الصحوة الإسلامية والكارثة الإسلامية

الصحوة الإسلامية والكارثة الإسلامية

طه القزق

إن الله وعد الأمة الإسلامية بالاستخلاف حسب قوله:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور: 56).

 كذلك قال الرسول :

“إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا” (سنن أبي داوود، كتاب الملاحم).

إن ظهور المجدد في الإسلام صحوة إسلامية مؤيدة من الله كانت تظهر دائما في الأمة الإسلامية منذ أربعة عشر قرنًا. كذلك كانت تظهر صحوة مضادة من رجال السياسة والحكام والملوك والزعماء الذين لا هم لهم إلا مصلحتهم الخاصة، ضاربين عرض الحائط مصلحة الإسلام والمسلمين الروحية والأخلاقية. ولو راجعنا التاريخ لوجدنا قولنا هذا صحيحا مائة بالمائة. ولكني أريد أن أبحث وأبين وأشرح عن الصحوة الحاضرة التي نعيشها.

لقد ظهرت الصحوة التي أقامها الله منذ مائة سنة على يد رجل من رجال الإسلام. رجل أمضى حياته في التعبد والصلوات والبكاء على حالة المسلمين، يدعو الله ليل ونهار لينقذهم من مخالب الشيطان، هذا الشيطان الذي أصبح يملك الأموال كالجبال والأرزاق كالبحار، ومن الأسلحة ما لا عين رأت وما لا أذن سمعت.. سيطر على البحار، وسيطر على السماء والأرض . يأمر السماء فتمطر، يقطع الإنسان قطعًا ويجمعه مرة أخرى، فيرجع للحياة يبتسم. أصبح يملك جنةً ونارًا. أصبح يأمر الشعوب الإسلامية أن تقتتل فيما بينها فتقتتل، ثم يأمرها أن تصطلح فتصطلح. يمشي فتمشي وراءه ملوك المسلمين وأغنياؤهم حاملة أموالها لتضعها في خزائنه والتأمين عليها عنده مطمئنة.

يستخدم هذه الأموال ضد مصالح أصحابها وهم مسرورون بذلك. أصبح المسلمون لهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولهم قلوب لا يفقهون بها. أصبحوا أعداء للإسلام بما يحملونه من عقائد فاسدة لا توجد في القرآن الكريم ولا يقبلها العقل الرشيد. أصبحوا أعداء لمن يريد إحياءهم، وأصدقاء لمن يريد إبادتهم. طبعًا ليس المقصود من قولي هذا كل المسلمين ولكن أكثرهم.

لقد قام هذا المنقذ بأمر من الله وكلفه بأن ينتصر للإسلام حسب وعده وسلّحه بأسلحة روحية جديدة للقضاء على هذا الشيطان الذي يملك الأسلحة المادية التي إذا ما استعملت في الحروب تكون ضحاياها كلهم أو أكثرهم من الأبرياء والمساكين والنساء والأطفال الذين لا ذنب لهم بل وربما تقضي على كل من يدب على هذا الكوكب. قام هذا المنقذ لإثبات أن الإسلام هو دين السلام ولم يكن في يوم من الأيام دين اغتصاب يغتصب العقائد من قلوب الناس، بل أعطى الحرية لجميع الشعوب، كما يُعلن أن هذه الأسلحة المادية يحرم الإسلام استعمالها لنشر الدين أو لقتل الإنسانية تحريما كاملاً وإن الله سوف يُهلك بها الذين اخترعوها.

هذه الصحوة ظهرت في أوائل هذا القرن واستمرت في تقدمها رافعة راية الإسلام خفاقة، بعد أن لطخ بعض علماء المسلمين سمعة الإسلام بما يعتقدون من عقائد فاسدة مخالفين بذلك نصوص القرآن الصريحة وأحاديث الرسول الكريم الصحيحة وأقوال عظماء السلف الصالح. إنهم مازالوا يعتقدون بأن الإسلام انتصر بالسيف والقوة.

واستمرت الصحوة المؤيدة من الله في تقدمها نحو النصر مستعملة الأسلحة الروحية، أسلحة الحجة والبرهان لكل معترض على دين الإسلام وشريعته. فانتصرت على جميع علماء الأديان في مؤتمر الأديان الذي عقد في الهند في مدينة لاهور سنة 1896م، واعترف جميع علماء المسلمين وغيرهم على هذا النصر العظيم. وواصلت هذه الصحوة تقدمها إلى أفريقيا وصانت المسلمين هناك من التبشير المسيحي، وجعلت المبشرين المسيحيين لا يجرؤون على مناقشة حتى طفل أحمدي لما يملك من حجج وبراهين على معتقداته. واستمرت في تقدمها فوصلت إلى أوروبا وأمريكا وكندا. وبنت المساجد ومراكز الدعوة الإسلامية. كما وصلت إلى جزر فيجي وموريشس وطوفالو التي لم تسمع بالإسلام من قبل ولم يكن فيها مسلم واحد. كما وإنها انتشرت في جمهوريات الاتحاد السوفيتي من جديد إذ أن الدعاة المسلمين الأحمديين وصلوا هناك منذ أكثر من خمسين سنة، ولكن الحكومة الشيوعية بذلك الوقت اعتقلتهم ووضعتهم في السجون وعذبتهم تعذيبا شديدا. إضافة إلى ذلك فقد بنى المسلمون الأحمديون في أفريقيا المدارس والمستشفيات، وهم أول من بنى مسجدا في إسبانيا بعد خروج المسلمين من هناك منذ سبع مائة سنة.

إن هذه الصحوة التي أقامها الله على يد سيدنا المرزا غلام أحمد القادياني، المسيح الموعود والمهدي المعهود حسب تسمية سيدنا ومولانا المصطفى والذي ينتظره العالم لينقذه من المهالك بواسطة القرآن الكريم وشريعة سيدنا محمد لأنه تعلم تفسير القرآن الكريم الصحيح من الله وليس من أستاذ بشري، بينما هذه الصحوة تسير في طريقها المرسوم وأصبحت شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وتسير بقيادة الخلافة على منهاج النبوة حسب قول سيدنا محمد ظهرت منذ عشرين سنة تقريبا الصحوة المضادة كالعادة المتبعة الأزلية، فرجعوا بالإسلام مئات السنين وأوقفوا تقدمه. فأصبح شغلهم الشاغل تخريب ما يبنيه الأحمديون وتزييف الحقائق وجعل الحق باطلا والباطل حقًا، صحوة تابعة للسياسة ولأصحاب المصالح الذين لا هم لهم إلا قبض أجورهم وملء بطونهم.

تركوا التبشير المسيحي يصول ويجول في بلاد الإسلام ومنعوا المسلمين من أداء رسالتهم، وحرضوا الحكومة الباكستانية على أن تدعو الأحمديين بغير المسلمين، فمنعوهم من الصلاة ورفع الأذان، منعوهم أن يسموا أنفسهم مسلمين، منعوهم من قول السلام عليكم ورحمة الله، منعوهم وضع كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله في بيوتهم أوعلى مساجدهم. هدموا مساجدهم وأحرقوها، أحرقوا بيوت الأحمديين ونهبوها. وسمّوا كل هذه الجرائم بالصحوة الإسلامية، كما سمّوا هذه الأعمال جهادًا. لم تسلم منهم أية دولة إسلامية، ففي مصر مثلاً كل يوم يغتالون شخصا هنا وشخصا هناك، يضعون قنبلة هنا وقنبلة هناك، يثيرون مظاهرة هنا ومظاهرة هناك. وفي سوريا قتلوا الكثير من موظفي الدولة واغتالوا أكثر من خمسين ضابطا في الكلية الحربية في حلب. وضعوا الأسلحة بالمساجد. وكانوا يغتالون موظفي الدولة من داخل المساجد. فما كان من الدولة السورية إلا أن فتكت بهم وقتلت أكثر من ثلاثين ألفا منهم، وهدمت أكثر من تسعين مسجدًا في مدينة حماه وحدها..

جعلوا الحكومات الإسلامية تخاف من كل شخص ذي لحية، ويُصلي ويعبد الله. فبدأت الحكومات الإسلامية تراقب كل من له لحية ويصلي، وتضع عليه رجال المخابرات للمراقبة. فكانت تحصل بعض المظالم من رجال المخابرات وبالعكس من الرجال المدعين بالدين والصحوة الإسلامية.

جعلوا الدول الأجنبية التي عندها رعايا مسلمة أقلية تراقبهم أشد مراقبة، لأنهم أصبحوا يخافون منهم على أمن بلادهم. وبواسطة هذه المراقبة تحصل بعض الأحيان التحرشات، وبعدها تنتقل إلى حروب وثورات، ويُقتل المسلمون بالمئات هنا وهناك مثل الفليبين ويوغوسلافيا وبلغاريا وفي كثير من بلاد العالم. وكل هذه الأشياء حصلت من سوء تصرف هذه الصحوة التي سموها الصحوة الإسلامية، ولكنها بالحقيقة الكارثة الإسلامية. وحرضوا الناس للتطوع للحرب في أفغانستان الحرب الشيوعية هناك، لأن الشيوعية ضد أمريكا وكأن المسلمين مسئولون في العالم، ولهم القوة الكافية لمحاربة الشيوعية. فكانوا يحاربون الشيوعية دفاعًا عن أمريكا وإسرائيل. أما الحكومة الروسية فهي تفهم أكثر منهم، فكانت تُرسل الجيش الروسي الذي قاتل في أفغانستان كلهم كانوا من المسلمين الروس. فكان الشخص الذي يقاتل في أفغانستان ويقولون عنه مجاهد، كلما كان يقتل جنديا روسيا يكون قد قتل مسلما مغلوبًا على أمره. وحتى الآن المشكلة الأفغانية كما هي ولا يزال المسلمون الأفغان يقتتلون رغم انسحاب الروس. لقد فهمنا هذه الأشياء من المسلمين الروس الذين خرجوا من روسيا بعد الانفتاح على العالم الخارجي، وسُمح لهم بالخروج، ولقد قالوا لنا: لقد قُتل أكثر من 60 ألف مسلم في حرب الأفغان من المسلمين الروس. كما قالوا إن روسيا بكل حرب تضع جنودها المسلمين في المقدمة، إذ يوجد هناك ستون مليون مسلم من القوزاق والتتر وأزربيجان وغيرها.

والآن هذه الصحوة انقسمت على نفسها بعد اجتياح الجيش العراقي الكويت وبعد أن طلبت السعودية الجيش الأمريكي والبريطاني والفرنسي وجميع جيوش العالم المعادية للإسلام واستدعته للمرابطة في البلاد المقدسة، وعلى بعد خمسة وسبعين كيلومترا من مكة المكرمة، إذ أن مدينة جدة على البحر الأحمر تبعد خمسة وسبعين كيلومترا عن مكة المكرمة بالإضافة إلى ذلك إن مصاريف هذه الجيوش كلها على حساب السعودية وبعض الدول الإسلامية الأخرى.

أما زعماء الصحوة من العلماء فكل واحد منهم أصدر فتوى لمصلحة الحاكم في بلده، وحسب رغبته لا حسب الشريعة ذكرتني هذه الحوادث بحادثة قديمة. كل العالم يعرف الرجل العظيم الذي دافع دفاع الأبطال عن قضايا المسلمين والعرب في أروقة الأمم المتحدة وفي كل المجالات الدولية. ودفاعه عن قضية فلسطين بصورة خاصة، وهو السير محمد ظفر الله خان رحمه لله. لقد لقَّبه زعماء العرب وكُتابها بذلك الوقت بطل قضية فلسطين. ومما كُتب عنه أنه الوحيد الذي يُصلي الصلوات الخمس بأوقاتها في هيئة الأمم المتحدة وله مكان خاص للصلاة هناك. هذا الشخص تكلم كلمة حق إذ قال إن تدهور أمور المسلمين يرجع إلى تدهور أولي الأمر منهم. هذه الكلمة لم تعجب الملك فاروق في ذلك الوقت. فأصدر أمره لمفتي الديار المصرية في ذلك الوقت السيد حسنين مخلوف بتكفير ظفر الله خان وخروجه من الإسلام. وكان له ما أراد إذ أفتى المفتي بأن ظفر الله خان كافر خارج عن الإسلام. ولكن والحمد لله أن الشعب المصري النبيل استنكر هذه التهمة وعبر عن هذا الاستنكار الأستاذ أحمد أبو الفتح في مقالٍ نشرته صحيفة “المصري” بذلك الوقت، دافع عن السير ظفر الله خان وعن مواقفه الإسلامية المجدية.

أيظن هؤلاء الناس أنهم يستطيعون مقاومة من أرسله الله وأمره بالمسيرة. ألم يتذكروا فرعون موسى ومكر اليهود للمسيح ، وأبرهة صاحب الفيل، وما فعله أبو لهب بمحمد ؟ ألم يتذكروا بوتو باكستان وفرعونه ضياء الحق. لماذا هذه الفتن يا من تدّعون بالإسلام؟ ألم يقل القرآن الكريم:

وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ .

ألا تؤمنون بالآية التي تقول

وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ .

ألم تأخذوا درسا مما يحدث في العلم. هذه الشيوعية سقطت لوحدها أسقطها الله ، حتى أن العالم لا يصدق ما يراه أو ربما تعتقدون أيها المشائخ بأن روسيا سقطت بأسلحتكم وسيوفكم!

Share via
تابعونا على الفايس بوك