الأقمار الصناعية والاتصالات الرقمية

الأقمار الصناعية والاتصالات الرقمية

عبد الرحمن سليم

  • عالم القرية الواحدة
  • الأقمار الصناعية
  • إطلاق الأقمار الصناعية
  • الاتصالات عبر الأقمار الصناعية

__

Satellite and digital communication

لا يخفى على أحد ثورة الاتصالات الحديثة التى لا يعرف مثيل لها في التاريخ، ولها من الفضل على البشرية الكثير والفضل لله. الاتصالات الحديثة جعلت من الكرة الأرضية قرية صغيرة ولا نبالغ إذا قلنا حجرة. فنحن الآن يمكننا أن نسمع ونرى من نكلمه من أي مكان في العالم وكأنه يجلس بجوارنا، وكمية المعلومات التي تنقل وتخزن هائلة. حدث كل هذا خلال مدة قصيرة، مقارنة بعمر البشر، أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين وبدايات القرن الحالي، أي مائة وعشرين عامًا تقريبا. وسنحاول في هذا المقال أن نقترب من هذا العالم السحري لعلنا نستطيع أن نميط اللثام عن بعض خفاياه لغير المتخصصين.

يمكننا القول إن الفضل في هذا التقدم الهائل في الاتصالات الحديثة يعود الى التقدم في تقنيات تصنيع الأقمار الصناعية والاتصالات الرقمية والأبحاث المتقدمة المتعلقة بهما والتي أنعم الله بها على البشر.

الأقمار الصناعية

بدأ إطلاق الأقمار الصناعية في النصف الأخير من القرن العشرين ومنذ ذلك الحين يرى العالم ثورة حقيقية فى مجال الاتصالات. من المعلوم أن محطات الإرسال الأرضية أو الاتصالات السلكية تحدها المسافات وتضعف الإشارة التي تبثها هذه المحطات بعد مسافات محدودة ويمكننا القول إنه من المستحيل أن نغطي الكرة الأرضية بواسطة وسائل الإرسال الأرضية أيًا كان نوعها؛ لكن هذا يمكن أن يتم باستخدام ثلاثة أقمار صناعية كل واحد منها يغطي ثلث الكرة الأرضية.

إطلاق الأقمار الصناعية

إن أقمار الاتصالات – وهي تختلف بعض الشيء عن أقمار التجسس والاستشعار- يتم اطلاقها باستخدام الصواريخ الفضائية والتى تترك القمر الصناعي في مدار قريب إلى حدٍّ ما من الأرض وذلك بعد الهروب من الجاذبية الأرضية والغلاف الجوي. هذا المدار يلتقي فى نقطة معينة مع المدار الثابت (النهائي والمرجو) حول الأرض ويسمى بالإنجليزية Geostationary orbit. وأهمية هذا المدار الذي يبعد عن الأرض 36000 كيلومترًا، أن أي جسم يوضع فيه يظل على الدوام ثابتًا بالنسبة للناظر إليه من الأرض؛ وفي حال وُضع قمر إرسال فيه فإنك تظل تستقبل منه داخل المنطقة التي يغطيها ما لم ينته عمره الافتراضي.

أما الأقمار في المدارات الأخرى مثل أقمار التجسس والاستشعار عن بعد فأنت تراها (تستقبلها بلغة الاتصالات) في وقت معين ومكان معين ولكن ليس على الدوام.

نعود الى المدار القريب الذي فيه قمرنا الآن. كيف ينطلق القمر من هذا المدار إلى المدار الثابت الذي يتقاطع معه فى نقطة محددة؟

للإجابة على هذا التساؤل لابد أن نعرف أن الأقمار الصناعية تزود بصواريخ صغيرة تعمل على تحريك القمر في الاتجاهات الستة (الأعلى والأسفل واليمين واليسار والأمام والخلف). ومن الجدير بالذكر هنا أن القمر يتحرك مسافات بسيطة جدا أثناء وجوده في مداره الدائم (الثابت) وتستخدم هذه الصواريخ لاستعادة الوضع الأصلي، وتسمى هذه العملية بالمناورة وتتم كل خمسة عشر يومًا. وحينما ينتهي وقود هذه الصواريخ ينتهي عندها العمر الافتراضي للقمر ولهذا يُحدد العمر الافتراضي لأي قمر بمعرفة كمية الوقود فيه ومعدل استهلاكه له.

حتى الآن قمرنا مازال فى مداره القريب ولا يمكن استخدامه فى الاتصالات العادية، فقط يُتحكم فيه عن طريق المحطات الخاصة بذلك. خلال أسبوع تقريبا تُنتهز فرصة التقاء المدار القريب الذي فيه القمر مع المدار الثابت فتستخدم الصواريخ لينطلق بسلام من مداره إلى المدار الثابت. هذه اللحظة هي أهم لحظة في حياة القمر حيث يستخدم في عملية الانطلاق هذه نحو نصف الوقود الموجود في صواريخه التوجيهية، وإذا فشلت فقد فشلت عملية الإطلاق تقريبا إذ الوقود المتبقي لن يكفي لعمر طويل وإن نجحت محاولة ثانية لوضعه في مداره الثابت، ولن يغدو اقتصاديا في هذه الحالة.

بعد نجاح عملية وضع القمر فى مداره الثابت يستخدم في الاتصالات بعد بعض العمليات الخاصة بالتحكم وتثبيته في المكان المحدد ليغطي المساحة المقصودة من الإرسال.

الاتصالات عبر الأقمار الصناعية

الأجيال القديمة من أقمار الاتصالات تستخدم نظم الاتصالات التناظرية التي لا تتسع لقنوات تلفزيونية كثيرة –قرابةَ 24 قناة تليفزيونية تناظرية- أما الأقمار الحديثة التي تستخدم الاتصالات الرقمية -سنخصص لها مقالا آخر- يمكنها بث عدد كبير جداً من القنوات تصل إلى أكثر من 200 قناة.

بعد عمليات تقنية خاصة تُرسل القنوات والمعلومات إلى القمر عن طريق محطات أرضية بتردد يختلف عن التردد الذي يبثه القمر إلى الأرض كي لا يحدث تداخل بين الإشارة الصاعدة إلى القمر وتلك النازلة إلى الأرض.

وما وظيفة القمر إلا استقبال المعلومات من المحطات الأرضية ثم إعادة تحميلها بتردد آخر ثم إرسالها إلى الأرض لتُستقبل بأطباق الاستقبال التي يعرفها الجميع ونراها فوق أسطح المنازل.

لكل قمر درجة فى مداره بالنسبة لمن ينظر إليه من الأرض، ما بين صفر إلى مائة وثمانين درجة، ويُضبط الطبق وفق زاوية القمر المراد استقبال إشارات بثه. بعد ذلك تُكبَّرُ هذه الإشارات الضعيفة بطبيعة الحال بمكبر معين في صندوق صغير يركّب على طبق الاستقبال يسمى LNB، وأهمية المكبر هذا أن الإشارة وإن استقبلت فهي لا تحتمل السير المباشر في سلك النقل. تصل بعدها الإشارة بسلك النقل إلى جهاز المستقبل داخل المنـزل الذي يفك رموزها محولاً الإشارة إلى صوت أو صورة لتسمع وترى وتخزن.

Share via
تابعونا على الفايس بوك