ضيف خفيف الظل
  • حساب النفس مع رحيل شهر رمضان
  • التأسي بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

__

شهر رمضان شهر الجود والعطاء شهر البذل والسخاء، شهر تغمر فيه الرحمة قلوب المؤمنين، وتجود فيه بالعطاء أيدي المحسنين. شهر ليس كمثله شهر. فها هو قد تصرمت أيامه، فحق لنا أن نحزن على فراقه ونذرف الدموع ونحن على عتبة وداعه.

وكيف لا نحزن على فراقه، ونحن لا ندري هل ندركه العام المقبل أم لا؟ كيف لا تسيل دموعنا على رحيله، ونحن لا ندري هل سُجل لنا فيه عمل صالح أم لا؟ وهل ازددنا فيه قربًا من رب العزة أم بُعدا؟

يمضى رمضان بعد أن أحسن فيه أفراد وأساء فيه آخرون، يمضى وهو شاهد لنا أو علينا. شاهد للمخلص بصيامه وقيامه وبره وإحسانه، وشاهد على المقصر بغفلته وإعراضه ونسيانه.رمضان سوق قام ثم رحل.. ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر. فكم سجد فيه من ساجد؟ وكم ذكر فيه من ذاكر؟ وكم قام فيه من قائم؟ وكم فرّط فيه من مفرِّط؟ وكم عصى فيه من عاص؟

ارتحل شهر الصيام والقيام، فما أسعد نفوس زمرة الفائزين، وما ألذ عيش التائبين المخلصين، وما أذل نفوس العصاة المذنبين، وما أقبح حال المسيئين المفرطين.

لابد لكلٍّ منا أن يقف وقفة محاسبة جادة ينظر فيها ماذا قدم في هذا الشهر الفضيل من أعمال. فمن كان محسنًا فليحمد الله وليزدد إحسانا وليسأل الله الثبات والقبول والغفران، ومن كان مقصرًا فليتب إلى مولاه قبل حلول الأجل.  تذكر وأنت تودع هذا الشهر الفضيل سرعة مرور الأيام وانقضاء الأعوام فإن في مرورها وسرعتها عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين. بالأمس القريب كنا نتلقى التهاني بقدومه ونسأل الله بلوغه، واليوم نودعه بكل أسىً ونتلقى التعازي برحيله. فما أسرع مرور الليالي والأيام، وركض الشهور والأعوام.

بالأمس القريب كنا نتلقى التهاني بقدومه ونسأل الله بلوغه، واليوم نودعه بكل أسىً ونتلقى التعازي برحيله. فما أسرع مرور الليالي والأيام، وركض الشهور والأعوام.

والعمر فرصة لا تمنح للإنسان إلا مرة واحدة، فإذا ما ذهبت هيهات أن تعود، فاغتنم أيام عمرك قبل فوات الأوان ما دمت في زمن الإمكان، قال عمر بن عبد العزيز: “إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما”. فهذه الحكمة تشير طبعا إلى العمل الصالح النابع من أخلاق المرء. فإذا استطلعنا في عالم أخلاقِ مَن كان خلقه القرآن نحد في وصف ابن عباس لحاله في شهر رمضان أروع مثل حيث ذكر أنه : “أجودُ بالخير من الريح المرسلة”. وما أحوجنا إلى أن نتلمس هديه وأخلاقه في كل وقت وفي هذا الشهر على وجه الخصوص، فقد كان الجود أعظم أخلاقه، وكان متصفا بجميع أنواعه، من الجود بالعلم والجود بالمال والجود بالنفس في سبيل الله تعالى.

والآن نتطرق إلى السؤال الذى يطرح نفسه في هذا المقام: ماذا بعد رمضان؟ أي ماذا سيحدث لحال الكثير من المسلمين عما كانوا عليه في شهر رمضان من صيام وقيام وذكر وتلاوة القرآن إلى هجر ذلك كله، والعودة إلى الغفلة واللهو، حتى غدا هذا الأمر ظاهرة بارزة في الشارع الإسلامي. فبينما ترى المساجد في رمضان مكتظة بالمصلين، إذا بها بعد رمضان تئن من الهجر وتشكو الفراق والبعاد إلا من النـزر اليسير.

فلنحرص على المدوامة على الأعمال الصالحة التي تعوَّدْنا عليها في هذا الشهر الفضيل، فإنّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّت. وإذا كنا قد ودعنا شهر رمضان، فإن المؤمن لن يودّع الطاعة والعبادة. أما أولئك الذين يهجرون المساجد والطاعات مع مطلع العيد، فبئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.

فلنجعل من نسمات رمضان المشرقة مفتاح خير لسائر العام، ولنستقم على طاعة الله ولنداوم على العمل الصالح. نسألك اللهم الدوام والثبات على هذا حتى الممات.

Share via
تابعونا على الفايس بوك