وللغرب آيات

السيرة المطهرة (39)

لم تنحصر دعوة سيدنا أحمد في الهند فقط، أو فيما جاورها من البلاد مثل أفغانستان أو البلاد العربية. ولم تقتصر الآيات التي أظهرها الله تعالى تأييدا لعبده على الشرق فحسب، بل امتد تأييد الله تعالى وظهور آياته إلى الغرب كذلك. وكان الإمام المهدي .. بصفته أيضا المسيح الموعود.. يقف بالمرصاد لكل من تحدثه نفسه بالتهجم على الإسلام، أو على شرف حبيبه وسيده محمد المصطفى ، وكان يتصدى كذلك للعقائد الزائفة التي تحط من شأن الله تعالى، وتجعل المخلوق الضعيف إلها أو ابن إله. وقد اخترنا للقارئ حادثتين وقعتا في الغرب.. إحداهما في المملكة البريطانية والأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، لنرى كيف أن الله تعالى أراد أن يبرهن لسكان الغرب أيضا، على صدق عبده المسيح الموعود ، حتى يكون ذلك عاملا يساعد أهل تلك البلاد البعيدة عن أرض منشأ الإسلام أن يتعرفوا على هذا الدين العظيم، وليعلموا أن هذا الدين هو فعلا الدين الحق والدين الحيّ، وأن الرب المعبود في هذا الدين هو رب السماوات والأرض.

عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.. كان هناك الكثير من التوقعات بقرب تحقق النبوءات التي يحتويها الكتاب المقدس، من توراة وإنجيل، عن اقتراب نزول المسيح في آخر الزمان. وكانت الكنائس والجماعات الدينية تتحدث عن هذا الموضوع بكل اهتمام، وكان الناس ينتظرون نزول المسيح في أي وقت بل وفي كل لحظة، فكانوا يستعدون للقائه ويترقبون رؤيته. وفي هذا الجو المشحون بالشوق والانتظار والترقب.. يحدث أن يتصور البعض من الناس أنهم هم المسيح المنتظر، أو أنهم رُسل قد بعثهم يسوع ليمهدوا له الطريق، كما حدث في الماضي حين جاء يوحنا المعمدان يمهد الطريق للمسيح بن مريم . وقد أراد الله تعالى أن يُظهر صدق المسيح الحقيقي الذي اختاره من بين خدام رسول الله وجعله مثيلا للمسيح بن مريم عليهما السلام، وأراد أن ينشر ذكره في الغرب كما في الشرق، حتى تقوم الحجة على أهل هذه البلاد، وذلك لكي يعرف الناس.. في الشرق والغرب.. أن الله قد جعل خادما من خدام محمد مثيلا لابن مريم الذي اتخذوه إلها من دون الله، فإذا كان هذا هو شأن الخادم.. فما أعظم مقام السيد الذي هو سيد الخلق أجمعين!

كان في بريطانيا.. وفي مدينة لندن العاصمة.. أحد القساوسة يعمل راعيا لكنيسة مشهورة اسمها كنيسة تابوت العهد. كانت هذه الكنيسة في كلابتون Clapton أحد أحياء لندن. وفي يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) عام 1902 أعلن هذا القس.. واسمه جون هيو سميث بيجوت Rev. John Hugh Smyth Piggot أنه هو يسوع المسيح بن مريم، وأنه قد نزل من السماء حسب وعود الله تعالى. وقد أعلن بيجوت:

“إنني هو نفس يسوع المسيح الذي مات على الصليب، ثم بعد أن قام من الأموات صعد إلى السماء.”

كان بيجوت خطيبا مُفَوّها ومتحدثا بارعا، وله قدرة عجيبة على التأثير على مستمعيه والأخذ بلباب عقولهم. وكان الناس يأتون إلى كنيسته، ويزدحمون عليها ليستمعوا إلى مواعظه، وينصتوا إلى تفسيراته عن قرب نزول المسيح من السماء. لذلك.. ما أن أعلن بيجوت هذا الإعلان الغريب، حتى ركع جميع الحاضرين بالكنيسة أمامه وهم يذرفون الدموع، وراحوا يعبدونه ويقدسونه، فقد صدقوا فعلا أنه يسوع المسيح. وقد أحدث إعلان بيجوت دويا شديدا في جميع الأوساط الدينية، كما أنه أثار أيضا عاصفة من المعارضة والانتقاد لهذه الدعوى الغريبة.

وُلد القس بيجوت عام 1852 والتحق بإرسالية الكنيسة الإنجليكية عام 1882، وفي عام 1892 أقيمت في حي كلابتون Clapton كنيسة، كان قد شيدها رجل اسمه هنري جيمس برنس، ودعا بيجوت ليعظ فيها. وكان بيجوت كثيرا ما يشير في مواعظه إلى النبوءة التي كان أعلنها هنري جيمس برنس، وذكر فيها أنه رسول الروح القدس، وأنه الأقنوم الثالث من الأقانيم الثلاثة المقدسة في المسيحية، كما أنه تنبأ بقرب ظهور المخلص يسوع المسيح. وقد مات برنس في عام 1899 ومنذ ذلك الحين كانت مواعظ بيجوت تأخذ اتجاها معينا، إذ كان يؤكد على أن المجيء الثاني ليسوع المسيح قد صار وشيكا على الأبواب، وكان يذكر أنه ربما يكون قد جاء فعلا، ولعله كان موجودا بين ظهرانيهم. وبهذه المواعظ هيأ عقول أعضاء الكنيسة لقبول هنري جيمس برنس، باعتباره الشخص الأول الذي جاء يمهد لقرب نزول يسوع المسيح، وأخيرا ذكر أنه هو بنفسه يسوع المسيح، وقد نزل من السماء وأنه هو الرب الذي يقف أمامهم.

ولما وصلت أنباء دعوى بيجوت إلى الهند، كتب إليه على الفور الدكتور المفتي محمد صادق.. وهو أحد صحابة سيدنا أحمد المسيح الموعود ، كما كان أيضا أوّل الدعاة الإسلاميين الذين أرسلتهم الجماعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدعوة إلى الإسلام، وكان يجيد اللغة الإنجليزية.. فكتب يدعو بيجوت إلى الإيمان بالمسيح الحقيقي الذي أرسله الله تعالى، والذي ظهر في قاديان بالهند من بين أتباع رسول الله . ولكن مستر بيجوت أهمل الخطاب ولم يهتم بالرد عليه، واستمر في دعاويه الكاذبة مدّعيا أنه هو الرب يسوع المسيح.

وقد أراد الله تعالى أن يُظهر صدق المسيح الحقيقي الذي اختاره من بين خدام رسول الله وجعله مثيلا للمسيح بن مريم عليهما السلام، وأراد أن ينشر ذكره في الغرب كما في الشرق، حتى تقوم الحجة على أهل هذه البلاد، وذلك لكي يعرف الناس.. في الشرق والغرب.. أن الله قد جعل خادما من خدام محمد مثيلا لابن مريم الذي اتخذوه إلها من دون الله، فإذا كان هذا هو شأن الخادم.. فما أعظم مقام السيد الذي هو سيد الخلق أجمعين!

وحينئذ أعلن المسيح الموعود تحدّيا سافرا لمستر بيجوت، وذكر أنه إذا قبل مستر بيجوت التحدي فإن الله تعالى سوف يُنزل عليه عقابه، وسوف يكشف كذبه وادعاءه. وقد نشرت صحيفة صنداي سيركل Sunday Circle الصادرة في 14 فبراير (شباط) التحدي الذي وجهه المسيح الموعود إلى مستر بيجوت في هذه الكلمات:

“… ثم تبع ذلك التحذير الشديد الذي وجهه مرزا غلام أحمد، والذي ذكر فيه: إن تبجح مستر بيجوت قد أثار غيرة الله، وإن دعوى بيجوت الكاذبة تعتبر إهانة لصفات الله، إذ إنه وهو إنسان ضعيف عاجز، يجعل من نفسه رب القدرة وإله السماوات والأرض. ولذلك فإن ربي وإلهي الذي هو الإله الحق، قد أمرني أن أحذره من العقاب الذي ينتظره. فإذا لم يرجع عن هذا الادعاء المهين، فإنه سرعان ما يواجه المهانة التي سوف تقضي عليه أثناء حياتي بعذاب شديد يحل عليه من عند الله تعالى، ولن يكون هذا العذاب على يد إنسان. إن هذا الإنذار من الله تعالى الذي هو رب السماوات والأرض، فإن غيرته ستدمر ذلك المدّعي، وذلك حتى لا يُدنس أحد الأرض مرة أخرى بمثل هذه الادعاءات والتطاولات الباطلة.”

ولكن بيجوت لم يرد بتاتا على هذا التحذير، ولم يقم ليتصدَّى لهذا التحدي، بل التزم الصمت المطبق، ولم يتفوّه بأية كلمة أخرى عن ربوبيته المزعومة، واختفى من لندن تماما وانزوى في بيته الريفي، وسرعان ما نسيه الناس. وبالتراجع عن دعواه.. فقد أفلت بيجوت من الهلاك المحقق، الذي كان سيقع عليه في حياة سيدنا أحمد ، حسب نص الإنذار الذي وجّهه إليه. ومع هذا فقد حلّ عليه غضبٌ من الله تعالى، فسبّب له مهانة شديدة دمّرته تماما في أواخر حياته، فقد تبين أنه كان يعيش علاقة آثمة ويرتكب الزنى، فطُرد من الكنيسة.

وقد كتب مستر سي.تي.بيكركار في مقال نشره عن “المسيح الكاذب” في صحيفة الإيفننج نيوز The Evening News الصادرة في أول فبراير (شباط) عام 1955، فقال:

“في يوليو (تموز) 1904 ذهبت فتاة على جانب كبير من الجمال، اسمها روث آن برايس، لتعيش مع سميث بيجوت وزوجته التي كان تزوجها عام 1886. وكانت مس برايس إحدى ثلاث أخوات تركهن أبوهن وترك لهن بعض وسائل المعيشة المريحة. وبعد عام جاءت الأنباء بميلاد طفل في البيت الذي يقيم فيه بيجوت، وكان يُطلق عليه اسم (بيت الحب).

وتشير التقارير والمستندات إلى أنه في 23 يونيو (حزيران) عام 1905.. وضعت روث آن برايس مولودا، وكان الأب المسجل هو جون هيو سميث بيجوت ويعمل قسيسا، وقد أطلق على الطفل اسم جلوري، الذي يعني المجد.

وفي 20 أغسطس (آب) عام 1908، وضعت الأخت روث.. كما صارت تُعرف في ذلك الوقت.. طفلا آخر، ويذكر الموظف في قسم سجلات بريدج ووتر.. مستر سيدني هوك.. أنه قد استُدعي إلى (بيت الحب) وقام بتسجيل المولود الجديد، باعتبار أن الأب هو جون هيو سميث بيجوت، وقد سُمي الطفل باور، وهو يعني القدرة.

وبعد مولد باور.. اتخذ أسقف منطقة باث وويلز إجراء ضد سميث بيجوت، واتهمه بارتكاب الزنى، وقد أدين مستر بيجوت وطُرد من الكنيسة في مارس (آذار) 1909. ثم اتجهت أنظار الرأي العام إلى (بيت الحب)، وتبين أن هناك ما يقرب من مائة امرأة يعشن هناك مع حفنة من الرجال. وبعدها عاش بيجوت في ظروف صعبة من العوز والفاقة في بيت ريفي، وفي وحدة قاتلة، إلى أن مات في شهر مارس عام 1927.”

ولا يحتاج مقال الصحيفة إلى أي تعليق آخر.

Share via
تابعونا على الفايس بوك