لقاء مع الأستاذ المرحوم مصطفى ثابت (4)

لقاء مع الأستاذ المرحوم مصطفى ثابت (4)

محمد طاهر نديم

  • رؤيا عن السويس
  • مبايعة الحاج حلمي
  • الهجرة إلى كندا

__

ذكرنا في الحلقة السابقة أن الأستاذ مصطفى ثابت ذكر للحاج حلمي أنه رأى في المنام أن مكان شركتهم  في السويس قد احتلته إسرائيل وأنهما لن يلتقيا قريبا. لم  يصدق الأستاذ حلمي رؤياه ووصفها بأضغاث أحلام، ثم سافر إلى مصر ولدى عودته مُنع من دخول السويس الأمر الذي هز كيانه.

بعد أن مُنع الأستاذ حلمي من دخـول السويس اضطر للرجوع إلى مصر. أما أنا فلم يكن لدي خيار فأُجبرت على البقاء في السويس التي كانت آنذاك محاصرة من قِبل إسرائيل. وخلال أيام الحصار أغارت طائرات إسرائيلة وضربت مخازن الوقود، فلقي بعض العمال حتفهم وجُرح آخرون. ولحسن الحظ فقد وصل مركب لإحضار مياه للشرب فامتطيناه وأخذنا الجرحى والموتى وغادرنا إلى بر الأمان، وبعدها ببضعة أيام توفرت المواصلات فعدت إلى بيتي في القاهرة. وبعد وصولي طَرَق أحدٌ الباب ففتحته وإذا بالحاج حلمي أتى لزيارتي، تنفس الصعداء لدى رؤيتي وقال: الحمد لله أنك بخير.  وهكذا فُتحت صفحة جديدة في عالم الحوار مع الحاج حلمي والتي شعرت من خلالها أن معارضته الشديدة قد قلّت، وذلك ربما لتغيير طريقتي في النقاش لأنني شعرت أنني أصغر منه سنًّا فكان من الصعب عليه أن يتعلم شيئا جديدا مني. لذلك كنت أتفادى النقاش معه في الجزئيات ولا أخوض في صلب المواضيع، وكنت أقدم له الكتب كي يقرأها بنفسه ويكتب على ورقة أي سؤال يخطر بباله ثم لدى إرجاعه الكتاب أطلع عليها ثم نجلس ونتناقش.

ولقد منَّ الله عليَّ خلال هذه الفترة ورأيت في الرؤيا أن الحاج حلمي كان يصلي معنا صلاة الجمعة. شعرت أن الله سيفتح قلبه للإيمان وينضم للجماعة. أخبرته بتفاصيل الرؤيا فأبدى رغبته لمقابلة كبيرنا الأستاذ محمد البسيوني وهو رجل متقدم في السن ذو وقار واحترام. فكان الحاج حلمي يقتنع بما يسمع من الأستاذ البسيوني ولا يجادله بطريقته “البزنطية” التي يجادلني بها، وعلى النقيض من ذلك كان يبدي ارتياحا وطمأنينة لما يسمع. وأخبرني أن أسلوب الأستاذ الفاضل أوضح من أسلوبي لذلك اقتنع بصدق الأحمدية وهكذا أنعم الله عليه وبايع.

طلب مني بعد بيعته أن أعيره نفس الكتب التي قرأها من قبل لأنه سيدرسها الآن ليس بعين الناقد بل بعين المؤمن. وكنت قد تركت أوراق أسئلته في الكتب بصفة عفوية. بعد مطالعته أخبرني:  لو لم أكن متأكدا من أن هذا خطي لقلت: من هذا الغبي الذي كتب هذه الاعتراضات؟!

توطدت علاقتي بالحاج حلمي فعملنا سويا في مركز الحساب العلمي في جامعة القاهرة. كما كنت أدرس علوم الحاسوب والتي كانت دراسة ممتعة. وبعد أن أنهيت الدراسة أصبحت استشاريًا للطلاب حيث كنت أساعدهم في حل المشاكل التي تواجههم. وكان القسم يستحضر خبيرا بريطانيا ليُدرِّس ولكن الطلاب لم يفهموا شيئا مما يقوله. فعرضت خدمتي مجانا لأدرِّس بعض الحصص، وذُهلت بإعجاب الطلاب بعد انتهاء الحصة حيث صفقوا وأبدوا رغبتهم أنهم يريدون مصطفى ثابت أن يدرِّسهم من اليوم فصاعدا. وفي الحقيقة هذا الأمر أحضر السرور للبعض والغيرة والبغضاء لدى بعض العاملين في المركز وتعكرت الأجواء. وخلال هذه الأيام كنت قد تعرفت على شخص كان ينوى الهجرة إلى كندا فعرض عليَّ الأمر وشجعني على الهجرة. فبالرغم من أنني كنت أحبذ الهجرة إلى ألمانيا إلا أنه أقنعني أنه سيكون لي مستقبل أفضل في كندا. وهكذا تقدمت بطلب الهجرة للسفارة الكندية وخلال ثلاثة أسابيع تلقيت الرد بالموافقة ثم هاجرت.

وهكذا افترقنا حيث ذهب الحاج حلمي للعمل في السودان ثم الجزائر ثم الإمارات. وقد ذكر لي الحاج حلمي أن الناس في السودان يعتقدون أن لبعض مشائِخهم سيطرة كاملة على الجن فيقومون لهم بشتى الأعمال. ومرة وخلال مناظرة مع أحد المشايخ الذي يتحكم في الجن –حسب زعمهم- تحداه الحاج حلمي ليثبت أن كل ما يؤمنون به عن الجن هو مجرد خرافات، ووضع ورقة نقدية في جيب قميصه وترك نصفها خارجه واضحة للحضور وتحدى الشيخ قائلا أرسل جنك ليأخذوا هذه الورقة على مرأى من الجميع. بهت الشيخ ولم يحرك ساكنا لدقائق. وإذا بأحد الحضور يصرخ مشيرًا إلى الحاج حلمي أن هذا الشيخ المصري له سيطرة على الجن أكثر من سيطرة شيخنا!!

كان من أهم أمانيَّ للهجرة إلى كندا هي أن ألاقي الناس وأبلغهم رسالة الإسلام. وصادفتني عقبات أهمها اللغة الإنجليزية التي كننت أتقنها ولكن لم تكن بالمستوى المطلوب حيث ما تعلمته في مصر لم يكن كافيا للتواصل مع الناس في كندا. هذا إلى جانب ما تعلمته حول الكتاب المقدس كان كله باللغة العربية وكان عليَّ أن أبدأ من جديد وأتعلم الآن كل شيءٍ بالإنجليزية. وقد استغرق هذا مني وقتا طويلا. ولقد هيأ الله سبحانه وتعالى الظروف حيث كان لي بعض الزملاء في الشركة ينتمون إلى جماعة مسيحية موحدة لا تؤمن بالتثليث. فكنت أناقشهم وأحضر معهم دروسًا حول الإنجيل حيث كانوا منفتحين ويودون إدخالي في المسيحية. فتعلمت أسلوب الكلام وعرض الحقائق بطريقة دامغة وحُلت عقدة لساني باللغة الإنجليزية.

Share via
تابعونا على الفايس بوك