يوم الصوم فلا رفث ولا صخب، والعلم يقر

يوم الصوم فلا رفث ولا صخب، والعلم يقر

محمد مصطفى

كاتب
  • الصيام ممارسة إيمانية مجتمعية
  • تجلٍّ آخر للرحمانية
  • تأثير الكلام السيئ على خلايا الإنسان
  • خلاصة الكلام، “لعلكم تتقون”

__

يرى معشر المعارضين لدين الإسلام ومنهم الملحدون أن أي تشريع يصدر من عند الله لا يخلو من أخطاء وليس فيه فوائد كثيرة يُحتفل بها، بل بالأحرى هي خرافات وخزعبيلات بغية التسيد والتسلط لا أكثر، فيهاجمون التشريع فقط لكونه من ذلك الإله خاصة وبواسطة هذا النبي الكريم تحديدًا، بغض النظر عن تأكيدات العلم الحديث حول صحة هذا الكلام الصالح والمطهّر.

تجلي الرحمانية

يعتقد كثير من أصحاب الأديان المختلفة -حتى من ضمنهم أصحاب الإسلام التقليدي- أن الله لا ينظر بعين العطف والرحمة إلا إليهم وحدهم، فلا يهدي غيرهم إلى سواء السبيل، متغافلين عن أن الله هو رب العالمين، خلَق الكون بكل قوانينه وقدّره بمقدراته اللازمة له فأحسن تقديره، وهو القائم عليه، ثم خلق الإنسان، فالرحمان تعبير عن فيضان الرحمة وإعطائها بلا سابق طلب ممن يحتاجها، لذا فقد أعطى الله الإنسان كل ما احتاجه في الماضي، ويعطيه كل ما يمكن أن يحتاجه في المستقبل أيضًا.. فكان من منطلق رحمانيته تعالى هذه أن لا يُقصر نعماءه على معيَّنين، بل الكل في هذه الحال، حال الرحمانية الإلهية محظوظون، سواء آمنوا بهذا الإله الرحمن أم لم يؤمنوا. فهو تعالى

«يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ» (1)

ولما كنا قد نوينا التحدث في هذا المقال عن فوائد الصيام، لا سيما التي وقف العلم أخيرًا على حقائقها المذهلة كما سنبين؛ فإننا نشير وبناء على الرحمانية الإلهية كهبة لجميع الخلق مجانًا، إلى أن كل من قام بما يقوم به المسلم الصائم من امتناع عن الطعام والشراب فترة النهار فهو يصل جسديًا إلى مستوى صحي معين بناء على ما سلكه من مسلك مادي ظاهري، فيتحصل على نتائج ملموسة ومحسوسة. فالأمر هو قانون وضعه الله للخلق، فمن طبَّقه منهم ولو عَرضًا حصل على نتيجة مُقدرة وأكيدة في معظم الأحيان.

إذن فليس صحيحًا أن المسلم وحده هو الذي يتمتع بنتائج الصيام المادية والظاهرية الحسنة فحسب، بل كل من امتنع عن الأكل والشرب طوال اليوم هو كذلك يصل إلى ذات الغاية الجسدية المرجوة. أما ما يميز المؤمن عن غيره في ذلك الشأن فهو حصوله على الثواب ومـــــيزات روحية أخرى قلما يشعر بها غـــير المؤمــــــن في حـــــــال امتــــــــــناعه عن الغذاء قصـــــــدًا أو عرضًا.

وقد ظهرت هذه الحالة استجابةً لأوقات الجوع الشديد؛ إذ تلتهم الخلايا بعض أجزائها من أجل البقاء على قيد الحياة. واتضح أن هذه الآلية أداة أساسية تستخدمها الخلايا للحفاظ على صحتها، ولمقاومة العدوى، وأيضًا في مكافحة السرطان.

الصيام والممارسة الإيمانية

ولقد شرع الله لنا القاعدة الذهبية الكبرى حول أمر الصيام فقال تعالى:

یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ

ثم قال:

وَأَن تَصُومُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (2)،

ثم نطق الرسول بما يوافق هذا الكلام المقدس قائلاً في كلمات قلائل: «الصِّيامُ جُنَّةٌ، وإذا كان أحدُكم صائِمًا فلا يَرْفُثْ، ولا يَجهلْ، وإنْ امْرؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمَه فلْيَقُلْ: إنِّي صائِمٌ، إنِّي صائِمٌ…»(3). ثم كان من بعد النبي ، وبناء على ذلك العلم اللدني، أن صدر عن كثير من صحابته الأكابر رضي الله عنهم، نصحهم للتابعين قائلين: «صومُوا تَصِحُّوا»(4). ومع كل هذه التصريحات استمر المسلمون طوال أكثر من ألف وأربعمائة عام يواظبون على الصيام كركن أساسي من أركان الإسلام حبًّا وطاعة دون الإصرار على معرفة كُنه الحكمة الكاملة والكامنة من وراء هذا الفرض، ذلك بناء على ثقتهم بربهم، وإيمانهم أنه لا يأمر إلا بخير صالح.

وإن كان قد شابَ هذا الشعور الإيماني الناتج عن أداء هذا الفرض الروحاني بمرور الزمن شوائب فيما بعد ما جعله يدخل في إطار العادة والتقليد منزوعة الروح الحقيقية المرجوة من أمر يصدر من عند الله، فقد كان ذلك أيضًا ضمن ما أنبأ به رسول الله عن أحوال مسلمي آخر الزمان فقال: «يوشكُ أنْ يَأْتِيَ على الناسِ زمانٌ، لا يَبْقى منَ الإسلامِ إلّا اسمُهُ، ولا يبْقى من القرآنِ إلّا رسمُهُ، مساجدُهم عامِرَةٌ؛ وهيَ خرابٌ من الهُدى، علماؤُهم شرُّ مَنْ تحتَ أديمِ السماءِ، من عندِهم تخرجُ الفتنةُ، وفيهم تعودُ»(5)، فصار المسلمون أبعد ما يكونون عن سبيل الله روحانيًا، على الرغم من التزامهم بلا انقطاع طوال هذا الزمان بأداء هذا الركن العظيم! إلا أنه – ومع ذلك – يبقى للصيام أثره المادي المعهود والثابت حين أدائه.

تجلي الرحمانية الثاني

ونحن الآن نرى ونعاين كيف استشرى الإلحاد مؤخرًا حتى في الدول الإسلامية بل وفي المنطقة العربية تحديدًا، وإن كان ليس وجوده في هذه البلدان مُتأسس على قواعد معرفية معتبرة، بل بالأحرى تأثرًا بمفاهيم خاطئة وتفاسير مغلوطة وسلوكيات فعلية مُنفرة تخالف حقيقة المنطوق بالظاهر.

وفي ظل هذه الظروف الإلحادية، صار أمر من أمور الشرع الإلهي المُقدس كالصيام -وهو في إعلان الله خير للناس ووقاية لهم- صار في مواجهة نية نبذه بالكلية بناء على التأثر بما يُثار ضد الله سبحانه وتعالى والقرآن المجيد ومُحمد والإسلام. فكأن الله نظر إلى البشرية بنظرة تحنن كونه رب العالمين، فألقى في الأرض علمًا كان من شأنه أن يزهر الأمر مجددًا بتفسير خفايا حكمة الصيام وما يتطلب من الصائم فعله أثناء صومه. ولم يكن الحال مجرد كشفٍ علميٍّ عادي ربما يظهر وربما يخبو، بل ربّاه الله ونمّاه على مدى سنوات حتى أظهره في الوقت المناسب تمامًا، ليبرز صاحبه حائزًا على جائزة نوبل في الطب وهي أقصى ما يمكن أن يحوز عليه عالم من جوائز دنيوية تعبر عن أن ما اكتشفه فيه خدمة جليلة للبشرية.ففي عام 2016 حصل عالم الأحياء والخلايا يوشينوري أوهسومي، من اليابان، على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء في مجال الطب وذلك لاكتشافه الآليات الكامنة وراء ما أصبح يُعرف بعملية الالتهام الذاتي Autophagy والتي تتمحور خلاصتها حول أن معظم الأنسجة في أجسامنا تستبدل خلاياها بخلايا جديدة على أساس مُنظم. ويحتاج كل عضو من أعضاء الجسم إلى وقته الخاص لتجديد نفسه تمامًا. فتتناول هذه العملية (أي الالتهام الذاتي) وظيفة الخلايا الجوهرية في تنظيف نفسها، وهي آلية مباشرة، تعمل الخلية من خلالها على هضم بِنىً داخلية محددة كبيرة الحجم وبروتينات شبه دائمة في عملية تنظيف مستمرة. وقد ظهرت هذه الحالة استجابةً لأوقات الجوع الشديد؛ إذ تلتهم الخلايا بعض أجزائها من أجل البقاء على قيد الحياة. واتضح أن هذه الآلية أداة أساسية تستخدمها الخلايا للحفاظ على صحتها، ولمقاومة العدوى، وأيضًا في مكافحة السرطان.(6) وتكمن أهمية الاكتشاف في أنه يمكن أن يساعد في شرح ما الذي يحدث في عدد كبير من الأمراض. فأوتوفجي أو الالتهام الذاتي هي آلية تدمير طبيعية تفكك بصورة منظمة المكونات غير الضرورية أو المعطوبة داخل الخلية وتسمح بعملية تقويض منظم وإعادة تدوير مكونات الخلية (7).

ويُعد عمل أوهسومي في هذا الموضوع هو تحديد الجين المسؤول عن تنظيم عملية “الالتهام الذاتي” للخلايا، وهو عمل شديد الأهمية للتعرف على المشاكل الجسدية التي تسبب عددًا من الأمراض الغامضة مثل السرطان وباركنسون(8) أو الشلل الرعاش وهو اضطراب تنكسي في الجهاز العصبي المركزي. فإن لعملية الالتهام الذاتي أهمية قصوى بشكل خاص في الخلايا العصبية، والتي عادة ما تعيش فترة طويلة، ومن ثَم تحتاج إلى التنظيف والتجديد بصورة دائمة. وتحدث هذه العملية في السيتوبلازم، وهو عبارة عن سائل هلامي يملأ الخلية خارج النواة. وإن طرق عمل السيتوبلازم شديدة التعقيد… حتى إنه دائمًا ما يكون مزدحمًا ببقايا عملياته المستمرة ومخلفاتها. (9) يقص البروفيسور أهوسومي حول أحداث مراحل اكتشافه فيقول: “في أحد الأيام حصلت على خلايا تفتقد للأنزيمات المسؤولة عن تكسير البروتينات فيها، فأخضعتها للموت جوعًا ودرستها تحت المجهر، فلاحظت هياكل كروية صغيرة تتحرك بقوة داخل الفجوة (أي فجوة الخلية). ظهرت هذه الهياكل في غضون 30 دقيقة من بداية الجوع النيتروجيني، وملَأت الفجوة بالكامل في غضون ساعات قليلة. أصابني هذا النمط الظاهري المثير بذهول، وأنا أتذكر بوضوح التحديق في المجهر لساعات، غير قادر على إبعاد نظري، في حين أن هذه العملية تتم فورًا في الخلايا غير البشرية… لذا فإن وظيفة إعادة التدوير الخاصة التي تشملها عملية الالتهام الذاتي هي الأكثر أهمية في الخلية، حيث تساعد في التغلب على التحدي الذي يُواجه عادة في حال الحد من المغذيات. وليس الالتهام الذاتي مهمًّا فقط في إعادة تدوير مغذيات الخلايا بل إنه ضالع أيضًا في التطهير الانتقائي للمكونات غير الضرورية أو الضارة داخل الخلايا، وهو أمر هام في الحفاظ على بيئة الخلية الداخلية… فإن إزالة الميتوكندريا القديمة والمحتملة التلف بواسطة الالتهام الذاتي تضمن إنتاجًا فعالًا للطاقة وبيئة صحية داخل الخلايا” (10)

فنقول بعد هذه التصريحات المثيرة حول هذه العملية التي لا تحدث إلا كردة فعل خلوية جراء جوع الجسم الناجم عن الصيام؛ أن الصيام لم يكن أمرًا شرعيًّا اعتباطيًّا ولا ساديًّا ولا تسلطيًّا إذن بل هو تجلي رحمانية الله على الناس اعتناءً منه بهم، من دون أن يطلبوا هم ذلك، فقط عليهم أن ينبذوا العناد ويسلكوا المسلك الصحيح الذي في نفس الوقت وصفه وأقره هذا الإله الرحمن الـمُحب.

تأثير الكلام السيئ على خلايا الإنسان

بعد أن خلُصت اكتشافات أوهسومي حول فاعلية الجوع الإنساني في تعزيز مقدرة الجينات المسؤولة عن تنفيذ عملية الالتهام الذاتي داخل الخلايا بغرض تنظيفها وتجديد حيويتها وبالتالي وقاية الجسم من أمراض خطيرة محتملة… ورؤية كيف أن هذه الاكتشافات العلمية الساطعة توافق لحد التطابق نص الكلام المقدس في القرآن المجيد:

كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ… لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ… وَأَن تَصُومُوا خَیۡرٌ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ،

وكذلك مع قول النبي :

«الصِّيامُ جُنَّةٌ» أي وقاية وسِترٌ وحماية، ثم مع قول الصحابة: «صُومُوا تَصِحُّوا»

الصيام لم يكن أمرًا شرعيًا اعتباطيًا ولا ساديًا ولا تسلطيًا بل هو تجلي رحمانية الله على الناس اعتناءًا منه بهم، من دون أن يطلبوا هم ذلك، فقط عليهم أن ينبذوا العناد ويسلكوا المسلك الصحيح الذي في نفس الوقت وصفه وأقره هذا الإله الرحمن المُحب.

.ولكن يبقى الآن جزء في كلام النبي حول هذا الموضوع يؤكد أن النبي لم يكن كلامه مجرد خبط عشواء أو كحكايات البعض في فراغات الوقت، بل كان كل كلامه الشريف إنما هو وحي يوحى من هذا الإله الحي القيوم العطوف والـمُحب للبشرية. إذ قال النبي استكمالاً لحديث «الصِّيامُ جُنَّةٌ»: «وإذا كان أحدُكم صائِمًا فلا يَرْفُثْ، ولا يَجهلْ، وإنْ امْرؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمَه فلْيَقُلْ: إنِّي صائِمٌ، إنِّي صائِمٌ..» وعلى الرغم من أن القاعدة الرئيسية العامة هي “لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ”(11). إلا أن ذلك التأكيد النبوي على حفظ طهارة اللسان وقت الصيام تحديدًا، اتضح أيضًا أن له حكمة خاصة وهي متعلقة بشكل أساسي بالاكتشافات السابقة لعملية الالتهام الذاتي سالفة الذكر. فهنا يجيء دور دراسات علمية أخرى جديدة أيضًا تثبت ترابط عمليات الالتهام الذاتي في خلايا الجسم جراء الجوع مع نوعية الكلام الصادر من فم الإنسان! لذلك حضَّ رسول الله على حفظ اللسان أثناء الصيام لتمام الصحة أو الوقاية المرجوة عن عملية الالتهام الذاتي الحاصلة وإلا فكأنما لم يحدث شيء أو أن تعطي انعكاسًا سلبيًّا داخل الجسم فتضره.والتفسير لذلك هو أن كل خلية عندما تتجدد فإنها تحصل على برمجة معينة، فإما تكون برمجتها من بقايا الخلية السابقة أو تكون لها برمجة جديدة. وهذه البرمجة تأتي بناءًا على الأفكار والحالات النفسية في فترة تجديد الخلية.. وبالتالي فمن الممكن أن تكون خلية مريضة بمرض خبيث أن تنقل برمجة المرض إلى الخلية الجديدة إذا لم تتم عملية الالتهام الذاتي على الوجه الأمثل، ومن الممكن أيضًا أن تغير كلماتك وأفكارك وحالتك النفسية الإيجابية في آلية تجديد الخلية فتنتهي برمجة المرض بالقضاء على خليته… فإن أي تأثير سلبي في المخ يؤثر بشدة على الحركة العامة في الناقلات العصبية بين مراكز المخ المختلفة. والمعروف طبيًّا أن انتقال السيل العصبي في الخلايا العصبية يحدث بنقل النبضات الكهربائية الحيوية من مكان في الجسم إلى مكان آخر من خلال ما يسمى بالعصبونات (وحدات عصبية أساسية) وتعمل هذه النبضات العصبية على إبقاء الفرد مدركًا لبيئته الداخلية والخارجية، وتساعده على عمل عدة آلاف من التعديلات اللازمة للبقاء في بيئته ومجتمعه دائم التغير. والنبضة العصبية: هي عبارة عن تغيرات أيونية (أي شحنات) صغيرة في غشاء الخلية العصبية وهذه الشحنات تنتقل على امتداد الخلايا العصبية مثل أمواج البحر المتجهة إلى الشاطئ. وغشاء الخلية العصبية يفصل السوائل خارجها عن سوائلها الداخلية؛ فالسائلين يختلفان من حيث النوع والتركيز. وهذا يجعل الغشاء الخلوي في حالة استقطاب (تنافر عما حوله وهي آلية حفاظية دفاعية)؛ وعند حدوث منبه أو مؤثر سلبي (أي غير متوافق مع آلية برمجة الخلية) فإنه يثبط عمل المضخات الخلوية المسؤولة عن معادلة تركيز السوائل في داخل الخلية مع خارجها (للمحافظة على هذا الاستقطاب)؛ ما يؤدي ذلك إلى عدم ضخ سوائل الداخل إلى الخارج وسياله وضخه في الداخل، مما ينتج عنه نقصان فرق الجهد بين داخل الخلية وخارجها فيحدث تخلخلًا فيها ويزيل الاستقطاب، ويتحول السطح الخارجي سالبًا والسطح الداخلي موجبا وتسمى هذه الحالة باللا-استقطاب (12). فالكلام السيء والسلبي يُسبب إذًا عشوائية برمجية للخلية واختلالها بين محتواها الداخلي ومحيطها الخارجي، ويُهدد ذلك بشكل مباشر جودة وفاعلية العمل اللازم لتجديدها وتنظيفها وحمايتها بناء على عملية الالتهام الذاتي سالفة الذكر، بل ويعرضها للخطر الـمحدق. ألا ترى قول العامة حين صيامهم إذا ما غضبوا أو سبّوا: (أضعتُ صيامي) فحقيقة القول أنهم ضيعوا الفائدة المرجوة من آلية عمل الصيام بسيّء القول والكلام.

خلاصة الكلام: “الصيام رحمة”

لقد بينّا أعلاه عبر ما عرضنا من اكتشافات ودراسات علمية ما للصيام من فوائد جمة ضرورية لاستمرار حياة الإنسان بشكل متوازن، إذ يعمل الجوع الناجم عنه على إيجاد عملية تقوم بتنظيف الخلايا البشرية من فضلات التخليق والتجديد للخلايا والتخلص من الأجزاء المريضة منها أو المعطوبة أو محتملة العطب أيضًا، ما يقي من كثير من الأمراض ويقضي على أخرى منها… كما أن النصح بهجر سيء الكلام أثناء الصيام اتضح أن له علاقة قوية مع عملية تنظيف الخلايا تلك! ما يؤدي في النهاية إلى اكتمال التفسير العلمي والمنطقي للحديث النبوي

«الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ».

وبهذا فقد أمسى بالإمكان أن نصدح بهذا البيان عن يقين تام ليفيق الأقوام ويعلموا أنه ليس من صنع إنسان ولكن أنزِل من عند الرحمن، تبيانا لصدق خير الأنام عليه أفضل صلاة وسلام..

وَأَن تَصُومُوا۟ خَیۡرٌ لَّكُمۡ ،

مصداقا لقول نبيه : «الصيامُ جُنَّة» أي وقاية حقًا. ويتضح يقينا من فعل الصحابة الكرام صحة «صومُوا تَصِحُّوا». ولكن ورغم كل هذه التجليات بالرحمات والنعم الكثيرة التي تظهر واحدة تلو الأخرى عبر الزمن من كل تشريع إسلامي شرعه الله تعالى وأقره النبي الكريم وآمن به المؤمنون في هذه الدنيا، إلا أنه لا يظهر من معظم المخالفين المعارضين إنصاف، فلا يتراجعون كما كانوا يهجمون، إنما غاية ما يبدو منهم والحال هذه أن يصيبهم الخرس والوجوم وقتًا، ثم لما يُنسى ذكر أمر هذه النعم والفوائد المكنونة في الصيام مع مرور الأيام والسنوات فإنهم يعودون لما قد وجموا في السابق حياله بكيد شريرٍ بغي.

حفظ طهارة اللسان وقت الصيام تحديدًا، اتضح أيضًا أن له حكمة خاصة وهي متعلقة بشكل أساسي بالاكتشافات السابقة لعملية الالتهام الذاتي سالفة الذكر. …. لذلك حضَّ رسول الله على حفظ اللسان أثناء الصيام لتمام الصحة أو الوقاية المرجوة

والجدير بالذكر أن هذه الرحمانية الربانية المتجلية من خلال فريضة الصيام التي شرعها الله على المسلمين ليست خاصة بهم فحسب كما أسلفنا في أول المقال، بل إن الله ذكر أن هذا الصيام قد كتبه على المؤمنين الآن كما كتبه على الذين من قبلهم كذلك أي منذ أن جُبل الإنسان

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .

فيا حسرة على الناس، يتمتعون بالنعم القصوى النازلة باستمرار من عند هذا الإله تمتعًا دائمًا ثم يتنكرون له تعالى هو ومن بُعِث من قِبَلِه رحمة بهم، الذي كاد أن يُهلك نفسه ليكون الناس مؤمنين مصلحة لهم، ولكن يبقى الله الرحمن رحمانًا فلا يؤثر في رحمانيته كيد الحاقدين ولا ظلم الظالمين وإنما أنفسهم يظلمون. وها قد قال الله سلفًا:

فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (13).
المراجع:
1. (إنجيل متى 5/ 45)
2. (سورة البقرة 183- 184)
3. صحيح البخاري
4. أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (8312) وأبو نعيم في الطب النبوي (113).
5. كنز العمال والبيهقي في شعب الإيمان
6. رابط التقرير المنشور في مجلة  Scientific Americanاضغط هنا
. 7. رابط التقرير من وكالة الأنباء الألمانية اضغط هنا
:8. رابط التقرير الذي أعدته هيئة الإذاعة البريطانية اضغط هنا
BBC:9. كريستين جورمان، مرجع سابق 
10. رابط السيرة الذاتية للبروفيسور أوهسومي على الصفحة الرسمية لموقع جائزة نوبل  اضغط هنا
11. سنن الترمذي
12. بيولوجيا اللّسانيات: مدخل للأسس البيو- جينية للتّواصل اللّساني من منظور اللّسانيات العصبية ص26 مع الحاشية 22 – د. عبد الرحمن محمد طعمة
13. سورة الشعراء: 7.
Share via
تابعونا على الفايس بوك