أيمكن أن يتحكم الذكاء الاصطناعي في ديننا؟!

أيمكن أن يتحكم الذكاء الاصطناعي في ديننا؟!

عارف خان

  • ما المقصود بالذكاء الاصطناعي؟
  • كيف يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي على الوجه الأمثل؟

___

لقد غيرت التكنولوجيا حياتنا في العقود القليلة الماضية وتغلغلت في كل جانب من جوانب الحياة البشرية، من الأدوات المنزلية وهواتفنا الذكية إلى كيفية تسوقنا وطلب المواد الغذائية وغيرها من السلع. لقد كان الإنترنت مسرعاً هائلاً، ولكن هناك مجال واحد من التكنولوجيا من المحتمل أن يقدم ثورة أكبر من أي وقت مضى وهو الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence والذي يُطلق عليه اختصارا (AI).

ما هو الذكاء الاصطناعي؟!

إن صياغة تعريف دقيق للذكاء الاصطناعي ليس بالأمر الهيِّن. فهو مصطلح شامل يغطي مجموعة واسعة من التخصصات التي تتطلع إلى محاكاة السلوكيات التي لا ترى عادة إلا في الكائنات الحية، مثل البشر. وبالتالي، يغطي الذكاء الاصطناعي مجالات مثل الرؤية الحاسوبية أو معالجة اللغات الطبيعية (NLP) أو التعرف على الكلام. غالباً ما نراها مباشرة في منازلنا مع المساعدين الشخصيين مثل Alexa التابعة لـ Amazon، أو أجهزة الصوت المنزلية التابعة لـ Google. إنها قادرة على إخبارنا بحال الطقس، وتذكيرنا بالمواعيد القادمة، والإجابة على الأسئلة الأساسية.

الذكاء الاصطناعي، أَم اكتشاف النار والكهرباء؟!

في عام 2016، ذهب سوندار بيتشاي، رئيس شركة Google، إلى حد الزعم بأن الذكاء الاصطناعي هو «أهم شيء تتوصل الإنسانية إليه»، مضيفا أن الذكاء الاصطناعي أكثر أهمية من اكتشاف النار والكهرباء. وذلك على الرغم مما اكتسبه الذكاء الاصطناعي من سمعة سيئة بسبب الدعاية المفرطة لأدبيات الخيال العلمي والإنتاج السينمائي في هوليود وغيرها، في أفلام مثل Terminator أو Star Wars أو Blade Runner  الأمر الذي بات يستحضر لدى الكثيرين فكرة عصر الآلة وتغلب الذكاء الاصطناعي على البشر، ومن ثم نهاية عصر الإنسانية. الحديث عن الآلات أو الروبوتات.

حتى Netflix..!

إن واقع من يعملون في مجال الذكاء الاصطناعي غالباً ما يكون عادياً. هناك بالطبع شركات  ومؤسسات عديدة يقوم عملها أساسا على الذكاء الاصطناعي، مثل تسلا التي تعمل على صناعة سيارات ذاتية القيادة (FSD)،  كذلك فإن العديد منا يعمل في مجالات تتعلق أكثر بالحوسبة الشخصية. وأبرز المجالات التي تعتمد على  الذكاء الاصطناعي في عالم الأعمال مجال تحليل البيانات الضخمة واستخدامها لإجراء تنبؤات حول السلوك الاستهلاكي للزبائن. فاعتمادا على تقنيات الذكاء الاصطناعي، أُتيح لشركات التعلم الآلي (ML) اقتراح المنتجات المناسبة لزبون معين بدقة أكبر بكثير. ونرى هذا في حياتنا في توصيات الأفلام على Netflix وتجارب التسوق عبر الإنترنت، والتي نلاحظها مثلا في العبارة الشائعة التي تقول: «العملاء الذين اشتروا هذا المنتج اشتروا ذلك المنتج أيضاً».

لدينا أجهزة تعتمد الذكاء الاصطناعي في منازلنا، ولا تكاد الهواتف الذكية تفارق أيدينا معظم الوقت، ولكن ما الذي يمكن أن تُقدمه كل تقنيات الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف؟ وهل سيصبح لدينا روبوتات في منازلنا تمارس مهمة الوعظ الديني  كذلك..

الحدود الحقيقية للذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي لم يبلغ حقّاً مستوى يمكن مقارنته بالذكاء الطبيعي. نعم، هناك مجالات يبدو فيها أن الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر، مثلاً في لعبة Go، لكن هذا الذكاء نفسه لا يمكنه على سبيل المثال أن يلعب الشطرنج. لا يوجد ذكاء اصطناعي شامل يمكنه الجمع بين التخصصات البينية، أي تلك التي تتعلق بمعارف متنوعة، في رؤية واحدة وموحدة للعالم. أما البشر فمتفوقون في ذلك.

هناك كتاب صدر حديثا عنوانه إعادة تشغيل الذكاء الاصطناعي للدكتور غاري ماركوس والدكتور إرنست ديفيس(1) حاول فيه مؤلفاه تصحيح الوضع لمواجهة «الدعاية» حول تقنيات الذكاء الاصطناعي. يشرح المؤلفان أن استرجاع المعلومات يمكن أن يوهمنا بأن الذكاء الاصطناعي يفهم بينما هو في الواقع ليس لديه أي تمثيل داخلي أو إدراك للنص الذي يتعامل معه.

ويُسلِّطان أيضاً الضوء على أن البشر معتادون على التجسيم أو التشبيه، أي أنهم ينسبون للأشياء ذكاءً يفوق بكثير ذكاءها الحقيقي. ففي حياتنا اليومية، نعزو العواطف أو المشاعر الإنسانية إلى أشياء مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو الطابعات. غالباً ما نتحدث عن ما «فكر» فيه النظام أو «شعر» به، ولكن أيًّا من هذين التعبيرين لا ينطبقان على تلك الأنظمة.

والحال نفسها مع قدرة الذكاء الاصطناعي على فهم النص. فنحن قد نظن أن الذكاء الاصطناعي أذكى مما هو عليه، إذ يمكنه سماع أسئلتنا والرد عليها! وقد بيّن المؤلفان حدود الذكاء الاصطناعي بمثال واضح:

«ذهب الطفلان، كْلُوِي وألكسندر، للمشي. كلاهما رأى كلباً وشجرة. ورأى ألكسندر قطة فأشار إلى كلوي التي ذهبت لتداعب القطة.»

من البسيط جداً الإجابة على سؤال مثل «من ذهب في نزهة؟»، فالإجابة موجودة في النص. لكن أي قارئ ماهر يمكنه وبنفس السهولة الإجابة على أسئلة أجوبتها غير مكتوبة في النص، مثل «هل رأت كلوي القطة؟» و «هل كان الأطفال خائفين من القطة؟» (2)

ومن المدهش ربما أنه ما من تقنية للذكاء الاصطناعي تستطيع الإجابة على هذه الأسئلة. فالمهارة الرئيسية التي تفتقر إليها الآن هي أي شكل من أشكال الاستدلال الحقيقي، لأن هذا يعتمد على أجزاء رئيسية من المعرفة، وعلى القدرة على التمثيل الداخلي للمواقف.

ومع ذلك، نقرأ باستمرار في وسائل الإعلام أن الذكاء الاصطناعي ذكاء خارق، بل وقد أخذت تطفو على السطح مؤخرا أسئلة حول الذكاء الاصطناعي والدين!

لدينا أجهزة تعتمد الذكاء الاصطناعي في منازلنا، ولا تكاد الهواتف الذكية تفارق أيدينا معظم الوقت، ولكن ما الذي يمكن أن تُقدمه كل تقنيات الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف؟ وهل سيصبح لدينا روبوتات في منازلنا تمارس مهمة الوعظ الديني  كذلك..

الذكاء الاصطناعي في الدين

طرح مقال نشرته بي بي سي مؤخراً السؤال التالي: «هل بإمكان الذكاء الاصطناعي  تغيير الدين؟».

وبالنظر إلى حدود الذكاء الاصطناعي التي ذكرناها سابقاً في هذه المقالة، لن يستغرب أحد من أن إجابتي على هذا السؤال هي «لا» إلى حد كبير، أو على الأقل «ليس حالياً». إذ إننا حتى الآن لم نتمكن من توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في استخلاص معنى قصة أطفال بسيطة، فما بالنا بكشف معنى الحياة نفسها؟!

تقول “كيت دارلينغ” الباحثة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كتابها «السلالة الجديدة» إن مقارنتنا للذكاء الاصطناعي والروبوتات بالبشر تبعدنا عن النقطة الجوهرية للموضوع (3) إذ تثير لدينا مشاعر عن مستقبل حتمي  يتصادم فيه الروبوتات والبشر، وغالباً ما يؤجج الخيال العلمي كل ذلك. وتضيف المؤلفة أن النظر إلى الروبوتات على أنها حيوانات أليفة هو تشبيه أدق بكثير ويوفر إطار أفضل للتفكير في المشاكل التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في حلها.

إذن ربما الأفضل أن نسأل عما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد البشر في عيش حياة كريمة ومزدهرة دينياً؟

عندما نحلل تقرير بي بي سي، وننظر إلى ما وراء الصورة التي يظهر فيها الروبوت «Minder» بهيئة بشرية في وضعية الجلوس للصلاة، أو في وضعية ناماستيه (4)، نرى أن الوظائف المعروضة تشبه إلى حد كبير ما لدينا في هواتفنا الذكية ومساعدينا المنزليين، مثل Alexa. عندما سئل الروبوت الكاثوليكي «سانتو» سؤالاً عن الجنة، أجاب بسطر من الكتاب المقدس يحتوي على كلمة «الجنة» ولم يجب على السؤال مباشرة. ونفهم السبب مما رأيناه سابقاً عن قصة كلوي وألكسندر. ومع ذلك، فإن هذا النوع من مطابقة الكلمات واسترجاعها يكون في بعض الحالات مفيداً للغاية. وأعتقد أن هذا هو المجال الذي يجب أن تركز عليه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

الاستفادة من الذكاء الاصطناعي على الوجه الأمثل

بعيدا عن وظيفتي التفكير والتأمل المعقدتين لدى البشر، فإننا إذا ما أوجدنا حلولا تدعم هاتين الوظيفتين الحيويتين، وسواء اشتملت تلك الحلول التكنولوجية على  الذكاء الاصطناعي أم لا، فسيكون هذا بحد ذاته مكسبا كبيرا. والواقع أن هذا ما يحدث اليوم بالفعل، أو إن كنا لا نلاحظه بوضوح.

لقد أطلقت الجماعة الإسلامية الأحمدية مؤخراً تطبيق القرآن المفتوح (HolyQuran.io) يُتيح لمستخدميه إمكانية البحث النصي في القرآن الكريم  باللغة العربية، وفي ترجمات معانيه باللغتين الأردية والإنجليزية، وفيه مزايا أكثر تقدماً مثل البحث في المرادفات. ابحث مثلاً عن كلمة «الكحول» أو «الخمور»، يُعطيك جميع النتائج التي تحتوي على مصطلح «الخمر». ويحتوي موقع مقارنة الأديان أيضاً على وظيفة بحث تمكّن من استدعاء معلومات من أكثر من 100 عام في ثوان.

في هذه الأمثلة، يتم استخدام التكنولوجيا للتركيز على نقاط قوتها (البحث السريع في كميات كبيرة من البيانات) وهذا بدوره يمكن أن يساعد عالِم الدين في العثور على المرجع الذي يحتاجه إليه لخطبته. إن فكرة أن تكتب بنفسها أدوات التكنولوجيا خطابا وعظيّا، مع إدراكها ما تقوله، هي فكرة بعيدة المنال حالياً. فهل يمكن للمستقبل أن يأتي بهذا الشكل من الذكاء الاصطناعي؟ ربما. أعتقد أن هذا المستقبل ستكون فيه التطبيقات متاحة لمساعدة الناس على الوفاء بالتزاماتهم الدينية، وتزويدهم بمقتبسات الحكمة المأخوذة من تلك الكتب الدينية خلال اليوم. توجد اليوم تطبيقات مثل «آية اليوم» في متاجر التطبيقات المختلفة وستستمر في النمو.

مع التوجه العالمي إلى اللياقة البدنية الشخصية، نرى فائدة التكنولوجيا التي تحتفظ بسجلات أنشطتنا، وتفعّل تذكيرات عندما نكون أقل نشاطاً، أو تقدم نصائح حول الصحة واللياقة البدنية.

أعتقد أن تركيزاً مماثلاً على الدين سيجني فوائد كبيرة.

فبدلاً من أن نلجأ إلى التكنولوجيا للإجابة على الأسئلة الفلسفية العميقة، يجب علينا استخدامها لجلب المعرفة إلى أطراف أصابعنا من خلال الرقمنة والبحث السريع. بالإضافة إلى ذلك، أتوقع أن أرى المزيد من التطبيقات الشخصية ذات الصلة بـالدين التي توفر تذكيرات منتظمة وإلهاماً دينيّاً للمستخدمين من خلال الإشعارات المجدولة.

وبهذه الطريقة يمكن للذكاء الاصطناعي وعالم التكنولوجيا الأوسع أن يساعدا في دعم مساعينا الدينية بدلاً من محاولة تعريفها.

الهوامش

  1. ماركس غ وديفس إ، 2019، إعادة تشغيل الذكاء الاصطناعي- بناء ذكاء اصطناعي نثق فيه، فينتج، نيويورك.
  2. المرجع نفسه.
  3. دارلينغ ك، 2021 ، السلالة الجديدة – كيف نفكر في الروبوتات، بنغوين، الولايات المتحدة الأمريكية.
  4. وضعية ناماستيه: صورة من صور التحية في الثقافة الهندية، ويشيع استخدامها في الهند ونيبال، وتستخدم كتحية عند اللقاء والوداع، وهيئتها هي الانحناء مع ضم اليدين مبسوطتين بشكل رأسي والإبهامان يلامسان الصدر.
Share via
تابعونا على الفايس بوك