حوار طريف

كنت أمشي في حديقة هايدبارك (بلندن) الواسعة الجميلة، وبعد أن أنهكني التعب أردت أن أستريح قليلا. فقصدت أحد المقاعد المنتشرة في تلك الحديقة. فوجدت عليه شخصًا أسمر اللون ملامحه شرقية، فحييته تحية الإسلام لأعرف هل هو مسلم عربي، فحياني بأحسن ما حييتُه.

بعد أن جلست بضع دقائق سألني بعد أن استأذن وقال لي: هل حضرتك مسلم؟ قلت: الحمد لله، إنني مسلم من أبوين مسلمين ومن عائلة مسلمة منذ عدة قرون. فسألته: وهل حضرتك مسلم؟ قال يا أخي، لا أستطيع أن أجاوبك في هذا الوقت حتى أستقر على رأي. قلت: عجيب جوابك، يظهر أنك في الأربعينيات من عمرك وحتى الآن لا تعرف هل أنت مسلم أم لا؟ قال: يا أخي كنت مسلمًا منذ بضعة أشهر.. أصلي وأصوم وأقوم بجميع واجباتي الدينية أحسن قيام، وكنت إذا ما سُئلت عن ديني أقول مثلك: مسلم والحمد لله. وأما اليوم فقد أصبحتُ ثلاثةَ أقسام، قسم يشدني للإلحاد، وقسم يجرني للتنصر وأما القسم الثالث فهو انتمائي للإسلام الذي أفكر في تركه إذ أصبح هذا القسم ضعيفا ولا أهتم به. قال: لست أنا وحيدًا في تفكيري هذا، بل أظن أن كثيرا من المسلمين يفكرون بما أفكر به.

قلت: ربما ظنك هذا غير حقيقي وهو ضرب من الأوهام. قال: أنا مستعد أن أقنعك بالأدلة والبراهين والوقائع. قلت: كلامك معقول؟ وما هي براهينك وأدلتك؟ قال: يا أخي ألا تقرأ الجرائد؟ ألم تقرأ جريدة (المسلمون) التي ذكرت أنه عندما جاء البابا من الفاتيكان لزيارة أفريقيا خرج المسلمون يحملون الصلبان؟ ألم تقرأ في جريدة أخبار العالم الإسلامي قبل حوالي سنتين أن الدكتور عمر عبد الله ناصيف رئيس رابطة العالم الإسلامي قال متحدثَّا لوفد القوات المسلمة السودانية: نتحاور مع الكنيسة لإيقاف نشاطها في المجتمعات الإسلامية؟ فلماذا يخافون من المبشرين المسيحيين ويطالبونهم ألا يذهبوا للمناطق الإسلامية؟ بينما لا نرى ولا نسمع أن المسيحيين يطلبون هذا الطلب من علماء المسلمين، بل بالعكس كل بلاد المسيحيين مفتوحة للدعوة الإسلامية.

قلت: يا أخي، فلنبدأ بحوارنا في مشكلتك الخاصة. لماذا أنت متشائم؟ ربما استطعت مساعدتك. قال: ومن أنت يا أخي لتساعدني، إن كثيرا من العلماء لم يستطيعوا مساعدتي وعلى رأسهم العمائم ويحملون الشهادات العالية من الأزهر وغيره من الجامعات المنتشرة في العالم الإسلامي، وإذا ما تركتُ ديني في يوم من الأيام فسيكونون هم السبب في ذلك.

قلت: يا أخي أنسيت أن جميع الأنبياء كانوا رعاة أغنام بما فيهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؟ أنسيت أن أفضل خلق  الله كان أميًّا وتعلم الصحابة وتربوا على يد هذا الأميّ. فأناروا العالم وقدموا للبشرية أحسن الخدمات العلمية والأخلاقية والإنسانية والروحية والحضارية، وإن أكثر علماء العالم يعترفون لهم بذلك. فأرجو منك أن تقص علي قصتك ربما استطعت مساعدتك. فلا تحرمني من الثواب.

قال: يا أخي، أنا أشتغل في مهنة البناء، وذات يوم استُدعيت لإصلاح الأشياء في كنيسة وكنت في ذلك الوقت مقيما للصلوات الخمس ولا أترك فرضا. وعندما حانت صلاة الظهر قلت في نفسي: ربما هؤلاء القساوسة يمنعونني من الصلاة في الكنيسة، فتحيرت ما أفعل؟ هل أخرج من الكنيسة وأصلي في الخارج؟ ولو خرجت لا أستطيع الصلاة خارج الكنيسة لأن الموسم موسم الشتاء وكان المطر ينهمر. فتقدمت على استحياء لأحد القساوسة وقلت له: أتسمح لي أن أصلي صلاتي الإسلامية داخل الكنيسة؟ قال صلِّ أي صلاة تريدها وكيفما تشاء. البيت بيت الله، وجميع الصلوات لله، ونحن نتبرك بجميع أنواع الصلاة. هذه أول نقطة جعلتني أفكر وأسترجع أفكاري. عندما كنت طفلا كنت أدرس في مدرسة إسلامية، وكان بعض التلاميذ من المسيحيين. وعندما كان يأتي درس الدين كان الأستاذ يخرج الطلاب المسيحيين الذين كانوا يدرسون في المدارس المسيحية، فكانوا يدرِّسونهم الديانة المسيحية والصلوات المسيحية وغيرها من عاداتهم وتعاليمهم.

بعد أن أنهيت صلاتي وبدأت بالشغل جاء القسيس وسألني: ما عقيدتك بربنا ومخلصنا يسوع المسيح؟ قلت: أعوذ بالله من قولك هذا، إن المسيح عبد من عباد الله أكرمه الله وجعله نبيًّا من أنبياء بني إسرائيل، هكذا نعتقد به نحن المسلمين. قال: ولما لا تعتقدون أنه الرب وابن الرب والمخلص، إنه حي في السماء منذ ألفي سنة، وإنه سيأتي وينزل من السماء ليخلصكم. عندما تضيعون لا يستطيع أي واحد من المسلمين أن يخلصكم بما فيهم نبيكم الميت والمدفون بالمدينة المنورة، وتزورون قبره كلما ذهبتم هناك. أليس كذلك؟ قلت له: ومن أين أتيت بهذه العلوم؟ قال: أسألْ علماءكم من المسلمين. وهكذا مكتوب عندكم في القرآن. فقلت وأنا أكتم غيظي؛ سأسألهم إن شاء الله.

بعد أن انتهيت عملي ذهبت لأحد العلماء قبل أن أذهب إلى البيت، وبعد السلام والاستئذان سألته: هل صحيح أن المسيح حي في السماء منذ ألفي سنة؟ قال: نعم صحيح. قلت: وهل صحيح أنه سينزل من السماء ويخلص المسلمين وينصرهم عندما يضعفون وتتكالب عليهم الأمم. قال: نعم صحيح. إنه سينزل من السماء في آخر الزمان واضعًا يديه على جناح مَلَكَين من شرقي دمشق على المنارة البيضاء، وعند وصوله إلى الأرض سوف يقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويقتل  الخنزير، ويُظهر الإسلام على الدين كله.

قلت: يا حضرة الشيخ ألا يستطيع الله أن ينصر الإسلام بدون مساعدة نبي من بني إسرائيل؟ ألا يكفينا مجيء اليهود إلى فلسطين في هذا الوقت، وقتلُهم أطفالَنا و نساءُنا وشيوخنا، وطردُهم لنا من أراضينا والاستيلاء عليها بدون حق؟ تقول وتعتقد بأن الإسلام بحاجة إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل ليخلصنا بينما الله يقول عنه: وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وهو نفسه يقول: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ؟ قال: أجئت لتسألني أو لتعلمني! أتريد أن تعلم العلماء وأنت غير متعلم؟ نحن متخصصون في العلوم، وعلماء المسلمين هكذا يقولون. قلت يا سيدي أريد أن أناقش أحد القساوسة لأنه يقول أن المسيح هو الرب وابن الرب وأنه حي في السماء منذ ألفي سنة، ونبيكم ميت، وأنه سوف يأتي ليخلصكم عندما تضعفون وتتكالب عليكم الأمم. فلا أريد أن أكون ضعيفا أمامه. أريد أن أتغلب عليه. ففكر الشيخ قليلا وقال: قل لذلك القسيس إن المسيح إنما هو نبي مسلم، وبهذه الطريقة تتغلب عليه. قلت له: شكرا وانصرفت وأنا غير مقتنع بكلامه، فكيف أقنع القسيس؟ وأنا في طريقي إلى البيت صادفت شيخًا آخر، فاستأذنته وسألته نفس الأسئلة. فكان جوابه مثل الأول مع فارق بسيط. قال: ألا تؤمن بالمعجزات وأن الله على كل شيء قدير. قلت: بلى، إنني أؤمن بالمعجزات. قال: خلاص،

وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمً .

قلت: ولكن لا يوجد هنا ذكر السماء وكيف وضعتموه في السماء، ومن جهة أخرى تقولون: إن الله في كل مكان! قال: أنت رجل جاهل وغير متعلم ولا تحمل أي شهادة علمية وجئت تعلمنا، نحن متعلمون ومتخصصون في هذه العلوم وكثير من العلماء المسلمين يعترفون بهذا الاعتقاد. فقلت: شكرا ورجعت للبيت مهمومًا.

ثاني يوم من عملي جاءني ذلك القسيس مرة أخرى وسألني هل سألت علماءكم؟ قلت: لم يكن عندي الوقت وعندما يكون عندي سوف أسألهم إن شاء الله، ولكن هل عندك أسئلة أخرى؟ قال: نعم عندي أسئلة كثيرة. قلت: وما هي؟ قال: ألا تعرف بأن ربنا يسوع كان يحيي الموتى ويخلق الطيور؟ قلت: أعوذ بالله! لا يمكن لأي إنسان أن يُحيي ميتًا، ولا يمكن لأي إنسان أن يخلق ولا ذبابة. قال: نعم كلامك صحيح، ولكن ربنا يسوع ابن الله ومن روح الله، ولد من غير أب وهو الوحيد الذي يستطيع أن يقوم بمعجزات لأنه أرقى من طبقة البشر. وهذا يا أخي مكتوب عندكم في القرآن في سورة آل عمران:

أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ،

أرأيت يا أخي إنه يعلم الغيب أيضًا. سمعت ما قاله ذلك القسيس وبعد أن أنهيت عملي في ذلك اليوم ذهبت رأسا لأحد المساجد لأسأل عن حقيقة هذه الأشياء. فوجدت شيخين يلبسان من أحسن اللباس مع العمائم النظيفة. فقلت في نفسي: الحمد لله، الآن سأفهم الحقائق من هذين الشيخين لأن ظاهرهما يدل على أنهما يحملان شهادات عالية في الأمور الدينية. وبعد أن سلمت عليهما استأذنت منهما وطلبت مساعدتهما لإعطاء التفسير الصحيح. فقلت: هل صحيح أن المسيح حي في السماء منذ ألفي سنة؟ قال أحدهما: نعم. وهل صحيح أنه كان يُحيي الموتى؟ قال: نعم. وهل صحيح أنه كان يخلق الطيور؟ قالا: نعم. قلت: وهل أنتما متأكدان من ذلك؟ قال أحدهما: هل أنت عربي أم أعجمي؟ قلت: أنا عربي وابن عربي. قال: ألا تقرأ القرآن الكريم؟ قلت: أقرأه دائما. قال: ألا تقرأ الآية التي تقول:

أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ؟

قلت: نعم قال: خلاص! الكلام واضح، وكله بإذن الله، وهذه معجزات خاصة بالمسيح . قلت: ألا يمكن يا حضرات الأساتذة أن نجد تفسيرا يخالف هذا التفسير ولا يكون مناقضًا للقرآن الكريم، وأنا لست بعالم ولكنني أسمع أن اللغة العربية هي أوسع لغة في العالم. قالا: إنك تعترف بأنك لستَ بعالم وتريد أن تحرّف كلام الله! قلت: شكرا وانصرفت وأنا أحمل همًّا كاد يصيبني بالجنون. ذهبت إلى بيتي، ودخلت الحمام واغتسلت، وتعشيت، وصليت، وأخذت كتاب الله، وبدأت أقرأ. فإذا بآية في سورة الحج تقول:

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ .

وفي اليوم التالي ذهبت للعمل وجاء ذلك القسيس وسألني: هل سألت علماءكم؟ قلت: لم أتمكن البارحة ولكنني قرأت القرآن الكريم آية تقول بأنه لا يمكن لأي إنسان أن يخلق ولو ذبابة حتى لو كان نبيًّا لأن الخَلْق صفة من صفات الله فقط. قال: يا أخي وأنا أقول كذلك ولقد ذكرت لك من قبل، أما ربنا يسوع فهو الوحيد الذي يخلق مع الله . وبعد أن فكرت قليلاً قلت: يا حضرة القسيس ألا تعتقد بوجود الله وأنه على كل شيء قدير وأنه هو خالق كل شيء؟ قال: نعم، نحن لا نختلف في هذا الاعتقاد. قلت: يا سيدي، عندما يخلق الله سبحانه وتعالى طيرًا مثلاً فأولاً يجمع الذكر والأنثى فتلقح الأنثى، ثم تبيض ثم ترقد على بيضها مدة واحد وعشرين يومًا أو قريبا من ذلك، ثم تفقس البيض فيخرج منها الفراخ. ثم تذهب أمه وتأتي له بالطعام وتُطعمه ربما شهرًا أو ما يقارب ذلك. ثم تدربه على الطيران فيصير طيرًا بإذن الله. أليس كذلك؟ قال: كلام جميل. قلت: كيف يمكن لنا أن نصدق ونعتقد بأن المسيح كان يأخذ الطين، وينفخ فيه، ويصير طيرًا. هل المسيح أقدر من الله ؟ قال: ماذا تقصد من هذا الكلام؟ قلت: الذي أقصده هو أنه لا يمكن لأحد أن يخلق شيئًا. الخلق من صفات الله الواحد القهار فقط لا غير. نعم، ممكن للإنسان أن يصنع سيارة أو طائرة وغيرهما من الأشياء المادية التي لا روح فيها. فقال القسيس: فإذًا كتابكم فيه التناقضات. مرة يقول: إن المسيح يخلق الطيور، ومرة يقول: لا يمكن لأحد أن يخلق شيئا؟! قلت: على رسلك أيها القسيس، إن القرآن الكريم كتاب أُحكمت آياته ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. أما التفسير الذي يفسره المفسرون ففيه الخطأ لأن القرآن الكريم كلام الله والتفسير كلام المفسرين من الناس،  وإن شاء الله سوف أقنعك عندما أجتمع مع علماء جيدين أتقياء وهبهم الله من لدنه علمًا. وبعد فترة رجع القسيس يحمل كتابا ضخما، وقال: ما عقيدتك بصحيح البخاري كتاب الحديث؟ قلت إنه أصح كتاب بعد القرآن الكريم. قال انظر مكتوب هنا: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: “مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا”.  قلت: على كل حال، اليوم سوف أكمل عملي في الكنيسة وبعدها أتفرغ للبحث ثم آتي عندكم للزيارة وأعطيكم التفسير الصحيح لكل هذه الأشياء. في آخر ذلك اليوم أعطوني أجرتي كاملة وأعطوني إكرامية بعض النقود لأنني كنت مخلصًا في عملي وكانوا مسرورين مني.

في اليوم التالي ذهبت لأحد المساجد فوجدت بعض الناس يجلسون حول شيخ يسمعون منه تفسير الآية التي تقول:

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ

فقال: إن الله جعل من بعض اليهود قردة حقيقية وخنازير حقيقية.. تأويلات لا يقبلها عقل ولا منطق، إنما هي خرافات كباقي الخرافات، والله يقول:

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .

وبعد يوم ذهبت لمسجد آخر فوجدت بيد الشيخ الذي هناك جريدة (المسلمون) التي فيها قصة بعض الراقصات اللاتي تُبن وتركن مهنة الرقص وتحجبن وأصبحن يقمن الصلاة وبعضهن ذهبن لأداء فريضة الحج. وكان الشيخ يعلق على هذه الظاهرة متفاخرًا بهذا الانتصار العظيم وكأنه استرجع الأندلس. فخرجت من المسجد وأنا متشائم. أقول في نفسي ربما لا أستطيع أن أجد من يساعدني.

وبعد يوم آخر ذهبت لمسجد آخر فوجدت بعض الشبان الملتحين المتحمسين يستمعون درسًا في الجهاد من أحد المشائخ. وكان الشيخ يتكلم في  فنون القتال والكر والفر كضابط متخرج من الكلية الحربية. وبعد أن انتهى من إلقاء درسه بدأ الشبان يسألونه وهو يرد عليهم. أما أنا فكنت أستمع للأسئلة والأجوبة، ولكن كانت أفكاري مشتتة في جهات متعددة. كنت أقول في نفسي: ألا يوجد جهاد غير القتال! كيف كان جهاد الصحابة الذي التجأوا للحبشة مهاجرين؟ كيف كان جهاد المسلمين عندما كانوا ضعفاء لا حول لهم ولا قوة إنهم كانوا أكبر المجاهدين ومع ذلك لم يقاتلوا أحدًا إلا بعد أن اكتملت قوتهم وأُمروا بالقتال من الله دفاعًا عن النفس وليس اعتداء على الآخرين. هؤلاء المشائخ يريدون أن يحاربوا أوروبا وأمريكا وروسيا ولا يوجد عندهم من الإمكانيات لحرب أضعف دولة في العالم. لا يوجد عندهم قيادة موحدة. لقد فرقوا الأمة الإسلامية إلى مئات الفرق. إنهم غير متفقين حتى على أبسط الأشياء. فكيف يمكن لهم القتال.

وأنا في هذه الأفكار المشتتة إذ بالشيخ يوجه إلي سؤالا: أنت هنا منذ مدة ولم تسأل أي سؤال، بينما الكل سأل كثيرا من الأسئلة؟ فوقفت ووجهت الكلام للشيخ وللحاضرين وقلت لهم: إذا جعتم تطلبون الأكل من الذين تريدون حربهم، وإذا عريتم تطلبون الألبسة من الذين تريدون حربهم، وإذا أردتم حرب الذين تريدون حربهم تطلبون شراء الأسلحة من الذين تريدون حربهم! فهل هؤلاء الأعداء لا يوجد عندهم العقول التي يفكرون بها؟ إنهم أذكياء. إنهم يبيعونكم الأسلحة التي تضركم ولا تنفعكم، وكأنهم يبيعون لكم الأسلحة بشرط ألا تستعمل إلا في الاقتتال فيما بينكم.. مثلما حصل بين العراق وإيران لمدة ثمانية سنوات وكان حصيلته مليون قتيل من المسلمين، وما جرى ويجري منذ عشر سنوات في أفغانستان وما جرى في الخليج تسمونه جهادًا! أيها المشائخ تعلّمون الشبان فنون القتال وأنتم لا تفهمون شيئا في هذا المجال.

وقبل أن أكمل كلامي وقف الشيخ واحمرت عيناه وحرض علي الشبان الجالسين. والكل بدأ يشتمني، وأحدهم لطمني وكان الشيخ يقول لي: يا كافر، يا مرتد، يا زنديق، أتنكر الجهاد؟ ولما علم أقاربي بالخبر كانوا ضدي، ولاموني على سلوكي، وأحدهم قال: لماذا أنت تحمل السلم بالعرض، وآخر يقول: واحد حامل ذقنه والآخر تعبان منها، وآخر يقول: أتريد أن تقيم الدين في مالطا. وبعد أن سمعت ما قاله الأقارب والأصدقاء، قلت: والله سوف أرفع قضية بالمحكمة ضد هذا الشيخ وهؤلاء الشبان. فضحك الجميع استهتارًا بأفكاري وقالوا لي: أتظن بأن الحكومة ستنصفك وتأخذ حقك من هذا الشيخ؟ إن الحكام بحاجة إلى هؤلاء المشائخ ليأخذوا منهم الفتاوى عند الحاجة. ألم تر أن الحكام المسلمين أخذوا الفتاوى من هؤلاء العلماء أيام حرب الخليج؟ ألم تقرأ الجرائد في ذلك الوقت أن مفتي جمهورية مصر طالب بوش مرتين بأن يضرب العراق لأنه لا يمكن حل المشكلة إلا بالحرب؟ ألم تقرأ الجرائد وتسمع الإذاعات تطالب ليل نهار باستمرار الحصار على العراق، وهذه الإذاعات إسلامية!؟

هؤلاء المشائخ ليل نهار يشتمون صدّامًا، ويقولون عنه ملحد بعثي كافر مرتد يهودي زنديق. لو كان كل كلامهم حقًّا فما ذنب أطفال العراق وشيوخه ونسائه. إنهم يموتون جوعًا بالمئات كل يوم. بعضهم يطالب بإنشاء جيش إسلامي موحد للذهاب إلى البوسنة. فبالله عليك من أين سيمر هذا الجيش، وهل من الممكن وصوله إلى هناك. إنهم لا يفكرون، ويظنون بأن الشعوب لا تفهم. لو كان في كلامهم واحد بالمائة من الصدق، لماذا لم ينشئوا هذا الجيش الإسلامي الموحد على حدود إسرائيل؟ إذ إن الدول الإسلامية محيطة بإسرائيل. لقد أعلنوا الجهاد في أفغانستان. ضد من كان هذا الجهاد؟ كان المسلم يقتل أخاه المسلم. وبعد أن انسحب الجيش الروسي من هنالك بقي المسلم يقتل أخاه المسلم وحتى الآن المسلم يقتل أخاه المسلم. لمصلحة من كان هذا القتال أو بالأحرى الاقتتال ومنذ أكثر من عشر سنوات؟ لو فكرنا في بداية الحرب الأفغانية نجدها أشعلت لمصلحة أمريكا وإسرائيل، ومع ذلك يسمونه جهادًا ومجاهدين. والعقلاء الذين يفهمون هذه الأشياء لا يستطيعون أن يتكلموا شيئًا خوفًا على وظائفهم ومعيشتهم ولا يريدون (أن يقيموا الدين في مالطا مثلك).

بعد أن تكلم معي الأقارب والأصدقاء هذا الكلام أقسمت يمينًا ألا أبقى في هذه البلاد، وكما تراني جئت لاجئًا إلى هنا. أعيش عيشة الذل بما تعطيني الحكومة البريطانية كصدقة. ولقد سمعت من بعض الأصدقاء بأن شوارع فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا والدنمارك وأمريكا وكندا وكثير غيرها من البلاد مملوءة باللاجئين المسلمين أمثالي، وكثير منهم يعيشون على فتات الكنائس والجمعيات الخيرية بما تجود عليهم من صدقات تحيي أجسادهم وتميت أرواحهم.

وبعد أن أنهى صديقي كلامه الطويل وكان يرتجف من الغيظ قلت: أتسمح لي بالكلام بعد أن قصصت علي قصتك، قال: تفضل.

قلت: أريد أن أنبهك لشيء مهم جدًا وهو أن أكثر المسلمين يقرأون القرآن الكريم ولا يفكرون في معانيه حتى إن بعضهم يحرم التفكير فيه واستنباط معانيه، ويقولون نحن لسنا بمكلفين بأن نفهم معانيه من تلقاء أنفسنا. إن هنالك علماء متخصصين في هذا المجال وكل ما يقولونه لنا نحن ملزمون بتصديقه والإيمان بأقوالهم. وعندما نذهب للعلماء نجدهم لا يأتون بتفسير ومفهوم جديد بل كل ما كتب قديما فهو عندهم الصحيح حتى لو كان خرافة، مع أن القرآن الكريم يقول: إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ ، ويقول: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ، ويقول: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا . فهذه الآيات كلها يخاطب فيها الله الناس جميعًا أن يتدبروا القرآن. فنحن عندما نسمع تفسيرًا من أحد العلماء نكون مخيرين بأن نصدقه أو لا، نؤمن به أو لا. فإذا قبلته عقولنا نؤمن به وإلا فلا، حتى يأتينا اليقين. نعم هناك أشياء لا يمكننا فهمها ونؤمن بها مثلاً وجود الله والمعجزات التي لا تتعارض مع القرآن الكريم. نؤمن بالقرآن الكريم أنه كلام الله لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

قلت لي بأن القسيس قال لك أن المسيح حي في السماء منذ ألفي سنة، وعندما سألت العلماء قالوا لك: صحيح أنه حي في السماء. ولكن الحقيقة أنه ميت وشبع موتًا، وإنه أكثر نبي ذكره القرآن الكريم بأنه ميت. لو فكر العلماء في هذا الوقت لوجدوا أنهم يساعدون النصارى في تأليه المسيح، لأن الله جعل قانونًا للبشر وقال:

مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ، وقال أيضاً: فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُون ،

وقال أيضًا:

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ، ويقول أيضا: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا .

ويقول أيضا:

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (المؤمنون: 13-17).

فهذه المراحل السبعة يمر فيها الإنسان في تكوينه والمسيح مر بها، وولدته أمه، وخرج من المكان الذي يخرج منه كل الناس، وكانت أمه ترضعه كما ترضع الأمهات أولادها، وكان يأكل الطعام مثلما يأكل الناس، وكان ينام ويمشي في الأسواق، ويتأثر بالأحوال الجوية، فعند البرد كان يبرد وعند الحر كان يشعر بالحرارة.

حتى الآن ذكرت لك القانون الإلهي لكل البشر بما فيهم المسيح ، والآن سأذكر لك قول الله عن موت المسيح .

(أولاً): وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ . هذه الآية صريحة واضحة لا تحتاج إلى مفسرين وفلاسفة وعلماء بعمائم أو بدونها.

و(ثانيًا): عندما توفي سيدنا محمد واختلف الصحابة، بعضهم يقول: توفي وبعضهم يقول: لم يمت.. وقف سيدنا أبو بكر وقرأ قول الله تعالى في القرآن: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وأنهى المشكلة، وفهم الصحابة رضوان الله عليهم وأجمعوا على أن الأنبياء والرسل الذين أتوا قبل سيدنا محمد قد ماتوا ولم يستثن منهم أحد بما فيهم المسيح . هذه الآية أيضا واضحة وصريحة ولا حاجة لنا أن نراجع المفسرين ليحرفوا لنا الكلام عن موضعه.

(ثالثا): إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (آل عمران: 56). هذه الآية صريحة أيضا. الله توفى المسيح، وبعد وفاته رفع روحه كما ترفع جميع أرواح الأنبياء والأرواح الطاهرة. ولكي يحاول بعض المحرفين كلام الله يقولون: يجب أن تكون هذه الآية هكذا: يا عيسى إني رافعك ومتوفيك، ليثبتوا صحة أقوالهم وتأويلاتهم الباطلة، وليس المهم عندهم كلام الله بل الأهم عندهم كلامهم وتحريفهم لكلام الله.

(رابعا): القانون الإلهي يرفض رفع وخلود أي إنسان بجسمه المادي في السماء في قوله:

مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى .

وإذا ما احتج المشائخ بأن الله على كل شيء قدير وأن هذه معجزة، فجوابنا: نحن نعتقد بأن الله على كل شيء قدير، وباستطاعته تبديل الأرض والسماء بكلمة “كن فيكون”، ولكنه ليس بحاجة ليثبت قدرته بهذه الخرافة ، كما ليس من المعقول أن يناقض كلامه. ثم إن سيدنا محمدًّا ذكر في حادث الإسراء أنه رأى سيدنا عيسى، ومثلما رأى سيدنا عيسى رأى سيدنا موسى وهارون وزكريا ويحيى وإبراهيم ونوح وجميع الأنبياء عليهم السلام، وصلى بهم إمامًا. فهل كان عيسى يختلف عنهم فكان هناك في جسده العنصري وباقي الأنبياء كانوا أرواحًا بدون أجساد؟ لقد كان الجميع سواسية. ثم قلت: أرأيت يا أخي أنه لم يذكر أي نبي بالموت أكثر من سيدنا عيسى . أرجو أن يكون قد أقنعك هذا الشرح.

قال: يا أخي، جزاك الله خيرًا. لقد أثلجت صدري وسلحتني بالبراهين والحجج والأدلة القاطعة والمعقولة، ولكني أريد أن أسألك: أين تعلمت، ومن أي جامعة تخرجت، وكيف توصلت إلى هذه الأدلة والبراهين؟ قلت: يا أخي أنا رجل بسيط، ولا أحمل أي شهادة علمية. والله يقول:

وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ،

ولا يقول: وكل إنسان ألزمنا طائره في عنق شيخه وعالمه.. أعني أن الله تعالى قد علق قائمة أعمالنا في عنقنا وليس في أعناق شيوخنا. فيجب أن يهتم كل واحد بدينه ولا يعتمد كلية على الشيخ. كل ما هنالك أنني انضممت إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية بعدما اقتنعت بأن مؤسسها أرسله الله لإحياء الإسلام في نفوس المسلمين من جديد والدفاع عنه في العالم، بعدما تكالبت عليه الأمم. ولقد أعطاه الله معارف القرآن الكريم ففسره تفسيرًا خاصًّا لم يستطعه غيره.

قال: يا أخي، ما أجمل هذا الكلام وما أقوى هذه الحجج والبراهين، ولكني أتعجب لماذا هؤلاء المشائخ لم ينضموا إلى جماعتكم فتكونوا كتلة واحدة تدافعون عن الإسلام وتردون هجمات المتنصرين الذين أصبحوا ينقصون من هذه الأمة إذا يتنصر كل يوم من هذه الأمة الأعداد الكبيرة. ففي الأردن وحده ينضم يوميًّا إلى المسيحية من خمسين إلى مئة شخص، كما تقول الجرائد. قلت: يا أخي إن المشائخ أصبحوا متكبرين، والله لا يحب المتكبرين، وإنهم غير مستعدين للانضمام إلينا حتى ولو لم يبق مسلم واحد. إنهم ينتظرون مسيحا سابقًا إسرائيليًا، مع أن الله يرسل من يرسل من نفس الأمة المرسل إليها. فكيف حال هذه الأمة الإسلامية التي لا يوجد فيها شخص ينتخبه الله لإحيائها وإنها بحاجة لشخص من أمة أخرى مع أن الله يقول: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ . فإذا كانت هذه الأمة لا يوجد فيها رجل يحييها وأنها بحاجة لرجل من أمة أخرى فإنها أتعس أمة أخرجت للناس وليست خير أمة.

ورب معترض يقول بأن هنالك أحاديث كثيرة تقول بأن المسيح سينزل من السماء. والجواب أن الله يقول في القرآن الكريم: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ، مع أن الحديد يخرج من باطن الأرض وعلى عشرات الأمتار تحت الأرض. فإذا جاءك ضيف وكنت تسكن على جبال الهملايا مثلاً، فتقول: لقد نزل عندي ضيف، مع أنه صعد آلاف الأمتار على الجبل حتى وصل إليك. كذلك يقول الله :

قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ .

فالله تعالى أنزل رسولنا أيضا. فهل أنزله من السماء؟ فهذه اصطلاحات قرآنية وهذه هي اللغة العربية. فلا يعني النزول دائما من فوق إلى تحت بل يكون في بعض الأحيان بمعنى الاحترام أو تقديرا للنعمة المرسلة من الله. فهكذا يكون نزول المسيح، ويظهره الله من خلقه حسب عادته وسنته.

وبعد أن ثبت موته نفهم أن المسيح المنتظر هو شخص آخر، ومن أمة أخرى هي الأمة الإسلامية. وسمي بالمسيح من أجل التشابه في الأحوال والصفات بين المسيح المحمدي والمسيح الإسرائيلي. وهذا التشابه من وجوه عدة منها أولاً: يأتي بعد النبي بنفس المدة التي أتى بها المسيح الإسرائيلي بعد سيدنا موسى أي 13 قرنًا.

ثانيًا: جاء المسيح الإسرائيلي وكانت الأمة الإسرائيلية مستعمرة للرومان، كذلك جاء المسيح المحمدي والأمة الإسلامية مستعمرة للدول الأوروبية.

ثالثا: جاء المسيح الإسرائيلي مجددًا للديانة اليهودية في نفوس اليهود، وقال في الإنجيل: جئت لأتمم وما جئت لأنقض.. كذلك جاء المسيح المحمدي مجددًا للدين الإسلامي في نفوس المسلمين، فلم يحرِّم شيئا أحلّه الإسلام ولم يحلل شيئا حرَّمه الإسلام.

رابعا: إن الأعداء زيفوا تهمًا ضد المسيح الإسرائيلي وجروه للمحاكم.. كذلك زيف الأعداء للمسيح المحمدي تهمًا باطلة واستدعي للمحاكم، وبرأه الله مما قالوا.

خامسا: كانت حياة الشعب الإسرائيلي كلها حروب بعد سيدنا موسى إلى أن جاء الرومان واستعمروهم، فجاء المسيح بالسلام وطلب من علماء بني إسرائيل أن يستعملوا الحكمة ويرجعوا إلى الله وينتصروا على العدو بالحجج والبراهين والموعظة الحسنة. كذلك جاء المسيح المحمدي بالسلام بعد أن استعمرت جميع البلاد الإسلامية وكثر فيهم العملاء لخدمة المستعمر، فطلب من علماء المسلمين أن لا يستعملوا السلاح المادي بل يستعملوا السلاح الروحي والدعوة للإسلام، خصوصا في هذا العصر الذي يكثر فيه الاختراعات التي تسهل نشر الإسلام في العالم، فهناك المطابع الحديثة التي تستطيع نشر وطبع كتب في يوم واحد ما لم يستطيع العالم كله أن يطبعه وينشره في مائة سنة في السابق. وهناك الراديو والتلفزيون والتلفون والفاكس وغير ذلك من الاختراعات التي تساعد المسلمين على نشر دعوتهم. ولكن للأسف الشديد المشائخ اتهموه بأنه جاء ليحرم الجهاد. وكأنه لا يوجد جهاد إلا في قتل الناس؟!

والآن ننتقل إلى موضوع إحياء الموتى وكيف كان المسيح يحيي الموتى، نحن لا ننكر أن المسيح كان يحيي الموتى، ولكن أي نوع من الموتى؟ هم نفس النوع من الموتى الذين كان يحييهم سيدنا محمد وجميع الأنبياء والمرسلين، بل كان كثير من صلحاء الأمة الإسلامية يحيون الموتى، ولكنهم الأموات روحانيا وليس جسديا، كما في قوله تعالى:

لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى .

فالموت هو مرة واحدة لكل مخلوق، ولا يمكن أن يناقض الله كلامه. كذلك يقول عن الأموات جسديا:

وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .

الله يصف لنا هؤلاء الموتى الذين يحيون بواسطة الأنبياء والصلحاء في قوله:

إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ .

هذه الآية تصف لنا وصفًا واضحًا بأن الذين لا يؤمنون بالأنبياء والمرسلين فهم موتى لأنهم لا يسمعون نصيحة الأنبياء، وإلا فلو كانوا موتى حقيقيين جسديًّا لما كان حاجة أن يقول عنهم أنهم لا يسمعون لأنه معروف أن الميت لا يسمع والأنبياء غير مكلفين أن يتكلموا مع الأموات. ويقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ .

فالرسول كان يحيي أيضا وطبعا كان يحيي الذين ماتوا روحانيًّا.

بعد أن شرحت لك هذه الأدلة حول إحياء الموتى أرجو أن أكون قد وفيت. وأنا لست بعالم، وهذا ما أستطيع شرحه لحضرتك مع أنه يوجد أدلة أخرى كثيرة خصوصًا عقلية.

قال: يا أخي أشكرك جزيل الشكر. لقد نورتني وفتحت أفكاري، وحررت فكري، وسوف أفكر كثيرا عندما أقرأ القرآن وسوف أرفض كل تفسير يناقض كلام الله.

قلت: بالنسبة لخلق الطير وكيف كان المسيح يخلق الطيور، فالحق أنك جاوبت القسيس جوابًا مقنعًا ومحيرًا عندما قلت له أن الله يخلق الطيور في عدة مراحل، فليس من المعقول أن المسيح كان يأخذ الطين وينفخ فيه فيصير طيرًا. فهل كان أقدر من الله ، والعياذ بالله والحق أن معنى الآية أن المسيح قال لهم أنكم يا قوم صرتم أبناء الأرض والدنيا والله يريد أن يجعلكم طيورًا روحانية تحلّقون في السماوات العليا الروحانية، وهذا سيتم على يدي بإذن الله، كذلك سأزيل عنكم الأمراض الروحانية الأخرى. هذا ما عندي يا أخي وأرجو وأدعو أن أكون دائما مخلصًا لخير الناس. فواجب المسلم أن يحب جميع الناس، ولا يكره إلا الأعمال السيئة التي تصدر منهم. قال: يا أخي أشكرك جزيل الشكر، ولن أنسى فضلك مدى الحياة. لقد أيقظت في صدري روح الجهاد متسلحًا بالحجج والبراهين التي ذكرتها لي وبعض الكتب التي سوف تعطيني إياها. ولقد أخذت عنوانك من قبل فأرجو مراسلتي وسوف أراسلك إن شاء الله وآمل أن نلتقي على هذا المقعد بعد شهر أو شهرين. وأطلب من حضرتك الدعاء لينصرني الله على هؤلاء القساوسة، كما وأطلب من حضرتك الدعاء بصورة خاصة لهؤلاء المشائخ أن لا يعادوني ولا يفهموني بالطريق الخطأ. فنحن إخوة مهما تخاصمنا وهدفنا واحد. إن شاء الله.

Share via
تابعونا على الفايس بوك