من أساليب اللغة العربية البليغة

من أساليب اللغة العربية البليغة

حميد كوثر

لكل سؤال جواب

سؤال

ما هو معنى الإلهام الذي قيل فيه: “أنت من مائنا وهم من فشل”؟

الجواب

قال الله سبحانه وتعالى مخاطبًا سيدنا أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود : “أنت مني يا إبراهيم، أنت القائم على نفسه، مظهر الحي. وأنت مني مبدأ الأمر، أنت من مائنا وهم من فشل” (التذكرة، ص 392)

في هذا الإلهام يسمي الله تعالى عبده المسيح الموعود باسم سيدنا إبراهيم ، وذلك لوجود التشابه بينهما. فكما أن سيدنا إبراهيم قد كسّر الأصنام والتماثيل، وأثبت بالأدلة بطلان عبادتها، وأقام وحدانية الله سبحانه وتعالى ودعا الناس إليها، فكهذا أقام سيدنا أحمد وحدانية الله تعالى في العصر الذي انتشر فيه الإلحاد والشرك والتثليث، وكان هو مبدئ أمر تأسيس وانتشار الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تحمل على عاتقها نشر دعوته في جميع أنحاء الأرض. ففي عصرنا هذا قامت دعوات ملحدة جديدة تزعم عدم وجود الله، وأن كل الكائنات قد خلقت نفسها بنفسها، وقامت المسيحية مع بداية النهضة الأوروبية بمحاولة غزو العالم كله تدعو إلى وجود ثلاثة آلهة متكافئين في القوة والجلال، ومتساويين في القوة والقدرة، ويكوّنون فيما بينهم ألوهية واحدة.

ومع ضعف المسلمين في الهند اشتد ساعد الهندوس الذين راحوا يقولون بتأليه أنبيائهم، فتعددت الآلهة عندهم، وصنعوا لهم تماثيل كما صنع المسيحيون تماثيل للمسيح ولمريم العذراء، وراحوا يعبدون تلك التماثيل ويسجدون لها. ثم انتشرت الفلسفات الغربية التي سممت عقول الناس الغربية ومنها الشيوعية والوجودية والعلمانية. وغزت الإسرائيليات والخرافات عقول المسلمين الذين صاروا مثل غيرهم من المشركين والملحدين في الواقع، والأدهى من ذلك أن مئات الألوف من المسلمين تركوا الإسلام وانضموا إلى الملحدين والمشركين والمسيحيين أصحاب عقائد التثليث، ودخل الكثير منهم في عقائد التثليث، ودخل الكثير منهم في عقائد الهندوس وصاروا يعبدون الأصنام كغيرهم من الناس. وكتب وألف ونشر الهندوس والمسيحيون ملايين الكتب التي تسخر من الإسلام ومن رسوله الأعظم وتتهجم على العقائد الإسلامية وتنتقد القرآن الكريم وتحث المسلمين على ترك الإسلام والدخول في عقائدهم، ولم يستطع العلماء المسلمون التصدي لتيار الهجوم الكاسح ضد الإسلام، فكان كل دفاعهم لا يتعدى سوى الاعتذار والتبرير والموافقة أحيانًا لكثير من تلك العقائد الفاسدة، إلى أن قام حضرة الإمام المهدي فنشر كتابه “البراهين الأحمدية” الذي ضمّنه ثلاثمائة دليل على وجود الله ووحدانيته سبحانه وتعالى، وعلى سمو ورفعة التعاليم الإسلامية التي لا تستطيع الأديان الأخرى أن تتقارب إلى سموها أو تتطاول إلى رفعتها، وعلى صدق رسول الله الذي برهن على أنه أعظم وأجلّ وأقدر الرسل الذين بعثهم الله تعالى، وعلى صدق القرآن الذي هو المعجزة الوحيدة الباقية والخالدة من بين معجزات الأنبياء جميعًا.

وهكذا حطم سيدنا أحمد أصنام الباطل، وكسر صليب التثليث، وأعلى دعوة القرآن التي تقوم على قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وكتب بالإضافة العشرات من الكتب المفحِمة التي أثبت فيها بالأدلة والبراهين بأن الله سبحانه موجود، وأن دليل وجوده هو أنه يتصل بمن شاء من عباده ودعا الناس إلى الإيمان بذلك الإله الحي، وقال لهم تعالوا عندي لكي أريكم جلال الله سبحانه وتعالى من خلال الآيات والمعجزات التي يُظهرها الله تعالى على يدي، وذهب إليه ألوف من الناس وشاهدوا بأم أعينهم تلك الآيات الربانية والمعجزات التي أظهرها الله جل شأنه تأييدًا لعبده، وآمن به الألوف من الناس بل مئات من الألوف الذين جربوا بأنفسهم حلاوة الإيمان ولذة الوصال بالله. وجاء الكثير من هؤلاء المؤمنين الموحدين من بين أولئك الهندوس الذين كانوا بالأمس يسجدون للأصنام ويشركون بالله، وجاء الكثير منهم من بين المسيحيين الذين ضللهم المبشرون الأوروبيون فصاروا يسجدون لتماثيل المسيح وينسبون الابن لله العلي القدير، وجاء الكثير منهم من بين المسلمين الذين ظنوا كغيرهم من أتباع الأديان الأخرى أن الله تعالى لا يتصل بعباده ولا يوحي إليهم بعد وفاة سيد الخلق ، فكان وجود الله بالنسبة لهم أمرًا موروثًا وعقيدة نشأوا عليها ولكن لم يجربوا بأنفسهم ذلك الوجود ولم يسمعوا بأنفسهم كلام الله. وهكذا عادت وحدانية الله إلى الحياة مرة أخرى، وتأسس التوحيد الحقيقي في عصر الكفر والشرك والإلحاد. وهذا هو ما حققه سيدنا إبراهيم في زمانه، وهو أيضًا ما حققه سيدنا أحمد وجماعته في عصرنا الحالي، ومن أجل هذه المشابهة والصفة المشتركة أطلق الله تعالى اسم إبراهيم على سيدنا أحمد .

وليكن معلومًا لدى القارئ أن إطلاق اسم نبي من الأنبياء السابقين على نبي آخر لا يعني أبدًا أن ذلك النبي من السابقين قد عاد إلى الحياة مرة أخرى، أو أنه قد تقمص جسد النبي الجديد أو أن روحه قد تناسخت في روح النبي الحالي، فهذه كلها أمور لا تليق بشأن الأنبياء السابقين الذين كرمهم الله تعالى وأدخلهم جنته التي لم يكن ليخرجهم منها ويبعثهم مرة أخرى إلى هذه الدنيا عن طريق عودتهم إلى الحياة أو تقمص الأجساد أو تناسخ الأرواح. بل إن إطلاق اسم النبي السابق على نبي من اللاحقين يشير إلى التشابه بين النبي السابق والنبي اللاحق. وهذا أسلوب عربي بليغ، استعمله القرآن الكريم، واستعمله رسول الله ، ويستعمله الناس في كلامهم.

فإذا أُطلق لفظ “الأسد” على شاب شجاع، لا يخطر ببال أحد بتاتًا أن هذا الشاب قد صار حيوانًا يمشي على أربعة أرجل وله ذيل. كذلك إذا أُطلق اسم شخص من الأشخاص على شخص آخر فليس معناه أن الشخص الأول قد بُعث من الموت وحلّ في الشخص الآخر، ولكنه يعني أن هناك أوجهًا للمشابهة مشتركة بينهما. فمثلاً كانت الفرقة الموسيقية الإنجليزية المشهورة في العقد السادس من هذا القرن معروفة باسم “الخنافس The Beatles”، وكان أفرادها يقصون شعورهم بطريقة معينة ويطيلون سوالفهم، وكان الكثير من الشباب يقلدونهم في هذا المظهر، فكان يُطلق على كل من يظهر بهذا المظهر اسم “الخنفس”. ومن المعروف أيضًا أن الشاب المعروف بعلاقاته النسائية الكثيرة يُطلق عليه اسم “فالنتينو” أو “دون جوان”، وهي أسماء الشخصيات المشهورة بهذه الأمور. والشاب الذي يهوى فتاة لا يوافق أهلها على زواجه منها يطلق عليهما اسمي “روميو وجولييت” تشبيها بتلك الشخصيات الروائية، وللمصريين مثل من الأمثال الشعبية كثيرًا ما يطلقونه حينما يخيب أملهم في شخص كانوا يتوقعون منه المساعدة والنجاة على يديه فإذا به ينقلب عليهم بالظلم والاضطهاد فيقولون: “كنا نظنه موسى فإذا هو فرعون”.

من أجل هذا أطلق رسول الله في أحاديثه الشريفة اسم المسيح عيسى ابن مريم على الإمام المهدي، وقال في حديث رواه ابن ماجة: “لا المهدي إلا عيسى..” وقال عن المسيح الموعود في حديث آخر رواه أحمد بن حنبل في مسنده: “..إمامًا مهديًّا وحكمًا عدلاً”، وقد أدّى سوء فهم الأحاديث التي ورد فيها نزول عيسى ابن مريم أن الكثير من علماء المسلمين، تأثرًا بالأفكار المسيحية، قد ظنوا كظنهم بأن سيدنا عيسى يعيش في السماء وأنه سوف ينزل بنفسه مرة أخرى إلى هذه الدنيا. والبعض من العلماء الذين لم يستطيعوا إنكار ما أكده القرآن الكريم على وفاة سيدنا عيسى ، زعموا أن معنى نزوله هو أن الله سوف يعيده مرة أخرى إلى الحياة الدنيا! وبفضل دعوة سيدنا أحمد وجهود جماعته التي يبارك الله تعالى فيها، فإن الكثير من العقلاء والمفكرين قد أدركوا أن إطلاق اسم المسيح عيسى بن مريم على موعود في آخر الزمان لا يعني سوى المشابهة بينهما.

بل إن إطلاق اسم النبي السابق على نبي من اللاحقين يشير إلى التشابه بين النبي السابق والنبي اللاحق. وهذا أسلوب عربي بليغ، استعمله القرآن الكريم، واستعمله رسول الله ، ويستعمله الناس في كلامهم.

وفي هذا الوحي الذي تلقاه حضرة الإمام المهدي ، والذي سُمي فيه باسم “إبراهيم”، لا يعني سوى المشابهة بينه وبين سيدنا إبراهيم في بعض الأمور المشتركة بينهما.

كذلك فقد ورد في نفس هذا الإلهام قوله تعالى: “أنت من مائنا وهو من فشل”. وقد حاول المغرضون من ذوي النيات الخبيثة والعقول السافلة أن يزعموا أن سيدنا أحمد ينسب إلى الله تعالى أنه قد أنجبه من مائه كما ينجب الرجل من مائه. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مدى الانحطاط الذي هوى إليه هؤلاء المعارضون. مع أن سيدنا أحمد قد شرح بنفسه هذا الإلهام فقال ما تعريبه من الأردية:

“..المقصود بهذا القول: “أنت من مائنا وهو من فشل”. في هذا الموضع هو أن الماء هنا هو ماء الإيمان والاستقامة والتقوى والوفاء والصدق وحب الله الذي يكتسبه الإنسان من الله سبحانه وتعالى. والمقصود هنا من كلمة “فشل” هو الجبن والخيبة اللذان يأتيان من الشيطان، وإن أصل الكفر والفحش هو الجبن والخيبة..” (الخزائن الروحانية ج 11- كتاب: نهاية آتهم “أنجام آتهم” ص 56 بالحاشية)

وهكذا يتضح أن المقصود من كلمة “ماء” هو ماء الإيمان.. ماء التقوى.. ماء الاستقامة.. ماء الوفاء الذي يُنزله سبحانه ويهبه لحضرة الإمام المهدي من فضله ورحمته. وحيث أنه قد أوتي هذا الماء الرباني فإنه بدوره يروي به خلق الله سبحانه وتعالى. ومن المعروف أن الله تعالى قد قال:

وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (الأنبياء: 31)،

فالله سبحانه قد خلق الماء وأحيا به كل شيء، وهو شبّه الكفار بالأموات والمؤمنين بالأحياء، لأن المؤمنين يتلقون ماء الوحي الذي يُنزله الله تعالى على نبيه فينالون الحياة عن طريق هذا الماء الرباني، ولذلك شبّه الله تعالى الوحي بالماء فقال:

وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (الأنفال: 12)

والمقصود من كلمة “فشل” هو الجبن والخيبة والخسران والضعف الذي يأتي من الشيطان، ومن المعروف أن أولئك الذين يعادون الأنبياء والخلفاء والصلحاء لا يُصيبهم إلا الضعف والخسران نتيجة للجبن والخيبة التي تنالهم من الله تعالى الذي قال:

سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ (الأنفال: 13)

إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (النساء: 77)

وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (النساء: 120)

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك