التقصير في المعرفة الصحيحة لصفات الله يؤدي إلى الشرك
  • تصرف العرب مع النبي كما إخوة يوسف عليه السلام مع أخيهم
  • مماثلة بين يوسف عليه السلام والنبي
__
  ومَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ   (يوسف: 104)

التفسـير:

أي لا شك أنك تسعى جاهداً لأن يؤمن بك قومك بسرعة، ولكن ليست هذه هي المشيئة الإلهية، وإنما يريد الله أولاً أن يسلكوا المسلك الذي سلكه إخوة يوسف فلا يؤمنوا بك إلا بعد أن تحقق رقيًا غير عادي فيأتوك صاغرين.

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِين   (يوسف 105)

شرح الكلمـات:

ذكرٌ: الذكرُ: التلفظُ بالشيء؛ وإحضارُه في الذهن بحيث لايغيب عنها؛ الصيتُ، ومنه: “له ذكرٌ في الناس”؛ الثناءُ؛ الشرفُ.. وفي القرآن إنه لذكرٌ لك ولقومك ؛ الصلاةُ لله تعالى والدعاء.. يقال: إذا حَزَبَه أمرٌ فَزِعَ إلى الذكر؛ الكتابُ فيه تفسير الدين ووضع الملل. والذِكر من الرجال: القويُ الشجاعُ الأبيُّ؛ والذِكر من المطر: الوابلُ الشديد؛ والذكر من القول: الصلبُ المتين (الأقرب).

التفسـير:

لقد أخطأ إخوة يوسف حين ظنّوا أنَّ العزّ الذي وُعد به في رؤياه سيؤدي إلى ذلّهم، مع أن رقيه كان سببًا في رقيهم أيضًا، وهذا ما فعله العرب بالنبي ، وإلى ذلك يشير الله تعالى هنا إذ يقول لنبيه: إن قومك ساخطون مما وعدناك به من عز ورقي، ظانين أن هذا سيؤدي إلى هوانهم، رغم أنك لا تطالبهم بشيء لتحقيق رقيك حتى يظنوا أنك تريد السلطة على حساب ضعفهم وهوانهم. بل العكس، فإنك تقدّم لهم ما يضمن لهم الرقي والشرف لهم وللعالم أجمع. فلا مبرر إذن لأن يسخطوا عليك ويغضبوا.

ذلك أن الشرك إنما ينشأ عند الناس بسبب تقصيرهم في معرفة الصفات الإلهية معرفةً صحيحة.

المماثلة التاسعة عشرة

وهنا أيضًا نجد تشابهاً كبيراً بين سيدنا يوسف والنبي الكريم -عليهما السلام. لقد أعز يوسف إخوته ولكن عن طريق الملك، وأما الرسول فقد آتى إخوته مُلكاً عظيماً مستقلاً، حيث أن اثنين من أحمائه أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- صارا بمثابة ملِكين لدولةٍ عظيمة. فتبارك الله أحسن الخالقين.

وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ   (يوسف: 106)

شرح الكلمـات:

كأَيِّنْ: كأيِّنْ وكأيٍّ: اسمٌ مركبٌ من كاف التشبيه وأيٍّ المنوَّنة، ولذلك جاز الوقفُ عليها بالنون، وفيها لغات أخرى وهي: كَيْئِنْ وكايِنْ وكأْيٍ وكاءٍ. وهي توافق (كَم) في خمسة أمور وهي: الإبهام والافتقار إلى التمييز والبناءُ ولزومُ التصدير وإفادةُ التكثيرِ تارةً وهو الغالب نحو: كأيٍّ من رجل، والاستفهامِ أخرى وهو نادر كقول أُبيّ ابن أُبيّ بن كعب لابن مسعود: كأيِنْ تقرأ سورة الأحزاب، وقال: ثلاث وسبعين. وتُخالفها أي أن كلمة”كأيِّن” تخالف كلمة “كَمْ”  في خمسة أمور، الأول: أنها مركبة، والثاني: أن مميزها مجرور بمَن، والثالث: أنها لا تقع استفهاميةً عند الجمهور، والرابع: أنها لا تقع مجرورة، والخامس: أن خبرها لا يقع مفرداً (الأقرب).

التفسـير:

يقول الله تعالى: هناك آيات كثيرة في السماوات والأرض، ولكنهم يمرون عنها معرضين ولا ينتفعون بها.

هذا هو الفرق بين الكافر والمؤمن. فبينما يعيش المؤمن حذراً مستيقظاً ساعيًا لفهم كل إشارة من عند الله وللعمل بها، نجد الكافر- كالأعمى- محرومًا من رؤية أية آية مهما كانت عظيمة. مع أن الحقيقة المعروضة أمام الاثنين واحدة، وقدراتهما أيضًا متساوية. نعم، تنفتح عيون الكفار عند حلول العذاب شيئًا فشيئًا، ويشرعون في رؤية نور الله تعالى.

الواقع أن أنبياء الله تعالى يمثّلون اختبارًا للدنيا، إذ تتجلى عند بعثتهم ما تنطوي عليه النفوس البشرية من ملكات وسرائر، وبقدر ما يكون الإنسان بطيئًا أو سريعًا في الإيمان بقدر ما تكون منزلته الروحانية عالية أو منخفضة.

ما أروعه من مشهد! فنجد المؤمنين يرون في كل ذرة من الكون آيات الله، وإن تفاوتت قدرتهم على الرؤية، فمنهم من يراها بالملايين ومنهم من يراها بالآلاف وبعضهم بالمئات وآخرون بالعشرات، ولكنا نجد على النقيض من ذلك فريقًا آخر لا يزال يثير ضجة بأن الله لم يُرنا حتى ولا آية واحدة، فكيف نؤمن بدون رؤية الآيات؟

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ   (يوسف: 107)

التفسـير:

أي أن أعداء الحق هؤلاء يفسرون كل فعل تفسيرًا خاطئًا دون النظر إلى الباعث الحقيقي. فمثلاً إذا مات منهم أحد ميتة غير عادية أرجعوا موته إلى مرض، أو حادث دون أن يروا أنه لم يمت هذه الميتة المخزية إلا لمخالفته للنبي . أَو إذا رأوا أحداً من المسلمين قد ارتقى وازدهر ينسبون رقيه إلى ذكائه ودهائه. ولا يرى هؤلاء الحمقاء أن رقي هذا المؤمن إنما يرجع إلى اتباعه الصادق للنبي ، إذ كان عائشًا بينهم قبل إيمانه بالرسول، ولكنه لم يحقق هذا الرقي عندئذٍ. لماذا؟

فالآية توضح لنا سبب عَمى الكفار إذ تبين أن البصارة الروحانية لا يمكن أن تتقوى وتشحذ بدون التوحيد الكامل. وحيث إن عقائد الناس عمومًا تكون مشوبة بشوائب الشرك لذلك لا يتمكنون من رؤية التجليات الإلهية ولا يستطيعون التمييز بين الحق والباطل. ذلك أن الشرك إنما ينشأ عند الناس بسبب تقصيرهم في معرفة الصفات الإلهية معرفةً صحيحة. والمشرك يضطر دائمًا لتغيير صورة الله الحقيقية لتوافق صور آلهته الباطلة. وهذا يترك تأثيرًا سلبيًا عميقًا في قلب المشرك، حيث تنمحي من ذاكرته الصورة الحقيقية لله تعالى، بمعنى أنه ينسى صفات الله الكاملة الحسنى، فلا يبقى قادراً على رؤية وجه الله في تجلياته المختلفة في الكون. ولذلك نجد المشركين دائمًا يعزون الأفعال الإلهية إلى غير الله تعالى من صنم حقير أو إله وهمي أو سبب مادي! إنهم يتذكرون هذه الأشياء، ولكن لا يخطر ببالهم اسم الله أبدًا.

وعلى سبيل المثال، كان الكفاركلما رأوا في زمن النبي آثار هلاكهم أرجعوها إلى الأسباب المادية، ولم يفكروا أن هذا عقاب من الله، أو عندما رأوا ازدهار النبي وأصحابه بشكل غير عادي عزوه أيضا إلى الأسباب المادية، دون أن يفكروا أن  الصحابه كانوا يعيشون في نفس البيئة ونفس الأسباب قبل دعوى النبي ، ولكن النتائج كانت مختلفة تمامًا.

أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (يوسف: 108)

شرح الكلمـات:

أَمِنوا: أَمِنَ: اطمأن. أمِنَ من الأسد ومنه: سلِمَ (الأقرب)

غاشيةٌ: غشِيَه الأمرُ: غطّاه. الغاشيةُ: مؤنث الغاشي؛ الغطاءُ؛ القيامةُ لأنها تغشى بأفزاعِها؛ نارُ جهنم؛ الداهيةُ، ومنه: تأتيه غاشية من عذاب الله أي نائبة تغشاه (الأقرب)  فالغاشية هي مصيبة أو عذاب يحيط بالجميع، إذ لا يمكن أن يسمَّى العذاب غاشياً إلا إذا غطّى القوم عامةً.

بَغْتَةً: البغتةُ: الفجأة، وهو إما حالٌ في تأويلِ باغتًا أو مصدرٌ في تأويل أبغَتَ بغتةً، والأول أصح (الأقرب)

لا يشعرون: شَعَرَ به: علِم به. وشعر لكذا: فطِن له. وشعر: أحس به (الأقرب).

التفسـير:

لقد صرّح هنا أن الكفار إنما يعتبرون العذاب فقط آيةً، ولذلك سوف يأتيهم العذاب حتماً. ولكنه تعالى سوف يأخذهم أولاً -بحسب سنته في العذاب- بعذاب أدنى، ثم يحل بهم عذاباً يحسم القضية نهائياً. وهذا ما تؤكده الأحداث في حياة النبي إذ لحقت بالكفار هزائم عادية في بداية الأمر ثم في آخر المطاف سحقهم الله بالعذاب الحاسم عند فتح مكة، حيث دخلها جنود المسلمين فاتحين منتصرين، واضطر الكفار لوضع السلاح صاغرين مهانين.

واعلم أن الساعة في هذه الآية تعني ساعة فتح مكة، التي اكتملت فيها المماثلة العظيمة بين يوسف والنبي الكريم .. حيث هزم الأعداءَ هزيمة حاسمة، ثم عفا عنهم دون أي عقاب، غاضًا النظر عن جرائمهم كلها، كما فعل يوسف.

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ   (يوسف: 109)

شرح الكلمـات:

بصيرة: البصيرة: العقلُ؛ الفطنةُ؛ ما يُستدل به؛ الحجةُ؛ العبرةُ يُعتبر بها؛ الشاهدُ ومنه على نفسه بصيرة أي عليها شاهدٌ بعملها (الأقرب). قوله تعالى أَدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني أي على معرفة وتحقق (المفردات).

التفسـير:

لقد أشار بقوله هذه سبيلي إلى نفس الأمور المذكورة آنفًا.. أي الايمان بالله والانتفاع من آياته واجتناب الشرك، ثم أوجز كل هذه الأمور بقوله: أدعوا إلى الله .

كما أن قوله أدعوا إلى الله تكملة لنفس الموضوع المشار إليه في قوله تعالى ما تسألهم عليه من أجر (الآية: 105) إذ بيّن أنني بدلاً من أن أسألكم من أجر أودّ أن أشرككم فيما منّ الله عليّ من نعم وأفضال.

إن البون لشاسع جداً بين أولياء الله الصادقين وبين من يدّعون بالولاية كذباً، حيث يزعم الفريق الآخر كذباً أن عندهم أذكاراً بل وعندهم الاسم الأعظم وأنها أسرار خاصة بهم لا يستطيعون إفشاءها، وعلى النقيض نجد الرسول الكريم يعلن على الملأ: لقد تمكنت من الوصال بربي وأريد أن تصلوا إليه أنتم أيضاً. وهذا هو الغرض الوحيد من ندائي إليكم.

ثم يأمره الله تعالى أن يقول على بصيرة أنا ومن اتبعني أي لا أريد إسداء هذه الخدمة لكم فحسب، وإنما أسعى أن أكشف لكم الحقيقة بالأدلة والبراهين.  أَوَليس غريباً  أن نجد بعض المسلمين يدعون إلى الإكراه في الدين بالرغم من وجود هذه التعاليم القرآنية  الصريحة، هكذا يشوّهون سمعة الإسلام أمام أعدائه.

إن هذه الآية تؤكد أنه لا يتبع سنة المصطفى إلا من يتبعها على ضوء العقل والبرهان. أما الذي يدخل في الإسلام ويؤمن بوحدانية الله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره والبعث بعد الموت.. إيمانا تقليدياً دونما فهم ولا برهان، فلا يمكن أن يسمى متبعاً حقيقياً للمصطفى ، لأن مجرد الإقرار باللسان بصدق القرآن دون أي دراية بالبراهين الدالة على صدقه وصدق تعاليمه.. لا يجعل صاحبه متبعاً صادقاً للرسول ، لأنَّ أتباعه الحقيقيين يمتازون بالفراسة والبصيرة. أما هذا فهو أعمى، والفرق الوحيد بينه وبين غير المسلمين أن هؤلاء يتبعون الكتب الأخرى اتباعاً تقليدياً أعمى، وأما هذا فأنه يصدق القرآن تصديقاً أعمى خالياً من أي تدبُّر وبصيرة.

إذن فهذه الآية تلقي على عواتق المسلمين مسؤولية جسيمة، إذ عليهم أن يعلّموا أجيالهم الأدلة على صدق الإسلام، وليست أدلة عقلية فحسب، بل البراهين التي تجمع بين العقل والعيان أي الخبرة الشخصية، وإذا لم يفعلوا ذلك فلن يكونوا أتباعا صادقين للرسول الكريم ، ولن يكون مثلهم إلا كمثل الذين يجنّدون جنوداً كأنهم جُثثٌ بدون رؤوس.

من المؤسف أن مسلمي اليوم مصابون بهذه النقائص أيضاً، ولذلك نجدهم مُنحَني الرؤوس أمام الكفار، إذ فقد كلامهم التأثير كليةً، وأخذوا يرتَدُّون عن الإسلام من رعب الآخرين، بدلاً من أن ينشروه في الأمم الأخرى بكل اعتزاز وفخار. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وبيّن في قوله وسبحان الله أنه لا حاجة لله بأن يُكره الناس على الإسلام إذ لا جدوى من إِيمان يأتي عن إكراه. وإنما يلجأ إلى الإكراه من يبغي المنزلة والعزة في اتباع الناس له، ولكن الله تعالى بريء من مثل هذه العيوب، ولن يضر الله شيئاً إذا لم يؤمن به الناس. والواقع إنما يلجأ إلى استخدام العنف والقوة من لا يقدر على إقناع الناس بالدليل، وهذه أيضًا منقصة، والله بريء من كل نقص.

واعلم أن الساعة في هذه الآية تعني ساعة فتح مكة، التي اكتملت فيها المماثلة العظيمة بين يوسف والنبي الكريم .. حيث هزم الأعداءَ هزيمة حاسمة، ثم عفا عنهم دون أي عقاب، غاضًا النظر عن جرائمهم كلها، كما فعل يوسف.

ووضّح بقوله وما أنا من المشركين أن المسؤولية التي وُضعت على عاتقي ثقيلة جدا دون ريب، ولكني بريءٌ من الشرك كل البراءة، فلا أراها ثقيلة، بل أتكل على الله كليةً ولا أكترث بأي شيء  سواه أبدًا في نجاحي في القيام بهذه المهمة الصعبة.

كما أشار بقوله هذا إلى أنه كلما خلا إِيمان القوم من عنصر البصيرة والوعي وقعوا في الأعمال الوثنية حتمًا.

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ   (يوسف: 110)

التفسـير:

هذه الآية دليل على أن الله لا يبعث الرسل إلا من الرجال دون النساء.  إن الله تعالى قد جعل لكل  جنس مجالات معينة خاصة به، وأن منصب النبوة لا يقع داخل نطاق أعمال المرأة بسبب بِنْيتها فلذلك لا يفّوِضه إلا إلى الرجال، أما النعم والمناصب الأخرى فليست خارجة عن نطاق عمل النساء، ولذا فهن شريكات مع الرجال في هذه النعم والأفضال. فالمرأة يمكن أن تحظى بكل نعمة من نعم الله تعالى، كأن تكون صدّيقة أو ولية أو قانتة لله تعالى. وبالفعل قد بلغت الكثيرات هذه الدرجاتِ العلا من قرب الله تعالى، ما عدا نعمة النبوة الخاصة بالرجال.

والمراد من الآية أن قولهم: كيف يمكن أن يبعث محمد رسولاً إلينا وهو بشر مثلنا ليس إلا وسوسة وخدعة إذ لم يزل الله يرسل البشر الرجال لهداية الدنيا، فيجب أن لا يهلكوا أنفسهم مغترين بهذه الوسوسة، وإلا فسوف يلقون نفس المصير الذي لقيه أعداء أنبياء الله الذين خلوا من قبل.

وأما قوله تعالى ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون فحذّر به الكفارَ أن لا يُخدعوا بما عندهم من عز ومنعة، وإنما عليهم أن يتدبروا ويدركوا أن الأمة التي تعمل بحق وعدلٍ وخشيةٍ من الله تعالى هي التي تخرج منتصرة في آخر المطاف. وهذه القاعدة واضحة بديهية لدرجة أن المرء يستغرب كيف يمكن أن ينساها الناس. قد يَخدعُ الظالمون أهل الدنيا، ولكن لا يمكن أن يستمر خداعهم لزمن طويل، بل إن القوم يستطيعون التمييز بين الخير والشر، لذلك يبدأون في نهاية المطاف في تأييد الفريق الذي يعمل لصالح الإنسانية ولا يريد لنفسه علواً في الأرض، وإنما يفعل ذلك خوفاً من الله تعالى، وعندئذٍ تنكشف على العالم حقيقة الفريق الظالم.

كما أن كلمة (خير) ومعناها أفضل، تشير إلى أن المتقي أفضل من غيره في حالته الراهنة الضعيفة أيضاً، وإن كانت فضيلته خفية على أعين الناس. ذلك أن العمل ابتغاءً لوجه الله فقط، دون أية مصلحة أخرى، يُكسب المؤمنَ قوةً تشحنه ببشاشة وسكينة رغم ضعفه الظاهري. أمّا الحرمان من قرب الله تعالى والجشع وإيثار المصلحة الشخصية على مرضاة الله فكلها لا تولد في صاحبها الطمأنينة ولا تجلب له الراحة الحقيقية. فالحالة البدائية للمؤمن خير وأفضل ولا شك، أما عاقبة أمره فتكون خيراً بشكل خارق للعادة بحيث لا يسع العدو إنكاره.

Share via
تابعونا على الفايس بوك