رِحلة تحت المجهرِ نظرة عامة على عالم الكائنات الدقيقة

رِحلة تحت المجهرِ نظرة عامة على عالم الكائنات الدقيقة

أحمد وائل

كاتب
  • عالم الكائنات الدقيقة، وكيف أن فيه النافع وفيه الضار
  • وعائلة كورونا، وطفلها المدلل
  • ثم الحجر الصحي كأهم تدابير وقف انتشار الأوبئة

__

عالم الأحياء الدقيقة يحتوي على أنواع مختلفة من الكائنات، فمنها النافع للجسم كما أن منها الضار، وعلى ذكر المنافع فحدث ولا حرج، بدءًا من فطر الخميرة الذي يدخل في صلب غذائنا اليومي، وبكتريا منفحة العجل التي بدونها قد نحرم من تذوق كثير من مشتقات الألبان، بكتريا الجبن الأزرق (جبن الريكفور) المعدود من أثمن أنواع الجبن، كل هذا كوم والبكتريا القاطنة في عمق الأجهزة الهضمية الحيوانية كوم آخر، والتي تقوم على خدمة الكائن في عمليات الهضم والتمثيل الغذائي والتخلص من السموم وما إلى ذلك من العمليات الحيوية. ومن تلك الكائنات الدقيقة التي أطلعتنا عليها عدسات المجهر:

الفيروسات، والفيروس جزيء صغير جدًا قد يصل إلى 300 نانوميتر وهو أصغر من البكتيريا بآلاف المرات.والتعريف العام للفيروس أنه كيان قادر على التشفير (الترميز) الذاتي (enciphered to itself) وبحاجة لآليات تخزين لمضاعفة ذاتها (هذا التعريف ينطبق أيضًا على فيروس الحاسوب). والفيروسات بكافة أنواعها طفيليات مطلقة، تتكاثر من خلال التغلغل إلى الخلية الحية، حيث تسيطر على آليات البناء (التخليق لتستنسخ ذاتها). تخرج الفيروسات من الخلية بواسطة التبرعم (budding) المتواصل لفيروسات معدودة أو عن طريق إذابة غشاء الخلية ونشر عدد كبير (عشرات حتى مئات) من الفيروسات من حولها. وهذه الفيروسات مبنية من غشاء بروتيني (وأحيانًا دهني) بالإضافة إلى شفرة وراثية مركبة من الحمض النووي الريبي المنزوع الأكسجين DNA أو الحمض النووي الريبي RNA.

عائلة كورونا، وطفلها المدلل

فيروسات كورونا هي عائلة كبيرة من الفيروسات ذات الزوائد الدهنية التي تشبه التاج، ومن هنا اكتسبت لقب الفيروسات التاجية، وبالتعبير اللاتيني Coronavirus، وهذه العائلة فرضت نفسها في وقت سابق على مجال التعامل بينها وبين البشر، حين سجلت أولى حالات الإصابة بالجمرة الخبيثة Sars في الصين عام 2003 أي منذ 17 عامًا من موجة كوفيد 19 الحالية، ثم أعقبتها موجة أخرى في الشرق الأوسط أطلق عليها MERS، التي يمكن أن تصيب الحيوانات والبشر على حد سواء، حيث تسبب أمراض الجهاز التنفسي، سواء التي تكون خفيفة مثل نزلات البرد أو شديدة مثل الالتهاب الرئوي. ومن النادر، وليس من المستحيل، أن تصيب فيروسات كورونا الحيوانية البشر ثم تنتشر بينهم. وقد تتذكر مرض سارس الذي انتشر في الفترة ما بين 2002-2003، والذي مثل ظاهرة انتقال الفيروسات من الحيوانات إلى البشر. وقد ظهرت في الشرق الأوسط خلال تلك الفترة أيضا سلالة أخرى مشابهة تنتمي لنفس عائلة الفيروسات التاجية تسمى MERS ويقول العلماء إنها انتقلت في البداية من جمل إلى إنسان، مما يعني أن مجال التعامل بيننا وبين الفيروسات التاجية قديم نسبيًا، ولكن المفاجأة تحدث عندما ظهر على الساحة فيروس جديد من العائلة لم يكن في الحسبان.

الآن قد ظهر نوع جديد من هذه العائلة يسمي كوفيد 19، وكأي فيروس مكتشف حديثًا لا يوجد لقاح للعلاج منه بعد؛ وكحال التعامل مع كافة أنواع الفيروسات، فإن المضادات الحيوية الكيميائية لن تفيد معها من دون أي علاج محدد متاح، يقوم موفرو الرعاية الصحية عمومًا بمعالجة الأعراض ومساعدة المريض على الشعور بالراحة بشكل أكبر، ولكن هذا لا يعني أن المشكلة انتهت، فالفيروس ما زال حيًّا كامنًا داخل الجسم وينتظر اللحظة المناسبة لممارسة نشاطه، وما تفعله المضادات الحيوية الكيميائية هو فقط إسكات الفيروس إلى حين.

ظهر نوع جديد من هذه العائلة يسمي كوفيد 19، وكأي فيروس مكتشف حديثًا لا يوجد لقاح للعلاج منه بعد؛ وكحال التعامل مع كافة أنواع الفيروسات، فإن المضادات الحيوية الكيميائية لن تفيد معها من دون أي علاج محدد متاح، يقوم موفرو الرعاية الصحية عمومًا بمعالجة الأعراض ومساعدة المريض على الشعور بالراحة بشكل أكبر، ولكن هذا لا يعني أن المشكلة انتهت، فالفيروس ما زال حيًّا كامنًا داخل الجسم وينتظر اللحظة المناسبة لممارسة نشاطه..

ما النجاة؟!

هذا الفيروس ينتشر بين الناس عادةً من خلال السعال والعطس أو ملامسة شخص لشخص مصاب أو لمس سطح قد التصق فيه الفيروس. وللحماية من العدوى، توصي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية باتباع ممارسات النظافة الشخصية الأساسية، مثل غسل اليدين بشكل متكرر، وشرب السوائل بكثرة، وتغطية الأنف والفم بمنديل أو بثني ذراعك على فمك عند السعال، والبقاء في المنزل إذا كنت تشعر بأية أعراض. ويمكن أن تسبب فيروسات كورونا مجموعة من الأعراض بما في ذلك الحمى والسعال وضيق التنفس والتهاب الحلق وسيلان الأنف. معظم إصابات فيروس كورونا تسبب مجرد نزلات البرد وهناك سلالات أكثر شدة يمكن أن تؤدي إلى التهاب رئوي حاد يتطلب العلاج السريري في المستشفى.

دعونا ننتقل إلى بُعْدٍ أرقى من تدابير الوقاية من مثل ذلك الخطر، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟! قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ»(1) حديث نبوي شريف يختصر كافة التدابير الممكنة في التعامل مع أزمة الإصابات التي اتخذت مظهرًا وبائيًّا، ويصلح هذا التعليم النبوي لمواجهة كافة الأمراض المعدية الأخرى، وبائية أو غيرها.. ويتلخص هذا التعليم في مستويات ثلاثة: أولها عدم الخوض مع الخائضين والإمساك عن نشر الأخبار الكاذبة أو المحبطة، فطالما قتل الخوف أكثر مما يقتل السم، كما سجلت حالات الموت بالتدافع خوفًا من خطب ما بأكثر من حالات الموت بالتأثير المباشر لذلك الخطب نفسه، فإمساك اللسان هنا تعليم جوهري سبق إليه النبي الخاتم بإلهام من ربه العليم الحكيم، وحين لم يكن إنسان يتصور ثورة مجتمعات التواصل الاجتماعي الافتراضية وما يشيع فيها من أخبار قد تقلب موازين دول بأكملها.

والمستوى الثاني للتعليم النبوي هو الحجر الصحي المنزلي، والذي اختصره النبي في عبارة «وليسعك بيتك»، وبهذا التعليم نصيب هدفين بحجر واحد، فالشخص السليم يحمي نفسه من الإصابة التي قد يتعرض لها بمغادرة المنزل ومخالطة المصاب، فبقاؤه في بيته أولى وأسلم، والشخص المريض سيسبب خروجه لا محالة نشر المرض في دائرة أوسع، فبقاؤه في بيته كذلك أولى وأسلم. جدير بالقول أن هذا أول أمر عام بالحجر الصحي المنزلي عرفته البشرية.

ثم المستوى الثالث، وهو مربط الفرس، إنه الندم والاستغفار بين يدي الخالق المتحكم في الصحة والمرض، الله تعالى الذي لا يرجى شفاء إلا من يده سبحانه وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (2)، وقد أشار النبي إلى هذا المستوى الوقائي بقوله: «وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ».

الهوامش:
1. (سنن الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله)
2. (الشعراء: 81)
Share via
تابعونا على الفايس بوك