عصمة يوسف عليه السلام.. حولت الخزي والذل إلى العز والشرف
  • تعرض سيدنا يوسف عليه السلام لمصائبه سببا لوصوله لتحقيق النبوءة
  • امرأة العزيز تسعى  لذل يوسف عليه السلام
__
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (يوسف: 27و28)

شرح الكلمـات:

شَهِدَ: شهد المجلسَ شهودًا: حَضَرَه؛ اطّلع عليه؛ عايَنَه. شهد الجمعةَ: أدركها. وشهد على كذا: أخبر به خبرًا قاطعًا. وشهد عند الحاكم لفلان على فلانٍ بكذا شهادة: أدَّى ما عنده من الشهادة (الأقرب)

الصادقين: الصدقُ: نقيضُ الكذب، هو الذي يكون ما في الذهن مطابقًا لما في الخارج (الأقرب). والصدق: مطابقة القول الضميرَ والمخبَرَ عنه معًا، ومتى انخرم (أي سقط) شرط من ذلك لم يكن صدقاً تامًا، بل إما أن يوصَفَ بالصدق، وإما أن يوصف تارةً بالصدق وتارةً بالكذب على نظرين مختلفين (المفردات)

التفسـير:

إنّ ما فعله يوسف هو الذي يليق بمقام عباد الله الأخيار، فإنه رغم كونه مظلومًا لم يبادئ الحديث عمّا حدث بل حاول ستر خطيئة المرأة، ولكنها لما اتهمته بالإثم كذبًا اضطر لبيان الواقع، وأخبر زوجها قائلاً: لم أُفكر أبدًا في الخطيئة وإنما هي التي كانت تحاول إغرائي بها بل وإرغامي عليها.

ثمّ إن الله بنفسه هيّأ ظروفًا برأت ساحة يوسف، حيث قام شاهد من أهلها يشهد لصالحه إذ نبَّه أنه لو كان يوسف هو الذي نوى بها الشر لكان هناك احتمال أكبر أن يتمزق قميصه من الأمام، ولكن قميصه قد تمزَّق من الخلف وهذا دليل واضح أن هذا المسكين كان يريد الفرار منها وأنها هي التي كانت تريد إيقافه ومنعه من الهروب.

كما يجب أن نعلم أن عبارة (إن كيدكن عظيم) ليست قرارًا سماويًا وإنما هي من قول العزيز، وقوله ليس بحجة علينا. لقد تفوّه به غاضبًا، والذين لا يملكون أنفسهم عند الغضب يتفوّهون بمثل هذا الكلام

وحيث إن القرآن لم يذكر من قبل حادثة تمزُّق القميص، يبدو أن هذا الشاهد هو أول من رأى القميص ممزقاً من الخلف، ولكنه لم يصرح بذلك خوفًا من غضب تلك المرأة، وإنما تحدث بأُسلوب وكأنه يبين قاعدة عامة لمعرفة الحقيقة في مثل هذه الظروف.

تذكر المصادر الإسلامية أن اسم المرأة كان “زليخا”، ولكن التوراة لم تذكر لها أي اسم. غير أن التلمود أيضاً ذكر أن اسمها “زليخا” (التلمود، ترجمة بولائيو ص 80). ويبدو أن المسلمين نقلوا هذا الاسم عن هذا المصدر.

فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (يوسف:  29)

التفسـير:

يبدو أن هذا من كلام العزيز. فعندما نبّهه الشاهد إلى فحص القميص ووجده ممزقًا من الخلف أدرك الحقيقة.

قال البعض بأن قوله إن كيدكن عظيم يعني أن النسوة بطبعهن يملن إلى المكر والكيد بوجه خاص.

مما لاشك فيه أن النسوة بسبب تعرضهن للظلم والعدوان مِنَ الرجال عمومًا يَكُنّ أشدَّ مكرًا من الرجال وأمهَرَ منهم في التمويه والتعتيم، ولكن هذه العادة ترجع إلى هضم حقوقهن بأيدي الرجال. ومن أجل ذلك لا نجد هذه العادة في نساء الشعوب أو العائلات التي تؤدَّى فيها حقوق النساء كاملة، بَل نجد على النقيض من ذلك أن الرجال في الأمم المقهورة بأيدي الظالمين يلجأون أيضاً إلى المكر والخداع. فهذه العادة  ليست خاصة بالنسوة فقط، وإنما هي نتاج الظلم وهي قائمة لدى الجنسـين على حد سواء.

كما يجب أن نعلم أن عبارة (إن كيدكن عظيم) ليست قرارًا سماويًا وإنما هي من قول العزيز، وقوله ليس بحجة علينا. لقد تفوّه به غاضبًا، والذين لا يملكون أنفسهم عند الغضب يتفوّهون بمثل هذا الكلام، سواء كانوا من النسوة أو الرجال. إننا نرى دائماً أنَّ كل جنس يرمي الجنس الآخر بشتى النقائص والعيوب. فمن اعتبرها قاعدة عامة أو حقيقة ثابتة فقد ساق دليلاً على جهله وقلة إِدراكه فحسب. إذ لا أحد يقصد من مثل هذه الأقوال أن المخاطَب أوجميع أفراد الجنس الآخر مخطئون. فمن حمل مثل هذه الأفكار الخاطئة عن جنس النساء الذي خرجت منه سيدات فاضلات عظيمات مثل مريم وخديجة وعائشة رضوان الله عليهن، فلا شك أنه لا يهين إلاّ نفسه.

يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (يوسف: 30 )

شرح الكلمات:

أعْرِضْ: أعرضَ عنه أضرب وصّد، وحقيقته جعلُ الهمزة للصيرورة، أي أخذتُ عرضًا أي جانبًا غير الجانب الذي هو فيه (الأقرب). فالمعنى دَعْكَ من هذا ولا تبالِ به.

التفسـير:

هذا أيضا من كلام العزيز، حيث ينصح زوجته من ناحية، ومن ناحية أخرى ينصح يوسف بأن يتغاضى عما حدث ولا يُفشي هذا السر.

وهنا نجد اختلافًا آخر بين ما ورد في القرآن وما ورد في التوراة، فإنها تذكر أن العزيز صدّق زوجته في قولها، وعَدَّ سيدَنا يوسف مجرمًا وغضب عليه. (التكوين 20,19:39). ولكنها سرعان ما تعود لتؤيد القرآن بقولها: فدفع رئيس بيت السجن إلى يد يوسف جميع الأسرى الذين في بيت السجن. وكل ما كانوا يعملون هناك كان هوالعامل (التكوين 22:39).

ونعرف من التوراة أن زوج زليخا وهو العزيز “فوطيفار” نفسه كان يشرف على السجن حيث ورد فيها: “فسخط فرعون على خَصِيَّيه رئيسِ السُقاة ورئيسِ الخبازين، فوضعهما في حبس بيت رئيس الشُرَط في بيت السجن المكانِ الذي كان يوسف محبوسًا فيه. فأقام رئيسُ الشرطِ يوسفَ عندهما”.(التكوين4,2:41) وإنه لمما يتنافى مع العقل أن يكون العزيز قد وجد يوسف يحاول الهجوم على عرضه ومع ذلك يعيّنه مشرفًا على السجن. ثم إنه من غير المعقول أيضًا أن يضع العزيز هؤلاء السجناء الخصوصيين -الذين أمر الملك بسجنهم- تحت رقابة يوسف وهو يعرف أنه عدوه. فتبين من ذلك كله أن العزيز كان على يقين مِن براءة ساحة يوسف من التهمة.

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِين (يوسف: 31)

شرح الكلمات:

العَزيزُ: الشريفُ؛ القويُّ؛ المكرَّمُ؛ وهو من أسماء الله تعالى أي المنيع الذي لا يُنال ولا يُغالَبُ؛ الملِكُ لغلبته على أهل مملكته؛ لقبُ من مَلَكَ مصرَ مع  الإسكندرية (الأقرب).

شَغَفَها: شغَفهُ شَغْفاً: أصاب شَغافَه. شغفهُ حبهُ شغَفاً: علِق بالشَغاف. والشغاف: غلاف القلب؛ وقيل: حجابه؛ وقيل: حبّته؛ وقيل: سُوَيداؤُه. (الأقرب).

ضَلال: الضلال: الهلاكُ؛ الفضيحةُ؛ الباطلُ؛ ضدُّ الهدى (الأقرب). قوله تعالى إنك لفي ضلالك القديم وقوله: إن أبانا لفي ضلال مبين إشارة إلى شغفه بيوسف وشوقه إليه، وكذلك قد شغفها حبًّا إنا لنراها في ضلال مبين (المفردات).

التفسيـر:

(العزيز) كان لقبًا لملوك مصر في ذلك الزمان، ولكن هذه المرأة لم تكن زوجة الملك المصري عندئذ إنما كانت زوجةً لرئيس حراسه. يبدو أن هذه الكلمة كانت تطلق أيضا على أعيان البلد، أو أن النسوة أطلقن هذا اللقب عليها تملقًا لها مثلما يسمّي الخادم سيده ملكاً وغير ذلك من الألقاب. وعندما شاع خبر الحادث بين أقارب العزيز وسمعته بعض النسوة اللاتي كن صديقات لامرأته فيما يبدو، بدأن في نشر الخبر علنًا. ولكنهن ـ بغية التشهير بها ـ أَذَعْنَ الخبر بحيث يتوهم الناس وكأن الغرام بينهما لا يزال مستمرًا. وهكذا قدّمن الحادث بشكلٍ مشوّهٍ يوهم السامع وكأن سيدنا يوسف أيضا كان متورطاً في المعصية.

وأما كلمة (حبّاً) في قوله قد شغفها حبّاً فهي للتمييز، والمعنى: قد شغفها حبه، ومثاله: طاب محمد نفسًا أي طابتْ نفسُ محمدٍ، والمراد: أن حب يوسف قد تمكّن من قلبها أي أنها أَحبَّتْهُ حبًّا شديداً، غير مبالية بالعواقب. فكأَنَّ هؤلاء  النـسوة قمن بهجائها ولكن هجاءً  مليحًا.

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (يوسف: 32)

شرح الكلمـات:

سَمِعَت: سمع بالشيء معناه أنه سمع خبراً كان شائعًا، إذ ورد سمَّع بكذا: شيّعه، وسمّع بالرجل: أذاع عنه عيبًا وندّد به وشهّره وفضحه (الأقرب).

متّكأ: اتكأ: جلس متمكنًا، يقال اتكأ على السرير. اتكأ القوم عند فلان: طَعِموا عنده. قال جميل: فظللنا بنعمة واتكأنا: أي طعمنا. واتكأ على عصاه: تحمّل واعتمد عليها. قال ابن الأثير: والعامة لا تعرف الاتكاء إلاّ الميلَ في القعود معتمداً على أحد الشقَّين، وهو يُستعمل في المعنيين جميعاً، يقال اتكأ إذا أسند ظهره أو جنبه إلى شيء معتمداً عليه. وكلُّ من اعتمد على شيء فقد اتكأ عليه. والمتكأ مجلس يُجلس عليه للاتكاء (الأقرب).

سِكّينًا: السكّين آلة يُذبَحُ بها. السِكِّينةُ السكِّينُ وهي أخصُّ منه. والسِكِّينة: الطمأنينة (الأقرب).

خَرَجَ عليهنّ: خَرج عليه: برز لقتاله. وخرجت الرعية على الوالي: خلعت طاعته، وخرج الوالي على السلطان: تمرّد، وخَرج إلى فلان من دَينه: قضاه إياه (الأقرب).

أكبرنَه: أكبرَه: رآه كبيراً وعظم عنده (الأقرب).

حاشَ لله: حاشَ منه يحيش حيشًا: فزع. ويقال حاشى زيداً من القوم: استثناه. حاشا: ويقال فيها أيضًا حاشَ وحشى. وقال في “الإيضاح”: كلمة استُعملت للاستثناء فيما ينـزه فيه المستثنى عن مشاركة المستثنى منه في حكمه (الأقرب). قال أبو البقاء: حاشَ لله: فاعِلُه مضمرٌ. تقول: حاشَ يوسف بخوف الله. إذا كان (حاشَ) فعل أمر من حاشى يحاشي فالمعنى اتقِ الله أيها المخاطب ولا تتّهم يوسف بهذا، استُبدلت الفتحة بالكسرة (حاشية الجلالين). وقال صاحب “المغني”: الصحيح أنها اسم مرادف للبراءة من كذا، بدليل قراءة بعضهم: حاشاً لله بالتنوين، كما يقال: براءةً لله. وعلى هذا فقراءة ابن مسعـود: حاشَ اللهِ كمعـاذَ اللهِ.

التفسـير:

أي عرفت امرأة العزيز أن النسوة يتحدثنَ عنها بأسلوبٍ يبدو طيبًا ولكنهن في الواقع يَبْغين التشهير بها، حيث يوهمن الناس وكأن الفاحشة قد ارتُكبت فعلاً، رغم إعلان أهلها بأن الأمر ليس كذلك، وأدركت بأنهن يحسبن أن الغرام بينهما لا يزال قائمًا مستمرًا، مع أَن كل ما في الأمر أن بوادر الغرام قد ظهرت من امرأة العزيز، ولكن الأمر لم يتعدّ ذلك. فلكي تزيل “زليخا” هذه الأوهام والشبهات من أذهانهن، دعتهن إلى الطعام. فرتبت الموائد ووضعت سكينًا أمام كل واحدة منهن ـ ويتضح من ذلك أن استخدام السكاكين لتناول الطعام عادة قديمة، مثلما يرتبون اليوم السكاكين على الموائد قبل إحضار الأطباق ـ ثم أمرت امرأة العزيز يوسفَ أن يضع أمامهن الطعام. فلما رأينه أدركن من ملامح وجهه الكريم أنه ليس من صنف البشر الذين يأتون الفواحش. واعترفن بعظمته وطهارته، وبخطأ ظنهن فيه، وببراءته من التورط في الإثم مع المرأة.

وأما قوله تعالى قطّعن أيديهن فيمكن تفسيره بطريقين. الأول: أن ما رأينه من عظيم نبله وشرفه وبراءته بَهَرَهن لدرجة أنهن انهمكن في مشاهدة هذا المحيّا حتى إن بعـضهن جرحن أيديهن بالسـكاكين.

والثاني: أن هذا تعبير عن شدة الحيرة والدهشة بمعنى أنهن قمن بعضّ  أناملهن من روعة المشهد وقلن: كيف خطر لنا أن نظن أن هذا المَلَك الكريم يمكن أن يقترب من الفاحشة. وعض الأنامل يدلّ كذلك على الندم. وقد جاء هنا بكلمة (أيدي) بدل (أنامل) بحسب عادتهم في ذكر الكل مكان البعض.

ولقد ورد في التلمود  أنها وضعت أمامهن البرتقال، وأمرت يوسف بالقيام بخدمتهن، فانهمكن في رؤية وجهه الجميل منبهراتٍ فجرحن أيديهن.

أما الجملة (إنْ هذا إلاّ ملَك كريم) فتعني أنهن عندما رأينه أقررن بعظمته وورعه، ولم يلبثن أن قلن إنه ملَك كريم. وهذا يعني أنه يمكن إطـلاق كلـمة “المَلَك” على البـشر مجازًا.

والغريب أن المفسرين يقولون بأن يوسف مال إلى ارتكاب المعصية ولكن المرأة التي كانت محور الحادث والتي رأت في رفضه لرغبتها إهانة لها، نجدها تعلن أنه لم يقع في مكيدتها بالرغم من محاولتها المضنية، بل استعصم وسلِم.

قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِين   (يوسف: 33)

شرح الكلمات:

استعصمَ: امتنعَ وأبى، تقول: دُعيَ إلى مكروه فاستعصم أي أبى وطَلَب العصمة. واستعصم: تحرَّى ما يعصمه. واستعصم به: استمسك به ولزمه. واستعصم من الشر والمكروه: التجأ (الأقرب).

لَيَكُونًا: أصلُه لَيَكُوْنَنْ.

الصاغرين: صغُر: ضدُّ عظُم؛ هان بالذل. وصغُرت الشمس مالت للغروب. صغِر القومَ: كان أصغرَهم. الصاغرُ: المهان الراضي بالذل والضيم، جمعـه الصاغرون (الأقرب).

التفسـير:

لقد ذكرنا من قبل أن النسوة تحدثن بأسلوب يوهم بأن الفاحشة قد ارتُكبت فعلاً. ودفعًا لهذا الوهم قامت امرأة العزيز بدعوتهن إلى الوليمة. والظاهر أن هذه الفعلة يستحيل ارتكابها  ما لم يرض بها الرجل، فلذا عرَّفت هذه المرأة صديقاتها بيوسف    ليعترفن بأفواههن بأنه أسمى من الوقوع في هذه الرذيلة. ثم بيّنت لهن واقع الأمر قائلةً: لقد حاولت إيقاعه في شَرَكي ولكنه امتنع عما أريد منه. وكما هو بادٍ من حديثها فإنهن كنّ صديقات سوء، ولذلك بعد أن برّأت ساحته من الفاحشة أكدت لهن نيتها الشريرة نحوه قائلة: إنه إذا لم يخضع لرغبتي فسوف أرغمـه على السـجن وأذيقـه الخـزي والهـوان.

والغريب أن المفسرين يقولون بأن يوسف مال إلى ارتكاب المعصية ولكن المرأة التي كانت محور الحادث والتي رأت في رفضه لرغبتها إهانة لها، نجدها تعلن أنه لم يقع في مكيدتها بالرغم من محاولتها المضنية، بل استعصم وسلِم.

ومن عجائب القدر أن المرأة هددته بالذل والهوان بإلقائه في غياهب السجن، ولكن السجن نفسه أصبح سببًا في عزة يوسف وشرفه، إذ جعله الله تعالى من خلال دخوله السجن مقربًا للملك، ووزيرًا للمال. وهكذا تحقق ما هددته به، كما أنجز الله وعده معه، ليبين أن كل شيء في قبضته وقدرته، فلو شاء لخَلَقَ من أسباب الخزي والذل دواعيَ العز والشـرف.

Share via
تابعونا على الفايس بوك