نور على نور
التاريخ: 2010-01-22

نور على نور

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • النبي خاتم الأنبياء ومجمع الأنوار
  • النبي هو السراج الذي به تضاء ألوف السُرُج دون أن ينقص من نوره شيء
  • نوره العظيم سيكون سبباً لإنارة البشرية كلها

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

يصف المسيح الموعود المكانةَ السامية للنبي ونورَه الكامل فيقول: “إن عقل هذا النبي المعصوم وجميعَ أخلاقه الفاضلة كانت على التوازن التام واللطافة الكاملة والنورانية التامة بحيث كادت أن تضيء تلقائيًا حتى قبل نزول الوحي عليه.” أي كان النبي – من ناحية العقل والأخلاق الفاضلة – يحظى بمكانة عالية عديمة النظير. وكان كل خُلقٍ وكل عملٍ له يفيض بنورٍ يتراءى تلقائيا.

الحكمة الدقيقة في تسميته سراجًا هي أن السراج الواحدَ يؤخذ منه ألوف بل مئات الألوف من السُرُج، ولا ينقص من ضوئه شيئا، أما الشمس والقمر فلا يتحليان بهذه الصفة، ومعنى ذلك أن ألوفا بل مئات الألوف من الناس سيحرزون هذه المكانة العليا بسبب اتباعهم النبي وطاعتهم الكاملة له

يقول المسيح الموعود عن قوله تعالى في القرآن الكريم نُورٌ عَلَى نُورٍ (النور 36): “إن نورًا نزل على نور، يعني أن الذات المباركة لسيدنا خاتم الأنبياء – – كانت جامعة لأنواع من الأنوار، ثم نـزل عليها نور سماوي آخر بشكل الوحي الإلهي، فصار خاتمُ الأنبياء – – مجمعَ الأنوار.”

يقول حضرته :

“سُمي النبي في القرآن الكريم نورًا وسراجًا منيرًا.”

ثم وضّح معنى “النور” “والسراج المنير” وقال: “الحكمة الدقيقة في تسميته سراجًا هي أن السراج الواحدَ يؤخذ منه ألوف بل مئات الألوف من السُرُج، ولا ينقص من ضوئه شيئا، أما الشمس والقمر فلا يتحليان بهذه الصفة، ومعنى ذلك أن ألوفا بل مئات الألوف من الناس سيحرزون هذه المكانة العليا بسبب اتباعهم النبي وطاعتهم الكاملة له، ويجري فيضه العام دون الخاص. باختصار، هذه سنة الله تعالى أنه كلما بلغت الظلمة ذروتها أرسل الله تعالى – موافقًا لبعض صفاته – أحدًا بعلم ومعرفة من عنده، وجعل أثرًا في كلامه، وجذبًا في توجهاته، وتستجاب أدعيته، ولكنها لا تجذب أحدًا ولا تؤثر تأثيراتها إلا في الذين هم أهل لها. لاحظوا أن النبي سُمّي بـ سراجًا منيرًا مع ذلك لم يؤمن به أبو جهل.”

اليوم سوف أقدم بعض الأحاديث المتعلقة بالمكانة السامية والحسن الظاهري لهذا النور الإلهي الذي هو السراج المنير وهو “نور على نور” أيضا، وسينجلي من خلالها حسنه الظاهري الرائع. كما سأذكر بعض الأدعية التي علمنا إياها  النبي وذلك لكي تأخذ أمته فيضًا من مكانته السامية ونوره العظيم. كنت أنوي ذكر بعض الأحداث من سيرة المسيح الموعود أيضا في هذا السياق ولكن أحداث سيرة النبي تكفي لهذا اليوم فلن تُذكرَ أحداثُ سيرة المسيح الموعود هذا اليوم بل سأتناولها لاحقا.

إن الإنسان الكامل الذي اسمه محمد المصطفى هو من يقول عنه الله تعالى لولاك يا محمد لما خلقت الأرض والسماء. يقول النبي عن كونه نورًا في إحدى الروايات الواردة في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح كتاب الإيمان: “أول ما خلق الله نوري.” أي أن الله تعالى قد قرّر منذ البداية أن النور الذي سيعطى لهذا الإنسان الكامل لم ينله أحد من السابقين ولن يناله أحد من المتأخرين، ولا يكون ذلك النور في أحد سوى الإنسان الكامل سيدنا محمد . يذكر النبي رؤيا أمّه ويقول: رَأَتْ أمي في المنام كأنه خرج منها نور أَضَاءَتْ منه قُصُور الشَّام. لقد بشر الله تعالى أمّ النبي عن انتشار نور ابنها في أماكن شاسعة وفي قصور شامخة وفي بلاد واسعة. رأت والدة هذا الابن العظيم ولادةَ ابنها وهي أرملة، بالإضافة إلى أنه كان مقدّرًا لها أن لا تشهد طفولته كلها أيضا، ولكن الله تعالى واسى قلبها وطمْأنها أن هذا الولد المحروم من شفقة أبيه الآن لن يعيش حياته في الحرمان الدائم، بل إن نوره العظيم سيكون سببا لإنارة البشرية كلها. واليوم نرى كيف تحققت رؤيا والدته بكل عظمة.

هناك رواية عن حُلْيَة (ملامح) النبي عن الحسن بن علي قال: “سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي، وكان وصّافا، عن حلية النبي ، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال: “كان رسول الله فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر.” (دلائل النبوة للبيهقي، جماع أبواب صفة رسول الله حديث هند بن أبي هالة في صفة رسول الله ).

وهناك رواية أخرى عن حُسن النبي وجماله عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ  فِى لَيْلَةٍ … وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى الْقَمَرِ، قَالَ: فَلَهُوَ كَانَ أَحْسَنَ فِى عَيْنِى مِنَ الْقَمَرِ. (سنن الدارمي، كتاب المقدمة، باب في حسن النبي )

ولكن الله تعالى واسى قلبها وطمْأنها أن هذا الولد المحروم من شفقة أبيه الآن لن يعيش حياته في الحرمان الدائم، بل إن نوره العظيم سيكون سببا لإنارة البشرية كلها. واليوم نرى كيف تحققت رؤيا والدته بكل عظمة.

ثم هناك رواية أخرى عن أبي هريرة قال: “كان رسول الله أبيض كأنما صيغ من فضة.” (الشمائل المحمدية للترمذي، باب ما جاء في خلق رسول الله ). وهناك رواية أخرى تذكر جمال وجهه النوراني، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، إِذَا تَكَلَّمَ رُئِىَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ. (سنن الدارمي، كتاب المقدمة، باب في حسن النبي ).

لم يكن نوره يتراءى للمؤمنين به فقط بل كل ذي فطرة سليمة كان يرى نوره. فقد ورد في رواية: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ يعني الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ َ، قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ، قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ.  (الترمذي، أبواب القيامة والرقائق)

وقال المسيح الموعود إن الله تعالى سَمّى النبيَّ  سراجًا، ذلك لأن آلاف السُرُج تُشعَل من سراج واحد. ولقد رأتِ الدنيا أنه أشعل في حياته الكريمة آلافا بل مئات الآلاف من السُرُج التي لا يزال ضوءها منتشرا في الدنيا إلى يومنا هذا. لقد بشَّر الله تعالى هؤلاء الحائزين على النور والعابدين لله والقائمين بالأعمال الصالحة أنهم سيرثون الجنة، حيث قال النبي إني سأعرف يوم القيامة الحائزين على النور، فقد ورد في رواية: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: إِنِّي لأَعْرِفُ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ؟ قَالَ: أَعْرِفُهُمْ، يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، وَأَعْرِفُهُمْ بِنُورِهِمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. (مسند أحمد، باقي حديث أبي الدرداء )

لقد بيّن النبي هنا علامة أهل الجنة أن نورهم سيسعى بين أيديهم. ويقول الله تعالى في القرآن الكريم عن المؤمنين: تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (الفتح:30).. أي سيعلو وجوهَهم نورٌ لكثرة سجودهم وسعيهم الدؤوب للفوز برضا الله تعالى.

فهذا النور سيسعى بين أيدي الذين يعملون الصالحات ويقومون بعبادة الله تعالى خير قيام. إن الذين يسعون للفوز برضا الله تعالى ويمتازون بالعبادة هم الذين قد عدَّهم النبي من أمته. فعلى كل مسلم أحمدي أن يتنبَّه إلى هذا الأمر جيدًا في كل حين وآن.

هناك رواية أخرى تبين كيف تُكسِب العبادات النور لصاحبها، فجاء فيها: عَنْ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلام). فهذه بشّارة للمشّائين إلى المساجد لصلاة الفجر والعشاء الذين يتكبدون العناء في حضور المساجد لأداء الصلوات. وقد ورد في الأحاديث إنذار شديد أيضا للذين لا يحضرون صلاة الفجر والعشاء. فالذي يمشون إلى المساجد في الظلام هم الذين ينالون النور نتيجة اتباعهم النبي والعملِ بأوامره ساعين لنيل رضاه .

أما المغفرة والشفاعة التي لهما صلة خاصة بالنبي بوجه خاص، فقد ورد عنهما في رواية: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ : إِذَا جَمَعَ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ وَفَرَغَ مِنَ الْقَضَاءِ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: قَدْ قَضَى بَيْنَنَا رَبُّنَا، فَمَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا؟ فَيَقُولُونَ: انْطَلِقُوا إِلَى آدَمَ فَإِنَّ اللهَ خَلَقَهُ بِيَدِهِ وَكَلَّمَهُ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ، قُمْ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا. فَيَقُولُ آدَمُ: عَلَيْكُمْ بِنُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَدُلُّهُمْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَدُلُّهُمْ عَلَى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَدُلُّهُمْ عَلَى عِيسَى، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: أَدُلُّكُمْ عَلَى النَّبِىِّ الأُمِّىِّ. قَالَ: فَيَأْتُونِى، فَيَأْذَنُ اللهُ لِى أَنْ أَقُومَ إِلَيْهِ، فَيَثُورُ مَجْلِسِى أَطْيَبَ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ قَطُّ، حَتَّى آتِيَ رَبِّي، فَيُشَفِّعَنِى وَيَجْعَلَ لِى نُوراً مِنْ شَعْرِ رَأْسِى إِلَى ظُفُرِ قَدَمِى. فَيَقُولُ الْكَافِرُونَ عِنْدَ ذَلِكَ لإِبْلِيسَ: قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ، فَقُمْ أَنْتَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّكَ أَنْتَ أَضْلَلْتَنَا قَالَ: فَيَقُومُ فَيَثُورُ مَجْلِسُهُ أَنْتَنَ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ قَطُّ، ثُمَّ يَعْظُمُ لِجَهَنَّمَ فَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ (سنن الدارمي، كتاب الرقاق باب في الشفاعة)

فهذه هي مكانة سيدنا ومولانا محمد المصطفى خاتَم الأنبياء ، فنوره أشدُّ لمعانًا من نور أي نبي آخر، وهو الوحيد الذي سوف يُؤذَن له بالشفاعة.

ألف ألف صلاة وسلام على نبينا الحبيب الذي لو تمسّك به أحد صلُحت دنياه وعقباه أيضا.

لقد ورد في رواية أخرى:

 أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْألُكَ خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ فَتْحَهُ وَنَصْرَهُ وَنُورَهُ وَبَرَكَتَهُ وَهُدَاهُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ. ثُمَّ إِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ. (سنن أبي داود، كتاب الأدب)

فهنا حاجة ماسة للتركيز على الدعاء لنيل النور وابتغاء رضا الله تعالى ولإصلاح الدنيا والآخرة. والطريق الأمثل لهذا – كما ورد في أحد الأحاديث السابقة – هو العبادة في جوف الليالي الحالكة الظلام والتقوى في النهار، وأداء الصلوات المكتوبة.

وفي رواية أخرى أمر النبي ترسيخ وحدانية الله من أجل الحصول على النور والاستفاضة من نوره، وبدونها لا يتأتّى النور قط. فنصح المؤمنين قائلا:

 عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيه عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَرَأَ أوَّلَ سُورَةِ الْكَهْفِ وَآخِرَهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ قَدَمِهِ إلَى رَأْسِهِ وَمَنْ قَرَأَهَا كُلَّهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ. (مسند أحمد بن حنبل، حديث معاذ بن أنس)

وفي حديث آخر لفت النبي الأنظار إلى قراءة الآيات العشر الأولى والعشر الأخيرة من سورة الكهف لتجنب فتنة الدجال. وإن فتنة الدجال تتمثل في إنكار توحيد الله تعالى، وقد بلغت ذروتها في هذه الأيام. لذا نحن بأمس الحاجة إلى ترديدها في هذا العصر لتجنب أنواع الدجل الذي نشره الدجال. وهناك حاجة ماسة إلى التوجه إلى العبادات لإقرار وحدانية الله تعالى وقيام توحيده، كما هناك حاجة إلى التدبر في الآيات المشار إليها. حين نرسِّخ توحيدا حقيقيا في قلوبنا عندها سننال حظا من النور الذي هو نور الله تعالى، والذي كان النبي أفضل وأتم مظهر له وكان إنسانا كاملا.

فلا يمكن للإنسان أن ينال نصيبا من النور بمجرد قراءة الآيات بل بالتأسي بالأسوة التي قدمها لنا سيدنا رسول الله بصدد إقامة التوحيد. كذلك علّم الأمة دعاءً لتجنب الفتنة والفساد وإصلاح المجتمع واستنارة الإنسان نفسَه وأجياله من هذا النور. فقد ورد في الحديث الشريف: عَنْ عَبْدِ اللهِ ….قَالَ وَكَانَ يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ يُعَلِّمُنَاهُنَّ كَمَا يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ: اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلامِ وَنَجِّنَا مِن الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا قَابِلِيهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا. (سنن أبي داود، كتاب الصلاة)

وإن أهم نعمة للمؤمن هو ثبوته على الدين، وكسبه الأعمال الصالحة، وقيامه بعبادة الله، وتأدية حقوقه، يجب على كل مؤمن أن يسعى لتحقيق ذلك. وهناك دعاء آخر علّمَناه النبي فعَنْ طَاوُسٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ:

 كَانَ النَّبِيُّ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ. (البخاري كتاب الجمعة باب التهجد بالليل)

فلتطهير النفس ونيل رضوان الله لا بد للإنسان أن يخوض الحرب مع الشيطان، أما شيطان النبي فكان قد أسلم كما قال حضرته ، ومع ذلك إذا كان يدعو الله بهذا الاضطراب واللوعة فكم يجب على المؤمن العادي أن يدعو بهذه الأدعية باضطراب! وإن التوفيق لهذه الأدعية لا يتحقق إلا بفضل من الله ، أما محاربته مع الشيطان فهو الآخر يستحيل بدون عون الله تعالى، ولا يمكن للإنسان أن يفوز بنصر الله إلا إذا خرّ على عتباته وأدى حقه وبحث عن نوره. وفَّق الله كل مؤمن لهذا. ثم في رواية أخرى ورد دعاء آخر على النحو التالي: عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ قَالَ رَسُول اللهِ مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ (كل ما تتصرف في حقي فلن يكون ظلما بشكل من الأشكال، إذا كان ثمة عقاب على ذنوبي فهي بسبب ما ارتكبته، وإذا كان هناك جزاء فلامتثالي لأوامرك وبسبب فضلك، على كل حال إن الله كما بين لا يظلم أحدا، فما من شك أن رحمته واسعة أما الظلم فلا يظلم الله أحدا أبدا) أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ أَلا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا. (مسند أحمد، مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ )

كما سبق أن ذكرت في إحدى خطبي أن الله ورسوله والقرآن الكريم نورٌ يمكن به الاتقاء من هجمات الشيطان، فالمراد من “جعْل القرآن الكريم ربيعا” في هذا الدعاء أن يوفقنا الله لقراءته والعمل به واستيعابه. وعندما سنقرأ القرآن الكريم متدبرين في هذا الدعاء ونسعى لفهمه ونعمل به، وإذا أنجزنا ذلك فمن الطبيعي أن نلتفت إلى أداء حقوق الله ونسعى لأداء حقوق الله وننتبه إلى أداء حقوق العباد أيضا، وهكذا ترتفع معايير عبادتنا أيضا، ويتجلى موضوع

  أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد:29)

ويتحقق لنا اطمئنان القلب ويتسبب في الخروج من المآزق والمصاعب.

وإن التوفيق لهذه الأدعية لا يتحقق إلا بفضل من الله ، أما محاربته مع الشيطان فهو الآخر يستحيل بدون عون الله تعالى، ولا يمكن للإنسان أن يفوز بنصر الله إلا إذا خرّ على عتباته وأدى حقه وبحث عن نوره.

ثم هناك رواية:

عن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ نَبِيَّ اللهِ يَقُولُ لَيْلَةً حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِي وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِيمَانًا وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ (انظروا إلى مقام النبي فقد دعا قائلا: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِيمَانًا وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، هنا يجدر الانتباه أنه إذا دعا رسول الله بهذا الدعاء فكم يجب أن ندعو نحن)   وَرَحْمَةً أَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْفَوْزَ فِي الْعَطَاءِ وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ وَالنَّصْرَ عَلَى الأَعْدَاءِ اللَّهُمَّ إِنِّي أُنْزِلُ بِكَ حَاجَتِي وَإِنْ قَصُرَ رَأْيِي وَضَعُفَ عَمَلِي افْتَقَرْتُ إِلَى رَحْمَتِكَ فَأَسْأَلُكَ يَا قَاضِيَ الأُمُورِ وَيَا شَافِيَ الصُّدُورِ كَمَا تُجِيرُ بَيْنَ الْبُحُورِ أَنْ تُجِيرَنِي مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ وَمِنْ دَعْوَةِ الثُّبُورِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقُبُورِ اللَّهُمَّ مَا قَصُرَ عَنْهُ رَأْيِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيَّتِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْأَلَتِي مِنْ خَيْرٍ وَعَدْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ خَيْرٍ أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَدًا مِنْ عِبَادِكَ فَإِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ فِيهِ وَأَسْأَلُكَهُ بِرَحْمَتِكَ رَبَّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ ذَا الْحَبْلِ الشَّدِيدِ وَالْأَمْرِ الرَّشِيدِ أَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ الْوَعِيدِ وَالْجَنَّةَ يَوْمَ الْخُلُودِ مَعَ الْمُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ الرُّكَّعِ السُّجُودِ الْمُوفِينَ بِالْعُهُودِ إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ (انظروا قد ذكر النبي الموفين بالعهود مع المقربين الشهود الركع السجود، فالوفاء بالعهد مهم جدا) وَأَنْتَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هَادِينَ مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ سِلْمًا لأَوْلِيَائِكَ (إذا دعا المسلمون بهذا الدعاء بخلوص النية فسوف ينالون التوفيق للإيمان بإمام هذا العصر) وَعَدُوًّا لأَعْدَائِكَ نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَحَبَّكَ وَنُعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ خَالَفَكَ اللَّهُمَّ هَذَا الدُّعَاءُ وَعَلَيْكَ الإِجَابَةُ وَهَذَا الْجُهْدُ وَعَلَيْكَ التُّكْلانُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نُورًا فِي قَلْبِي وَنُورًا فِي قَبْرِي وَنُورًا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَنُورًا مِنْ خَلْفِي وَنُورًا عَنْ يَمِينِي وَنُورًا عَنْ شِمَالِي وَنُورًا مِنْ فَوْقِي وَنُورًا مِنْ تَحْتِي وَنُورًا فِي سَمْعِي وَنُورًا فِي بَصَرِي وَنُورًا فِي شَعْرِي وَنُورًا فِي بَشَرِي وَنُورًا فِي لَحْمِي وَنُورًا فِي دَمِي وَنُورًا فِي عِظَامِي اللَّهُمَّ أَعْظِمْ لِي نُورًا وَأَعْطِنِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا سُبْحَانَ الَّذِي تَعَطَّفَ الْعِزَّ وَقَالَ بِهِ سُبْحَانَ الَّذِي لَبِسَ الْمَجْدَ وَتَكَرَّمَ بِهِ سُبْحَانَ الَّذِي لا يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلا لَهُ سُبْحَانَ ذِي الْفَضْلِ وَالنِّعَمِ سُبْحَانَ ذِي الْمَجْدِ وَالْكَرَمِ سُبْحَانَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ. (سنن الترمذي أبواب الدعوات عن رسول الله)

وفقنا الله لاستيعاب هذا الدعاء والقيام به مستفيضين بفيضه، وجعلَنا نكسب فيضا من نور الله الذي جاء به النبي ، مع أنه كان نورا متجسدا من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، نلاحظ بأي لوعة وأي ألم كان يدعو بهذه الأدعية، والواقع أنه كان يعلِّمنا هذه الأدعية وكان يرجو أن يدعو أفراد أمته المؤمنون بهذه الأدعية ويسعوا جاهدين ليكونوا هم أيضا نورا متجسدا، ويحاولوا التأسي بأسوته، وأداءَ حق الله وحق المخلوق. كان عند حضرته لوعة لتنوير أتباعه بهذا النور، وفقنا الله تعالى أن نحرز كلَّ عمل لنا ابتغاءَ مرضاة الله، ونحقق الأمنيات الطيبة لسيدنا ومولانا محمد المصطفى لأمته مقدِّمين حبَّه على كل أنواع الحب الدنيوي، ونحقق الآمال التي علَّقها بالأمة، ونؤدي حق الانتماء إلى أمته مستفيضين من “نور على نور” هذا ونرث أفضال الله على الدوام، آمين.

يقول سيدنا المسيح الموعود : ” لقد رأيت أن فيوض الله تعالى تذهب إلى النبي في شكل نوراني عجيب، وعندما تصل إليه تسري في صدره، ثم تخرج منه في شكل أنابيب لا تُعَدّ ولا تحصى، وتصل إلى كل مستحقّ بقدر نصيبه”. (جريدة الحكم 28 فبراير/شباط 1903م صفحة 7)

Share via
تابعونا على الفايس بوك