محمد عبد السلام

ولد العالم محمد عبد السلام سنة 1926م في جانج بباكستان، وواصل تعليمه فيها حتى حصل على درجة الماجستير من جامعة البنجاب، كما حصل على ليسانس بمرتبة الشرف، وامتياز في الرياضيات والفيزياء من كلية سانت جون كمبرج (1946-1949)، وفي سنة 1952 حصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء النظرية من مختبر كافنديش في كمبردج، كما حصل على جائزة سميث من جامعة كمبردج لأفضل إسهام في الفيزياء لمرحلة ما قبل الدكتوراه سنة 1950.

ويعد هذا العالم واحداً من أبرز علماء هذا العصر، فقد أسهم بشكل كبير في تقدم علم الفيزياء في مجال توحيد قوى الطبيعة، وذلك بنظريته المشهورة التي توحد القوة الكهرطيسية مع القوة النووية الضعيفة، واستحق تكريم المحافل العلمية الدولية على أرقى مستوى، كما خلعت عليه الألقاب العلمية الرفيعة من كل حدب وصوب.

ويعتقد الأستاذ محمد عبد السلام أن جهد العلماء لا بد أن ينتهي في آخر المطاف إلى توحيد قوى الطبيعة كلها: الثقالة والكهرطيسية والقوة النووية الشديدة في قوة واحدة.

ولا تقل اسهامات الأستاذ محمد عبد السلام في الشؤون الإنسانية عن اسهاماته في تقدم العلم، فهو من أكبر المدافعين عن قضية العالم الثالث، كما أنه يشعر بالمرارة والأسى حين يرى الفروق القائمة في الثروة والتقدم العلمي والتقني بين نصف العالم الأغنى ونصفه الأفقر، ويعتقد أن هذه الحال يجب أن لا تدوم. ويرى أن الدول النامية تستطيع أن تحذو حذو اليابان والصين والاتحاد السوفييتي (سابقاً)، وتلحق بركب التقدم، وتسهم من جديد بنصيب واف في بناء الحضارة الإنسانية. كما يؤكد أن ابتداع العلوم هو إرث مشترك للإنسانية جمعاء، وقد شارك فيه العرب والمسلمون مع غيرهم من الأمم، وأنهم يستطيعون إذا عزموا أن يستعيدوا أمجادهم السالفة، ويصبحوا في الطليعة بين الأمم المتحضرة.

صورة لعالم مسلم جاد

العالم محمد عبد السلام رجل مقنع ومرح وجاد، وينحدر أساساً من سلالة أمراء راجبوت التي اعتنقت الإسلام حوالي عام 1200م. وكان أجداده علماء وأطباء لكنهم كانوا فقراء وقد أعطته تربيته الإسلامية أخلاق الإسلام، ويقول في |أحد أحاديثه: (الإسلام بالنسبة لي شيء شخصي جداً، وكل كائن بشري يحتاج إلى دين، وهذا الشعور الديني العميق هو أحد الحوافز الأولية للجنس البشري).

وفي تلخيص شديد لصورة هذا العالم المسلم الكبير، نقول أنه يشغل منصب مدير المركز الدولي للفيزياء النظرية بتريستا في إيطاليا منذ عام 1964م. ويتضمن هذا المنصب أكثر مما تتضمنه ألقاب الشرف التي منحته إياها الجامعات والمعاهد الوطنية في سائر أنحاء العالم. فقد أنشأ عبد السلام هذا المركز من الصفر، وهو في أيامنا هذه من أكثر المعاهد الدولية نجاحاً وأكثرها حظاً من الاحترام، ويفد العلماء من الأقطار النامية إلى هذا المعهد ليتزودوا بآخر الأخبار العالمية ويتعلموا آخر التقنيات، ويلتقوا بعضهم بعضاً، للاستماع إلى محاضرات متقدمة أو للعمل بهدوء في المكتبة.

إن هذا المركز هو بمثابة محطة تقاطع صاخبة لسكة حديد الفكر، تبرز من بين الأبنية الجميلة، وتشرف عليه وتديره هيئة متفانية من ذوي الكفاءات العالية: وبالرغم من نقص الأموال دائماً، فإن هذا المركز الدولي يعمل وينمو ويخدم العلوم الفيزيائية في كل مكان.

إسهاماته العلمية

تركزت إسهامات محمد عبد السلام العلمية على البحث في فيزياء الجسيمات الأولية. ومن أهم هذه الإسهامات: انتهاك التكافؤ ونوترينو مؤلف من مكونين في التفاعل الضعيف، وتوحيد معايرة التفاعل الضعيف والتفاعل الكهرطيسي، التنبؤ بوجود تيارات حيادية ضعيفة وجسيمين: Z  وW قبل اكتشافهما بصورة تجريبية. وخصائص التناظر في الجسيمات الأولية، والتناظر الأحادي، ونظرية إعادة الاستنظام، ونظرية الثقالة ودورها في فيزياء الجسيمات، وفيزياء التفاعل القوي، وتوحيد القوة الكهر ضعيفة مع القوة النووية الشديدة، التوحيد الكبير (الكهرنووي)، وما يرتبط به من التنبؤ بتفكك البروتون، نظرية التناظر الأكبر، وخصوصاً المكان الكبير والحقول الكبيرة. وقدم في هذا الحقل نحو 200 ورقة علمية إضافة إلى أوراق أخرى عن السياسة التعليمية والعلمية في باكستان والبلدان النامية. أما كتبه المنشورة فهي:

-Symmetry Concepts in Modern Physics, Iqbal Memorial Lecture (Atomic Energy Centre, Lahore), 1966.

-Edited with E.P. Wigner, Aspects of Quantum Mechanics, (Cambridge University Press), 1972.

-Biography, Abdus Salam, By Dr. Abdul Ghani, (Ma’aref “Printers” Limited, Defence Housing Society, Karachi), 1982.

وتقديراً لإنجازاته العلمية، فقد كافأته جامعات عالمية كثيرة بشهادات دكتوراه فخرية من أهمها: جامعة ايدنبورغ ببريطانيا، سنة 1971م، وجامعة تريستا بإيطاليا، سنة 1979م، وجامعة بريستول ببريطانيا، سنة 1981م.

كما تلقى عدداً كبيراً من الجوائز العلمية أهمها: جائزة هوبكنز لأفضل إسهام في الفيزياء سنة 1958م، وجائزة آدامز (جامعة كمبردج) سنة 1958م، وميدالية ماكسويل (الجمعية الفيزيائية – لندن) سنة 1961م، وميدالية معهد الفيزياء الأمريكي سنة 1978م، وجائزة معهد الفيزياء في لندن 1976م، وميدالية أكاديمية العلوم التشكيلية في براغ سنة 1981م .. إضافة إلى جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1979م.

وقد عمل العالم محمد عبد السلام أستاذاً ومحاضراً في جامعات كامبردج، ولاهور، ولندن كما أنه عضو في عدد من الأكاديميات، مثل أكاديمية الآداب والعلوم الأمريكية، وأكاديمية العلوم الملكية السويدية، وأكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي (سابقاً)، وأكاديمية العلوم الوطنية في الولايات المتحدة، وأكاديمية العلوم في لشبونة، وأكاديمية العلوم والفنون والإنسانيات الأوروبية، ومؤسس ورئيس أكاديمية علوم العالم الثالث.

كما شغل عدة مناصب في عدد من لجان الأمم المتحدة الاستشارية في العلوم والتكنولوجيا والطاقة، والاتحاد الدولي للفيزياء النظرية والتطبيقية، وحصل على عدد من الأوسمة العالمية والجوائز الأخرى، وتقلد عدداً من المناصب العلمية المهمة، فقد عمل مستشاراً علمياً لرئيس جمهورية باكستان، ومستشاراً في لجان التعليم بها، وممثلاً لبلاده في مجلس وكالة الطاقة الذرية الدولية، وعضواً في مؤسسة العلوم بها.. إلا أن تأسيسه لمركز تريستا الدولي للفيزياء النظرية هو واحد من أهم مساهماته العالمية.

كيف يستعيد المسلمون أمجادهم؟

يرى الأستاذ محمد عبد السلام أن العرب والمسلمون يمكن أن يستعيدوا أمجادهم العلمية إذا قاموا بما يلي:

-العناية بالبحث العلمي في ميادين العلم المختلفة، وتكوين قاعدة علمية أساسية لإحداث طفرة تقنية، على أن يسبق العلم التقنية، لأن التقنية لا يمكن أن تزدهر على المدى الطويل إذا لم يدعمها العلم.

-الاعتماد على النفس، وإنشاء مراكز علمية أرفع مستوى في بلدان العلام الثالث، وتدويل العلم فيها بفتح أبوابها للعلماء والباحثين من جميع البلدان.

-رفض شعار الاعتماد على استيراد التقنية من دون أن يرافقه اهتمام ببناء قاعدة علمية أساسية.

الاهتمام بالعلماء وإكرامهم، وضمان استقرارهم وأمنهم، وتيسير أسباب البحث لهم، لأن العالم كغيره من البشر لن يجود بأفضل ما عنده ما لم يعلم أنه سوف يتمتع بالأمام والاحترام، وتكافؤ الفرص، والوقاية من جميع أنواع التمييز المذهبي والسياسي.

-انعكاس اتجاه تيار هجرة العقول، فيعود العلماء المهاجرون ليعملوا في المراكز العلمية الجديدة في أوطانهم، ويسهموا في تقدم العلم وازدهاره فيها، وأن يمتنع العلماء الناشؤون عن الهجرة ويلتحقوا بالمراكز التي يزدهر فيها العلم في البلدان العربية.

 

ملحوظة: هذا المقال نشر في مجلة “القافلة” السعودية، عدد شعبان 1413 هـ يناير وفبراير 1993م. و(التقوى) إذ تشكر “القافلة” تضيف أن هذا العالم الفيزيائي هو أحد أبناء جماعتنا الإسلامية الأحمدية المخلصين.
Share via
تابعونا على الفايس بوك