما يراه يتنافى مع المصلحة العامة، ثم يترك الأمر بعد ذلك لأولي الأمر، بغير أن يجعله مادة للتسامر والبحث بين الناس، وبغير أن يدعوهم لاتخاذ رأي يؤدي إلى اتخاذ مواقف معادية لسلطة الولاة، وإلا فإن الأمر يتطور بعد ذلك من توجيه النقد للولاة إلى توجيه النقد للخليفة نفسه، ومع تزايد النقد والجرأة فيه، ينتهي الأمر بالتمرد على الخليفة نفسه. وهذا ما أدّى في صدر الإسلام إلى حرمان المسلمين من نعمة الخلافة.

والآن.. بعد أن تفضّل الله تعالى برحمته ومنّته وأعاد نعمة الخلافة إلى هذه الأمة من خلال الجماعة الإسلامية الأحمدية، فإنه خليق بنا نحن أفراد هذه الجماعة المباركة أن نتعلم الدرس ونعيَه جيدا، حتى تستمر هذه النعمة فينا إلى يوم القيامة، حسب ما جاء في النبوءات التي تلقاها سيدنا المسيح الموعود . ولا بد أن نفهم أن وجود هذه النبوءات ليس ضمانا بضرورة تحققها، فإنها تتحقق عندما نؤدي ما علينا من الواجب تجاه مقام الخلافة طاعة لله تعالى. فقد وعد الله تعالى رسوله والمؤمنين بالنصر، ولكن هذه الوعود لم تتحقق حين عصى الرماةُ أمر رسول الله في أُحُد باجتهاد منهم ظانين أنهم لم يعصوه، وعندما أعجبتْهم كثرتهم في حُنين. كذلك فإن الله وعد بني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة، ولكنهم لما خالفوا أمر موسى بالقتال، تأجلّ تحقق الوعد أربعين سنة. وعلى هذا فعلينا أن ندرك جيدا أن استمرار تحقُّق نعمة الخلافة في الجماعة.. وبالتالي دوام تمتُّعها بأفضال الله وبركاته.. منوط بطاعة أفرادها واحترامهم لمقام الخلافة.

وقد ضربت الأجيال الأولى من أفراد الجماعة أروع الأمثلة في طاعة الخليفة واحترام مقامه. وأثبتت الأيام أن الله تعالى كان في جانب أولئك الذين كانوا في جانب الخلافة، فأمطرهم بوابل من بركاته، وأغدق عليهم نعمه وأفضاله.

كان أحد هؤلاء الأفراد الأفاضل من رعيل الجماعة الأول هو السيد محمد ظفر الله خان، وقد شرّفه الله تعالى بأن جعله يضع يده في يد سيدنا المسيح الموعود عند مبايعته، وقد تبوَّأ أرفع المناصب في حياته الوظيفية، حتى إنه كان أصغر وزير تقلد منصب الوزارة في الهند، حيث لم يكن قد تجاوز الثلاثين عاما، وشارك في الجهود التي بذلها محمد علي جناح من أجل تأسيس وطن لمسلمي الهند باسم باكستان، فاختاره ليكون أول وزير للخارجية في الدولة الوليدة، وقد تولى رئاسة الدورة السابعة عشرة للأمم المتحدة، ثم تولى منصب القضاء في محكمة العدل الدولية، ثم أصبح رئيس قضاتها، وكان صديقا للكثير من ملوك العالم ورؤساء الدول الذين كانوا يحملون له كل تقدير واحترام، كما كان صديقا مقرّبا لحضرة المصلح الموعود الخليفة الثاني .

ومع ذلك.. فإن هذا الرجل العظيم الذي كان موضع تكريم ملوك العالم ورؤسائه واحترامهم وتقديرهم، كان يكنّ احتراما وتقديرا عظيمين لمنصب الخلافة، وكان يجد الشرف كل الشرف في أن يكون خادما للخليفة.

أذكر أنني حضرت في عام 1978 مؤتمرا عُقد في لندن عن نجاة المسيح من الموت على الصليب، وكان السيد محمد ظفر الله خان أحد المتحدثين في هذا المؤتمر. وحدث أن جاء حضرة الخليفة الثالث لتحية بعض الضيوف وكان في صحبته السيد ظفر الله خان، وكان الحاضرون يريدون أن يحيّوا السيد ظفر الله خان وأن يُسَلّموا عليه باعتباره شخصية عالمية، ولكنه شعر أن هذا سوف ينال من الاحترام والتقدير اللذين ينبغي أن يكونا لحضرة خليفة المسيح، فكان يسير خلف مولانا الخليفة الثالث وليس بجواره، وكان يعقد يديه خلف ظهره، وذلك حتى لا يمد أحدٌ يده ليسلّم عليه، فقد كان يرى أن الشخص الذي ينبغي أن ينال التحية والاحترام والسلام من الناس هو حضرة الخليفة الثالث وليس هو.

وقد روى لي الأخ عبد المؤمن طاهر أنه في إحدى الجلسات السنوية كان الضيوف الوافدون من خارج باكستان يخرجون من دار الضيافة (الواقعة وراء مبنى التحريك الجديد بربوة) بعد تناول الطعام في مأدبة حضرها الخليفة الثالث -رحمه الله، وحين خرج حضرته اصطفّ الناس على الجانبين، وكان حضرة شودري محمد ظفر الله خان يسير ببطء خلف أمير المؤمنين، فتقدّم أحد الضيوف الموريشيين نحو حضرة ظفر الله خان وصافحه ثم أراد تقبيل يده، فما كان منه إلا أن نزع يده بسرعة وقال له مشيرًا إلى الخليفة:

Those hands, not hese hands..

(تلك الأيدي لا هذه)..

 أي إذا أردت تقبيل يد أحد فقبّلْ يد أمير المؤمنين، لا يدي.

وحينما كان السيد ظفر الله خان في زيارة لمدينة كالجِرِي في كندا.. سأله أحد أفراد الجماعة قائلا: لقد كنتَ ناجحا في حياتك كلها، وتبوّءتَ أعظم المناصب وأعلاها، وكنتَ محل احترام وتقدير ملوك العالم ورؤسائه، فما هو سر هذا النجاح ونوال كل هذا الخير والفضل من الله تعالى؟ فردّ عليه بدون تفكير وبغير أي تردد: لأني كنت طوال حياتي مخلصا لمقام الخلافة.

نعم.. إن الإخلاص لمقام الخلافة والطاعة الكاملة للخليفة هي مفتاح كل نجاح.. وهي الوسيلة لنوال كل بركة.. في الدنيا وفي الآخرة. ولذلك فإني أتوجه إلى أحبائي وإخواني من الأحمديين العرب، وأقول لهم عُضّوا على هذه النعمة بالنواجذ، وتمسّكوا بها كما يتمسك الغريق بوسيلة نجاته، فإن نجاة الإسلام ونجاة المسلمين منوط باستمرار وجود هذه النعمة. واذكروا أن العرب كانوا هم السبب في ضياع نعمة الخلافة من المسلمين في نهضة الإسلام الأولى، فكفّروا عن ذنوب إخوانكم من المسلمين العرب السابقين، وكونوا أنتم.. الأحمديين العرب.. السبب في تثبيت دعائم الخلافة، وذلك بالتعلق بخليفة الوقت وطاعته، وتقديم أسمى آيات الاحترام والتقدير والتبجيل لمقام الخلافة.

عسى أن يجعلنا الله دائما جنودا مخلصين وخدّاما أوفياء لمقام الخلافة، حتى نحظى دائما بفضل الله وبركاته.. في الدنيا وفي الآخرة. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك