معاناة إنسانية من جراء نظم إقتصادية
  • الفشل، مآل النظام الرأسمالي.
  • لسلبية  الرأسمالية على القيم الخلقية والمجتمعية.
  • إيجاد حلول للمشاكل استناداً على هدي القرآن الكريم.
  • حماية أجيال المستقبل من الأخطار المحدقة.

__

لا شك أن  كل شقاء تعاني منه الإنسانية ليس وليد الكوارث الطبيعية. فالفقر والجوع والتشرد جلُّها نتاج سلوكيات بشرية ظالمة، أساسها علاقات مادية فاسدة خالية من مفهوم تحسين مستوى حياة الناس بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية. ويزخر التاريخ بمآس وصراعات كان الحافز فيها الاستحواذ على الثروة والسلطة. وعلى هذا الأساس تسابقت كثير من الأمم والشعوب لامتلاك أكبر نصيب من الأسلحة والعتاد سعيا منها إلى تبوء مقعد الزعامة للسيطرة على مصير الآخرين والتحكم ظلما وعدوانا في حاجياتهم الأساسية التي هي حق مشروع كفله الخالق للبشرية جمعاء على حد سواء.

وفي عالمنا المعاصر كان للاهتمام بالاقتصاد ونظرياته حيّزٌ كبير من اهتمامات الإنسان الحديث الذي أخذت المادة لُباب عقله. وهكذا استهوته ودفعت به إلى أقصى مدارج الصراع الذي نجم عنه تقسيم العالم إلى كتل متناحرة.

فبالرغم من تجربة العالم للنظريتين الشيوعية والرأسمالية اللتين  أثبتتا فشلهما وعجزهما في تحقيق الحلم بالسعادة والرخاء والسلام وتمكين قيم التكافل والتعاضد. ولدى سقوط الشيوعية خلال العقد المنصرم بدا واضحا أن بوادر سقوط النظام الرأسمالي قد اقتربت، بالرغم ما تعرضه من مزاعم النصر والغلبة لنظريته. فسقوط مثل هذه النُّظم الاقتصادية العالمية أمر محتوم وخاتمة طبيعية لأنها تخالف قوانين العدل الإلهي. فكل مُطلع يعرف مدى السلبيات الاجتماعية والثقافية الهدامة التي تشهدها الدول الرأسمالية العظمى. وهذا أمر مثير للجدل للذين ترسم لهم مخيلتهم الساذجة أن دنيا الغرب الرأسمالي حديقة بهجاء، بينما الواقع يختلف تماما. فعلى مستوى القيم الاجتماعية النبيلة كالترابط الأسري ومفهوم الزواج والتربية والحياء والعفاف  – فحدث ولا حرج – حيث يطغى عليها الفشل والانتكاس. وقمة حلقة الانحطاط يتراءى في اكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء.. ولم تتوقف النكسة إلى هذا الحد بل إن قوانين كثير من البلدان اعترفت بحق زواجهم، وأصبح الرجل يتزوج بالرجال والمرأة بالمرأة تحت ظل القانون!!

إن طغيان المادية الرأسمالية الفاسدة أسهم في انتشار موجة الإلحاد وفقدان الشعور الديني كوجود الله والحياة بعد الموت. فبالرغم من مزاعم التقدم المنسوب للبلاد الرأسمالية وإنجازاتها العظيمة فإن نسبة كبيرة من سكان العالم النامي لا زالوا يعانون يوميا من الجوع ونسبة أكبر منها محرومة من المياه الصالحة للشرب. فالآلاف المؤلفة يموتون من سوء التغذية والجوع سنويا. كل هذا يحدث في الوقت الذي تقوم به القوى الصناعية الرأسمالية الكبرى بإتلاف القناطير المقنطرة من منتجاتها الغذائية والتخلص منها خوفا من تضخم الإنتاج وركوده وبالتالي انخفاض الأسعار!! إنها وبدون أي شك وصمة عار على حضارة الرأسمالية التي لا حسَّ أخلاقي فيها.

ولا شك أن النظرة الجادة في تعاليم الدين الحنيف بنزاهة وموضوعية تكشف لنا الحل الناجع لمشاكل الإنسان على مر العصور وفي جميع الحالات وفيها الضمان للرقي المادي والروحي. وليس هذا الأمر ادعاءً واهيا كما أوهمت النظريات الاقتصادية شعوب الأرض، بل حقيقة أكيدة كون النظام الاقتصادي ليس وليد فكر الإنسان بل خُطَّ بقلم الوحي الرباني.

فعندما يُهمِّش الإنسان الجانب الأخلاقي والعقائدي يصير عبدا لنـزواته المادية ويحل الشقاء والفساد في حياته حيث قال تعالى

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (طه 125).

 فحيثما وجهنا وجوهنا في العالم اليوم وجدناه فاقدا للسلام والسكينة. فالشعوب الرأسمالية التي تدعي الزعامة وتصنع من ثقافتها نموذجا يجب أن يحتذى به، تنخرها الجرائم والعنصرية والانتحارات والانحرافات الأخلاقية وغيرها الكثير من حالات فقدان السلام الاجتماعي أو بحسب التعليم القرآني الفصيح

مَعِيشَةً ضَنكا .

لقد خلق الله الإنسان ومنحه من الخيرات بما فيه الكفاية لمأكله ومشربه وملبسه. من خلال أول شريعة  أرساها

إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (طه 19 و120)..

فلا احتكار ولا استغلال ولا استعباد إذا إن ضرورات ومستلزمات الحياة حق للجميع. وفي هذا التصريح القرآني إشارة جلية إلى الحضارة المدنية القائمة على ضمان ثلاث عناصر أساسية للإنسان من مأكل وملبس ومسكن.

إن معاناة البشرية اليوم تكمن في غياب هذه المقومات نتيجة علاقات ظالمة ونظُم اقتصادية غير عادلة، ولكشف مدى هذا الخلل يجدر بنا الإشارة إلى أن ثمانين بالمائة من الموارد الطبيعية للعالم تقع تحت سيطرة وهيمنة عشرين بالمائة من سكان العالم!! وتستمر هذه الحقائق وتفرض نفسها كحقيقة في عالم مادي سيطرت عليه القوى الرأسمالية وأجبرته على الخضوع كي يزداد فيها المتقدم تقدما والمتأخر تقهقرا وتخلفا.

وآخر ما قام به حضرته في هذا المضمار توجيه رسالة إلى بابا الفاتيكان، عرض فيها محاسن الإسلام ومقوماته الإنسانية التي فيها الصلاحيات لإحلال الأمن والسلام في العالم، وبيَّـن الأخطار المحدقة بالأجيال المستقبلية.

عزيزي القارئ إن الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها الساحة العالمية اليوم تنذر بخطر كبير. وفتيل حرب عالمية ثالثة ينتظر من يشعل شرارتها الأولى. وبالتالي فإن مستقبل الإنسانية مهدد اليوم لأن القوى العظمى لديها ذخائر الدمار الشامل، وإن استُعمل جزء منها فسيحدث من الخسائر البشرية والأضرار للأجيال المستقبلية ما لا يمكن حصره ولا تصوره.

ولم تتأخر الجماعة الإسلامية الأحمدية بتوجيه من إمامها أعزه الله عن توعية ونصح الرأي العام وكل من في أيديهم زمام اتخاذ القرارات السياسية. وآخر ما قام به حضرته في هذا المضمار توجيه رسالة إلى بابا الفاتيكان، عرض فيها محاسن الإسلام ومقوماته الإنسانية التي فيها الحلول لإحلال الأمن والسلام في العالم، وبيَّـن الأخطار المحدقة بالأجيال المستقبلية. عزيزي القارئ تجد داخل هذا العدد نص الرسالة التي ندعو الله أن تنير بصائر كل من يقرأها  كي يحفظ عز وجل الأرض ومن عليها.

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك