يا حسرة على مشائخ آخر الزمان

يا حسرة على مشائخ آخر الزمان

طه القزق

قبل أن ننضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية لم نكن نعرف من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه. كنا نصلي ونصوم ونزكي ونحج البيت، ونقوم بما أمرنا الله به من عبادات، ولكننا كنا نعتقد أيضا بكثير من الخرافات والإسرائيليات المدسوسة في كُتب التفاسير. كنا نعتقد بأن المسيح حي في السماء، وسيرجع إلى الأرض مرة أخرى وينصر الإسلام، وكأنه لا يوجد في الأمة الإسلامية رجل واحد صالح يكلّفه الله بإحياء دينه الحنيف. ويُعلن القرآن الكريم صراحة في كثير من آياته المحكمات أن المسيح عيسى بن مريم تُوفّيَ، ويؤكد استحالةَ رجوع الميت إلى الحياة مرة أخرى إذ يقول:

وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (الأنبياء: 96).

كُنا نعتقد بأن المسيح كان يُحْيي الأموات، وأنه يخلق الطيور. وهذا الأمر بطبيعة الحال مخالف لما قاله :

أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (الرعد: 17)،

كما يقول أيضا:

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهمْ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعدُ الظَّالمونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلا غُرُورًا (فاطر:41)، ويقول أيضا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (الحج: 74).

وكثير هي تلك الخرافات التي كنا نعتقد بها مثل جن سليمان وهدهده وشياطينه، وسرقة عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين بسرعة أقل من سرعة غمضة العين.

إن الله سبحانه وتعالى يرسل المرسلين والمصلحين ليُخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ولكن لم يحصل في تاريخ البشرية أن أتى الناسَ نبيٌّ أو مصلح إلا وقاموا ضده، ولم يستقبلوه قط بالورود ولم يفرشوا له السجاد، ولم يرحبوا به بالهتافات، بل قابلوه بالشتائم، ورشقوه بالحجارة، ووضعوا العراقيل في طريقه، وأشاعوا حوله الأكاذيب، وألصقوا به تُهمًا باطلة بُغية قتله أو صلبه. يقول الله تعالى: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (يس:31).. ويقول سيدنا ومولانا محمد المصطفى عن علماء الأمة: “علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل”. ولا يخفى على من اطلع على تاريخ الأمة أسماءُ أولئك الأبرار والأولياء الذين اضطُهدوا وكُفّروا وسُجنوا وقُتلوا. فالإمام أبو حنيفة تُوفي في السجن. أما الإمام أحمد بن حنبل فاستُشهد صائمًا وهو يُضرب بالسياط في العشر الأواخر من رمضان. أما منصور الحلاج فاستُشهد مصلوبًا. أما شيخ الصوفية محيي الدين ابن عربي فقد كفره المشائخ ولا يزالون يكفرونه حتى اليوم.

ولم يسلم حتى الأنبياء الذين برَّأهم القرآن الكريم من التُهم التي أُلصقت بهم من قِبل المشائخ والمفسرين ودافع عنهم. فقد اتهموا سيدنا إبراهيم بالكذب، وقالوا إن إبراهيم لم يكذب إلا ثلاث كذبات، أي أنه متهم بكذبات كثيرة، ولكن المشائخ برّؤوه منها ما عدا ثلاث كذبات. ولم يَخْفَ على الله أن مشائخ آخر الزمان سيتهمونه مرة أخرى، فأنزل براءته في كتابه المبين حيث قال تعالى:

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (مريم: 42).

أما سيدنا لوط : فاتهموه بأنه قدم بناته لأعدائه. وأما سيدنا داود فاتهموه بأنه عشق زوجة أحد جنوده، فأرسله للحرب وتزوجها. أما سيدنا سليمان فقد اتهموه بأنه بنى عرشًا زُجاجيًا للملكة بلقيس، وجعل تحته مجرى للماء لأنه كان مولعًا بها وسمع أن على رجليها شعرًا كثيفًا، فأراد أن يرى بأم عينيه ويتيقن من ذلك. لم يسلم أي نبي من اتهاماتهم حتى إن سيدنا محمدًا لم يسلم من اتهاماتهم أيضا. والذي يتهم أشرف خلق الله الذي قال سبحانه وتعالى في حقه: “لولاك لما خلقتُ الأفلاك” هَيّنٌ عليه أن يتهم أي نبي آخر.

أما نزول الوحي فيزفّ المولى للمؤمنين البشرى بنزول الملائكة بالوحي عليهم فيقول:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (فصلت:31).

وبالرغم من هذا التصريح الواضح الجلي يقول المشائخ أن الوحي قد انقطع بعد سيدنا محمد ؛ مع أن الله قد أخبر نبيه الكريم:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء: 108).

فكيف يكون رحمة للعالمين إذا كان مجيئه سببًا لانقطاع الوحي وهو أعظم نعمة ربانية والصلة الوحيدة بين الله سبحانه وتعالى وخلقه.

ثم يَعِدُ أبناء الأمة الإسلامية بأعلى المراتب الروحية فيقول:

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (النساء:70).

هذه المراتب الأربع وعدها الله لأفراد الأمة الإسلامية بشرط أن يطيعوا الله ورسوله طاعةً تامة وكاملة، ولكن المشائخ في محاولة فاشلة يودون حرمانهم منها. إنهم يقبلون بوجود المجرمين على اختلاف أنواعهم في الأمة الإسلامية، ولكنهم لا يقبلون بوجود نبيين وصديقين وشهداء وصالحين. إنهم يفسرون كلمة “خاتم” التي اختُصّ وفُضّل بها سيد الخلق كافة في سورة الأحزاب ويؤولونها على أساس لا يُظهر علّو مرتبته وشأنه .

لا يخفى على أحدٍ الفتن التي يقوم بها المشائخ داخل الدول العربية والإسلامية. إنهم يريدون إقامة دولة إسلامية تحكم بالشرع كي ينصبوا أنفسهم قادة على عامة الناس، فيقطعوا يد السارق ورأس المرتد ويجلدوا الزاني.

  • يا تُرى من هو السارق في نظرهم؟ إنه الفقير الذي يسرق شيئًا بسيطًا ليُطعمه أهل بيته. أما الذي يسرق المليارات من أموال البترول ويضعها في بنوك أمريكا وسويسرا فهذا لا يُعتبر سارقًا.
  • يا تُرى من هو المرتد في نظرهم؟ إنه كل من خالفَهم في تفسير آية ما من القرآن الكريم بحيث لا يتماشى مع أهوائهم، فهذا هو المرتد ويجب قطع رأسه. أما الذي يقول إن القرآن الكريم يتضمن آيات منسوخة ويحتوي على كلمات غير عربية، بل فيه كلمات سريانية وفارسية وغيرها من اللغات، فيعتبرونه من أحسن المجتهدين. وعلى النقيض من هذا يخبرنا : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف: 3).
  • يا تُرى من هو الزاني في نظرهم؟ هو ذلك الذي يرتكب جريمة الزنا في البلاد الإسلامية ويُلقى عليه القبض. أما الذي يذهب لأوروبا ويصرف ملايين الدولارات على المومسات، وتُنشر صورٌ تفضح فعلته الشنيعة، فهذا ليس بزانٍ، بل يُعتبر رجلاً غنيًّا وتاجرًا كبيرًا ذهب للنزهة ولتوثيق بعض الصفقات التجارية.
  • وفي خضمّ هذا الوضع المزري للأمة يقوم المشائخ بتحريض الناس على القيام بأعمال الشغب وترويج الفتنة بالقيل والقال وذلك لإقامة دولة إسلامية. لذلك تضع الحكومات الإسلامية قواتها الأمنية على أبواب المساجد عند الصلوات وخاصة يوم الجمعة للمحافظة على الأمن. لقد أرسل الله تعالى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود لإصلاح الأمة الإسلامية بصفة خاصة ولإصلاح الإنسانية كافة بصفة عامة حتى أن المصطفى سماه” حكمًا عدلاً “، ولكن للأسف كفروه وآذوه وسعوا لقتله عدة مرات، فقط لأنه أعلن أن المسيح عيسى ابن مريم ليس حيًّا بل قد مات كالأنبياء الآخرين بنص القرآن والحديث. ويلفقوا ضد المسيح الموعود التهم كي يسجن أو يقتل أو يصلب، ولكن الله نجاه من تهم المشايخ ومكائدهم وقال له: “إني معك ومع أهلك.”

وشاء قدر الله أن ولد سيدنا الامام المهدي والمسيح الموعود في قرية صغيرة، وعاش فيها منقطعًا إلى الله، متعبدًا في المسجد، مختفيًا عن الأنظار لم يبتغ جاهًا ولا شهرة. تعلم القرآن الكريم وقليلاً من مبادئ اللغة العربية. عُرف بأخلاقه السامية ومعاملاته الإنسانية الراقية خلال فترة طفولته وشبابه. ومن أعماله البارزة خلال الفترات الأولى من نبوغه وظهوره على الساحة تصنيفه الذي سماها “البراهين الأحمدية “ردًّا على كهنة الهنادك والمبشرين المسيحيين وإعلاء لكلمة الإسلام وبيانًا لصدق القرآن والرسول الكريم  . ولما قرأ علماء الهند ما كتبه حضرته قال بعضهم أنه لم يظهر في الأمة الإسلامية بعد سيدنا محمد حتى اليوم رجل دافع عن الإسلام مثل ميرزا غلام أحمد القادياني. ولكن عندما كلفه الله سبحانه وتعالى ووهبه مقام المسيح الموعود والمهدي المنتظر آثار هذا الأمر حفيظة المشايخ وقالوا أن هذا الرجل كافر ومرتد وقتله حلال، وأصدروا الفتاوي لقتله. والشيخ البطالوي الذي مدحه كثيرًا بعث إلى مكة والمدينة المنورة بالفتاوى بقتله، وأهانوه قائلين: أنت لا تعرف اللغة العربية. فما كان منه إلا أن أجابهم: هذا صحيح، لم أكن أعرف من اللغة العربية الا القليل، ولكن الله سبحانه وتعالى علمني في ليلة واحدة أربعين ألف مصدر منها، وأصدرت كتابًا عربيًّا فيه تفسير سورة الفاتحة، وسميته “إعجاز المسيح” وأتحدى علماء الأمة قاطبة على أن يأتوا بمثله. فقالوا بإمكاننا أن نكتب أحسن منه، ولكنهم حتى اليوم وبعد أكثر من مائة سنة لم يستطيعوا أن يكتبوا مثله. كما تحدى كل من تكلم بلغة الضاد أن يأتي بمثال واحد لاستخدام كلمة  “التوفّي” حيث لا تعني معنى الموت وذلك إذا كان الله سبحانه وتعالى هو الفاعل، وواحد من الناس هو المفعول به، وليس هنالك قرينه تصرفها عن معناها الأصلي، فلم يستطيعوا حتى اليوم، ولن يستطيعوا أن يأتوا بمثال واحد .لقد انضممنا منذ خمسة وسبعين سنة إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية بتوفيق من الله سبحانه وتعالى. سمعنا خلال هذه الفترة أطنانًا من الأكاذيب والخزعبلات من قبل معارضيها، ومنها على سبيل المثال: للأحمديين قرآن جديد، ونبي جديد، ولا يعتقدون بأن محمدًا خاتم النبين. وأذكر على سبيل المثال واقعة خلال إحدى زياراتي إلى لندن. اصطحبت الأستاذ منير الإدلبي لزيارة مكتبة إسلامية كان يملكها شيخ باكستاني. وتجاذب الأخ منير أطراف الحديث مع صاحب المكتبة، ثم سأله: ما رأيك في الجماعة الإسلامية الأحمدية؟ فقال هذا الشيخ: أتعرف أن ميرزا طاهر الذي يقولون عنه أنه خليفة، أقسم بالله العظيم أنه لا يُفطر إلا بعد أن يشرب الكحول والمخدرات. فالتفت إلى الأخ منير وقال: البارحة تناولنا معه وجبة الغذاء ولم يشرب شيئًا. فقال لنا هذا الشيخ: أنتم قاديانيون. فأجبنا: نعم نحن مسلمون أحمديون. فاستشاط غضبًا وأراد أن يطردنا من مكتبته. ولقد وعد الله عبده وخادم المصطفى : “سأبلغ دعوتك إلى جميع أطراف الارض. إني معك ومع أهلك. وَسِّعْ مكانَك، ينصرك رجال نُوحي إليهم من السماء.” وهذا ما تم فعلاً وتحقق وعد أصدق الصادقين، حيث انتشرت هذه الجماعة فيما يزيد عن مائة وسبعين دولة، وأصبح لها محطة فضائية تبث معارف القرآن والعلوم الإنسانية إلى القارات الخمس على مدار الساعة. يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار. ربنا وآتِنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك