حزن المصطفى على عذاب المسيحيين فهل جزاء الإحسان إِلا الإحسان ؟!!
  • تفنيد عقيدة بنوة المسيح الناصري لله تعالى.
  • كيف أن سيدنا محمدا تألم لاطلاعه على نبوءة عذاب المسيحيين منذ 14 قرنا بينما لا يكف كثيرون من مسيحيي هذا العصر عن التطاول عليه (عليه الصلاة والسلام).

__

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (2) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (3) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (4) (الكهف)

شرح الكلمات:

عِوَجًا: عوِج يعوَج عَوَجًا: ضدُّ استقامَ أي انحنى، والاسمُ العِوَجُ. وقيل: العَوَج بالفتح في الأجساد، والعِوَج بالكسر في المعاني (الأقرب). وعَوَجُ الطريقِ وعِوَجُه: زيغُه، وعِوَجُ الدينِ والخُلُقِ: فسادُه (تاج العروس).

قَيِّمًا: قيِّمُ الأمرِ: مقيمُه؛ وأمرٌ قيِّمٌ: مستقيمٌ؛ وخُلُقٌ قيِّمٌ: حَسَنٌ؛ ودينٌ قيِّمٌ: مستقيمٌ لا زيغَ فيه؛ وكتبٌ قيِّمةٌ أي مستقيمةٌ تبيِّنُ الحقَّ من الباطل. القيِّم: السيّدُ وسائِسُ الأمر (تاج العروس) وقوله تعالى دِينًا قيِّمًا أي مقوِّمًا لأمور معاشهم ومعادهم (المفردات).

ليُنذِرَ: أنذَرَه بالأمر: أعلَمَه وحذَّره من عواقبه قبل حلوله؛ خوَّفه في إبلاغه، يقال: “أنذرتُ القوم سيرَ العدوِّ إليهم فنذِروا” (الأقرب).

بأسًا: البأسُ: العذابُ؛ الشدةُ في الحرب. وقال ابن سيده: البأس الحربُ ثم كثُر حتى قيل: “لا بأس عليك” أي لا خوفَ. والبؤس: الفقر (تاج العروس). والبأس: العذاب؛ الشدة في الحرب؛ القوة؛ الخوف (الأقرب).

يبشِّر: بشَّره: أخبَرَه ففرِح (الأقرب).

ماكثين: مكَث بالمكان يمكُث مَكْثًا: لبِث وأقام، فهو ماكثٌ وجمعُ ماكثون (الأقرب).

أَبَدًا: الأبد: الدهر؛ الدائم؛ القديم؛ الأزلي (الأقرب). والأبد: عبارةٌ عن مدة الزمانِ الممتدِّ الذي لا يتجزأ (المفردات). ومعنى “مدة الزمانِ الممتدِّ الذي لا يتجزأ” زمانٌ غير محدَّد.

التفسير:

المراد من قوله تعالى قيِّمًا أن هذا الكتاب جاء مقوّمًا للكتب الماضية حيث يصلح الأخطاء الواردة فيها. كما يعني أن هذا الكتاب سيّدٌ على الناس وسائسٌ لأمورهم، أي يقوم بتربية الموجودين منهم واللاحقين، حيث يبيّن لهم الأعمال التي يجب أن يعملوها؛ كما هو مهيمنٌ على السابقين أي يفصل في أمورهم. إذًا فكلمة قيِّمًا ليست حالاً، بل وردت صفةً للكتاب لتشمل الماضيَ والمستقبل.

أما قوله تعالى ليُنذِر بأسًا شديدًا فالبأس هنا بمعنى العذاب والفزع.

وأما قول الله تعالى ويبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحاتِ أن لهم أجرًا حسنًا فاعلم أن أجرًا حسنًا لا يعني الجوائز العادية، لأن هذا المعنى متضمَّنٌ في كلمة “الأجر” وحدها؛ وقد وردت كلمة “الأجر” في القرآن الكريم مجردةً عن “الحَسَن” مرارًا، كقولـه تعالى في هذه السورة نفسها إنا لا نُضيع أجرَ مَن أحسنَ عملاً (الآية: 31). لا جَرَمَ أن الأجر في مثل هذه الأماكن يعني – نظرًا إلى سياق الكلام – الجزاء الجيد على العموم؛ ولكن قوله تعالى أجرًا حسنًا يعني أكثر من ذلك، وهو أن هذا الأجر سيأتي بالنتائج الحسنة، فلن يفسُد المؤمنون نتيجة هذه النِّعم، بل سيحسنون استخدامها لينالوا مزيدًا من الثواب.

وقوله تعالى ماكثين فيه أبدًا إذا كان خاصًّا بالنعم التي سوف ينالها المؤمنون في الدنيا، فليس المعنى أن هذا الأجر لن ينقطع أبدًا، بل المراد أنهم سينالون أجرهم حتمًا ما داموا مؤمنين. أما إذا كان خاصًّا بالنعم الأخروية فالمعنى أنهم سيتمتعون بنعم الآخرة باستمرار دون أن تنقطع عنهم أبدًا.هذه الجملة تنبيه رباني للمؤمنين أنهم إذا أرادوا أن تدوم أفضال الله عليهم فيجب أن لا يدَعوا إيمانهم يضيع أبدًا.

وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (5) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (6)

شرح الكلمات:

وَلَدًا: الولد: كل ما ولَده شيءٌ، ويُطلَق على الذكر والأنثى (الأقرب)، وقد ورد هنا بمعنى الولد الذَّكَر. كلمة: كل ما ينطق به الإنسان مفردًا كان أو مركَّبًا (الأقرب).

كَذِبًا: كذِب الرجلُ كَذِبًا وكِذْبًا: أخبر عن الشيء بخلاف ما هو مع العلم به، ضدُّ صدَق، وسواء فيه العمد والخطأ (الأقرب).

التفسير:

يقول الله تعالى إن الغاية الثانية لهذا الكتاب هي أن يحذّر أولئك الذين زعموا أن الله تعالى اتخذ ولدًا.

من المستغرب أنه تعالى قال من قبل إن من أهداف الكتاب الإنذار، ثم تبشير المؤمنين، ويقول الآن مرة أخرى إن من أهدافه الإنذار، وأن هذا الإنذار خاص بالذين اتخذوا لله ولدًا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لم لَم يجمع الله الإنذارين في المرة الأولى ليذكر بعدهما البشرى للمؤمنين؟

والجواب أن القرآن الكريم يقصد بهذا الترتيب الإشارة إلى أزمنة مختلفة. فالإنذار الأول كان خاصًّا بأهل مكة وبجميع تلك الشعوب التي كانت تناوئ الإسلام في عهد الرسول الكريم ، وبالفعل هلكت تلك الأمم نتيجة ذلك الإنذار. ثم نال المؤمنون النعم بعد هلاك مناهضي الإسلام وفقًا للتبشير الذي ذُكر بعد هذا الإنذار، وحكَم المسلمون العالم لقرون طويلة طبقًا لوعد الله تعالى ماكثين فيه أبدًا . ثم جاء الإنذار الثاني الخاص بالمسيحيين وحدهم، وكان فيه إشارة إلى أنه بعد الازدهار الإسلامي ستقوى المسيحية ثانية، وتستولي على العالم حتى يتراءى للناس أنه لم يبق في الدنيا أمة معادية للإسلام سوى المسيحية؛ وعندها سيصبح الإنذار القرآني موجَّهًا إلى المسيحية خاصّةً. أما إذا لم يفصل القرآن بين الإنذارين بذكر بشارة للمؤمنين بينهما لم يمكن فَهْمُ هذه الإشارة اللطيفة التي تحدد موعد العذاب القادم والتي تخبر عن التغيرات السياسية في المستقبل.

أما قولـه تعالى كبُرتْ كلمةً فاعلم أن كلمةً هنا تمييز، والتقدير: كبُرتْ هي كلمةً، والمعنى: أن قول هذا الشيء كبير، أو بتعبير آخر: التفوه بهذا الكلام أمر خطير جدًّا كما أنه مخالف للعقل. وقد أشار بذلك إلى أن هذه العقيدة كما هي تمثّل إساءة كبيرة إلى الله تعالى كذلك هي مرفوضة من قبل العقل الإنساني، إذ كيف يمكن أن يُصلَب إنسان ومع ذلك يُدعى ابنًا لله تعالى.لقد وجه القرآن إلى المسيحية هنا – بالإضافة إلى الإنذار – ضربةً قاضية حيث قال: إنهم يتخذون لله العظيم ابنًا من دون أن يملكوا هم ولا آباؤهم على ذلك دليلاً، بمعنى أن آباء المسيحيين كانوا على علم أن المسيح وحوارييه وتلاميذهم كانوا موحِّدين، وأن الشرك قد جاء فيما بعد، ومع ذلك جعلوا المسيح ابنًا لله ؛ فجاءهم القرآن الكريم بعقيدة التوحيد الأسمى، قاضيًا على الأفكار الوثنية بالبراهين الدامغة؛ ولكن يا أسفاه، لا الآباء انتفعوا بما رأوه بأم أعينهم، ولا الأولاد انتـــفعوا بالأدلة التي قدمها القـــــــــرآن الكـــــــــــريم، بل ترك كلا الفــــــــريقين ربهـــــم، واتخذوا الإنســان إلهًا دونما برهـان أو دليــــــــــل.

وأخبر بقوله إنْ يقولون إلا كذبًا أن المسيح نفسه كان منكرًا لمثل هذه البُنُوّة، إذ ليس في الأناجيل الموجودة ما يدل على أن المسيح ابن الله تعالى. لا شك أنه قد وردت في الأناجيل كلمة “ابن” في حق المسيح ، ولكن ليس للمسيح أية خصوصية في ذلك، إذ وردت هذه الكلمة في حق أناس آخرين أيضًا، فجاء على سبيل المثال: “يقول الربُّ: إسرائيلُ ابني البِكْرُ” (خروج 4: 22).

خبر العذاب الذي جعل النبيَّ يحزن لهذه الدرجة لم يكن إلا عن المسيحيين. إذًا أليس غريبًا أن نجد النبيَّ يكاد يُهلك نفسه حزنًا على سماع خبر العذاب الذي سيصيب الأمة المسيحية بعد 13 قرنًا، وعلى النقيض نجد بعض الكُتّاب المسيحيين لا يبرحون يسبّون محسنهم هذا ويشتمونه ليلَ نهارَ؟!

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (الكهف 7)

شرح الكلمات:

لَعَلَّ: طَمَعٌ وإشفاق…. و”لعلَّ” وإنْ كان طمعًا فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارةً طمعَ المخاطَب، وتارةً طمعَ غيرهما. فقولُه تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون: لعلّنا نتّبعُ السَّحَرةَ فذلك طمعٌ منهم، وقولُه في فرعون: لعله يتذكر أو يخشى فإطماعٌ لموسى مع هارون، ومعناه: فقولا لـه قولاً ليّنًا راجين أن يتذكر أو يخشى. وقولـه تعالى فلعلك تاركٌ بعضَ ما يوحى إليك أي يظن بك الناسُ ذلك (المفردات).

باخعٌ: بخَع نفسَه: قتَلها مِن وَجْدٍ أو غيظٍ (الأقرب). بخَع نفسَه: قتَلها غمًّا. وبخَع بالحق بخوعًا: أقرَّ به وخضَع لـه . وبخَع لـه نُصْحَه أي أخلصَه وبالغَ. وقوله تعالى فلعلك باخعٌ نفسَك أي مهلِكُها مبالغًا فيها حرصًا على إسلامهم (تاج العروس).

آثار: الأثر: ما بقِي من رسم الشيء (الأقرب).

أسفًا: أسِف يأسَف أَسَفًا: حزِن أشدَّ الحزن وتلهَّفَ (الأقرب).

التفسير:

يخبر الله هنا أن قلب رسوله كما أصيب بصدمة كبيرة عند تلقي نبأ دمار اليهود (النحل: 128)، كذلك حزِن أشد الحزن لدى تلقي خبر هلاك الأمة المسيحية أيضًا؛ فيواسي رسولَه حتى قبل حلول هذه الصدمة قائلاً لـه: لدى سماع خبر هلاكهم ستصاب بصدمة شديدة تكاد تقضي عليك أسفًا عليهم، فعليك بالصبر لأن هذه هي مشيئة ربك.

علمًا أن القرآن الكريم لا يتحدث هنا عن المشركين الآخرين، بل عن المسيحيين فقط، وأن خبر العذاب الذي جعل النبيَّ يحزن لهذه الدرجة لم يكن إلا عن المسيحيين. إذًا أليس غريبًا أن نجد النبيَّ يكاد يُهلك نفسه حزنًا على سماع خبر العذاب الذي سيصيب الأمة المسيحية بعد 13 قرنًا، وعلى النقيض نجد بعض الكُتّاب المسيحيين لا يبرحون يسبّون محسنهم هذا ويشتمونه ليلَ نهارَ؟! وأشار بقولـه تعالى إنْ لم يؤمنوا بهذا الحديث إلى أن القرآن يشكّل بنفسه الدليلَ على صدقه، حيث يتضمن الحلولَ للمشاكل التي ستواجه الشعوب المسيحية في المستقبل، فمن الطبيعي أن تصاب، يا محمد، بالصدمة الشديدة حيث لن ينتفع هؤلاء – بالرغم من تقدمهم المدهش في الأمور المادية – بهذه الحلول القرآنية، بل سيرفضونها فيهلكون.

Share via
تابعونا على الفايس بوك