حقيقة الصيام

ثالث أركان الإسلام هو الصيام ولكن الناس يجهلون حقيقة الصيام. من فطرة الإنسان انه كلما كان قليل الأكل كلما كان اكثر حظا من تزكية النفس وازدادت فيه قوى الكشف فالله تعالى يريد بالصيام أن نقلل من غذاء ونكثر من آخر. يجب على الصائم أن يتذكر دائما أن الصوم لا يعني أن يجوع فقط، بل عليه أن يشتغل في ذكر الله تعالى حتى يحصل له تبتل وانقطاع إليه فليس الصوم إلا أن يستبدل الإنسان بالغذاء الذي يساعد على نمو الجسم فقط غذاء آخر تشبع به الروح وتطمئن.

الرمض يعني: حرارة الشمس، وبما أن الإنسان من ناحية يكف عن الأكل والشرب وغيرهما من الملذات البدنية، ومن ناحية أخرى يخلف في نفسه حرارة وحماسا للعمل بأوامر الله تعالى فاجتمعت الحرارة الروحانية والحرارة الجسمانية فصارتا “رمضان”.

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن بهذه الجملة الوحيدة يدرك المرء عظمة شهر رمضان. لقد كتب الصوفية أن هذا الشهر صالح جدا لتنوير القلب ويحظى فيه الإنسان بالكشوف بكثرة. إن الصلاة تقوم بتزكية النفس وأما الصوم فيحصل به التجلي على القلب. والمراد من تزكية النفس أن يصير العبد في معزل عن شهوات النفس الأمارة وأما التجلي على القلب فيعنى أن يفتح عليه باب الكشف بحيث يرى الله .

إن الدعاء برهان قوي على وجود الله تعالى يقول :

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ،

أي اذا سألك عبادي: أين إلهنا، وما البرهان على وجوده؟ فقل لهم: إني قريب جدا. والدليل على ذلك أنه عندما يناديني الداعي أرد على دعائه.

وهذا الرد حينا يأتي في صورة رؤيا صالحة، وحينا آخر في شكل كشف، وتارة عن طريق الإلهام، وعلاوة على ذلك يظهر الله قدرته وقوته بسبب الدعوات، ويعلم العبد أن الله قادر لدرجة أنه يحل المشاكل. فالدعاء كنز كبير وقوة عظيمة.

إن في الدعاء موتا.. فمثلا لو ادعى إنسان أن عطشه الشديد قد زال بشرب قطرة من الماء لعد كاذبا، ولكنه لو شرب كوبا مملوء لصدقه الناس. فالإنسان حينما يدعو بكل لوعة واحتراق لدرجة أن روحة تذوب وتسيل على عتبة الله، فعندئذ يعتبر دعاؤه دعاء حقيقيا. وقد جرت سنة الله تعالى أنه حينما يتم الدعاء بهذا الأسلوب فإنه إما يقبله أو يجيب السائل ويخبره بالكلام… انظروا الولد فإنه حينما يضطرب من شدة الجوع ويصرخ طالبا اللبن ينزل اللبن بقوة في ثدي أمه مع أن الولد لا يعرف ما الدعاء؟ هذا أمر قد اختبره كل انسان تقريبا، وقد شوهد في بعض الأحيان أن الأم لا تشعر بأي أثر للبن في ثديها بل في كثير من الأحيان لا يوجد اللبن حقا، ولكن ما أن تسمع صرخة الولد المؤلمة إلا وينزل اللبن في ثديها على الفور.

فكما أن هناك علاقة بين صرخات الطفل وبين نزول اللبن فإنني أقول لكم بكل صدق أنه إذا كانت صرخاتنا أمام الله تعالى مصحوبة بمثل هذا الاضطراب والاضطرار، فلا بد أن تحدث جيشانا في فضله ورحمته وتستدرها علينا.

(من تفسير سورة البقرة للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام)

Share via
تابعونا على الفايس بوك