لكل سؤال جواب

لكل سؤال جواب

حميد كوثر

اعتراض على الجماعة:

قصة ميرزا سلطان أحمد

 

إن الوعد الذي قطعته (التقوى) على نفسها بأن تكون مهدًا لكل حوار فكري علمي هادئ يطل اليوم في شكل باب جديد نضيفه لصفحات المجلد تحت عنوان “لكل سؤال جواب” يجيب من خلاله الكتاب المختصون على الأسئلة الكثيرة التي يحملها بريد المجلة. إن أسئلتكم ستكون الزاد الذي يغني هذا الباب ولذلك فصدر (التقوى) الرحب سيتسع لكل سؤال بناء يتعلق بالمواضيع التي تطرحها المجلة.

سؤال هذا العدد يجيب عليه الأستاذ: محمد حميد كوثر

السؤال

يقول معارضو الأحمدية بأن الابن البكر لمؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية لم يبايعه، وأنه كان يستعمل كنيته «أبو محمود» ولم يكن يستعملها على اسم ابنه الأكبر، فما هي دلالة ذلك؟

الجواب

كان ميرزا سلطان أحمد هو الابن البكر لسيدنا أحمد من زوجته الأولى، ولكنه لم ينضم رسميا إلى الجماعة في حياة والده، فقد كان في شبابه يشعر أنه لا يستطيع أن يفي بشروط البيعة حق الوفاء، وكان يرى أنه ليس من الأمانة أن يضع يده في يد والده ويعاهده مبايعًا على أمور يعلم أنه لضعفه لن يستطيع الالتزام بها. ولما تقدم به السن بايع أخاه ميرزا محمود أحمد الذي صار الخليفة الثاني لحضرة الإمام المهدي ، وكان ذلك بتاريخ 25 كانون أول (ديسمبر) 1930، وبذلك انضم رسميا إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية التي كان يؤمن دائما بصدقها، كما كان على يقين بصدق والده سيدنا أحمد منذ الصغر، وذلك كما كتب بنفسه ما تعريبه:

«إنني لم أكن أؤمن بسيدنا أحمد المسيح الموعود حينما أعلن كونه مسيحا موعودا فحسب، بل وكنت أؤمن به منذ الصغر، حينما كنت ابن 12 أو 13 عاما. وأشهد شهادة صادقة من صميم فؤادي أن شخصية والدي كانت شخصية عظيمة، وإنه كان نعمة إلهية للإسلام. وأعتقد يقينا أن والدي ميرزا غلام أحمد المسيح الموعود كان إنسانا صادقا، ومسلما راسخا، وكنت أؤمن بصدقه منذ الصغر». («الصلح خير» من تأليف حضرة ميرزا سلطان أحمد، وكتاب تاريخ الأحمدية ج6 ص123)

وتصديقًا لإيمانه بحضرة أحمد .. فقد حث ابنه ميرزا عزيز أحمد كي يبايع جده، وبالفعل بايع الابن في شباط (فبراير) 1906، ولكنه هو نفسه امتنع عن المبايعة حتى يتأكد أنه سوف يفي بشروط البيعة أولاً.

لذلك كله لم ير سيدنا أحمد أنه من المناسب أن يجعل كنيته على اسم ولده الأكبر الذي لم يبايعه رسميًا، بل جعل كنيته على اسم ولده محمود أحمد الذي تلقى عن مولده نبأً خاصًّا من الله تعالى، والذي تحقق فيما بعد وكان سيدنا محمود أحمد هو المصلح الموعود الذي أخبر الله تعالى حضرة الإمام المهدي عنه قبل مولده، كما أنه صار ثاني خلفائه من بعده.

وليس من الصحيح مطلقا أن يستنتج معارضو الأحمدية من ذلك أن سيدنا أحمد لم يكن يعتبر ميرزا سلطان أحمد من أهله إلا إذا كان الله تعالى قد أخبره بذلك صراحة، فإن سيدنا نوح كان يعتبر ابنه من أهله رغم أنه لم يكن يؤمن به، حتى أخبره الله تعالى بأنه ليس من أهله، وذلك كما جاء في الكتاب العزيز:

وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (هود:46)

أما ميرزا سلطان أحمد.. فلم يكن من بين الكافرين بحضرة أحمد ، بل كان من المؤمنين المصدقين لكل ما أعلنه ودعا الناس إليه، ولكنه كان يرى في نفسه ضعفا يشعر معه أنه لن يكون صادقا أمام الله إذا بايع في تلك الفترة. ولما شعر أنه قد صار على ذلك المستوى اللائق من التقوى والصدق مع الله ومع نفسه، أقدم على مبايعة أخيه الأصغر منه، وتوفي مسلما أحمديا، ودفن إلى جانب ضريح والده، ويقوم أحفاده بخدمة الجماعة الإسلامية الأحمدية مثل جميع أفراد عائلة حضرة الإمام المهدي بدون أي فارق على الإطلاق. ولا شك أن حضرة الإمام المهدي كان يود لو أن ابنه سلطان أحمد قد بايعه أثناء حياته، لأنه كان يود لابنه أن يكون في جانب الله تعالى أطول مدة في حياته، ولكن.. الهداية ليس أمرا في متناول أيدي البشر، وإنما يختص به الله سبحانه وتعالى، ولذلك فهو يقول مخاطبا سيدنا محمد :

إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص:57)

ولهذا فإنه لا يحق لمعارضي الأحمدية أن يتهكموا باعتراضاتهم على حضرة الإمام المهدي ، أو يستنكروا أنه لم يستطع أن يهدي ابنه أو يقنعه بمبايعته، فلقد حاول سيدنا محمد المصطفى أن يهدي عمه أبا طالب، وبذل جهده حتى في آخر لحظات حياته، ولكن جهوده كلها ذهبت أدراج الرياح، ومات أبو طالب مشركا، وجاء عنه في الحديث الشريف ما رواه النسائي في كتاب الجنائز: « عن سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِأَبِي طَالِب:ٍ يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ آية: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ونزلت آية أخرى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ » (النسائي-باب النهي عن الاستغفار للمشركين ج4 ص74).

فإذا لم يستطع أعظم الرسل وأشدهم تأثيرا في الناس أن يجعل عمه ينضم إلى الإسلام ويتفوه بكلمة الشهادة وهو على سرير الموت، فكيف يتوقع معارضو الأحمدية من خادمه.. حضرة الإمام المهدي أن يجعل ابنه يبايعه رغم أنفه. ولعلهم يظنون أنه بصفته كوالد فقد كان عليه أن يجبر ابنه غصبا على المبايعة، أو لعله كان عليه أن يهدده بالموت والقتل إذا امتنع عن مبايعته، ولكن هذه الأساليب الإرهابية لا يتبعها الأنبياء.. وإن ظن معارضو الأحمدية أنها الأساليب اللائقة لنشر الدعوة، فقد قال تعالى:

وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (الكهف: 30)
Share via
تابعونا على الفايس بوك