تداعيات تهميش دور المعلم
  • تراجع القيم والأخلاق لدى الطلاب بعد غياب الصرامة
  • غياب التربية المدرسية أدى إلى جيل فاسد
  • الاضرار لاستخدام رموز الجيش لضبط الطلاب
  • المطالبة بإعادة القوانين التي تسمح للمعلم بمعاقبة الطالب المسيء ليتعظ من حوله

__

أثارت حالات الاعتداء على المعلمين في بلدان عربية مختلفة خلال الفترة الأخيرة استياء المعلمين والمجتمع بكافة شرائحه خوفا من تنامي هذه الظاهرة وانتشارها في المؤسسات التربوية على امتداد خارطة العالم العربي من المحيط إلى الخليج.

ومن أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور العنف في المدارس هو تهميش دور المعلم في معاقبة الطلاب لدى ارتكابهم المخالفات وتعويدهم منذ الصغر على التقيد بالنظام والآداب العامة الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في اللائحة السلوكية ثم إدراج العقوبات وفق ضوابط معينة بإشراف من المسؤولين المختصين في مجال التربية والتعليم.

ولوضع الحواجز أمام هذه الظاهرة الفتاكة يجب إعطاء المدرسين والتربويين صلاحيات أكثر لإيقاع العقوبات المناسبة. فقد تبين أن التوجيه فقط بدون عقاب أمر غير كاف، فبالرغم من أن العقوبات نجحت منذ قرون إلا أنها خلفت تعقيدات نفسية واجتماعية عديدة، لذلك يجب إعادة هيكلتها وفق ضوابط معينة لكي تنجح في هذا الزمن دون إفراز أي تداعيات.

وقد شهدت ظاهرة العنف في المدارس سواء داخل أسوارها أو خارجها وخاصة اعتداء الطلبة على المعلمين بعدًا آخر حيث امتدت إلى تصوير تلك الاعتداءات ونشرها في مقاطع “البلوتوث” دون وازع ديني أو إنساني حيث إن المناظر مزعجة ومثيرة للشعور بالغبن. فليتخيل من يقوم بهذا أن من بين مشاهدي هذه المقاطع أقارب هذا المعلم أو أسرته ومدى ما يلحق بهم من شعور بالإحباط والإهانة وكلاهما لا يستقيم مع مهنة المعلم الجليلة.فالمدارس هي نموذج مصغر للواقع الاجتماعي وهي إحدى دوائر المجتمع، فلا يجوز أن نأخذها بمعزل عن الواقع الاجتماعي. فآليات التعامل بين المعلم والطالب أفرزت خللا فادحا، حيث إن المعلم لم يعد ذلك النموذج المثالي للقيم والأخلاق فلا نحمل الطالب بأنه أصبح عنيفًا وأنه وحده المسؤول، بل تقع المسئولية على  الجميع لذلك يجب أن تدرس هذه الظاهرة بشكل شمولي.فالمعلم له دور كبير جدا في بناء المجتمعات وعندما يجد معاملة سيئة وعدم تقدير لدوره فإنه يفقد حماسه وربما يحدث عنده عزوف عن هذه المهنة الشريفة. كما تتحمل وسائل الإعلام جزءا من المشكلة كونها تحرص على تسليط الضوء على قضايا المعلمين وتهويلها ونسج القصص وإضافة الكثير من البهارات المعتادة من خلال الجمل الإنشائية والعبارات الرنانة قبل ثبوت إدانتهم والتحقق من صحة المعلومة. ولا تكلف نفسها بإظهار الحقيقة بعد اكتشافها، أو أن القضية غير صحيحة أو كيدية بل تنسى وتهمل وكأن الموضوع حتمية إدانة المعلم.كما أن هناك طلابًا لا يصلحون للبقاء في المدارس لأنهم يفسدون أكثر مما يستفيدون فيجب عمل برامج إصلاحية خاصة بهم تطبق في بعض المدارس ويتم نقل هذه الفئة لها.لقد أصبح المعلم بدون أي دور تربوي خصوصا بعد منع جميع الاجراءت التي يمكن استخدامها لتخويف الطالب حتى عمَّت الفوضى المدارسَ، فعندما يزور أحدنا مدرسة فكأنه في حفل؛ لما يراه من عدم الانضباط واللامبالاة. أتمنى أن يعود الانظباط والاحترام المتبادل إلى مؤسساتنا التعليمية.

فمهنة التعليم كما لا يخفى على أحد لها صبغة دينية رفيعة الشأن حيث إننا إذا تأملنا جانبا من رسالة خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام والتي لخصها القرآن الكريم:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (الجمعة: 3)..

نجد أنه بعد تلاوة الآيات وتزكية الأميين أي إتمام الحجة عليهم وتدريبهم على تزكية أنفسهم السقيمة يأتي دور التعليم، الأمر الذى يجب أن يبعث الفخر والعزة في نفس أي معلم. ولكن الواقع الذى تعيشه الساحة العربية والإسلامية همَّش دور المعلم وسلب منه صلاحيات كثيرة مـمّا أفقده هيبته واحترامه لدى الطلاب الذين تبنوا مفهوما خاطئا للحرية من الحضارة الغربية التي استيقظت أخيرا من سباتها واعترفت بخطئها بتقديم مفهوم خاطئ للحرية وأصبحت تنادي بالقيم الأخلاقية التي كانت عليها في الماضي. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: متى ستستيقظ أجيالنا؟

إنها رسالة جادة نرفعها من منبر «التقوى» لكل من له صلة بمهنة التعليم الجليلة كي يرفعها لمن يهمه الأمر لوضع خطة جادة لنجدة مؤسساتنا التعليمية من الخراب….

وفي واقع الأمر إن ما يحدث في مدارسنا ومعاهدنا إنما هو صورة مطابقة للأصل لما يحدث في مدارس ومعاهد الدول الغربية التي بدأت بعض مؤسساتها بعد أن فشلت الشرطة في حل مشاكلها الأمنية تفكر بكل جدية باستخدام مدرسين من الجيش يرتدون زيهم الرسمي ويخول لهم استعمال الغلظة والقوة والعقاب حسب بنود قانون الجيش. حيث إن الفصول أصبحت ميادين للعراك وانتهاك الحرمات. إن مدارسهم تشهد حربًا شرسة يصعب أو بالأحرى قد يستحيل إخماد نارها إن لم يتم التدخل السريع. وكما تعرفون أن المؤمن من يتعظ بغيره خصوصا أن ما تشهده مؤسساتنا التعليمية سيؤدي حتما إلى ما تشهده المؤسسـات الغربية التي لا يخفى على أي مطلع ما تعـانيه من تدهور وانحـطاط.

إنها رسالة جادة نرفعها من منبر “التقوى” لكل من له صلة بمهنة التعليم الجليلة كي يرفعها لمن يهمه الأمر لوضع خطة جادة لنجدة مؤسساتنا التعليمية من الخراب وإنقاذ الأجيال المستقبلية مقتدين بقوله : “الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة”. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك