الفتنة اشد من القتل ردا على فيلم الفتنة لخيرات فيلدرز

الفتنة اشد من القتل ردا على فيلم الفتنة لخيرات فيلدرز

أيمن عودة

طبيب، باحث، كاتب وشاعر
  • الفئات المشروع قتالها  وفق التعاليم القرآنية. وفق التعاليم القرآنية.
  • تقويم تفاسير الآيات الواردة بفيلم الفتنة.
  • أسس التعامل مع غير المسلمين وفق التعاليم القرآنية.
  • الإسلام حافظ لجميع الحريات الدينية.

__

الإسلام لا يدعو لمحاربة غير المسلمين وقتلهم

لا شك أن القرآن الكريم يحوي بعض الآيات التي تحث المسلمين على القتال، ولكن على النقيض مما يدّعيه فيلدرز وأعداء الإسلام، فليس المقصود بها قتال جميع غير المسلمين، بل لا يأمر الإسلام إلا بقتال الفئات التالية:

– المحاربون والمعتدون الذين يبدأون بالقتال ضد المسلمين.

– ناقِضو العهود من المشركين، الذين لم يلتزموا بالمواثيق والمعاهدات التي أبرموها مع المسلمين، والتي هي بالأخص معاهدات لضمان العيش السلمي مع المسلمين.

– المجرمون ومغتصبو الحريات الفردية لا سيما حرية العقيدة والدين.

والهدف الأساس من هذا القتال المشروع في القرآن الكريم هو الدفاع عن النفس ضد المعتدين الذين يريدون سلب الحرية الدينية من المسلمين.

إن هذا المفهوم للجهاد الإسلامي، من الممكن أن يفهمه أي شخص يقرأ الآيات القرآنية المتعلقة بالقتال، من خلال سياقها في النص الذي وردت فيه؛ ومن دون هذه القراءة السياقية يتعذر فهم هذه الآيات بشكل صحيح.

ما يقوم به فيلدرز في فيلم «الفتنة» هو عرض بعض الآيات القرآنية منزوعة من سياقها ليوهم العالم بأن القصد منها محاربة جميع غير المسلمين؛ ولذلك نشدد هنا مرة أخرى أنه لفهم هذه الآيات لا بد من عرضها وقراءتها في سياقها وهذا المبدأ لا بد من تطبيقه على كل آيات القرآن الكريم

ما يقوم به فيلدرز في فيلم “الفتنة” هو عرض بعض الآيات القرآنية منزوعة من سياقها ليوهم العالم بأن القصد منها محاربة جميع غير المسلمين؛ ولذلك نشدد هنا مرة أخرى أنه لفهم هذه الآيات لا بد من عرضها وقراءتها في سياقها وهذا المبدأ لا بد من تطبيقه على كل آيات القرآن الكريم وليس فقط الآيات المتعلقة بالقتال.

وعند قراءة آيات القتال بسياقها يتضح لنا أمران هامان:

أولا: إنها تدعو إلى مقاتلة فرقة محدودة جدا من الكفار، وهم المعتدون البادئون بالقتال والناقضون للعهود التي أبرموها مع الرسول .

ثانيا: إن في سياق هذه الآيات نفسها، يؤكد الله عز وجل وجوب مسالمة هؤلاء الكفار إذا توقفوا عن الحرب.

ولكي نثبت أن آيات القتال لم يُقصد بها محاربة جميع من لا ينتسب للإسلام، نكتفي هنا بعرض الآيات التي أوردها فيلدرز في فيلم “الفتنة”، ولكن في سياقها ومع تفسيرها الصحيح وفق ما يظهر من هذا السياق:

الآيـة الأولى

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لله

جاءت هذه الآية في سورة البقرة وفق السياق التالي:

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ  كَذَ‌ٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ* فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ* وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لله فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِين* الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ (البقرة 191-195)

هذه الآيات بسياقها تؤكد في المقاطع المشددة باللون الأخضر ما يلي:

– مقاتلة المعتدين البادئين بالقتال فقط وليس جميع الكفار.

– توجب على المسلمين عدم البدء بالعدوان.

– توجب على المسلمين إنهاء القتال إذا انتهى المعتدون عن عدوانهم.

ووردت هذه الآية في سورة الأنفال حسب السياق التالي:

قُل للَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِين * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الأنفال 39- 40)

 يبدأ الحديث في هذا السياق عن الكفار المقاتلين، بدلالة الكلمات “إن ينتهوا” و ” فإن انتهوا”،  أي ينتهوا من القتال، والحديث في السياق كله بعدها، عن هذه الفئة من الكفار وليس جميع الكفار.

ومن الجدير ذكره هنا أن معنى “ويكون الدين كله لله” أي أن يكون الحكم على الانتماء الديني فقط بيد الله عز وجل، بحيث لا يُقتل أو يُعاقب أي شخص بسبب انتمائه الديني، فلا المسلمون ولا غيرهم يملكون الحق لإرغام أحد على تغيير دينه، أو على قتله بسبب انتمائه الديني، لذلك فالهدف من قتال الكفار المذكور في هذا السياق هو حفظ الحرية الدينية والدفاع عنها.

الآية الثانيـة

فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ

وردت هذه الآية في السياق التالي من سورة النساء:

فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَالله أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ الله وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا*  وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ الله فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ الله لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا*  سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ * وَأُولَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا   (النساء 89-92)

المقاطع الملوّنة بالأحمر من هذه الآيات تدل على أن القتال المقصود في هذه الآيات موجه فقط ضد المنافقين إذا تولّوا، أي ارتدوا وأصبحوا من المفسدين المقاتلين ضد المسلمين، فالحديث هنا واضح وليس عن غير المسلمين بمجملهم، بل تبدأ هذه الآيات بالحديث عن المنافقين ثم تأمر بقتلهم في حال واحد فقط، إذا تولوا أي ارتدوا وقاتلوا المسلمين، حيث إنه من المعروف في الإسلام أن لا عقوبة للمنافقين لمجرد نفاقهم، فالمنافقون كانوا معروفين زمن النبي محمد ، إلا أنه لم يأمر بقتلهم، فهذه الآيات تتحدث فقط عمن يتمادى في نفاقه ويرتد لمحاربة المسلمين، لذلك فالقتال هنا بسبب الحرب والعداء الذي يبديه هؤلاء المنافقون وليس النفاق بعينه.

ومن بين هؤلاء المنافقين المتذبذبين والمتآمرين من يميلون إلى المسلمين تارة وإلى قومهم تارة أخرى وهم يكنّون العداء للمسلمين، كما جاء وصفهم في هذه الآيات:

سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ ،

فهذه الآيات تأمر بقتالهم إذا أصروا على عدم السلم والقتال وفق المقطع:

فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ

أما المقاطع الملونة بالأخضر فتؤكد أن من يريد أن يلزم الحياد، بأن لا يقاتل المسلمين ولا يقاتل معهم ضد قومه، فيجب مسالمته وعدم قتاله حتى لو لم يكن من المسلمين.

الآية الثالثـة

فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ .

وسياق هذه الآية كما جاء في سورة محمد:

فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا * ذَ‌ٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ  وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم   (محمد 4)

الآية خاصة بوضعية الحرب كما تدل عليه الكلمات “حتى تضع الحرب أوزارها”،  ولذا فالمقصود بالجملة “إذا لقيتم الذين كفروا”  أي إذا لقيتم المقاتلين منهم في أرض المعركة،  ليس المقصود  بها جميع الكفار حتى المسالمين منهم.

من المعروف في الإسلام أن لا عقوبة للمنافقين لمجرد نفاقهم، فالمنافقون كانوا معروفين زمن النبي محمد ، إلا أنه لم يأمر بقتلهم، فهذه الآيات تتحدث فقط عمن يتمادى في نفاقه ويرتد لمحاربة المسلمين، لذلك فالقتال هنا بسبب الحرب والعداء الذي يبديه هؤلاء المنافقون وليس النفاق بعينه.

كما أن هذه الآية تأمر المسلمين بالإفراج عن أسرى الحرب، إما بالمنّ عليهم أو بالفداء،  فلو كان القرآن يأمر بقتل غير المسلمين عامة، لما أمر بالإفراج عن أسرى الحرب منّا؛ بل لأمر بقتلهم، وهذا بدوره يدل دلالة واضحة أن القتال موجه فقط ضد من يريد القتال ويبدأ به.

الآية الرابعـة

وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ

والتي وردت في سورة الأنفال في السياق التالي :

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ الله الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ* فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ* وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ* وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ الله يُوَفَِّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ*  وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله* إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ    (الانفال  56-62)

* ففي هذا السياق، المقاطع المشددة بالأخضر تدل على أن القتال المقصود به في هذه الآيات  يختص بالكفار ناقضي العهود، والمقاتلين في ساحة الحرب. كما أن الكلمات وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله تؤكد أن على المسلمين إنهاء القتال إذا أراد الطرف الآخر المسالمة وإنهاء القتال؛ ولو كان المقصود من القتال مقاتلة جميع الكفار حتى المسالمين منهم لما أمر القرآن هنا بمسالمة من لا يريد استمرار القتال. ومن الجدير ذكره أن  الهدف من الاستعداد للحرب حسب هذه الآية  ليس من أجل الاعتداء بل لإرهاب العدو أن يشن حربا ويعتدي على المسلمين، أي أنه استعداد للحرب من أجل الدفاع عن النفس وحفظ الأمن والسلام وليس من أجل العدوان.

الآية الخامسـة

كما وردت في سورة النساء:

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَايَـٰتِنَا سَوفَ نُصلِيهم نَارًا كُلَّمَا نَضِجَت جُلُودُهُم بَدَّلنَـٰهُم جُلُودًا غَيرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ‌* إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا

لا حديث هنا عن قتال أو عقاب دنيوي للكفار ينفذه المسلمون بحقهم، بل هذا المبدأ تسير عليه كل الأديان والأنبياء المرسلين من الله عز وجل؛ والذين قاموا بدعوة الناس للإيمان بهم، فحذروهم من عقاب رباني في الدنيا أو في الآخرة، والإسلام ليس مستثنى من هذه القاعدة.

أساس التعامل مع غير المسلمين وفق التعاليم القرآنية، بالسلم والحِلم والاحترام المتبادل

كانت هذه هي الآيات التي ذكرها “فيلدرز” في فيلم الفتنة،  وقد أثبتنا أنها  لا تدعو إلى قتال الكفار وغير المسلمين برمتهم، بل تدعو لقتال المعتدين والمقاتلين في أرض المعركة فقط؛ كما أثبتنا أن سياق هذه الآيات يوجب مسالمة المسالمين الذين يكفون عن القتال، وهذا الأمر ينطبق على الآيات الأخرى التي تتحدث عن القتال والتي لا مجال لعرضها كلها في هذا السياق، فهذه الآيات لا تدعو ولا تحض المسلمين على قتل غير المسلمين دونما تمييز بين مسالم ومحارب، وفقط لمجرد عدم إيمانهم بالإسلام. بل على النقيض من ذلك، فإن أساس التعامل مع غير المسلمين وفق التعاليم القرآنية، هو بالسلم والحِلم والاحترام المتبادل، كما جاء في الكثير من الآيات القرآنية منها:

لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِالله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا* والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ  ( البقرة 257) ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل 126)

أي أن الدعوة الى الدين ونشره يجب أن تكون فقط بالإقناع والجدال.

مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ  ( المائدة 100)

أي أن الرسول لا سيطرة له على الناس ولا يمكنه إجبارهم على الإيمان به وإنما له فقط أن يبلغهم دعوته وهذه هي مهمته الأساسية.

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا  إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ  (البقرة 191) لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ * إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ   (الممتحنة  8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ* وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الممتحنة 9)

أي أن أساس التعامل مع غير المقاتلين وغير المعتدين – مهما كان دينهم وعقيدتهم- هو البرّ والإحسان.

وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ   (الانفال 62) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُون (التوبة 7) كيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ*  إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (التوبة 8)

أي يجب حفظ السلم والأمان والاستقامة لغير المسلمين طالما لم يعتدوا.

الإسلام يحفظ الحرية الدينية لجميع الديانات

من الأهمية بمكان أن ننوه إلى أن نزول الإذن للمسلمين بالقتال في القرآن الكريم، جاء من أجل الحفاظ على الحرية الدينية للمسلمين وغير المسلمين أيضا كما تؤكده الآية التالية:

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ الله عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ  وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا  وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ( الحج 40-41)

فهذه الآية تؤكد أن الهدف من هذا الإذن بالقتال هو الحفاظ على المساجد وأماكن العبادة التابعة للديانات الأخرى غير الإسلام،  ومن واجب المسلمين أن يقوموا بالحفاظ على هذه المقدسات وحمايتها. وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تضمن الحرية الدينية  لغير المسلمين، وتمنع منعا باتا إجبار أي شخص على اعتناق الإسلام ومنها:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِالله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة 257) وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ* فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ … ( الكهف 30) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( يونس 100)

وبالإضافة إلى هذه الآيات القرآنية فإن حياة الرسول محمد مليئة بالأحداث التي تثبت عدم إجباره أي شخص على اعتناق الإسلام،  ولا يتسع المجال هنا لذكرها إنما نذكّر فقط بالعفو العام  الذي أصدره في حق الكفار الذين

وآذوه إيذاء شديدًا هو وأصحابه وحاولوا اغتياله في مكة مدة ثلاث عشرة سنة، ثم لاحقوه إلى المدينة  المنورة لمحاربته في مواقع عديدة، إلا أنه وبعد أن نال المسلمون النصر وعادوا إلى مكة فاتحين أصدر سيدنا محمد عفوا عاما عنهم دون أن ينتقم منهم أو يجبرهم على اعتناق الإسلام.

مما تقدم رأَينا أن القرآن لا يسمح بالاعتداء على غير المسلمين لمجرد عدم كونهم مسلمين، وأما القتال المفروض في القرآن الكريم، فهو ضد المقاتلين البادئين بالعدوان فقط، وهو في حقيقته  قتال دفاعي من أجل الدفاع عن  النفس والكيان الإسلامي (الدولة الإسلامية) والحرية الدينية ومعاقبة الظالمين مغتصبي الحريات وناقضي العهود. وهذا المبدأ ينطبق على جميع آيات القتال ؛ وبالأخذ بعين الاعتباركل هذه الحقائق، كيف يمكن لكتاب كالقرآن الكريم والذي يدعو إلى السلم والحرية الدينية والبر والإحسان، ويضع الأسس الأخلاقية للمجتمع البشري دون ذكر أي نوع من القتال،  ثم فيما تبقى من آياته يذكر القتال لوضع خاص واضطراري، كيف يمكن لهذا الكتاب أن يوصف أنه شبيه بالـ “ماين كامف”كما يدّعي فيلدرز وأتباعه؟!!

الإسلام أو القرآن لا يدعو لقتال غير المسلمين وإجبارهم على اعتناقه، والحروب زمن الرسول وخلفائه الراشدين، لم تكن من أجل نشر الدين بأي شكل من الأشكال ولا لتطبيق الشريعة وفرضها على الشعوب الأخرى، وإنما لرد عدوان المعتدين…

ومن هنا نخلص  إلى أن الإسلام أو القرآن لا يدعو لقتال غير المسلمين وإجبارهم على اعتناقه. أما الحروب زمن الرسول وخلفائه الراشدين، فلم تكن من أجل نشر الدين بأي شكل من الأشكال ولا لتطبيق الشريعة الإسلامية وفرضها على الشعوب الأخرى، وإنما لرد عدوان المعتدين؛ وأما توسع المسلمين نحو الشرق والغرب زمن الرسول والخلفاء من بعده، فسببه  العدوان الذي بدأته الإمبراطورية الفارسية والرومانية ضد الدولة الإسلامية، ولو أنّ هذه الامبراطوريات كانت قائمة على أسس العدل وضمان الحريات الفردية كالحرية الدينية ولم تبدأ بالعدوان على الدولة الإسلامية لما حاربها المسلمون.

Share via
تابعونا على الفايس بوك