سوء الظـن يقطع جذور الصدق
التاريخ: 2010-02-05

سوء الظـن يقطع جذور الصدق

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • الشرك الخفي يعترض طريق الصلوات التي تنهى عن الفحشاء
  • سوء الظن والشك يجعلان من الحياة جحيماً

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (الأنعام 121)

لقد وردت كلمة “الإثم” مرتين في هذه الآية. ومن معانيها: الذنب أو الجريمة أو الخطأ، أيا كان نوعه، أو التجاوز عن الحدود، أو العمل الذي يجعل الإنسان يستحق العقاب بسبب المعصية، أو العمل أو الفكرة التي تمنعه من كسب الحسنات، أو أي تصرف يخرج عن القانون. وكلمة “الذنب” أيضا تُستخدَم في المعنى نفسه تقريبا. إلا أن هناك فرقا بين الإثم والذنب عند أهل اللغة. فيقول البعض إن الذنب يُطلق على ما يقترفه الإنسان سواء كان قصدا أو بغير قصد. أما الإثم فهو ما يكسبه الإنسان قصدا عادة.

على أية حال، قد وجّه الله تعالى الأنظار في هذه الآية إلى أمرين اثنين. الأمر الأول هو أن عليكم أن تجتنبوا ظاهر الإثم وباطنه أيضا، وفكّروا جيدا قبل الإقدام على أي عمل أو تصرف، لأن هناك بعض الأعمال التي نعرف عنها بداهة أنها ليست صائبة بل هي أعمال شيطانية. وهناك نوع آخر منها ما يبدو صالحا في بادئ الرأي ولكن عاقبتها سيئة لأن حقيقتها تكون خافية عن الأعين. فيغوي الشيطانُ الإنسان قائلا، لا بأس في القيام به لأنه ليس ذنبا كبيرا. ولكن الإنسان يعرف خطورته بعد ارتكابه ويندم حين يرى أنه قد تورط في وحل ذنوب يستحيل التخلص منه. ثم تبدأ سلسلة الذنوب فيظل الإنسان يقترف ذنبا بعد آخر. فيقول الله تعالى أن على المتقي أن يتنبه إلى الذنوب الظاهرية والباطنية أيضا التي من شأنها أن تسفر عن نتائج وخيمة. وعليه أن يستعين بالله قبل الإقدام على كل عمل وفعل ويدعوه أن ينقذه من الشر الكامن فيه. فيجب ألا تقدموا على العمل لمجرد جماله الظاهري فقط، ولا تشغفوا في شيء بالنظر إلى جماله المادي فحسب. بل حيثما وجدتْ شائبة من الارتباك والشك فافحصوا الأمر جيدا. واستعينوا بالله واسترشدوه قبل القيام بكل عمل. لو فعلتم ذلك لبوركت أعمالكم ولتجنبتم من نتائجها السلبية، وبذلك يعصم الله صاحبها من كل شر وفتنة.

وذلك يتطلب منا أن نخشى الله كل حين وآن، ونتطهَّر من كل أنواع الشرك دوما. وإذا تحقق هذا الوضع فعندئذ يسمَّى المؤمن مؤمنا حقيقيا ويتمكن من حماية نفسه من الفحشاء.

والأمر الثاني الذي وضَّحه الله تعالى هنا هو أنكم لو لم تجعلوا التقوى نصب أعينكم في كل حين وآن ولم تكونوا حذرين إلى أقصى الحدود ولم تتنبّهوا جيدا إلى الفرق بين الحلال والحرام لوقعتم في الذنوب وسوف تعاقَبون عليها. ولن تغني عنكم الأعذار أننا لم نعرف حقيقة الأمر. فقد بيّن الله تعالى في الآية السابقة أمرا مبدئيا هو أن كثيرا من الناس يُضلون الآخرين لتحقيق مآربهم لذا يجب أن تكونوا حذرين جدا، وميِّزوا بين الحلال والحرام وانتهُوا عما نهاكم الله عنه.

وباستخدام كلمة “الإثم” بيّن الله تعالى أنكم لو لم تأخذوا حذركم على الرغم من هذه النصيحة وسرتم على سبل غير مستقيمة وانخدعتم بأقوال المضِلِّين المعسولة لكنتم من الذين يقترفون هذا الذنب قصدا منهم. والذنوب التي يقترفها الإنسان قصدا تجعل صاحبها جديرا بالعقاب.

لقد أعطى الله تعالى تعليمات وأوامر كثيرة لاجتناب الذنوب سأذكر بعضها لاحقا. لقد زاد الله تعالى هذا الموضوع شرحا في سورة الأعراف حيث قال:

  قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (الأعراف: 34)

ففي هذه الآية وضّح الله تعالى الموضوع أكثر أن الإسلام يمنع جميع الأعمال السيئة والشيطانية بكل شدة وقوة. يجب على الإنسان – ليعيش مؤمنا حقيقيا – أن يتنبه دائما إلى الأعمال التي تؤدي به إلى التقوى والتي تبعده عنها وعن الله. لا شك أن بعض الأمور تكون خافية أيضا عن أعين الناس في بعض الأحيان، والشيطان يتربص دائما ليجد فرصة لإغوائه – كما أغوى آدمَ – ويرغّبه في الذنوب ويزيِّن له السيئات والآثام لكيلا يعتبرها الإنسان سيئة بل يراها حسنة ثم يقترفها ويستمر فيها مدمنا عليها. فقد نبّهنا الله تعالى بصددها وقال يجب أن تجتنبوها لأنها أعمال محرَّمة وستجلب لكم العقاب.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

  قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ (الأعراف:34)

ثم لم ينحصر كلامه تعالى على ذكر حرمة الفواحش والمنكرات والأعمال السيئة بل حين ذكر الفواحش بيّن علاجها أيضا وأخبر كيف يمكنكم اجتناب الفواحش والمنكرات. فيقول تعالى في موضع آخر:

  إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (العنكبوت: 46)

بما أن الإنسان يرى مشاهد الفحشاء والمنكر في حياته كل يوم منتشرة هنا وهناك ولا سيما في هذا العصر، وتُغري الإنسان أيضا لذا فقد فرض الله تعالى خمس صلوات ونصح الإنسان للالتجاء إلى ملاذ الله وهداه إلى ذلك السبيل.

يقول سيدنا المسيح الموعود :

“ما هي الصلاة؟ إنها دعاء يحمي الإنسان من جميع السيئات والفواحش ويجعله مستحقا للحسنات وموردا للإنعامات الإلهية. لقد قيل إن “الله” هو الاسم الأعظم. وقد جعل الله تعالى جميع الصفات تابعة لهذا الاسم. تأملوا الآن، إن الصلاة تبدأ من الأذان، والأذان يبدأ من “الله أكبر”، وينتهي على “لا إله إلا الله”. أي أن الصلاة تبدأ بـ “الله” وتنتهي على “الله” كذلك. هذه مفخرة تتميز بها العبادة الإسلامية فقط، إذ إن الله تعالى هو المقصود فيها أولا وأخيرا دون سواه. وأقول بكل تحدٍّ إن هذا النوع من العبادة لا توجد في أي قوم أو ملة. فالصلاة دعاء وقد قدِّم فيها “الله” بأنه الاسم الأعظم لله . كذلك إن الاسم الأعظم للإنسان هو “الاستقامة”. والمراد من الاسم الأعظم هنا ما تُنال به الكمالات الإنسانية.”

فلو تدبّرنا بقول المسيح الموعود : “الاسم الأعظم للإنسان هو “الاستقامة” لظللنا في بحث مستمر عن صلاة تقرّبنا إلى الله تعالى. وحين يكون الإنسان قريبا من الله تعالى يوفّقه لأداء صلاة تحميه من صولات الشيطان، وتمنعه عن الفحشاء وتجعله وارثا للحسنات. وبها يكون الإنسان محميا من الفواحش الظاهرية والباطنية. لقد أرشدنا المسيح الموعود إلى هذا النوع من الصلوات فقال:

“إن الصلاة عمل يؤدي إلى إصلاح الدنيا والدين أيضا. والصلاة عبادة لو أداها الإنسان لحفُظ من كل عمل سيئ وفاحشة. ولكن لا يمكن له أن يؤدي الصلاة بهذا الأسلوب بقوته هو. وهذا الأسلوب لا يتأتي بدون العون من الله تعالى. وما لم يداوم الإنسان على الدعاء لا يتسنى له الخشوع والخضوع على هذا النحو. لذا يجب ألا يخلو ليلكم ولا نهاركم بل أية لحظة من حياتكم من الأدعية.”

إذن، فهناك حاجة لنملأ قلوبنا بذكر الله تعالى لنتجنب من الفحشاء والمنكرات المنتشرة في كل حدب وصوب في العصر الراهن، وإلا سيجرُّ الشيطان إلى آثام يغرق فيها صاحبها يوما إثر يوم. ثم تحول تلك الآثام دون أدائه واجباته، فيصدر منه خطأ تلو خطأ ويتمادى في معصية أوامر الله باستمرار، لذا فقد قال تعالى: اجتنبوا البغي فهو أيضا حرام. وإذا لم تُولِّدوا فيكم هذا الإحساس، فسوف تتجاوزون جميع الحدود والقيود، ولن تقدروا على التمييز بين العمل الصالح من الطالح. فمن المصلين من يتعدَّى حدود الله، لهذا قد قال سيدنا المسيح الموعود : نحن بحاجة ماسة إلى نصرة الله والاستعانة به للوصول إلى المستوى المطلوب للصلوات. وذلك يتطلب منا أن نخشى الله كل حين وآن، ونتطهَّر من كل أنواع الشرك دوما. وإذا تحقق هذا الوضع فعندئذ يسمَّى المؤمن مؤمنا حقيقيا ويتمكن من حماية نفسه من الفحشاء.

فقد نحت الإنسان أصنام أعذار النفس. فالإنسان لا يبالي بأمور كثيرة رغم إيمانه ثم هذه الأوثان والأصنام تحول عقبةً دون العبادة وأداءِ الصلاة، فمثل هذه الأنواع للشرك الخفي تعترض طريق الصلوات التي تنهى عن الفحشاء.

ثم يذكر الله تعالى في سورة البقرة بعض السيئات الأخرى أيضا في سياق الحديث عن الإثم. يقول الله

  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا (البقرة: 220)

فأولا وضّح عن الخمر والميسر: فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ثم قال: وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ أي قد أودعهما بعض المنافع أيضا غير أن أضرارهما أكثر من منافعهما فقال:

  وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا

ثم في نهاية هذه الآية قال :

  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (البقرة:220).

فقد بيَّن أن ما صنعه الله له فوائد ومنافع وبعض الأضرار أيضا. أما أنتم فينبغي أن تتنبّهوا دائما إلى المبدأ وهو أن تجتنبوا استهلاك كل ما ضرُّه أكثر من نفعه. أما الخمر والميسر ففي كليهما إثم كبير أي لهما أضرار كثيرة، فهما يزيدان الإنسان إثما رغم ما فيهما من فوائد، كما بينت خلال بيان المعاني المختلفة لكلمة الإثم. وقد ورد في القرآن الكريم حيث يقول الله

وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (الفرقان: 69)

أي سوف يتعرض للعقاب على إثمه، رغم أن في الخمر والميسر منافعَ أيضا. ثم قال تعالى: لعلكم تتفكرون ، غير أن هذا التفكر لا يعني أن تتفكروا في جلب منفعةٍ قليلة أو كثيرة أو تتفكروا هل في العمل الفلاني منفعة أو لا، بل يجب أن تتفكروا في أنكم إذا استخدمتموهما أو أقدمتم على هذا العمل فسوف تكسبون إثما وتستحقون العقاب، لأن الله تعالى قد بيَّن بقوله وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ أنكم ستُعاقَبون على هذه الجريمة. وهذا الذنب إذا تورط فيه الإنسان مرة لجّ به التورط باستمرار وسقط في هوته قصدا، ويدمن على الإقدام على هذين العملين. وهكذا يستوجب العقاب باتخاذه البغْي، ففي كلا العملين لا يضيع الإنسان ماله الطيب فحسب، بل بإضافة مال الحرام الذي اكتسبه بالميسر إلى ماله يجعل جميع أمواله حراما. وكذلك يضيع متعاطي الخمر أمواله بشرب الخمر ويدمر صحته.

وقد بيَّن الله في موضع آخر من القرآن الكريم بصراحة تامة أن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام كلها أعمال شيطانية تمنعكم عن الحسنات والأخلاق السامية والعبادات كما يقول في سورة المائدة

  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (المائدة: 91-93)

إن إدمان الخمر والميسر في العصر الحاضر منتشر على نطاق واسع في هذه البلاد بل في كل مكان. وحتى في البلاد التي تداولها محظور يمكن الحصول عليه بسهولة سرا حيث يوجد بعض الأماكن التي يرتادها الناس ويشربون. وليس في متناول الناس بشكل عام فحسب بل في هذه البلاد يلاحَظ الحثُّ على شربها بمختلف الوسائل. ففي كل محطة عامة أو في كل محل كبير تلاحَظ أجهزة لعب القمار، حيث يلعب الناس القمار بأسلوب أو آخر. أما الشرك فإذا لم تكن أوثان مادية فقد نحت الإنسان أصنام أعذار النفس. فالإنسان لا يبالي بأمور كثيرة رغم إيمانه ثم هذه الأوثان والأصنام تحول عقبةً دون العبادة وأداءِ الصلاة، فمثل هذه الأنواع للشرك الخفي تعترض طريق الصلوات التي تنهى عن الفحشاء. ثم هناك معرفة الحظ عن طريق الأسهم. وفي العصر الراهن هناك شكل آخر من الأزلام وهو اليانصيب. ففي هذا المجال أيضا لا يكترث كثير من الناس ولا يولون اجتنابه اهتماما ويشترون بطاقات اليانصيب، فهذا أيضا حرام. فقد وصف الله كل هذه الأعمال بأنها

  رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ .

فمن واجب المؤمن الحقيقي أن يداوم على العبادة، ويثابر على إحراز الحسنات وأعمال البر، ويداوم على اجتناب السيئات والفحشاء، ولن يتأتى هذا الدوام إلا بلفت الانتباه إلى ذكر الله تعالى وأداء الصلوات. ثم للتسابق في البر والتقوى واجتنابِ الذنوب والمعاصي قد أمر الله تعالى في القرآن الكريم على النحو التالي حيث قال

  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ (المائدة: 3)

هذا هو التعليم الرائع للإسلام حيث سبق أن قال:

وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا (المائدة: 3)

ثم قال يجب أن يكون بينكم تعاون متبادل على البر والتقوى دوما. فالتقوى الحقيقية إنما هي في داخل المؤمن ويجب أن يكون فيه التقوى. فيجب أن يستمر التعاون دوما في أعمال البر متحلين بالتقوى، وإنما التقوى ما تُكسب الإنسان حسنات أخرى في المستقبل. وإذا كان موضوع يجدر التركيز الدائم عليه من المؤمن فهو الاهتمام بالحسنات والحثّ على إحراز البر والتقوى. ومثل ذلك إذا كان شيء يجب اجتنابه فهو الإثم والعدوان. فلا يليق بمؤمن أن يصدر منه إثم، وأن يصدر منه ذنب قصدا فيدفع المعتدين إلى التمادي في الاعتداء. فالمعتدون لا يتنبّهون إلى مغبة ما يعملون. فالمعتدي يمارس الظلم لأقصى الحد. يقول الله : إذا لم تنتهوا عن الإثم والعدوان والاعتداء والإثم المتكرر فتذكّروا أن الله شديد العقاب. ومع هذا التعليم الرائع الجميل يُلصَق بالإسلام الاتهام الشنيع بأنه انتشر بالظلم والعدوان وأنه يعلِّم أتباعه الظلم والعدوان. فمثل هذه الاعتراضات تثار ضد الإسلام بين حين وآخر في بعض البلاد. لكننا لو أمعنا النظر فيما يجري في الغرب لوجدنا المظالم والاعتداءات تمارَس ضد العراق وبعض البلاد الأخرى أيضا. فقد سمعتم عن العراق أنه قد اعترف الكثيرون أن الهجوم على العراق كان ظلما وهو مستمر إلى الآن، بينما هناك أناس يقولون أن قرار الهجوم كان صائبا وهكذا كان يجب أن يكون. بينما يقول الإسلام: كلاّ، ليس هذا التصرف من التقوى في شيء. فإذا تبين خطؤكم فاعترفوا به. وإذا كان هناك حاجة للسلم والتصالح أو في التسابق في أعمال الخير والبر فروِّجوا الحسنات متحلين بالتقوى وكُفّوا عن الاعتداءات. وإذا لم يحصل ذلك فهذا الأمر يجعل المؤمن مستحقا للعقاب في نظر الله. وإذا كان الإسلام يُعلِّم هذا البر تجاه الآخرين فكم بالحري بالمؤمن أن يحسن إلى أحبته. وفي هذا الخصوص يقول سيدنا المسيح الموعود وهو ينصح أبناء الجماعة:

ينبغي للأحمديين إعانة إخوتهم الضعفاء وتقويتهم. إذا كان هناك أخَوان أحدهما يتقن السباحة والآخر يجهلها؛ فهل يليق بالأول أن يترك أخاه عندما يوشك على الغرق أم ينقذه؟ كلا، بل عليه أن ينقذه من الغرق. فقد ورد في القرآن الكريم:

  تعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى (المائدة: 3).

فاحملوا أوزار الإخوة الضعفاء، وساعدوهم على ضعفهم العملي والإيماني والمالي أيضًا. كما يجب مداواة ضعفهم الجسدي أيضا. لا تُعتَبر الجماعةُ جماعةً ما لم يساند الأقوياءُ منهم إخوتهم الضعفاءَ. والسبيل الأوحد لذلك هو ستْر عيوبهم. وهذا ما عُلّم به الصحابة رضي الله عنهم أيضا أن لا تضجروا من تقصيرات حديثي الإسلام لأنكم أيضا كنتم ضعفاء مثلهم. كذلك ينبغي على الكبير أن يخدم الصغير ويعامله بحب ولطف. ألا لا تكون الجماعةُ جماعةً إذا كان بعضها يأكل بعضه بحيث إذا جلس بعضهم شَكُوا من بعض إخوتهم الضعفاء وازدروهم وحقّروهم، ونظروا إلى الفقراء نظرة استخفاف وازدراء. يجب ألا يحدث هذا مطلقًا. بل يجب أن يكونوا متماكسين حتى تتحقق لهم القوة والوحدة اللتان هما مجلبة للحب فيما بينهم والبركات.

….. فلماذا لا يوسَّع نطاقُ القوى الأخلاقية؟ وهذا يحدث عندما تعمّ المواساة والحب والعفو واللطف، ويُقدَّم الرحمُ والمواساة وعادة الستر على جميع التصرفات والسلوكيات.”

يجب ألا يتم البطش بالناس على أتفه الأمور لأن هذا الأمر يؤدي إلى إحباطهم…. إنما تكون الجماعة جماعةً إذا واسى بعضهم عيوب بعض وستر بعضهم بعضا. عندما تكون الحالة هذه يصبح أفراد الجماعة جوارحَ بعضهم بعضا بعد أن يكونوا أعضاء كيان واحد بحيث يعتبرون أنفسهم أولى من الإخوة الحقيقيين….. ولقد ذكَّر الله تعالى الصحابةَ أيضا طريق النعمة والأخوّة هذه حيث قال لو أنفقوا الجبال ذهبا لما نالوا تلك الأخوّة التي نالوها بواسطة النبي – – وعلى غرار ذلك فقد أقام الله هذه الجماعة ولسوف يحقق فيها أيضا الأخوة نفسها.” (الملفوظات ج 3 ص 347-349)

فهذه هي الأخلاق الفاضلة التي تزيد الإنسان برًّا وتقًى، وتجنبه المعاصي وتكفه من الظلم. إذا كان العبد ينال قرب الله تعالى من خلال عباداته فإنه من خلال هذه الأخلاق العالية يتنبه إلى أداء حقوق العباد أيضا.

ثم نبهنا الله تعالى إلى سيئة كبيرة أخرى بقوله:

يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا الله إنَّ الله تَوَّابٌ رَحِيمٌ (الحجرات 14).

إن الله تعالى يريد أن يولّد بين المؤمنين المحبة والأخوة التي تنشأ من خلال الظن الحسن، لذلك قال

  اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ

لأن الظن يؤدي إلى ارتكاب الإثم، الأمر الذي ليس ضررًا على من يمارسه فحسب بل هو يفسد أمن المجتمع أيضا، ويجعل في القلوب فرقة وجفاء، لذلك اعتبره الله تعالى إثما كبيرا ولا يمارسه صاحبه إلا إشباعا لأنانيته. ثم قال تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا ، ومَرَدّ التجسس سوء الظن في كثير من الأحيان، لأنه عندما يتجسس أحد على الآخر ولكن لا يتلقى معلومات كافية فإنه يعتمد على المعلومات التي تحصّل عليها فحسب مما يزيده ظنًّا سيّئا أيضا فيضيف إليها من عنده، وفي بعض الأحيان يُعمي الإنسان ظنُّه السيئ لدرجة يحتار الإنسان عند رؤية حالة هؤلاء الناس ومنهم بعض المثقفين الكبار وبعض من يخدمون الجماعة أيضا الذي يتفوهون أحيانا بكلمات لا يتوقع صدورها حتى من أجهل السيدات القرويات أيضا. إنهم يضخمون بعض الأمور الصغيرة ويقعون تحت تأثيرها لدرجة يعتبرونها من أهم القضايا في حياتهم، وبالتالي يقصّرون في أعمالهم نتيجة التفكير الكثير في مثل هذه القضايا التافهة، ويجعلون حياتهم جحيما، وحياة من يشكُون منه أيضا. تُرفع إليّ في بعض الأحيان مثل هذه القضايا، وعندما أجري التحقيق فلا يخرج منها إلا أمورا صغيرة وتافهة. فهناك بعض الأمور لا تتعلق بمن رفع الشكوى بل يكون قد سمع بعض الأقوال من هنا وهناك ثم تجسس وجمع معلومات غير ناضجة ثم أضاف عليها الحواشي من عنده ونشره بين الناس. ومن يُنشَر عنه مثل هذه الإشاعات تصبح حياتُه جحيمًا لدرجة أن كل من يراه على خلفية هذه الإشاعات يظن أنه مرتكب الكبائر، فيتوارى عن الناس في بعض الأحيان. على أية حال إنه إثم أكد الله تعالى على تجنبه.

ثم هناك سيئة أخرى وهي الغيبة، وهي الأخرى تفسد أمن المجتمع. لقد كرّه الله تعالى إلينا هذا الفعل القبيح وقال إنكم تغتابون وتتكلمون عن أحد، وتتلذذ ألسنتكم بالحديث عن عيوبه، ولكن تذكروا أنه لفعلٌ مكروه لدرجة وكأنكم أكلتم لحم أخيكم ميتا، ومن ذا الذي لا يكره ذلك؟ والغيبة أن تُذكَر عيوب الآخرين في غيابهم. فإذا كنتم تريدون إصلاح من تشكون منه فيمكن أن تنصحوه على انفراد حتى يُصلح نفسه، وإن لم ينصلح فيمكن رفع الأمر إلى المسؤولين المحليين أو إلى نظام الجماعة أو أمير الجماعة، وإذا رأيتم أن البعض يراعي مصالحه الشخصية أو أنتم لا ترتاحون لقراره فيمكن رفع الأمر إليّ أيضا، كما يفعل البعض فيرفعون إلي شكاويهم ولكن يظهر منها جليًّا أن المشتكي يريد أن يبدي حقده الكامن في قلبه دون أن يستهدف إصلاح المشتكى عليه، إضافة إلى ذلك لا يكتب المشتكي اسمه في رسالته في معظم الأحيان بل يكتفي بذكر كلمات مثل: أحد أفراد الجماعة، أو الناصح، أو المخلص، أو يكتب اسما وعنوانا خاطئا. إن سعي مثل هؤلاء الناس يقتصر على تشويه صورة أحد في قلبي، ولكنهم لا ينجحون في ذلك أيضا إذ إن من أخفى اسمه فلا بد أنه ليس بمخلص قط، بل يريد تشويه سمعة الآخرين. لا يؤبه لمثل هذه الرسائل عموما، أما من ناحيتي فعلي أن أحقق مقتضيات الإنصاف فأبدأ بالتحقيق في الأمر، ولكن كيف يتم التحقيق في أمر مرفوع من قبل شخص مجهول الاسم والعنوان. ولكن تذكروا أنه لا تنشأ في قلبي أية كراهية أو نفور تجاه أحد حتى ولو عوقب من قبل نظام الجماعة، إنما يحزن قلبي على أن أحمديًّا تعرض للعقوبة. يجب أن يتذكر الأحمدي أن الله تعالى يقول:

  وَاتَّقُوا الله إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (الحجرات 13).

فمن يعتاد ممارسة هذه السيئات كالغيبة وسوء الظن والتجسس يجب أن يتحسس قلبه أيضا وليخش الله ويستغفره من ذنوبه إذ إن الله تعالى يقول من يأتيني مغلوبا بشعور الندامة فإنني سأقبل توبته وأعامله بالرحمة. يقول سيدنا المسيح الموعود :

“يبدأ الفساد حين يشرع الإنسان باتباع الظنون الفاسدة والشكوك، ولكنه إذا أحسن الظن فلا بد أن يتوفق لإسداء الخير، أما لو أخطأ عند الخطوة الأولى فلا يسعه الوصول إلى الغاية المنشودة. إن سوء الظن شيء سيئ للغاية ويحرم الإنسان من كثير من الحسنات، وعندما يزداد عند أحد مرض سوء الظن فإنه يصل درجة يسيء فيها الظن بالله تعالى أيضا.”

ثم يقول حضرته:

“إن سوء الظن شيء يقطع جذر الصدق فاتقوه وادعوا الله لنيل كمالات الصديقين.”

ثم قال حضرته:

“بعض الذنوب تكون دقيقة ويظل الإنسان يمارسها دون أن يدرك أنه واقع فيها، إنه ينتقل من الشباب إلى الشيب ولكنه لا يدرك أنه يرتكب المعاصي، على سبيل المثال هناك عادة التذمر ورفع الشكاوى، وأصحابها يعتبرونها أمورًا هينة وصغيرة ولكن القرآن الكريم اعتبرها عملا سيئًا للغاية حيث قال:

  أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ (الحجرات: 13)،

فإن الله تعالى يسخط من أن يتلفظ الإنسان بكلمة يحقّر بها أخاه، أو يقوم بما يضر به. فإذا تكلم أحد بما يُثبت جهلَ أخيه وغباءه، أو يؤدي إلى نشوء عداوة ضده بشكل خفي فإنه من السيئات.”

وفقنا الله تعالى لتجنب جميع الآثام والذنوب ووفقنا لكسب جميع أنواع الحسنات، وللعمل بجميع أحكامه وأوامره ونيل جنات رضاه، آمين.

إنهم يضخمون بعض الأمور الصغيرة ويقعون تحت تأثيرها لدرجة يعتبرونها من أهم القضايا في حياتهم، وبالتالي يقصّرون في أعمالهم نتيجة التفكير الكثير في مثل هذه القضايا التافهة، ويجعلون حياتهم جحيما، وحياة من يشكُون منه أيضا. تُرفع إليّ في بعض الأحيان مثل هذه القضايا

هناك خبر مؤسف اليوم أيضا، وهو استشهاد السيد سميع الله بن السيد ممتاز أحمد من “شهداد بور” محافظة “سانغهر” بباكستان في 3 فبراير 2010. كان له محل إلكترونيات وتصليح الموتورات، وبينما كان عائدا في المساء من محله إلى قريته أوقفه راكبان على دراجة نارية فسأله أحدهما عن الطريق لأحد الأماكن والآخر وضع مسدسه على رأسه وأطلق الرصاص فاستشهد فورًا. كان يبلغ من العمر 53 عاما، وكان عضوا فعالا في الجماعة المحلية حيث كان يشغل فيها مناصب عدة مثل سكرتير “إصلاح وإرشاد” وسكرتير “الدعوة إلى الله” وزعيم أنصار الله ونائب ناظم أنصار الله على مستوى المحافظة. كان يقوم بالدعوة إلى الله بشكل فعال حيث كان يبلغ الناس الدعوة الأحمدية في محلّه أيضا رغم المعارضة الشديدة، وركّب في محله صحنًا لالتقاط قناتنا الفضائية MTA، كما كان يعقد في بيته مجالس الأسئلة والأجوبة مع غير الأحمديين.

كان مؤمنا صادقا يتحلى بالشجاعة والبسالة والغيرة الإيمانية. كان موصيا وترك خلفه زوجتين إحداهما مع ثلاث بنات وابن واحد تعيش في كندا، والأخرى كانت تعيش معه مع ابنيهما وبنت واحدة. ندعو الله تعالى أن يسكن الشهيد فسيح جنان رضاه ويرفع درجاته، ويلهم ذويه الصبر والسلوان ويكون حاميهم وناصرهم. سوف أصلي عليه صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك