ليلة ليست كسائر الليالي

ليلة ليست كسائر الليالي

التحرير

  • شهر الالتزام بالعبادات والتسابق لفعل الخيرات
  • العشر االأواخر من رمضان فيهن ليلة بألف شهر
  • بعد انتهاء شهر الخير علينا المواظبة على العبادات

__

مَنْ منا لا يحب رمضان.. الشهر الذي تتغير فيه النفوس فتصبح أكثر لطفا وسماحة، وفيه يتنافس الصائمون على الخير سرًّا وجهرا، فيسود الأجواء الرمضانية طابع خاص من الروحانية لا نشهد له مثيلا في سائر الشهور.

فها نحن نودع شهر الصيام والقيام.. مدرسة الإيمان، الخير، العطف والإخاء ونستقبل عيد الفطر السعيد كي نحتفل بالمكاسب العظيمة التي جنيناها من بركات  الصيام والقيام. وهل نستقبل العيد لنواصل ما قمنا به في شهر رمضان المبارك من ذكريات ومحبة وعطف وإخاء لنؤكد ما نردده “كل عام وأنتم بخير” أم أنها مجرد كلمات نتبادلها في كل عيد ومجاملات جوفاء خالية من كل معنى؟

لا شك أنَّ أعظَمَ الدروسِ التي ينبغي أن نستخلصها من مدرسةِ الإيمان تتمثل في تربيةِ الزهد في متاعِ الدنيا في قلوبِنا؛ فهذا مِن حكم الكفِّ عن الشهوات طيلةَ شهر الصيام والقيام. فيا أسفاه؛ فقد مضى رمضانُ، مَضَى بخيرهِ وبَرَكتهِ وبِرِّه.. وقد كانت فيهِ الأيامُ تُزهِرُ والليالي الحالكة الظلمة تُنير.

لقد مَضَى رمضانُ وانقضتْ أيّامُهُ وذهبتْ لياليهِ.. وانقضت حلاوة أسحارِه. لقد مضى سريعًا.. مثلَ طيفٍ عابِر وكوكبٍ غابِرٍ. فوا أسفاهُ على انقضاءِ شهرِ الرحمةِ والمغفرةِ والعتقِ من النار.

ونحن حين نودع الشهر الفضيل تطرح أسئلة كثيرة نفسها بمناسبة “العيد”.. يوم تخرّجنا في مدرسة رمضان. فهل هو محطة فرح وبهجة غامرة للجميع؟ وهل هو عيد للصغار للبس الثياب الجديدة واللعب والمرح والترح؟ أم هو عيد للكبار، يصلّون صلاة العيد ويتلاقون بالأحبة والخلان ويتبادلون التهاني والأماني؟

والأمر الذي يصعب فهمه هو كيف يمضي عيد الفطر بشكل يتناقض وهدفه المنشود؟! فالأطفال لا يجدون فيه من الفرح سوى ما يحصلون عليه من العيدية. أما البيوت فتظهر بثوبها البالي القديم حيث لا تشعر المارين بها والداخلين إليها بفرحة أهلها. أما أسواقنا فلا همَّ لها سوى استنـزاف جيوبنا، وهكذا ينتهي كل عام عندنا.

فالمسلم يفرح بأداء العباداتِ على وجه التمامِ والكمالِ، ويستبشِر بأجرِه. ففي عيدِ الفِطرِ يفرحُ قومٌ زَيَّنوا الصِّيامَ وكمّلوا القِيامَ، وكَفُّوا الألسُنَ، وعَفُّوا الأبصارَ، وصَفَّوا القلوبَ من الأكدار. فطُوبَى لمعشر الأخيار.

إنَّ للفرحَ في الإسلامِ نطاقًا أوسع ومَدًى أبعد من مجرَّدِ الفرح والمسرة بالأشياء الماديّة والأعراضِ الدنيويّة؛ فهو يتجاوز أعراضَها إلى أشواقِ الآخرة، فلا شيء في هذه الحياةِ يَعْدِلُ ذلك الفرَحَ الرُّوحِي الشفاف الذي نتحصل عليه بالتضحية بالمباحات المسموح بها في سائر أيام وشهور السنة لنكسب رضى الله وقربه. ولا يتوقف الأمر إلى هذا الحد بل نشعر من خلال هذه التضحيات بآلام ومآسي المحرومين من خلق الله فنعكف على إدخال الرِّضَى، الثقةَ، الأملَ والفرحَ إلى نفوسِ الآخَرِين. إنها لذةٌ سماويةٌ فريدة،  إنَّ هذا لَهُوَ الفَرَحُ النَّقِيُّ الخالِصُ، الذي يَنبُعُ مِن نُفوسِنا، بِدُونِ حاجةٍ إلى أيِّ عناصرَ مادية.

إنها ليلة ليست كسائر الليالي ففيها يتحول المحظوظون من كائنات أخلدت إلى الأرض إلى كائنات سماوية تحلق في فضاء الروحانية بمعية ملائكة خالق البرية.

كيف لا يفرح المسلم بيومٍ وَعَدَ الله فيه الصائمين القائمين بأن يغفرَ لهم هفواتِ العُمرِ كلَّها ويطهِّرَهم من ذُنوبِ السِّنين أجمعِها؛ فقد أفلح في هذا اليومِ مَنْ لم يفتْهُ أجرُ الصيامِ وفضلُُ القيام؛ وما أسعد من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، فينطبق عليه قول أصدق الصادقين سيدنا محمد المصطفى :

 “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه.”

فيا ليت شعري.. كيف لا يفرح المسلمون بشهر فيه ليلة هي خير من ألف شهر .. محظوظ ذلك الذي يقبل الله أدعيته في تلك الليلة فتتنـزل عليه الملائكة مبشرة إياه

  … أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُوِنَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (فصلت: 31-33)

إنها ليلة ليست كسائر الليالي ففيها يتحول المحظوظون من كائنات أخلدت إلى الأرض إلى كائنات سماوية تحلق في فضاء الروحانية بمعية ملائكة خالق البرية. إنها ليلة العمر مَن تعبّد فيها إيمانا واحتسابا فكأنه تعبد العمر كله ويلاقي فيها ما لا يلقاه صائم الدهر وقائمه. إنها ليلة الليالي يتم فيها غرض حياة الإنسان ألا وهو وصال البارئ.

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا في زمرة عبادك المحظوطين الذين ينعمون بقربك ووصالك، وصل على أفضل رسلك سيدنا ومولانا محمد المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك