فضائح الكنيسة الكاثوليكية.. إفلاس العقيدة المسيحية

فضائح الكنيسة الكاثوليكية.. إفلاس العقيدة المسيحية

أيمن عودة

طبيب، باحث، كاتب وشاعر
  • فضائح التحرش الجنسي في الكنيسة والتستر عليها
  • هدف الأديان الأساس هو كف الإنسان عن الرذائل والمعاصي
  • سبب إخفاق الكنيسة هو إفلاسها الفكري والخلقي والعقائدي: الخطيئة الموروثة
  • تذكير للبابا بأن ما جاء به محمد هو ما فشلت المسيحية في الإتيان به 

__

لا شك أن تفجّر مسألة الفضائح الأخلاقية في الكنيسة الكاثوليكية، قد أوقعت الكنيسة والقائمين عليها، وعلى رأسهم بابا الفاتيكان الحالي، بندكتس السادس عشر، في أزمة جد كبيرة. إذ إن هذه الأزمة بضخامتها وحجمها، تطال الكنيسة بفروعها المختلفة، وكامل بنائها الهرمي في الكثير من البلاد الأوروبية والأمريكية وغيرها؛ الأمر الذي من شأنه زعزعة أركان الكنيسة وتقويض دعائمها، بشكل لم يسبق له مثيل، منذ حركة الانشقاق البروتستنتية، التي قام بها القس الكاثوليكي الأصل، مارتن لوثر في القرن السادس عشر؛ غير أن صكوك الغفران، التي كانت الدافع الأساس لحركة الانشقاق وقتها، قد استبدلت في أيامنا هذه بممارسات جنسية وغير أخلاقية، ولا عجب في ذلك، فالعديد من هذه التحرشات الجنسية، قد حدثت في غرف الاعتراف المنعزلة، وتم تقنيعها بأقنعة دينية، و”ببركة” المسيح والروح القدس.

وللتأكيد على جدية الأزمة التي تعيشها الكنيسة جراء هذه الاتهامات، أذكر أن عدد الشكاوي المرفوعة ضد الكنيسة، يصل إلى الآلاف من الاتهامات بالتحرش الجنسي، وبالأخص ضد الأطفال والمراهقين، حدثت على مدار العقود الخمسة الأخيرة؛ هذا وقد أدت هذه القضايا إلى استقالة عدد من الأساقفة والكردنالات، المتهمين بالضلوع في هذه الجرائم بصورة مباشرة. والجرائم نفسها رغم بشاعتها وكبرها، إلا أنها لم تُهمِّش جرائم التستر عليها، والتي تُتهم الكنيسة برمتها بالقيام بها عمدا، من أجل الحفاظ على سمعة الكنيسة، إلى أن طالت هذه الاتهامات البابا بندكتس نفسه؛ مما أدى إلى تهديده بالقبض عليه ومقاضاته قانونيا، بجرائم ضد الإنسانية عند زيارته لبريطانيا، تماما كما تم القبض على بينوشي، الدكتاتور التشيلي سنة 1998.

وبالنظر إلى هذه القضية من الجانب الديني والعقائدي، فلا بد من طرح السؤال التالي: إذا كان الهدف الأساس من الأديان السماوية، كفّ الإنسان عن الرذائل والمعاصي، وحث الأتباع على عمل الخير من أجل بناء مجتمع ينعم بالسلام الفردي والاجتماعي، تكون ركيزته تقوية علاقة الأفراد بخالقهم، فما بال الكنيسة تخفق في أهم الأهداف التي وضعت على عاتقها؟!

إنه وببساطة الإفلاس الفكري والعقائدي، فكيف لعقيدة، تؤكد على أن الإنسان يولد بالخطيئة  الموروثة، من جيل إلى جيل منذ زمن سيدنا آدم عليه السلام- أن تشجع أتباعها لا بل ومعلميها، على الإقلاع عن هذه المعاصي والذنوب؟ أليس في هذا التعليم، ما يقنع العقل البشري، على العيش بتهاون ورضاء تام مع المعاصي والذنوب على أنواعها، وتقبّلها لمجرد أنها أمر طبيعيّ جينيّ موروث؟

وكيف لعقيدة، أراحت أتباعها من عناء السعي للتخلص من الرذائل، بفداء المسيح نفسه وحمله جميع ذنوب أتباعه، وتكفيره بذلك عن جميع ذنوب أمته- كيف لها أن تقنع أتباعها، بوجوب الابتعاد عن المعاصي والذنوب؟ وكيف للمرء أن يكفّ عن عمل سييء، إن لم يعرف حق المعرفة أن تبعات هذا العمل لا بد واقعة عليه هو، وليس على غيره؟

وكيف لعقيدة، تُعلّم أبناءها أن الكذب الذي يمجد اسم الله مقبولا، بل ويبدو واجبا دينيا، مثلما يظهر من كلام بولس الرسول  حيث قال: “فإنه إن كان صدقُ الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان أنا بعدُ كخاطئ”؟- كيف لها أن تمنع الكنيسة، من التستر على هذه الممارسات المشينة، أو حتى الكذب بشأنها، من أجل الحفاظ على اسم الكنيسة وسمعتها؟

ولا يمكننا في هذا السياق، عدم ذكر السبب الأهم، للانزلاق الخلقي الذي أصاب الكنيسة الكاثوليكية، ألا وهو حياة الرهبنة غير الفطرية، والتي تمنع القسس والرهبان من الزواج، مما ألجأهم إلى الشذوذ في تصرفاتهم وأخلاقهم، لعدم مقدرتهم على التعايش مع طبيعة حياة الرهبنة التي فرضت عليهم.

وهذا غيض من فيض، مما يمكن ذكره للوقوف على أسباب الحضيض الخلقي، الذي آلت إليه الكنيسة الكاثوليكية. ومن أية زاوية ننظر إلى الموضوع، فلا يسعنا إلا أن نؤكد مرة تلو الأخرى،  أن المشكلة تكمن في العقيدة المسيحية نفسها، وليس في تصرف الرهبان والقسس فقط، أليس هؤلاء هم حملة العقيدة المسيحية على أكتافهم؟! وإن كانوا هم كذلك، فماذا نتوقع من الأتباع العاديين؟!

وباختصار أقول: إن هذه الأزمة تنم عن الإفلاس العقائدي والخلقي للديانة المسيحية، وبالأخص الكنيسة الكاثوليكية، ومما يؤكد هذا، ظهور العديد من الأصوات المسيحية، بعد تفجر هذه الفضائح، والتي تنادي بإجراء تغيير وتجديد في الكنيسة والفكر المسيحي؛ وكذلك بقيام العديد بسحب عضويتهم وانتمائهم للكنيسة الكاثوليكية، ورفضهم الاستمرار بتقديم الدعم المالي للكنيسة؛ مما قد يهدد الكنيسة بالإفلاس المالي، إذا تفاقمت هذه الظاهرة، خاصة بعد الخسارات المالية الفادحة، التي تسببتها هذه الأزمة، نظرا للمبالغ الباهظة التي تصرف على المداولات القضائية، والتعويضات المالية لضحايا هذه الفضائح.

وأخيرا بقي أن أنوه إلى أن ظهور هذه الأزمة، جاء بعد حوالي ثلاث سنوات، من تطاول البابا بندكتس على الإسلام ونبي الإسلام، وتساؤله على لسان الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني: “ما هو الجديد الذي أتى به محمد”؛ فجاءت اليد الإلهية بهذه الفضائح لتذكّر البابا وأتباعه، بأن ما جاء به الإسلام ونبيه محمد – – هو بالذات ما فشلت وعجزت المسيحية عن الإتيان به، وما أكثرها من أمور، وبالأخص الحفاظ على سمو الأخلاق ورفعتها؛ فعلى الأقل لم تُتهم المؤسسة الدينية الإسلامية على مر العصور، بفضيحة أخلاقية من هذا الطراز وبهذا الحجم.

هذه اليد الإلهية التي جاءت لترد على البابا وتقول له ولأتباعه: أنظروا ماذا جلبتم أنتم وديانتكم الآنية للإنسانية”! وردا على تساؤل البابا هذا، قد بدأ المسيحيون أنفسهم، بعد ظهور هذه الفضيحة، بالتساؤل عن ماهية الفكر المسيحي وما جلب لهم، فسبحان الله الذي يمهل ولا يهمل.

Share via
تابعونا على الفايس بوك