الاكتئاب.. القاتل المتسلل

الاكتئاب.. القاتل المتسلل

أحمد وائل

كاتب
  • هل نملك تعريفا للاكتئاب يقترب من الدقة؟
  • لماذا يُعد الاكتئاب مرضا بالمعنى الحرفي؟
  • من أكثر عرضة للاصابة به؟
  • هل له علاج فعال؟

 ___

مرض بالمعنى الحرفي

الاكتئاب ليس أمرًا سهل التخلص منه، ويعُرف علميا باسم الاضطراب الاكتئابي الحاد (Severe depression disorder)، أو الاكتئاب السّريري (Clinical depression)، ويُعرف بأنه خلل يصيب النفس والجسم ويؤثر على طريقة التفكير والتصرف، ومن شأنه أن يؤدي إلى العديد من المشكلات العاطفية والجسدية، ويُعد من بين أكثر الأمراض المنتشرة في العالم، وعادةً لا يستطيع الأشخاص المصابون بمرض الاكتئاب مواصلة حياتهم اليومية كالمعتاد، إذ إن الاكتئاب يُسبب لهم شعورًا بانعدام أية رغبة في الحياة.

من يُصاب به؟!

جميع البشر من كل الفئات العمرية والشرائح الثقافية والطبقات الاجتماعية عرضة للاكتئاب، حيث إنه لا يقتصر على عمر أو جنس أو عرق أو فئة محددة، لكن تشير بعض الإحصائيات أن النساء اللاتي تم تشخيص إصابتهن بمرض الإكتئاب أكثر من الرجال؛ ولكن ذلك يُعزى إلى أن النساء يبحثن عن العلاج بشكل أكبر من الرجال، ومن ثم تكثر حالات تشخيص المرض لديهن.

أعراض مرض الاكتئاب

للاكتئاب أعراض مختلفة ومتنوعة؛ فهو يظهر بأشكال مختلفة عند مختلف الأشخاص، مثلًا: قد تظهر أعراض الاكتئاب لدى شاب في الخامسة والعشرين بشكل مختلف عن تلك التي تظهر عند طاعن في السن جاوز السبعين. كما قد تظهر لدى بعض المصابين بمرض الاكتئاب أعراض حادة جدًا إلى درجة واضحة تشير بأن شيئًا ما ليس على ما يرام، وقد يشعر آخرون بأنهم مساكين بشكل عام، أو بأنهم ليسوا سعداء دون أن يعلموا سببًا لذلك. ومن بين أعراض مرض الاكتئاب الكثيرة: فقدان الرغبة في ممارسة الفعاليات اليومية الاعتيادية، والإحساس بانعدام الأمل، ونوبات من البكاء بدون أي سبب ظاهر، واضطرابات في النوم، وصعوبات في التركيز، وصعوبات في اتخاذ القرارات، والشعور بالتعب أو الوهن، والإحساس بقلة القيمة، وكذلك أفكار انتحارية أو قد تصل إلى مستوى المحاولات الفعلية.

مضاعفات المرض

الاكتئاب هو مرض صعب وعصيب وقد يُشكل عبئًا ثقيلًا على الأفراد وعلى العائلات، والمكتئب الذي لا تتم معالجته قد يتفاقم وضعه ويتدهور إلى حدّ العجز والاعتماد على الغير بل وحتى الانتحار، كما من شأن الاكتئاب أن يؤدي إلى مشكلات عاطفية، وسلوكيّة، وصحيّة، وقضائيّة، واقتصادية حادة تؤثر على كل مجالات الحياة المختلفة.

تشخيص مرض الاكتئاب

يطرح الأطباء والمعالِجون أسئلة حول المزاج والأفكار خلال اللقاءات العلاجية الاعتيادية، أحيانًا يُطلب من المريض أن يعبئ استمارة أسئلة تساعدهم في الكشف عن أعراض الاكتئاب. وحين يشك الأطباء في كون المريض مصابًا بمرض الاكتئاب يقومون بإجراء سلسلة من الفحوص الطبيّة والنفسية، تُساعد هذه الفحوص على تقليل إمكانية وجود أمراض أخرى من شأنها أن تكون سببًا للأعراض تساعد على التشخيص والكشف عن مضاعفات أخرى تتعلق بالحالة.

  1. 1. فحوص لتشخيص الاكتئاب

وتشمل الفحص الجسدي، والفحوص المخبرية، والتقييم النفسي.

  1. 2. معايير لتشخيص الاكتئاب

تقييم الطبيب أو المعالِج النفسي يُساعد في تحديد ما إذا كانت الحالة هي مرض الاكتئاب الحاد أو أحد الأمراض الأخرى التي تذكّر بمرض الاكتئاب الحاد أحيانًا، ومن بينها:

اضطراب الأحكام: رد فعل عاطفي حاد على حدث مؤلم في الحياة، وهو مرض نفسي يرتبط بالتوتّر النفسي، ومن شأنه أن يؤثر على العواطف، والأفكار، والسلوك.

الاضطراب ثنائي القطب: وهو الذي كان يسمى سابقًا الذهان الهَوَسي الاكتئابي، يتميّز هذا النوع من الاضطراب بمزاج متقلّب من النقيض إلى النقيض.

اضطراب المزاج الدوري: وهو أحد أنواع اضطراب الإحكام.

الاكتئاب الجزئي: هو مرض أقل حدة وصعوبة، لكنه مزمن أكثر من الاكتئاب.

اكتئاب ما بعد الولادة: هو اكتئاب يظهر عند بعض النساء بعد ولادتهن أطفالًا جدد، وهو يظهر عادةً بعد شهر من الولادة.

الاكتئاب الذّهانيّ: هو اكتئاب حاد وصعب ترافقه أعراض وظواهر ذهانيّة، مثل: الهلوسة.

الاضْطِراب الفُصــــــــــامِي العاطِفِيّ: هو مرض يشمل مميزات وأعراض مرض الفِصَام واضطرابات المزاج.

اكتئاب الشتاء: هذا النوع من الاكتئاب مرتبط بتغير الفصول وبالتعرض غير الكافي لأشعة الشمس.

علاج مرض الاكتئاب

ثمة حالات يكون فيها الاكتئاب صعبًا جدًا لدرجة تحتم على الطبيب أو على شخص قريب من المريض متابعة علاج الاكتئاب ومراقبته عن كثب حتى يسترد المريض عافيته ويصل إلى وضع يستطيع فيه أن يشارك بفاعلية، في عملية اتخاذ القرارات.

  1. التعامل مع الاكتئاب

يتعامل غالبية العاملين في مجال الصحة مع الاكتئاب كمرض مزمن يتطلب علاجًا طويل المدى كما يتم التعامل مع مرض السكري أو مع ارتفاع ضغط الدم، حيث أن بعض المصابين بمرض الاكتئاب يتعرضون لفترة واحدة من الاكتئاب فقط، لكن لدى غالبية المرضى تتكرر أعراض الاكتئاب لديهم وتستمر مدى الحياة.

التشخيص والعلاج السليمان يمكن أن يقللا من أعراض الاكتئاب حتى لو كانت حادة، فالعلاج السليم يمكن أن يحسن شعور المصابين بمرض الاكتئاب في غضون أسابيع معدودة ويمكـّنهم من العودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية كما اعتادوا على الاستمتاع بها قبل الإصابة بمرض الاكتئاب.

قد يُساعد طبيب الأسرة في معالجة الاكتئاب، لكن في حالات أخرى يكون هنالك حاجة للاستعانة بمعالِج نفسي مؤهّل لعلاج الاكتئاب مثل: طبيب نفسي، واختصاصي علم النفس، وعامل اجتماعي.

من المهم جدًا أن يكون للمريض دور فعّال في علاج الاكتئاب فبالتعاون والعمل المشترك يستطيع الطبيب أو المعالِج أن يقرر مع المريض نوع علاج الاكتئاب الأفضل والأكثر ملاءمة لحالة المريض.

  1. طرق علاج الاكتئاب

تشمل ما يأتي:

الأدوية: تتوافر في الأسواق عشرات الأدوية لعلاج الاكتئاب، لذا يمكن التخفيف من أعراض الاكتئاب عن طريق الدمج بين الأدوية والعلاج النفسي، غالبية الأدوية المضادة لحالة الاكتئاب فعّالة وناجعة بنفس المقدار، لكن بعضها قد يُسبب أعراضًا جانبية حادة جدًّا وخطيرة.

تشمل مراحل علاج الاكتئاب ما يأتي:

الاختيار النموذجي الأول: يبدأ العديد من الأطباء في علاج الاكتئاب بواسطة الأدوية المضادة لمرض الاكتئاب المعروفة باسم مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الاختيارية.

الاختيار النموذجي الثاني: مجموعة من مضادات الاكتئاب المعروفة باسم مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات.

الاختيار النموذجي الأخير: مجموعة من مضادات الاكتئاب المعروفة باسم مُثَبِّطُات أُكسيدازِ أُحادِيِّ الأَمين.

جميع الأدوية المضادة لمرض الاكتئاب يمكن أن تسبب أعراضًا جانبية غير مرغوب فيها، والأعراض الجانبية تظهر بمستويات متفاوتة الشدّة عند مختلف المرضى، أحيانًا تكون هذه الأعراض الجانبية خفيفة إلى درجة لا تستدعي التوقف عن تناول الدواء، كما قد تختفي أو تخف هذه الأعراض خلال أسابيع معدودة من بدء العلاج.

الاكتئاب هو مرض صعب وعصيب وقد يُشكل عبئًا ثقيلًا على الأفراد وعلى العائلات، والمكتئب الذي لا تتم معالجته قد يتفاقم وضعه ويتدهور إلى حدّ العجز والاعتماد على الغير بل وحتى الانتحار، كما من شأن الاكتئاب أن يؤدي إلى مشكلات عاطفية، وسلوكيّة، وصحيّة، وقضائيّة، واقتصادية حادة تؤثر على كل مجالات الحياة المختلفة.

العلاج النفسي

يدعى العلاج النفسي أيضًا العلاج بالمحادثة أو الاستشارة أو العلاج النفسي الاجتماعي، أحيانًا يتم استخدام العلاج النفسي بموازاة العلاج بالأدوية وبالتزامن معه، العلاج النفسي هو اسم شامل لمعالجة الاكتئاب من خلال محادثات مع المعالج النفسي حول الوضع وحول الأمور المتعلقة به. لكننا هنا لسنا بصدد الحديث عـن العلاج، بل يشغلنا أمر الوقاية بالطرق الطبيعية، وفي هذا الجانب تتوافر إثباتات مهمة على أن النشاط البدني يمكن أن يحمي من اختلال وظيفة خلايا المخ المسئولة عن حدوث الاكتئاب، بل ويستعيد توازن هذه الوظيفة إن اختلت. لكن النشاط البدني المقصود هنا هو النشاط البدني المنتظم، والاكتئاب المعني هو الاكتئاب بأسباب وظيـفية، غير عضوية، لأن الأسباب العضوية تتطلب علاجاً خاصًّا وإن كان النشاط البدني يمكنه أن يؤازر هذا العلاج.

الرياضة كمضاد للاكتئاب؟!

معظم الدراسات التي ثمنت دور الرياضة كعلاج للاكتئاب أجريت على عينات من الشباب صغار ومتوسطي الأعمار، وأظهرت النتائج أن تراجع الأعراض الاكتئابية كان لدى الرجال كما لدى النساء. وثمة مؤشرات على أن دور الرياضة في تقليل الإصابة بالاكتئاب يمكن أن يتراجع قليلاً مع التقدم في السن، مع ملاحظة أن كبار السن تكون إصابات الاكتئاب بينهم أقل منها لدى الصغار ومتوسطي العمر.

وثمه نتيجة مدهشة في دور الرياضة على الجانب الوقائي للاكتئاب، إذ بينما تفشل كثير من العقاقير في الإتيان بالنتيجة ذاتها مع اختلاف أجناس البشر وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، فإن الرياضة تأتي بنتائج لا تعرف هذه الاختلافات. والرياضة المقصودة هي رياضة كل الناس، أي الرياضة الآمنة والمعتدلة من أجل اللياقة، لا الرياضة التنافسية.

Share via
تابعونا على الفايس بوك