الاتصالات الرقمية
  • التلفاز لا يستطيع أن يرسل أو يستقبل أكثر من بضع قنوات على نفس القمر
  • عالم الرقميات كأنبوب الماء المتدفق لا ينقطع أبدا

__

Digital communications

ظهرت الثورة الرقمية في علم الاتصالات في النصف الأخير من القرن المنصرم فأحدثت تغيرا هائلا في كل ما يخص الاتصالات من حيث حجم الأجهزة والأسعار وأنواع وجودة الخدمات التي تقدمها هذه التقنية الحديثة. وإن انتشار وتطور هذه التقنية كان سريعاً ولم يكن له مثيل من قبل في التاريخ ولم يحلم به أحد أو يتوقعه حتى من المتخصصين؛ فمن كان يتوقع أن يأتي يومٌ تستطيع به أن تكلم وترى أي شخصٍ في أي مكان في العالم وأن ترسل له رسائل نصية وغيرها.

أقدم في هذا المقال فكرة مبسطة لغير المتخصصين عن تقنية الاتصالات الرقمية الحديثة.

لمعرفة الفرق بين نظم الاتصـلات القديمـة (التناظرية) والنظم الرقمية لا بد من معرفة بعض الأمور التي قد لا يلاحظها غير المتخصص؛ ففي النظم القديمة لم يكن من الممكن إرسال واستقبال الصوت والصورة بجهاز محمول صغير مثل الذي في أيدينا الآن ولم يكن من الممكن أن نرى صورة بجودة صورة جهاز التلفاز عالي الجودة بالإضافة إلى الخدمات الأخرى التي تقدمها محطات الإرسال بخلاف خدمة بث قنوات التليفزيون. ولم يكن من الممكن أيضا إرسال أكثر من قناة تلفزيونية على محطة الإرسال نفسها التي يمكن أن نرسل عليها 7 قنوات تستطيع أن تستقبلها بجهاز المستقبل الرقمي عالي الجودة. وفي الإذاعات الرقمية ترسل محطة الإرسال أكثر من برنامج بالإضافة إلى البيانات التي يستقبلها جهاز الإستقبال الإذاعي الرقمي على شاشة صغيرة. وكذلك لم يكن من الممكن أن نرى أجهزة أو برامج تشغيل الموسيقى المتعددة التي يمكنك وضعها في جيبك الصغير وتستمع بسماعة أذن صغيرة إلى الملايين من المقاطع الصوتية. لم يكن من الممكن أن ترى هذا العدد الهائل من القنوات الفضائية على القمر الصناعي بعد أن كان عددها قليلا على القمر التناظري  القديم. الثورة الرقمية جعلتنا نرى القنوات التلفزيونية والإذاعية وكل هذه  المنوعات الموجودة على الشبكة العنكبوتية (الانترنت). ظهرت أيضا الأسطوانات المضغوطة (CD و DVD) التي تمكننا من تخزين مقدارٍ هائل من البيانات. هناك الكثير من الأمثلة والتي لا يسعنا ذكرها ونكتفي بهذا القدر من الأمثلة لنبدأ في عرض فكرة بسيطة عن هذا العالم الخفي العجيب.

بداية يجب أن نحاول أن نفهم ما هي الإشارة التناظرية وما هي الإشارة الرقمية ليسهل علينا فهم ما سيأتي بعد ذلك. الإشارة التناظرية هي إشارة كهربية متواصلة غير متقطعة وتجد لها قيمة أو وجودا في أي لحظة زمنية مثل تيار الماء الذي يمر في أنبوب. أما الإشارة الرقمية فهي مجموعة من الأصفار(0) و الواحد (1) وهي إشارة متقطعة غير متصلة.  يمكن تخيلها مصباحا فإما أن يكون مطفأ أو مضاء. ويعبر عن هاتين الحالتين بطريقة خاصة في الدوائر الالكترونية فيمثَّل الواحد بفولتاج قدره 5 والصفر بـ 2/1 أو أقل.

في النظم التناظرية نتعامل مع الإشارة في حالتها الأصلية دون تحويلها إلى عالم الرقميات. هذه الإشارة قد تكون صوتا حوِّلَ من موجات صوتية في الهواء إلى إشارة كهربية بواسطة الميكروفون، أو تكون صورة التُقطت بكاميرا عادية (تناظرية) وحولتها لإشارة كهربية. وقد تكون بيانات مخزنة أو أدخلت لنظام الاتصالات بواسطة أي وسيلة كتابة أو بإدخال بيانات عن طريق لوحة المفاتيح. هذه الإشارة الكهربية التي حصلنا عليها تمر بمراحل تكبير وعمليات أخري معقدة لا داعي للخوض فيها، لكن ما يجب أن نلاحظه هو أننا لا نستطيع أن نجري عمليات كثيرة أخرى كالتي يمكننا إجراؤها في حالة الإشارة الرقمية كما سيأتي ذكره. هذه الإشارة –التناظرية- تتطلب حيزا تردديا كبيرا بالمقارنة بالرقمية، فمثلا الإشارة الصوتية حيزها الترددي نحو 10 كيلوهرتز، والصورة نحو 6 ميجا هرتز. هذه الإشارة تتعرض أثناء إرسالها عبر وسائط التراسل -أيا كان نوع هذه الوسائط؛ الهواء أو الأسلاك مثلا – إلى مؤثرات كثيرة تضعف من قوة هذه الإشارة وتضيف إليها تشويشاً أو إشارات غير مرغوب فيها. عند تكبير هذه الإشارة الضعيفة والمعرضة للتشويش عند استقبالها لا يمكننا استرجاعها كالإشارة الأصلية بنفس الجودة التي كانت عليها، حيث إننا لا نستطيع في معظم الحالات فصل الإشارة الأصلية عن التشويش غير المرغوب فيه.

أما في حالة النظم الرقمية فالإشارة قد تكون أساسا في صورة رقمية وبالتالي يتم التعامل معها كما هي دون تغير. وقد تكون في صورة تناظرية وفي هذه الحالة يتم تحويلها إلى عالم الرقميات بواسطة مبدل أو محول يقوم بتحويل الإشارة التناظرية إلى  نبضات متقطعة تحوَّل إلى رقميات مؤلفة من مجموعة من صفر وواحد (مثلا 11100010).

بهذه الصورة من الأرقام تُشفَّر المعلومات بحيث تكون لكل معلومة شفرة وحيدة تميزها عن المعـلومـات الأخرى. وعليه يمكن تحويل أية معلومة إلي بيانات تماثل الشكل المذكور. ونعطي مثالا توضيحياً؛ يمكن أن نعطي الحرف “أ” الشفرة (11100110) فتقوم الدوائر الالكترونية بالتعامل مع هذه الشفرة الوحيدة لهذا الحرف فقط لا تستخدمها أي من المعلومات الأخرى. وعندما نريد أن نجعلها مرئية للإنسان ترسل هذه الشفرة إلى الشاشة وتترجمها وتفك شفرتها إلى حرف ” أ “.

من الميزات المهمة لهذا النوع من النظم أنها تمكننا من إجراء عمليات كان من المستحيل تطبيقها على الإشارة التناظرية كإمكانية استرجاع الإشارة الرقمية الأصلية دون تشويش فتكون جودة الصورة عالية جدا، ويمكننا أيضا إضافة تعديلات ومعالجات خاصة لم تكن باستطاعتنا في حالة النظم القديمة ومنها الضغط الرقمي للصوت والصورة؛ فبعد أن كانت ملفات الفديو تتطلب 6 ميجا هيرتز في الحالة التناظرية أصبح الآن هناك أنظمة فيديو رقمية تعمل بمعدل 10 كيلوبت لكل ثانية وهذا فرق هائل قد يصل إلى ألف ضعف. وهذا ما نراه بين أيدينا على جهاز الجوال أو المحمول ومشغلات الموسيقى الشهيرة وهذا كان مستحيلا في عصر النظم التناظرية.

Share via
تابعونا على الفايس بوك