التغيير المطلوب

التغيير المطلوب

التحرير

سجلات التاريخ حافلة بذكر رجال وهبهم الله نفوسًا مبدعة، وعقولاً مبهرة، وعزائم جبارة، وبصائر نافذة، تعرفهم بسيماهم وترى في أعمالهم بصمات مميزة، لا ضوضاء في القول ولا خوض مع الخائضين. يزرعون ورود المحبة والأخوة ويضيئون بفضل الله الدروب للسالكين. إذا افتقدتهم الأمم ذبل عودها وانطفأ نورها وانقلبت موازينها وظهرت في ساحاتها الأبالسة والشياطين والدجالين. وحل الغباء على النفوس واستولى الجهل على العقول وتمكن الخمول من العزايم وطمس العمى البصائر. وقد ظهر أقوى تجل لصفات هذه النخبة من الأبرار في صحابة سيدنا محمد المصطفى الذين حملوا مشعل التوحيد وزرعوا في النفوس بذور المحبة الخالصة لوجه الله. ولكن أين نحن اليوم من هؤلاء البررة؟ وهل نقتدي بهذه النجوم كما وصفهم النبي ، إن الواحد منا يفتح عينيه اليوم في جو ملؤه الاضطراب والضوضاء، ولا يجد حلولا للمآسي التي تتخبط فيها الأمة. وهنالك من فقد الأمل تماما وقرر أن ينسحب من الساحة الفكرية والعقائدية وانخرط في النوادي والملاهي.

كيف يفسر العباقرة ضعف الأمة اليوم وقد انطلقت الأمم تسابق بعضها بعضا في الصناعات والزراعات والتكنولوجيا، والأمة تزداد تأخرًا وتقهقرا في الميادين كلها؟! وكيف يفسر هؤلاء انكشاف الأمة وانخسافها في ميدان الدفاع عن النفس والأمم قد تسلحت بشتى الأسلحة وصنوف الروادع. ونحن لا نملك إلا الحجارة والذلة والمسكنة والتآمر على عُبَّاد الله الصالحين. إن تراثنا الإسلامي الزاخر لا يعرف الذلّة وإنما يدعو إلى العزة وامتلاك قوة الردع.

لقد تعرضت الأمة على يد كثير من ضعفاء النفوس من بني جلدتها إلى طمس الهوية ورسموا على جبينها أشكالا وألوانا من المضحكات المبكيات من شيوعية واشتراكية وماركسية إلخ. فأعطوا كل فرد من أتباعهم حصته من الفقر والذل والحرمان.

ورجال التغير دائمًا لهم أهداف واضحة يريدون الوصول إليها وذلك لابتغاء مرضاة ربهم، ويرسمون الخطط لبلوغها كما يكون لهم ثوابت يركزون عليها، وإيمان ينير الصدور والقلوب ويعطي الأمل ويجدد العزم .والمؤمن الذي يعقد العزم على تغيير نفسه يعرف أن الطريق طويل والمحن على الدرب ولكن لا يقنط من رحمة الله لأن وعده واقع

حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (الروم: 48).

ونرى أن هذا الوعد سيتحقق للمؤمنين الذين يتحلون بالصفات المنصوص عليها في الآية التالية :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (المائدة: 106).

أليست مصيبتنا الكبرى في ابتعادنا عن المغزى الصحيح للهداية وإقحام أنفسنا في مشاكل أكبر من طاقتنا بكثير. ألا يكفينا تشويه سمعة الدين الحنيف وتلطيخ اسمه الشريف بجرائم عديدة.

وبعد، فهل آن الأوان لهذه الأمة أن تغير ما بها حتى تتغير أحوالها وأوضاعها،

إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد: 12).

وهل أن الأوان كي ترجع الأمة إلى الله وتتمسك بالعروة الوثقى فينتفع الجميع حاكمين ومحكومين سلطات وشعوبا. وهل آن الأوان ليكون أمرنا بيدنا، وقرارنا من أنفسنا، ولا نخشى أحدًا أو نرهب إنسانا؟ لن يتم هذا إلا بالرجوع إلى الله وذلك بطاعة الإمام الذي اختاره لهذا العصر خادما لشريعة أكمل خلقه سيدنا محمد المصطفى ولتعلموا أن الله قد أخبر حضرة الإمام المهدي : “يَنْصُرُكَ رجَالٌ نُوحِي إليهِمْ مِنَ السَّمَاءِ”. أي أن نخبة الأبرار التي ستؤازره وتساعده في القيام بمهامه في حياته ومن بعده سيهبهم الله وحيًا من السماء يكسب قلوبهم السكينة والطمأنينة ويرزقهم اليقين التام بوجوده . وما هذا إلا وحيًا يحتوي على أنباء تبشيرية وإنذارية ولا ينص على تشريع إذ أنه اكتمل ببعثته .

إننا نرفع من وراء منبر “التقوى” دعوة صادقة لتدبر هذا الطرح الذي يعين المسلم البعيد عن العقل التقليدي على تبين ملامح تلك الروح الإسلامية التي نفخها محمد خاتم النبيين في أصحابه حتى استطاعوا حمل مشعل الإسلام.

ولقد أحسن من قال:

وللخير أهلٌ يُعرَفونَ بِهَديِهم

إذا اجتمعتْ عندَ الخطوبِ المجامعُ

>

وللشر أهلٌ يُعرفونَ بشكلهم

تشير إليهم بالفجورِ الأصابعُ

Share via
تابعونا على الفايس بوك