أبرز خدمات الأحمدية للعالم العربي ح 2

أبرز خدمات الأحمدية للعالم العربي ح 2

محمد طاهر نديم

  • مواقف مجيدة لمحمد ظفر الله خان
  • الباكستان تنتصر لعرب فلسطين
  • ظفر الله خان بطل القضية الفلسطينية
  • إقالة مفتي مصر لتكفيره ظفر الله خان
  • الاستعمار يبث الشقاق والتفرقة بين المسلمين

__

إن إخلاص الأحمدية وولاءها للعالم الإسلامي والعربي منذ تأسيسها إلى يومنا هذا غنيّ عن البيان. ولقد كانت قضايا العرب والمسلمين في صلب اهتماماتها دوما.

مواقف مجيدة لمحمد ظفر الله خان

__

علاوة على المساعي النبيلة التي بذلها سيدنا المصلح الموعود لدعم قضايا العرب قام ابن الأحمدية البار سيادة محمد ظفر الله خان بتوجيه من إمام الجماعة بخدمات مشهودة لقضايا العرب عامة وللقضية الفلسطينية خاصة.. لا تزال مسجلة في الجرائد العربية والعالمية.

ففي اجتماع مجلس اللوردات برئاسة اللورد لمنجتون في لندن أثار محمد ظفر الله خان في خطابه قضية فلسطين الحساسة. وقد سجل خطابه هذا في جريدة الأهرام بقلم مراسلها بتاريخ 27-10-1937، ونقتبس منه ما يلي:

“ارتأى ظفر الله خان أن مسألة فلسطين إذا لم تسوَّ تسوية مُرضية فلا بد أن تصير مسألة إسلامية. ونوّه بأن الإسلام والأماكن الإسلامية المقدسة لا يجوز أن تخضع إلى سلطان غير سلطان المسلمين”.

ولما زار سيادة محمد ظفر الله خان فلسطين في 1945 تفقد ظروف المنطقة عن كثب، ورأى بعينه خطورة الموقف.. قال للشخصيات السياسية العربية الكبيرة:

“إن مسلمي الهند لا يعرفون تفاصيل المشكلة الفلسطينية في وضعها الراهن، فإذا رغب عرب فلسطين في أن يساعدهم إخوانهم مسلمو الهند فعليهم أن يتبعوا الطرق الواجبة لجلاء هذه المشكلة وإيقافهم على حقيقة الموقف.. لم يبق سوى أن يتبرع أثرياء مسلمي الهند ماديا لإنقاذ أراضي فلسطين”. (جريدة “فلسطين” عدد 7-10-1945)

ونشرت جريدة (الأيام)، الدمشقية في عددها الصادر في 30-1-1946 هذا الخبر:

“لاهور، ألقى الزعيم القاضي السيد ظفر الله خان خطابا حول قضية فلسطين قال فيه: إن بريطانيا وأمريكا لن تستطيعا التخلص من النفوذ الصهيوني المسيطر على هذه القضية المهمة ما دام هنالك 25 نائبا صهيونيا في مجلس العموم البريطاني ووزيران صهيونيان وسكرتير صهيوني للدولة. كما أن الصهيونيين في أمريكا يسيطرون على الأمور المالية في تلك البلاد وعلى شؤونها السياسية، ولذلك لم تستطع بريطانيا بعد مرور 31 عاما على وجودها في فلسطين أن تجد حلا لهذه القضية العويصة”.

وقال محمد ظفر الله خان في خطاب طويل ألقاه في لاهور مشيرًا إلى خطر اليهود المهاجرين إلى الأراضي المقدسة:

“إن 650 ألفا من المهاجرين اليهود قد دخلوا فلسطين فعلا. وهذا الرقم لا يشمل المهاجرين الذين دخلوا فلسطين خفية بطرق غير شرعية. فأصبحت حالة العرب السياسية والاقتصادية مهددة بخطر جسيم”. (جريدة دي سن رايز، 2-2-46)

وكتبت وكالة (اسوسييتِد بريس) الأمريكية تصريحا له قال فيه:

“إن مسلك الولايات المتحدة في هذه المسألة “يستعصي على الفهم إلى حد ما.” وأضاف:

“إذا كانت المسألة مسألة عاطفة إنسانية ففي وسع الولايات المتحدة نفسها أن تحلّها بفتح أبواب بلادها للمهاجرين اليهود، أما فلسطين فإنها لا تزيد كلها على مساحة مقاطعتين من الولايات المتحدة. وإذا كانت المسألة مسألة دين فإن قضية العرب في فلسطين أقوى بكثير من دعوى اليهود. يضاف إلى ذلك أن العرب يملكون البلاد فعلا”.

في الأمم المتحدة

لما انقسمت الهند، عُيِّن حضرة محمد ظفر الله خان وزير خارجية لباكستان وممثلا لها في هيئة الأمم المتحدة، فاشترك مع إخوانه ممثلي جامعة الدول العربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية في دوراتها، وعارض مشروع تقسيم فلسطين بكل ما أُعطيَ من شجاعة وقوة بيانٍ، مدافعًا عن موقف العرب دفاعًا مجيدًا مشهودًا. وإليكم نص الخبر المنشور في جريدة “فلسطين” في عددها الصادر في 8 أكتوبر/تشرين الأول 1947:

“الباكستان تنتصر لعرب فلسطين”

ليك ساكس في 7، رويتر ويونيتد بريس: لما اجتمعت اللجنة الخاصة بقضية فلسطين اليوم دعا المستر إيفات رئيسها الأسترالي، السيدَ ظفر الله خان ممثل الباكستان إلى الكلام، فوقف السير ظفر الله خان وقال:

“إن مشروع تقسيم فلسطين هو من الناحية الطبيعية والجغرافية شر وبلاء، وينطوي على إجحاف شائن حقًّا. وقد تصبح فلسطين شرارة تُشعل حربا أعظم من الحروب العالمية التي شاهدها العالم حتى الآن…”

وقال في خطابه التاريخي هذا الذي استغرق 115 دقيقة، ويُعَدّ أطولَ خطاب في سبيل الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو يناقش مسألة المشردين اليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين:

“لماذا لا تبيح كل دولة أراضيها لهجرة كل من يرغب في الهجرة إليها، إذا كانت المسألة مجرد الرغبة في الهجرة؟ ويوجد في البنجاب الآن 5 ملايين مشرد، ولو فرضنا أن هؤلاء رغبوا في الهجرة إلى أمريكا فهل مجرد رغبتهم هذه تبرر أن تفرض هيئة الأمم على أمريكا وجوبَ قبولهم في أراضيها؟ فإذا كان هذا المبدأ يُعتبر مبدأ مغلوطا في أمريكا وفي غيرها، فلماذا تعتبرونه صحيحا في فلسطين فقط؟

إن مشروع التقسيم يعني أن يصبح العرب في أكثر من نصف أراضي البلاد أقلية، ويصبح في إمكان اليهود أن يقيموا لهم هنالك مملكة سياسية تملك السيطرة التامة. وهذا حل فاسد، تماما كما لو جُعل العرب أقلية في كل فلسطين”.

وأضاف قائلا: “هذا الذي ذكرتُه عن الدولة المستقلة في فلسطين حيث يعيش اليهود فيها أقلية مضمونة الحقوق قد لا يُرضي الصهيونيين، إلا أن عدم رضا هؤلاء الناس لا يعني بالضرورة أن ترمي هيئةُ الأمم العربَ في فلسطين بالظلم، وترتكب ضدهم ما ينافي تماما ميثاق الأمم المتحدة. (المرجع السابق)

وسجّل مندوب جريدة (الدفاع) موقف السير ظفر الله خان في قاعة الأمم المتحدة قبل التصويت على قرار تقسيم فلسطين كالآتي:

“ونهض السير محمد ظفر الله خان مرة أخرى يحمل على التقسيم حملةً شعواء.. وكان بيانه محاولة بارعة.. فقد نادى القوم إلى تحكيم العقل قائلا: إن الجمعية استُهدفت لأعنفِ ضغطٍ شُوهدَ في يوم من الأيام، وتناولَ مشروعا منافيا للعدالة والمنطق والقانون. ولم تسلَم نقطة واحدة فيه عن منطقه الأخّاذ ولسانه الذرب ونقداته اللاذعة، حتى سمعتُ أحدَ المندوبين العرب يقول: إذا أخفق مشروع التقسيم وجب على العرب أن يقيموا تمثالا للسير ظفر الله، تقديرًا لهمته وقوة منطقه وحكمته قائلا: إنه إذا فُرض (أي التقسيمُ) على العرب فرضا سيكون أهل الأراضي المقدسة منهم ضحاياه، وسوف يترك إقراره جرحا في هذا المجلس الدولي لا يندمل، وسوف يثير الريب والشكوك في نيات الدول الغربية في نفوس أهل البلاد المترامية من شمال أفريقيا إلى سهول آسيا. فإن الحق أقول لكم: إن هذا التقسيم سيقضي على السلام قضاء مبرما.” (جريدة “الدفاع” عدد 17-10-1947)

لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع السائدة آنذاك، حيث لم تكن قد مضت إلا فترة يسيرة جدا على انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكانت معظم بلدان العالم قد وقعت تحت نفوذ مباشر لأمريكا أو روسيا؛ بمعنى أنه كان بوسعهما ممارسة الضغوط على هذه البلدان لتغيير رأيها. لم تكن تلك هي حالة الدول الفقيرة فقط بل معظم الدول الأوربية أيضا كانت تحت هذا النوع من الضغوط.

ولما قُدّمت قضية تقسيم فلسطين للمناقشة في الأمم المتحدة عارضت الدول العربية مشروع التقسيم بشدة وقدمت أدلة مقنعة لعدم التقسيم، إلا أن محمد ظفر الله خان كان ذلك البطل الذي غيّر تماما مجرى المناقشة عندما قال في خطابه إن هذه القضية مبنية على الظلم منافية للعدل والإنصاف، وأنه ليس من صلاحيات الأمم المتحدة أن تقرر تقسيم بلد من بلاد العالم خلافا لإرادة أهله، لذلك يجب على الأمم المتحدة أولاً أن تعرض القضية في محكمة العدل الدولية لتبتّ فيها حتى نعرف هل يحقّ للأمم المتحدة مناقشة مثل هذه الأمور أم لا.

وكان تأثير خطابه قويا في نفوس مندوبي بعض الدول إذ ناشد بعضهم في كلماتهم الأمم المتحدة أن ترجع أولاً إلى محكمة العدل الدولية.

وبعد المناقشات في اللجان الخاصة، لما حان موعد الاقتراع على تقسيم فلسطين، سعى محمد ظفر الله خان سعيا مشكورا جدا لجمع الأصوات اللازمة ضد قرار التقسيم، فتكلم مع مندوبي عدة دول منها دولة “هايتي” ودولة “ليبيريا”، حتى إنه ذهب للقاء المندوب الليبيري “مستر دينس” في الفندق الذي كان يقيم فيه، فأكد المندوب الليبيري أنه لن يصوت لصالح قرار التقسيم، وقال أيضا: إن حكومتنا تواجه ضغوطا شديدة، فقد أتلقى توجيها من بلدي أن أصوت لصالح التقسيم لذلك يجب أن تحاولوا أن يكون التصويت اليوم. وقال لسكرتيرته: إذا بلغك اليوم من بلدي أي شيء فلا ترفعيه إليّ في جلسة اليوم. ثم قال لمحمد ظفر الله خان: لقد فعلت ذلك حتى لا يصلني أي توجيه بخصوص التصويت وأعطي رأيي الذي قلته لك.

ولكن عندما رأت أمريكا والدول المتحالفة معها في هذه القضية أنها لم تتمكن بعد من جمع الأصوات المطلوبة لجأت بطريق أو بآخر إلى تأجيل التصويت عليها حتى تضغط على بعض الدول الأخرى لكسب أصواتها. وكانت النتيجة أن تأخر التصويت، فمورست الضغوط الشديدة على بعض الدول التي كانت تخالف قرار التقسيم من قبل، فصارت مؤيدة له. وقبل صدور القرار جاء مندوب “هايتي” إلى محمد ظفر الله خان وقال له وقد اغرورقت عيناه: لقد عرفتَ رأيي المعارض للتقسيم، ولكنني الآن استلمت أوامر من بلادي أن أصوت في حق التقسيم. كما أن ليبيريا أيضا غيّرتْ رأيها نتيجة للضغوط الأمريكية، فصوتت لصالح تقسيم فلسطين بعد أن كان مندوبها قد أكد أنه سيصوّت ضده. (بتصرف من “تحديث نعمت” ص 535-536، وسلسلة أحمدية ص 312-313)

وعندما صدر هذا القرار الغاشم بتمزيق فلسطين في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 ندد به سيادة ظفر الله خان مخاطبًا الغرب في بيانه التالي الذي قرأه عنه نائبه:

“لقد اتخذ القرار النهائي، ولقد جاهدْنا وعملْنا في جانب الحق لتبصيركم، وحاولنا أن نريكم طريق الحق كما رأيناه. ولكن ضميرنا في هذه الساعة متألم لمصيركم ومصير مبادئكم. اذكروا الدول الكبرى التي سبقتكم.. اذكروا صولتها واذكروا مصيرها”. (جريدة الدفاع، عدد 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1947)

مؤامرة الاستعمار

بينما كان العالم العربي يكنّ للجماعة الإسلامية الأحمدية كل التقدير والاحترام، وأبناؤها يخدمون العرب وقضاياهم بكل إخلاص ومحبة، سمعت الأذنُ أكبر كذبة في تلك الفترة، وقرأت العيون أكبر خيانة ارتكبت في حق الأبرياء، إذ أصدر الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر فتوى، بإشارة من الملك فاروق، بتكفير السيد ظفر الله خان، وطالب بعزله من رئاسة وزارة الخارجية الباكستانية..

وعندما نُشرت هذه الفتوى كانت ذكريات الخدمات التي قام بها السيد ظفر الله خانْ حديثةً في أذهان العرب، وإن الزعماء العرب من مصر وغيرها من الدول العربية الذين شاهدوا مواقف محمد ظفر الله خان.. كانوا أكثر وفاء من المفتي المذكور، وأكثر تقديرا منه لمن دافع عن بلدهم وخدمهم في المحافل الدولية؛ فعارضوه بشدة، ونددت بفتواه الصحفُ المصرية، واعترفت بإسلام السيد ظفر الله خان وخدماته الجليلة للدول العربية. نقدم فيما يلي بضعة من هذه الأقوال الكثيرة.

أولاً: كتب الأمين العام للجامعة العربيّة سعادة عبد الرحمن عزام باشا إلى جريدة نشرت الفتوى المذكورة فقال:

“ظفر الله خان رجلٌ مسلمٌ لم نشهد عليه إلا قولا حسنًا وعملاً حسنًا. وقد أُوتيَ حظًا كبيرًا في الدفاع عن الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. وله مواقف دولية مشهورة دفاعًا عن الإسلام قدَّرها الناسُ وشكره عليها المسلمون.” (جريدة “الأخبار”، القاهرة، عدد 23/6/1952)

ونشرت جريدة “المصري” مقالاً شاملاً للأستاذ أحمد أبو الفتح بعنوان: “أَنْعِمْ به مِن كافر”، تحدث فيه عن مواقف ظفر الله خانْ الإسلامية المجيدة حيث جاء فيه:

“….وإذا كان فضيلة المفتي قد اتهمه بالكفر، فأَنْعِمْ بظفر الله خانْ كافرا، وما أحوَجَنا إلى عشرات من أمثاله من الكفار الكبار.” (جريدة “المصري” 25/6/1952م نقلا عن مجلة “البشرى” سبتمبر 1952 مجلد 18 ص119)

كذلك أدلى سعادة أحمد خشبة باشا بتصريحه إلى جريدة “الزمان” المصرية في عددها 25 يونيو 1952 حيث قال إنه يشعر بألم شديد مما نُسب إلى سعادة ظفر الله خانْ. وأضاف قائلا:

“إن الخدمات التي أداها السيد ظفر الله خانْ للإسلام والعالم العربي عامة ومصر خاصة خدماتٌ جليلة يدين له بها العالَمُ الإسلامي ومصرُ.”

ثم قال:

“إنني أشعر بأن في عنقي دَينًا نحو هذا الرجل العظيم الذي أدى خدمات جليلة لبلادي، وإنني في شدة الامتعاض لهذه الفتوى التي أُُفتيت بصدد هذا الرجل الكبير.” (نقلا عن مجلة “البشرى” سبتمبر 1952 مجلد 18 ص125)

وصرّح فضيلة الأستاذ خالد محمد خالد في جريدة “أخبار اليوم” 26/6/1952 بعنوان: “أصبح الأبرار كافرين”:

“وظفر الله خان بالنسبة إلينا رجل مسلم كامل الإسلام. وإذا كان الرجل الذي يواجه الاستعمارَ في جبروت شامخ من بلاغته وصدقه.. والرجل الذي جعل اللهُ الحقَ على لسانه وقلبه.. إذا كان هذا الرجل كافرًا فإن كثيرًا من الأبرار يودّون أن يصبحوا كافرين على هذا النحو..” (نقلاً عن مجلة البشرى مجلد 18 عدد سبتمبر 1952 ص132)

وكتبت جريدة “بيروت المساء”:

“هناك فرق عظيم بين الشيخ مخلوف وظفر الله خانْ: فالأول مسلم ولكنه لا يعمل، وإذا عمل فإنه يعمل للتفرقة.. وظفر الله خانْ مسلم عاملٌ للخير، والله تعالى جمع في كتابه الكريم دائما وفي كل آية بين الإيمان والعمل الصالح.. ما أبعدَ تكفيرَ المسلمين عن الإيمان وعن العمل الصالح؟” (بيروت المساء، عدد 224 بتاريخ 29/6/1952)

كتبت مجلة “آخر ساعة” المصرية في فبراير/شباط 1952 تحت عنوان بارز: الرجل الذي يصلي في هيئة الأمم المتحدة:

“وهذا الرجل مِن أقدر المسلمين الذين يوثق بهم في خدمة البلاد الإسلامية. هو رجل متدين يؤدي الصلاة في أوقاتها، حتى لو كان في الطائرة.. وقد أصبح أداؤه للصلاة في أبهاء الأمم المتحدة أمرًا مألوفًا لدى سائر الوفود. وهو لا يذوق الخمر مطلقًا، ولهذا غالبية أعضاء الوفود الغربية والشرقية تمتنع عن شربها في حضرته”.

وقالت أيضا:

“إن السيد ظفر الله خان دافع عن قضية مصر مرات كثيرة”.

قال صاحب الفضيلة الشيخ محمد إبراهيم سالم بك:

“نرى أن الأمر المؤلم أن يُتهم سعادة السيد ظفر الله خانْ بالذات بالكفر، وهو مَن تَعرِف.. الرجل المتخلق بخُلق الإسلام، الحريص على تقاليده وسننه في كل ما يصدر عنه. ولقد زار السيد ظفر الله خانْ مصر أكثر من مرة، ورأيناه يدافع عن الإسلام والمسلمين ويؤازر قضاياهم متحمسا لكل ما من شأنه إعلاء كلمة الإسلامِ وأهلِه.” (البلاغ 24 يونيو 1952)

وكتبت جريدة “الأهرام” القاهرية بتاريخ 27/6/1952 تحت عنوان: “مواقف يفخر بها الشرق”:

“تحدّث أحد ممثلي مصر في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة عن موقف يفخر به الشرق كله وقَفه السيد محمد ظفر الله خان وزير خارجية الباكستان. ففي الجمعية العمومية للأمم المتحدة ألقى عن فلسطين الشهيدة خطبة استغرقت ثلاث ساعات كاملة لم يتناول خلالها جرعة ماء واحدة.. وأثبت قوة إيمانه بالدين الإسلامي وبالوطن العربي. ولقد بكى واستبكى.. وشهد لـه الجميع بأنه رجل عظيم، مسلم كريم، وطني صميم، سياسي حكيم، ومتمكن من اللغة الإنجليزية كأحد أبنائها من العلماء الأفذاذ”.

وأضافت الجريدة قولها استنادا إلى المعلومات التي تلقتها من مصادر موثوقة بها:

 “ولعل صاحبنا السيد محمد ظفر الله خان هو الشخص الوحيد من الشخصيات السياسية البارزة في العالم بالوقت الحاضر الذي لا يفارقه القرآن المجيد أبدا‍، ويصلي خمس صلوات مستقبلا القبلة الشريفة تحت كل سماء وفوق كل أرض وفي جو السماء حيث تحمله الطائرات من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، ولا يتأخر عن بيان فضائل الإسلام ومحاسنه بالقلم واللسان، والعمل بأحكامه حتى في قاعات الأمم المتحدة”.

كذلك قال السيد عبد الحميد الكاتب في مقال له نُشر في مجلة “العربي” بعنوان: “ظفر الله خان بطل قضية فلسطين”:

“….. كان صوت ظفر الله خان، وزير خارجية باكستان حينذاك، والذي كان عَلَمًا بارزًا في الأمم المتحدة على مدى عشرين سنة، بمواقفه العظيمة في كل قضية عربية وإسلامية.. قضية فلسطين، وقضية كشمير، وقضية إريتيريا، وقضية الجزائر.. وكل ما قام وثار من قضايا الشعوب المقهورة.

وقد توافرت في ظفر الله خان ثلاث صفات جعلته من أبرز الشخصيات في الأمم المتحدة.. فكان وراءه تاريخ حافل في سياسة بلاده، كما كان خطيبا قديرا ومحاميا فذا، وكان حجة في القانون من جانبيه الدولي والإسلامي. فأما دوره في سياسة بلاده فلعله كان ثالث الثلاثة الذين تزعموا حركة إنشاء دولة باكستان، مع زعيمها ورئيسها الأول محمد علي جناح، ومع لياقت علي خان أول رئيس وزراء لها. وأما مقدرته القانونية فقد أهّلتْه فيما بعد ليكون قاضيا في محكمة العدل الدولية، ثم رئيسا لها لسنوات عديدة ختم بعدها حياته السياسية، ثم أوى إلى بيته في باكستان بعيدا عما جرى فيها من أحداث حزينة في السنوات الأخيرة.. أو لعله أمضى وقته في كتابة تفسير للقرآن الكريم. فقد كان مسلما متدينا وكان يؤدي الصلاة في وقتها في قاعة صغيرة عند مدخل مبنى الأمم المتحدة..

وهو قدياني المذهب ولكنني أعتقد أنه كان يدين بالإسلام على وجه صحيح سليم.. أما قدرته في الخطابة فكانت تشدّ إليه الأسماع والعقول وهو يرتجل على مدى ست ساعات، استغرقت جلستين كاملتين في مجلس الأمن، خطابا عن قضية كشمير وحقِّ أهلها في تقرير مصيرهم!…..أما بطل الدفاع عن مشروع فلسطين الموحدة فكان محمد ظفر الله خانْ، الذي حشد في دفاعه عن الحق العربي في فلسطين كلَّ مواهبه ومقدرته الخطابية والقانونية والسياسية. كما كانت خطبـه تنبض بروح إسلامية صادقة، وبإيمان قوي بأن الشعب الفلسطيني جدير جدارة الشعب الباكستاني وغيره من شعوب العالم بأن يتحرر من الحكم البريطاني، ومن الزحف الصهيوني على السواء…

وكانت من الحجج القانونية التي ساقها ظفر الله خان أن الأمم المتحدة لا تملك بتاتا الحق في تقسيم أراضي أية دولة من الدول…. حتى لو كانت هذه الدولة مستعمرة أو محمية. وإنما هذا متروك لشعبها وسكانها وحدهم…. وليس في ميثاق الأمم المتحدة ولا في قواعد القانون الدولي ما يبيح للأمم المتحدة أن تفرض على شعب من الشعوب أن يقسم نفسه ويوزع أرضه قطعة هنا وقطعة هناك.. وطلب أن تُستَفْتَى محكمةُ العدل الدولية في هذا الأمر، وأن يوجه إليها هذا السؤال:

“هل تملك الأمم المتحدة – أو يملك أي عضو من أعضائها- أن تفرض قرارًا أو أن تصدر توصية تتعلق بأي خطة لتقسيم فلسطين، أو تقسيم أي وطن في العالم، ضد رغبـة سكانه وبدون موافقتهم عليه؟”

“وفي خلال يوم أو يومين نشطت الأجهزة الصهيونية في كل مـكان، داخل البيت الأبيض وداخل الكـونجرس، وداخل وزارة الخارجية الأمريكية، وداخل وزارة الخارجية في بلاد عارضت التقسيم مثل الفيلبين أو امتنعت عن التصويت مثل ليبيريا.. وحتى داخِلَ مكتب الأمين العام للأمم المتحدة الذي كان أكثر الناس حماسًا لتقسيم فلسطين وإقامة الدولة اليهودية.. فلما صوتت الجمعية العامة انقلبت أصوات عدد من الدول، وصدر القرار النهائي بأغلبية ثلاثة وثلاثين صوتا مع التقسيم وثلاثة عشر صوتا ضد التقسيم، وعشرة أصوات ممتنعة عن التصويت.. أي أن قرار تقسيم فلسطين ظفر بالأغلبية اللازمة وعليها سبعة أصوات أخرى!

“…… وقف ظفر الله خان على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة يلقي خطابا يفيض بالمرارة.. ولكنه أيضا ينظر فيه إلى بعيد.. ويتنبأ بما سوف يترتب على هذا القرار من نتائج وعواقب، لن تنجو منها تلك الدول التي تحمست واندفعت لتقيم الدولة اليهودية فوق أنقاض الوطن الفلسطيني.. قال ظفر الله خان في خطابه المدوّي في ذلك اليوم الحزين:

“تقولون إننا لم نفعل أكثر من أن نأخذ جزءا من فلسطين ليقيم فيه اليهود لأن هذا أمر تقتضيه “الإنسانية” تجاه هؤلاء “المضطهدين”. لو كان ما تقولونه صدقا لقبلتم مقترحاتنا بأن تفتح كل دولة أبوابها لتأوي عددا من اليهود الذين لا وطن لهم ولا مأوى.. ولكنكم جميعا رفضتم.

“أستراليا.. قارة بأكملها.. تقول لا، فأنا بلد “صغير المساحة” ومزدحم السكان! وكندا تقول لا، فأنا أيضا مساحتي صغيرة وأراضي مكتظة بالسكان.

“والولايات المتحدة، بمُثلها الإنسانية العظيمة، وبمساحاتها الشاسعة ومواردها الهائلة، تقول: لا، ليس هذا هو الحل….

“ولكنكم جميعا تقولون: دعوا اليهود يذهبون إلى فلسطين.. فهناك الأراضي الفسيحة، وهناك الاقتصاد المزدهر.. فليذهبوا إليها بعيدا عنا.. ولن تكون هناك متاعب ولا مشاكل..!!

وينقلب صوته الساحر وهو يتحدث عن المواقف “الإنسانية” التي تدّعيها هذه الدول إلى صوت من التحذير والنذير وهو يوجه كلامه إلى أمريكا وأشياعها قائلا:

“أنصحكم أن تتذكروا الآن أنكم سوف تحتاجون غدا إلى أصدقاء. أنصحكم أن تعرفوا أنكم في حاجة إلى أصدقاء في الشرق الأوسط.. فلماذا تجعلون من شعوب تلك البلاد أعداء لكم؟ لا تحطّموا بأيديكم مصالحكم في تلك البلاد.” (مجلة “العربي” العدد 295، حزيران عام 1983)

أصابع الاستعمار تلعب وراء هذه المؤامرات

قد يتساءل القارئ، ما السبب لتكفير من يمدحه القاصي والداني، والذي لم يدّخر جهدا في الدفاع عن المواقف العربية؟ الجواب ببساطة أن الاستعمار خاف من دعوة الجماعةِ الإسلامية الأحمدية المسلمين لتوحيد صفوفهم، كما أوجس خيفة من مواقف الأحمدية لصالح العرب مِن قِبل إمامها وأبنائها الأفذاذ كأمثال السير محمد ظفر الله خان، وخاف من صمود الدول الإسلامية في وجهه صفا واحدا، لذلك عمد إلى تزوير الحقائق وإثارة الفرق الإسلامية ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية عن طريق بعض المأجورين.

وتدليلا وتمثيلا على ذلك نورد فيما يلي ما ورد في مقال منشور في جريدة (الأنباء) العراقية بقلم أحد كبار كتابها الأستاذ علي الخياط الأفندي، وهاك نصه:

“أصابع الاستعمار التي تلعب وراء القاديانية في كل مكان…..

ليس هناك سوى سبب واحد وهو إصبع الاستعمار الذي يلعب دورا هاما في هذه القضية لبثّ الشقاق والتفرقة بين المسلمين الذين لا زالوا بانتظار اليوم الموعود الذي يقومون فيه بجولتهم الثانية لتطهير البلاد المقدسة من أرجاس الصهيونية وإعادة فلسطين إلى أصحابها الشرعيين. إن الاستعمار يخشى أن يتحقق حلم العرب هذا، وتزول دولة إسرائيل التي تحمل الكثير من المشاق في سبيل تكوينها.. فيعمد إلى إثارة الشقاق بين طوائف المسلمين بإثارة النعرات، لتقوم بعض العناصر بتكفير فئة الأحمدية والتشهير بهم، حتى يؤدي ذلك إلى الشقاق بين باكستان وبين بعض الدول العربية التي تقوم صحفها بتكفير “ظفر الله خان” وزير خارجية باكستان الذي يتبع الطريقة الأحمدية.

ولعل كثيرا من القراء يذكرون محاولة بعض العناصر في باكستان قبل تأسيس (الإسلامستان) أي جامعة الدول الإسلامية، وذلك بجمع كافة الدول الإسلامية في منظمة واحدة لتسيير سياستها الخارجية والمحافظةِ على كيانها واستقلالها، إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل بعد أن وقف بعض العناصر منها موقفا معارضا. وكان من جملة الأسباب التي أدت إلى فشل هذا المشروع هو سلاح التكفير الذى ناوله الاستعمار ليد بعض المتطرفين ليشهروه في وجوه الذين تبنّوا المشروع المذكور، لأنهم “قاديانيون ومارقون عن الإسلام”.

وقد يظن بعض القراء أن ما أذكره من تدخُّل الاستعمار في هذه القضية ليس إلا وليد الحدس والظن، إلا أني أؤكد للقراء بأني مطّلع كل الاطلاع على تدخُّل الاستعمار في هذه القضية، إذ أنه حاول أن يستغلّني فيها بالذات عام 1948 أثناء حرب فلسطين.

كنت حينئذ أحرر إحدى الصحف الفكاهية وكانت من الصحف الانتقادية المعروفة في عهدها. وقد أرسل إليَّ موظف مسؤول في إحدى الهيئات الدبلوماسية الأجنبية في بغداد، يدعوني لمقابلته. وبعد تقديم المجاملة وكيْل المديح على الأسلوب الذي اتّبعه في النقد رجاني أن أنتقد الجماعة القاديانية على صفحات الجريدة المذكورة بألذع طريقة ممكنة، لأنها جماعة مارقة عن الدين. فأجبته في بادئ الأمر بأني لا أعلم شيئا عن هذه الجماعة وعن معتقداتها ولذلك لا يمكنني أن أنتقدها. فزوَّدني ببعض الكتب التي تبحث في معتقدات القاديانية، كما أنه زودني ببعض المقالات عسى أن تنفعني بعض عباراتها في كتابة مقالاتي الموعودة. واستطعت أن أطّلع على بعض عقائد الجماعة من مطالعة الكتب التي زودني بها المسئول المذكور، والتي لم أجد فيها شيئا يدل على تكفيرهم حسب اعتقادي. وبعد عدة مقابلات طلبتُ منه أن يعذرني عن تلك المهمة نظرًا لاعتقادي بأن ذلك يسبّب الشقاق بين الطوائف الإسلامية في مثل ذلك الوقت بالذات. فأجاب قائلا: ألا إن هؤلاء ليسوا بمسلمين، وقد كفّرهم علماء جميع الطوائف الإسلامية في الهند. فقلت له: إن أقوال علماء الهند ليست أقوى حجة من الآية القرآنية التي تصرح بأن لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لستَ مؤمنا. فما كان منه إلا أن قال غاضبا: هل أثّرتْ فيك دعاية القوم، فخرجتَ عن الإسلام، وأصبحت قاديانيا، وأخذت تدافع عنهم. فقلتُ متهكمًا: كنْ على يقين يا هذا، بأني لا أستطيع أن ادّعى بأني مسلم بكل ما في هذه الكلمة من معنى، بالرغم من قضائي عشرات السنين بين المسلمين، فهل تكفى مطالعة بضعة كتب للقاديانية أن تجعلني قاديانيا؟

وقد اطلعتُ خلال ترددي على هذه الهيئة بأني لستُ الوحيدَ المكلَّف بهذه المهمة، بل هناك أناس آخرون يشاركونني التكليف. كما أني لم أكن الشخص الوحيد الذي رفض، بل رفضه غيري أيضا.

كان ذلك عام 1948 في الوقت الذى اقتُطع فيه جزء من الأراضي المقدسة وقُدّم لقمةً سائغة للصهيونيين. وإني أظن أن إقدام الهيئة المذكورة على مثل هذا العمل كان رَدَّ فعل للكراستين اللتين نشرتهما الجماعة الأحمدية في ذلك العام بمناسبة تقسيم فلسطين، وكانت إحداهما بعنوان “هيئة الأمم المتحدة وقرار تقسيم فلسطين”، التي كانت تبحث في المؤامرات التي دُبرت في الخفاء بين المستعمرين والصهيونيين، وكانت الثانية بعنوان “الكفر ملة واحدة”، وكانت تحث المسلمين على توحيد الصفوف وجمع المال لمحاربة الصهيونيين وتطهير البلاد المقدسة من أرجاسهم.

هذا ما اطلعت عليه بنفسي في ذلك الحين، وإني واثق كل الوثوق بأن الأحمديين ما داموا يبذلون الجهود لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، ويبحثون عن أسباب تتيح للمسلمين القضاء على دولة إسرائيل اللقيطة صنيعة المستعمرين، فإن الاستعمار لن يتوانى عن تحريك بعض الجهات للتشهير بهم بقصد تشتيت الكلمة.” (جريدة (الأنباء) العراقية بتاريخ 21-9-1954)

وبغض النظر عن فتاوى التكفير والتصريحات المسيئة لها ظلّت الجماعة تخدم العرب معتبرة هذه الخدمة واجبا دينيا وأخلاقيا، وظلت صامدة في الصف الأول للدفاع عن حقوقهم، وما ادخرت وسعا في تقديم خدماتها كلما احتاجت إليها الدول العربية. نذكر فيما يلي بعض الخدمات الأخرى التي أسدتها الجماعة إلى البلاد العربية والشعب العربي.

Share via
تابعونا على الفايس بوك