أخطار تحدق بالعالم الإسلامي وقدر السماء

أخطار

تحدق بالعالم الإسلامي

وقدر السماء

لسيدنا مرزا طاهر أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

إن العالم الإسلامي يمر اليوم بفترة عصيبة ويتعرض لمصيبة تلو مصيبة. انظروا إلى ما يجري في الهند حيث يقتل المسلمون ظلمًا وبدون هوادة، ويخرجون من ديارهم بدون جريمة، وتسلب أموالهم وممتلكاتهم، ويمارس ضدهم أنواع المظالم، وصنوف الجرائم. وتصلني عن طريق رسائل بعض الإخوة من جماعتنا أخبار يحكون فيها كشهود عيان ما هو أكبر وأخطر بكثير مما ينشر في الجرائد. وكيف أن الظالمين من الهندوس ألقوا أطفالاً أبرياء مسلمين في النار، وكيف بحثوا عنهم وقتلوهم شر قتلة. وكيف قام الجيش والشرطة بفرض حظر التجول وجردوا المسلمين من السلاح، وأخبروا الهندوس الثائرين بمكانهم لمهاجمتهم. فهناك أحداث مؤلمة للغاية تذوب الروح بقراءتها، وتخر على عتبة الله وتبتهل إليه، نقرأها ولا نجد بأيدينا من حيلة لمساعدة إخواننا، إلا الدعاء والابتهال أمام الله تعالى.

وعندما ننظر إلى البوسنة نجد أيضا مشهدًا مؤلمـًا جدا. في الهند هناك 110 مليون مسلم ولا يستطيع الهندوس إبادتهم ومحو أثرهم بإذن الله تعالى. وأما في البوسنة فهناك خطر شديد من أن يتمكن الأعداء من القضاء على شعب البوسنة المسلم. بنيتهم استئصال شأفتهم لأن البوسنة هي البلد الإسلامي الوحيد في القارة الأوروبية إلى جانب جزء صغير من تركيا يقع في أوروبا. وما تقرأونه في الجرائد من أحداث وأعداد المظالم ضئيل جدا إزاء ما يحكيه المهاجرون من البوسنة. فما يحكيه هؤلاء الذين هم شهود عيان يهول القلوب ويصعب سماعه. ويخبر الإخوة من جماعتنا الذين يجدون في الاتصال بالمهاجرين البوسنيين أن حالهم يدعو للرثاء. فقد صاروا يبحثون عن الحب والعطف، ويستغربون إذا ما زرتهم إذ يحسبون أنهم مطرودون من قبل جميع الناس. فقد قام الظالمون بإبادة عائلات بأكملها، وقتلوا الصغار أمام آبائهم وأمهاتهم بطرق وحشية. إنها قصص يستحيل علي الاستمرار في سماعها أو قراءتها. فهذا يحطم أعصابي، فلا أستطيع أن أتحمل المزيد فأتوقف عن قراءتها وأوقف من يحكيها. هناك شريط فيديو عن هذه المظالم، وقد استأذنت الذين صنعوه بنشره. فإذا أذنوا لنا فسوف ننشره في كل العالم لتعرف الدنيا كيف أن أعداء الإسلام يرتكبون ضد المسلمين مظالم مروعة، وأن أهل الغرب يتحدثون فقط باللسان، وأمريكا تتعاطف معهم بالكلمات لا غير.

المظالم في البوسنة

يظهرون هذه البرودة تجاه المظلومين في البوسنة، يعاملون أهل العراق باسم “الأمم المتحدة” معاملة سيئة ومهينة للغاية، مرة بعد أخرى. وأكبر ما ارتكبه العراق من جرم هو محاولته لصنع قنبلة ذرية. يضربون العراق لهذه “الجريمة” ولكنهم لا ينظرون إلى ما صنعته وجمعته إسرائيل من الكمية الهائلة من الأسلحة الذرية الفتاكة مما جعلها تهدد حتى الاتحاد السوفيتي! فقد قالت لهذه القوى العظمى مرة إذا نويتم بنا سوء سوف ندمر كل مدينة كبيرة لكم، فإنها تحت ضرب أسلحتنا. ولكنهم لا يلتفتون إلى هذه الأسلحة الإسرائيلية ويغضون النظر عنها.

ولو أنهم قالوا: نضرب العراق لأنه يظلم أهله من الأكراد والشيعة، فنقول لهم: لماذا تتعاطفون لهذه الدرجة مع هؤلاء المسلمين الذين لا يمكن أن يتصور أحد بأن الحكومة العراقية تقدر على إبادتهم، ولو أنهم قد تعرضوا فعلاً للاضطهاد هناك العديد من الأماكن في العالم حيث يتعرض أهلها على يد إخوانهم لما هو أشد من ذلك؟! هذا الظلم يتكرر في كل شعب وفي كل مكان وإلى الآن فإذا زعمت أمريكا أن الله تعالى عينها شرطيًا على أمم العالم فعليها أن تطارد الظالمين في كل مكان وتعاقبهم جميعا. لم لا ينقذ البوسنيين المظلومين من رحى الظلم؟ فهناك أيضا مسلمون، وقد طردوا من إحدى المناطق من البوسنة كلية. لم لا تلتفت إليهم ولا تمد لهم يد المساعدة، وإنما يركبها فقط عشق المسلمين من الأكراد والشيعة العراقيين!

ثم إذا كان السبب وراء ضرب العراق هو حب الأكراد، فإنهم يوجدون في تركيا أيضًا وهم مظلومون هناك. لقد شاهدت على التلفاز البريطاني فيلما عن أحوال الأكراد الأتراك، وبرؤية المظالم المنصبة عليهم تقشعر الجلود. لقد بذل كل جهد لمحو حضارتهم الكردية وهويتهم الخاصة من أذهانهم، حتى لا يسمح لهم باستخدام لغتهم الأم! أنا لا أعرف مدى صدق ما ورد في هذا الشريط، ولكن الإعلام الغربي بنفسه أذاعه وبثه. فلم لا تناصرون هؤلاء، وهم أيضا أكراد ومظلومون!؟ لماذا هذا التمييز بين كردي وكردي آخر وبين مظلوم وآخر!

والمبرر الرابع عندهم لضرب العراق هو مخالفة صدام لقرارات الأمم المتحدة. ترونهم في كل البلاد الغربية يكررون على الشاشة قولهم: لا نستطيع تحمل هذه المخالفة. هذا يمس باحترام الأمم المتحدة.. هذه المؤسسة العظيمة.

إنه يرتكب وقاحة تلو وقاحة بمخالفته لهذه القرارات، ولا نستطيع أن نتحمل هذه المخالفة أكثر. ولكن يا قوم، لم لا تنظرون إلى إسرائيل التي ارتكبت هذه الوقاحة لا مرة أو مرتين بل في 47 مناسبة مختلفة. إذ رفضت قبول 47 قرارًا ضدها وركلتها بعيدًا بقدمها، كما يطرد كلب ذليل. وفي كل مرة قالت لكم: لا أبالي بكم ولا بقراراتكم مهما كثرت وتعددت. ورغم كل ذلك من جانب إسرائيل ما ثارت غيرتكم على قرارات مؤسستكم العظيمة هذه، بل تعامت أمريكا عن كل ذلك!!

تمسكوا بالعدل الكامل

كل هذه المظالم تشتد وطأة على المسلمين يومًا فيومًا، ومع ذلك ترى معظم حكامهم قد وضعوا أيديهم في أيدي الظالمين. ليس بهم غيرة على الإسلام وأبنائه بحيث توقظ ضمائرهم وتوبخهم. ومنهم من يغار ولكن بدون عقل، إذ يبدون رد فعل هو غاية في الحمق والسفاهة، ولا يسمح به الإسلام أبدًا، بل ويضرهم أكثر.

لقد نصحت المسلمين في إحدى خطبي الأخيرة بألا يهتفوا: نريد تطبيق الشريعة الإسلامية في بلادنا وسنقيم هنا حكومة إسلامية، وإنما عليهم أن يتمسكوا بالعدل والإنصاف كما أمر الإسلام، وإن لم يفعلوا فلن يكون للمسلمين ملجأ في العالم إذا ما بدأ الآخرون، مثل الهندوس والنصارى يؤسسون في بلادهم حكومات تدعو إلى تطبيق التعاليم الجائرة لأديانهم على المواطنين جميعا بما فيهم المسلمون. ولكن المسلمين لا يلتفتون إلى قولي. الواقع أنه من اللازم القضاء على هذا الاتجاه الأحمق. فالدين هو من الله تعالى ويخصه هو. وإن الإسلام هو أكثر أديان العالم تأكيدًا بأن كل دين في بدايته كان من الله تعالى ومن المحال أن يكون هناك دين صادق وفي نفس الوقت يعلم أتباعه التمييز بين الناس باسم الدين، وإنما الحق أن كل ديانة في بدايتها وقبل أن تشوه تعاليمها كانت تأمر أتباعها باحترام الإنسانية ومراعاة العدل والإنصاف بين الناس جميعا. أما قتل الآخرين باسم الدين بسبب الاختلاف في العقيدة وهتك أعراضهم وإزهاق أرواحهم ونهب أموالهم، فكل ذلك ليس من الدين في شيء. إنه تعليم شيطاني وليس من تعليم أي دين صادق. وكل حكومة تتأسس باسم الدين، ثم تدعو إلى غصب حقوق أهل الأديان الأخرى، لا يمكن أن تكون حكومة إسلامية، وإنما تكون حكومة شيطانية فاسدة. وهذه النظريات الخاطئة ناتجة عن قصور عقولهم في فهم تعاليم الإسلام.

هناك قاعدة أزلية أبدية ترشدكم إلى الصواب دائما في مثل هذه الأحوال، ولا يمكن أن تخطئ أبدًا، وهي أن الله واحد وهو رب الجميع، والناس عنده سواسية، لا يفرق بينهم لكونهم بيضًا أو سودًا أو غير ذلك. إذا أغمض الإنسان النظر عن هذه القاعدة أو الحقيقة أفسد كل علاقة له مع خلق الله، ومن مقتضى هذه الحقيقة أن يدعى الناس لإقامة العدل الشامل للعالم كله، العدل الذي لا يفرق بينهم بسبب بلد أو دين أو لون أو عنصر. فبناء على هذا العامل المشترك بين جميع الناس يجب أن يدعوا أمم العالم كلها، وباسم الله الواحد الأحد ليفهموا معنى العدل ويمارسوا الإنصاف فيما بينهم وفي بلادهم وفي العلاقات الدولية. هذا تعليم منطقي يقبله كل دين، ولا يمكن أن يقف أمامه أي دليل مبني على المشاعر. فيجب أن يقيموا أولا حكومة العدل في باكستان والسعودية وغيرهما من البلاد الإسلامية، ثم يدعوا الآخرين لإصلاح حكمهم في ضوء العدل. هذا هو الطريق المؤدي إلى إصلاح العالم، وبدونه لا يمكن أي إصلاح، بل سوف يتفشى الفساد كما حدث وسيتفاقم باستمرار.

وأود أن أنصح إخواني المسلمين ألا يغضبوا من أقوالي هذه، لأن الغضب جهل ومنقصة للعقل. يجب أن يكون رد فعلهم على مظالم الأعداء ردًّا خاضعًا لتعليم الإسلام. ومن حسن تعاليم الإسلام أنها منزهة من التناقضات. فكما لا يوجد أي تناقض في الكون الذي هو من صنع الله، كذلك لا يوجد أي تناقض في القرآن الذي هو كلامه. وانعدام التناقض في أي تعليم دليل على صدقه.

هناك مشكلة كبيرة تواجه المسلمين فيما يبدو، فمن ناحية قال لهم سيدهم محمد المصطفى : “حب الوطن من الإيمان”، ومن ناحية أخرى يرون إخوانهم يضطهدون على يد أتباع أديان أخرى. فماذا يفعلون؟ وكيف يحسمون الموقف مع أهل وطنهم الظالمين؟ هل يؤيدون الظالمين حبًا للوطن، أم يساندون إخوانهم في الدين المظلومين! وإذا فعلوا هذا أفلا يعتبر ذلك غدرًا بالوطن؟ إذا نظر الإنسان إلى بلاد العالم يجد هذه المسائل المعضلة في كل مكان.

هنالك قول آخر لسيدنا محمد المصطفى يُعتبر مفتاحًا لحل هذه المعضلات. قال:

“انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ”.

فما أعظمه من تعليم: إنه أسمى من أي عصبية. فقوله: “انصر أخاك ظالما ومظلومًا” يوهم بالعصبية ولكن شرحه يزيل أي وهم للعصبية. والحق أنه تعليم عالمي ومدهش، وبدونه لا يمكن حل مشاكل المجتمع البشري. لقد درست بفضل الله تعالى كثيرًا من الأديان، ولكني لم أجد مثل هذه اللؤلؤة الجميلة في أي منها. إنها لجوهرة متلألئة تقدر على إنارة العالم كله. ولو أنهم عملوا طبقًا لهذا المبدأ لاستطاعوا خدمة الإنسانية والتصدي للظلم بدون أي إخلال بحبهم للوطن. فأقول لإخواننا في أمريكا مثلاً: لا تضحوا بحبكم للوطن، ولكن اعملوا بحسب تعاليم النبي ، واسعوا لكف أيدي إخوانكم الأمريكان عن الظلم. إن الحكومة الأمريكية تظلم الأمم الأخرى، وتزداد كل يوم ظلمًا وغطرسة، وإذا كنتم حقًا تحبون وطنكم، فمن واجبكم أنتم قبل غيركم أن تحتجوا على ممارساتها الغاشمة وتأخذوا على يدها. وبالمثل أقول لإخواننا البريطانيين: إذا كانت حكومتكم ترتكب المظالم ضد أي بلد فعليكم تقع المسؤولية الأولى لتحتجوا على مظالمها. يجب أن يقفوا في وجوه إخوانهم من الحكام الظالمين ويخبروهم أن هذه وصمة عار على جبين وطننا ولا نستطيع تحملها.

أيقظوا الرأي العام

الواقع أن أمريكا لن تتأثر بأصوات الاحتجاج من الخارج ولو بلغت الآلاف بقدر ما تتأثر من صوت واحد يصدر من داخلها. لأن مبادئ الجمهورية لا تزال حية باقية فيها. هناك قيمة للصوت بشرط أن يرتفع من الداخل، ذلك لأن الصوت من خارج البلد يكون ذا قيمة إذا كان البلد ضعيفًا.. ولكن إذا كان قويًا، بل وفي حالة سكر ونشوة بسبب قوته، فلا يؤثر فيه الصوت القادم من الخارج وإنما يؤثر فيه الصوت النابع من الداخل. لذا فعلى المسلمين الأحمديين الأمريكيين أن يقوموا بحملة شاملة للبلاد يوضحون فيها لإخوانهم الأمريكيين هذه التناقضات الموجودة في ممارساتهم. ليقولوا لساستهم: إنكم أخزيتمونا وأرغمتم أنوفنا أمام العالم، حتى لنخجل من مقابلة الناس بسبب أعمالكم. وإننا نحتج على كل هذه المواقف الظالمة منكم، وإن لم تنتهوا عنها فلن نعطيكم أصواتنا في الانتخابات القادمة. لقد نلتم قوة، وكانت لديكم فرصة ذهبية لفعل المعروف بالعالم كله ورفع مكانة بلدنا بين الأمم، وكانت لديكم فرصة حقيقية لإقامة نظام عالمي جديد، ولكنكم ضيعتم كل هذه الفرص بارتكاب المظالم وبالغطرسة والتعالي. هذا ظلم شديد بالشعب الأمريكي نفسه أو على الأحمديين الأمريكيين أن يرفعوا ضدهم أصواتهم.

كما يجب على المسلمين الأحمديين بالهند أن يكفوا أيدي مواطنيهم الهندوس من الظلم. عليهم أن ينظموا حملة شاملة للهند كلها لتوجيه المواطنين جميعًا. إنني أؤكد لكم أن المثل الإنسانية العليا لا تموت، وإنما تختفي بسبب الضغط. وليس في الدنيا أحد يقدر على خنق صوت المروءة والحق وإنما يستطيع كبته فقط. وهذا الصوت يرتفع ولكن سرًّا، ويكون خافتًا تسمعه آذان القلوب ولا تسمعه آذان الأجسام. فلذلك هناك حاجة لإقامة جو تتقوى فيه المروءة ويتقوى فيه الحق حتى يقدر الإنسان على سماع هذا الصوت من الخارج كما يسمعه من الداخل. فما أكثر ما تستيقظ المروءة بتغير الجو ويجد أهلها الجرأة لإظهار الحق. فلا بد أن تسعوا للتأثير على الرأي العام في بلدكم بدعوة المواطنين إلى الخير وإبداء آرائكم وأفكاركم أمامهم عبر وسائل الإعلام من الجرائد والإذاعة والشاشة. يقول الله تعالى في القرآن لرسوله الكريم: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (الأَعلى: 10)، أي استمر في التذكير ولا تمل منه أبدًا ولا تيأس، ونحن نؤكد لك أنه لا بد وأن يؤثر فيهم وينفعهم.

وترون الأمم تنفق اليوم البلايين على تغيير الرأي العام، وهذا ليس إلا امتدادًا لهذه النقطة من المعرفة النبوية وبحرًا بدأ من هذه القطرة ولكن الأسف أن القلوب التي نزلت عليها هذه القطرة من السماء لتجعلها بحارًا لم تقبلها، وأما الأغيار فقدروها وقبلوها. فهناك الملايين من الأمم غير الإسلامية الذين عملوا بهذا التعليم النبوي فرفعوا به مكانة أممهم ولا يزالون يرفعونها. لقد صار عالم اليوم عالم الدعاية، ولكن لسوء الحظ، تتأسس دعايتهم على الكذب والخداع. لقد عملوا بنصح نبينا ولكن لمقاصد شريرة. لقد شربوا من هذا الماء ولكن أضافوا إليه سمًّا زعافًا سوف يهلكهم حتمًا، دعك من أن يشفوا به غيرهم. ولو أن المسلمين عملوا بهذا النصح النبوي لكان خيرًا لهم. وليتهم يبدأون العمل به الآن، فلا تزال أمامهم فرصة. عليهم أن يفهموا هذه النقطة من المعرفة ويقوموا بحملة عامة لتوجيه الناس وتصحيح أفكارهم الخاطئة حبًّا للوطن. ولو أن أفراد جماعتنا فعلوا ذلك لأدوا خدمة عظيمة لأوطانهم وللإنسانية وللحق والعدل ولدين محمد المصطفى . الواقع أن الدنيا لن تنصلح بدون ذلك أبدًا. إننا جماعة تذكِّر ولسنا شرطة من قبل الله. فالذين ينوون إصلاح العالم بحد السيف وباستخدام العنف فهنيئًا لهم نواياهم هذه، ولكني أؤكد لكم أن نواياهم هذه لا بركة ولا خير فيها، إذ تخالف مشيئة الله وتعارض سنة النبي . إنها ليست وصفة استخدمها الرسول وإنما هي وصفة أعدائه. وأما الوصفة التي استخدمها نبينا محمد فهي: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى أي استمر في التذكير ولا بد للتذكير أن ينجع وينفع.

لذا فإني أنصح أفراد جماعتنا في كل مكان أن يذكِّروا أبناء بلادهم بهذا المبدأ وينصحوهم بكثرة.. وإلى جانب ذلك يجب عليهم أن يدعوا كثيرا، فإن الدعاء والابتهال إلى الله هو الشيء الوحيد الذي يولِّد في صوت الضعفاء قوة. إن الدعاء طاقة تحول القشة إلى عمود وتجعل القطرة بحرًا. وبدونه سوف تضيع قطرات نصحكم. سوف تمتصها الأراضي الجدباء المتعطشة حولكم، ولن يبقى لها أثر. ولكن إذا صحبها الدعاء فسوف تتحول إلى أنهار تروي العالم كله. فانصحوا الناس وادعوهم إلى الحق حتى تكون للحق والعدل السيادة في كل العالم، وحتى يعود الإنسان إلى صوابه. كلما تحقق الدنيا تقدما كلما يزداد الإنسان جهلا وغباوة، وقد بلغ الآن أقصى حدود الجهل. فلا يعلم أن السعادة لا تُنال بتعليم الكراهية، لأنها لعبة شيطانية ولا يمكن أن تُعطي الإنسان سعادة حقيقية دائمة.

عَلاَمَ ينتقمون؟!

يقول الرئيس الأمريكي بوش: بقي من فترة رئاستي أيام وسوف ترون كيف أنتقم فيها من العراق! مم تنتقم ولأي سبب تنتقم؟ هل لظلم ارتكبه الرئيس العراقي؟ إذا كان الأمر كذلك ففي كل بلاد العالم تُرتكب مظالم هنا وهناك. فاخرج وانتقم من كل ظالم واحدا واحدا. يستغرب الإنسان من رئيس دولة عظمى كأمريكا كيف يُدلي بمثل هذه البيانات التافهة. يجب على الأمريكيين أن يمنعوه من إدلاء هذه البيانات الظالمة ويقولوا له: يا مسكين لا تظلمنا ولا تخزنا أمام العالم. أي انتقام تريد ولأي سبب تريد؟

فهل هو انتقام المسيحية من الإسلام؟ وإذا كان هكذا فإن ما يفعله بوش هو في الحقيقة انتقام من المسيح الذي أمر بالعفو الكامل عن الناس عندما قال:

“مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا”

وأما إذا كان مستر بوش ينتقم باسم المسيح فكان من واجبه أن يقدم لصدام بعض ولايات أمريكية ويقول له هذا هو انتقامنا كما علمنا مسيحنا. ولكن بدلا من ذلك بدأ يقسم العراق! والواقع أن هذه الغيرة الشديدة التي يبدونها على قرارات الأمم المتحدة إنما هي خطة لوضع خرائط جديدة للعراق. إن الأمم الغربية بسبب وحدتها السياسية تزعم أن كل البلاد الأخرى مِلْكٌ لها، وبناء على هذا الزعم ترى أن من حقها أن تخلق في العالم بلادا وتمحو منه بلادًا أخرى كيفما شاءت ومتى شاءت، ولا يحق لأحد الاعتراض على خرائطهم الجديدة للعالم. وقد أخذت خرائطهم هذه تبرز أكثر فأكثر بمرور الوقت، وسوف تعترف بها البلاد الأخرى شيئا فشيئا، سوف تتسابق حكومات البلاد الإسلامية في تأييدهم وتقول بسبب غبائها: نحن أيضا نقبل هذه الخرائط الجديدة! وهكذا يصنعون بلادًا جديدة في العالم، وهذا ما يحدث اليوم.

قدرُ الله يعمل في الخفاء

بيد أني أنبه هذه الأمم أن قدر الله تعالى لجارٍ ويعمل في الخفاء، إذ يُحدث ضد مظالمهم ردود فعل ستتقوى باستمرار. إن هذه الكراهيات التي يبذرونها اليوم سوف تنمو حتمًا، ولا بد أن يحصدوا ثمارها المرة. لسوف يتعرض الإنسان المسكين الواقع في أنواع المصائب لما هو أشد منها، ولسوف يقضي سلوكهم المشين الغاشم على سلام العالم يقينا. أما متى وكيف يتم هذا فذلك ما ستكشفه الأيام. أما أنا فإنما أنبههم إلى قانون كوني وهو أنه لا يمكن أبدا أن يستتب الأمن بدون العدل والإنصاف. هذه سنة الله المستمرة في الكون، ولن يقدر أحد على تبديلها. إنهم يبذرون الحقد والكراهية السامة ولا بد أن تنمو وتثمر. وبالفعل قد بدأت ردود فعل تظهر هنا وهناك.. في اليابان وألمانيا وغيرهما من البلاد. هناك أصوات ترتفع من قلوب الأجيال الجديدة تقول: إن ما يحدث ليس صحيحا. لا شك أن وسائل الإعلام لدى هذه الأمم الغاشمة قوية وغالبة فلا تسمح لأصوات الضمائر هذه لتخرج حتى يسمعها الناس، ولكن الواقع أنها بدأت تتولد وإن كانت لا تزال محصورة في القلوب. ولكن الأيام دولٌ فلا تبقى على حالة واحدة، ولا يمكن للقوة أن تبقى في يد واحدة. هذا مخالف للفطرة الإنسانية وخلاف للقانون الكوني. كيف نبين هذا القانون لهذه الأمم التي تزعم أنها قد بلغت ذروة العقل البشري وبدأت تنظر من فوقها إلى الأمم الأخرى بنظرة الاحتقار والتذليل وتعتبرهم أغبياء وجهلاء. كيف نوضح لهم أن قانون الاستقطاب قانون كوني أبدي لا يقدر أحد على تبديله. وهو قانون كهربائي حيث توجد نقطة مركزية في كل كائن كهربائي تجذب إليها أشياء وتدفع عنها أشياء أخرى. فلو أن أمريكا أقامت قُطبا للخير والعدل والإنصاف والحب ومساعدة الإنسانية المقهورة وسد رمق الجياع، لقام إزاءه قُطب آخر للخير. ولو أنها بدأت في فتح قلوب الأمم بفعل المعروف لفعل خصومها أيضا نفس الشيء وتسابقوا في الخيرات، سواء أكان مركز هذا القطب الموازي في أوروبا أو الصين أو اليابان. ولكنها أقامت قطبًا للكراهيات والفساد، ولا بد أن يتأسس إزاءه قطب آخر مبني على كراهية أمريكا. وقد وضع الأساس لذلك في اليابان والصين وغيرهما من الأمم الوسطى وكذلك أوروبا. هنالك سياسيون أوروبيون من ذوي الوعي والبصيرة يرون أنه لا يجوز لأمريكا أن تسود العالم بممارسة الظلم. إنها تظلم المسلمين اليوم، وسوف تظلم الآخرين غدا.

فالإنسان حر في إنشاء أي قطب سواء للخير أو الشر. أما المسلمون فينصحهم الله تعالى في القرآن ويقول:

وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (البقرة: 149)،

أي يا خدام المصطفى صاحب الكوثر والخيرات استبقوا في مجال الخيرات. ولو فعلتم ذلك لسابقتكم الأمم الأخرى في فعل الخير في كل مكان.

إن الكراهية ضد أمريكا لموجودة في نفوس الأمم الضعيفة، وسوف تنمو وتكبر وتثيرهم، وعندما تأتي أيام حرب عالمية أخرى سوف تحدق هذه الكراهيات بأمريكا وعندئذ ستدرك خطأها وتعرف ما قدّمت يداها للمستقبل. وكما أسلفتُ فهناك في اليابان تيار مضاد لأمريكا، وإني لأرى بكل وضوح تيارا مماثلا في روسيا أيضا وأعني بروسيا كل الاتحاد السوفياتي السابق، وهذه تسمية تعارفت عليها الأمم وقد استخدمتها التوراة لكل هذه البلاد.

وأود هنا أن أوضح لكم ألا تظنوا أن روسيا انكسرت وضعفت، بل إني أؤكد أنها سوف تبرز مرة أخرى كقوة عظمى. عندهم صلاحيات عظيمة إذا استخدمت استخداما صحيحا فسوف تنمو وتزداد بعد فترة. واعلموا أن ما أصاب روسيا من ضعف وضرر بسبب أخطاء اقتصادية وخيانات إدارية لن يدوم ولن يستمر طويلا، بل لا بد أن تقوم مرة أخرى وتبرز كقوة عظمى، سواء أتم هذا باتحاد كل الولايات الروسية وإنماء قواه معا، أو بقيام كل ولاية بإنماء قواها على حدة ثم تشكيل اتحاد جديد. إنني أرى أن قدر الله تعالى قد كتب لأهل هذه المنطقة أن يلعبوا دورا هاما في مصير الأمم في الزمن الأخير. ولذلك أنصح أفراد جماعتنا أن يهتموا بروسيا ويدعوا لها دعاء خاصا لأنها في أيام قوتها قد أسدت لأمم العالم صنيعًا.. عندما كانت في قوتها كانت الدنيا تهابها، وحينما كان الإعلام الغربي يقدمها للعالم كأكبر عدو للإنسانية. ولكن الأمم الضعيفة كانت تتمتع بحرية التنفس بمساندتها، ورغم ضعفها كانت تتحدى العدو الظالم ولو كان أكبر وأقوى منها. كانت تقول لها ما تفعلونه ظلم ولن نقبل هذا الظلم. إن هيبة القوة الروسية كانت تمنع القوى العظمى كأمريكا وغيرها من الدول الأوروبية من ظلم الضعفاء ومن تعدي حدودها، بل في بعض الأحيان كانت القوى الغاشمة ترجع إلى صوابها وتُرجع سهام الظلم في الكنانة بعد تصوبيها إلى الضعفاء. ومثال ذلك ما حدث بمصر. لقد اختصموا مع مصر على قناة السويس وقاموا ضدها بممارسات غاشمة. إنني لا أستطيع لضيق الوقت تناول هذه التفاصيل، فليسأل الذين لا يعرفون ممن يعرفون، والقصة بإيجاز أن روسيا تدخلت في الأمر فانحنت أمامها أمريكا وكذلك القوى الأوروبية وإسرائيل ورفعت أيديها عن ظلم مصر.

لم حدث هذا؟ إنما حدث بسبب روسيا. وسواء كان هذا الصنيع الروسي نابعا عن إرادة أو نتيجة حتمية للظروف السياسية فإنه صنيع على كل حال. لقد كان العالم يتمتع بنوع الأمان. وأما الآن فقد زال عنه. فادعو لهذا المحسن. ابتهلوا إلى الله تعالى أن يجعل روسيا قوة عظمى مرة أخرى، ولكن قوة صانعة خير ومعروف بأهل بلدها وكذلك بالعالم كله. ندعو الله تعالى أن يبرزها كقوة تهبُّ في العالم حاملة وحامية لواء المبدأ الإسلامي الداعي إلى إقامة العدل الكامل الشامل للعالم كله وحماية المظلومين والتسابق في فعل الخيرات.

(مقتبس من خطبة الجمعة ليوم 22 رجب 1413ه ، 15 يناير 1993م)

(2)

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (التكاثر: 2-5)

أفراح وأتراح

“.. الليلة التي كانت في أمريكا ليلة ألعاب نارية.. ليلة أفراح واحتفالات بقدوم رئيس أمريكي جديد (كلنتون).. كانت في العراق ليلةَ نار ودمار. وهذه النيران لم تصَبّ على العراق، وإنما صُبت في الواقع على قلوب مليون مسلم. وعندما كنت أفكر في الآلام التي كانت تقطع قلوب المسلمين تمنيت أن أحتضن كل هؤلاء الألف مليون واحدًا واحدًا، لأعزيهم وأروّح عن أنفسهم، وأٌقول لهم: لقد صرتم ضعفاء، بلا شك، ولكن دين سيدي محمد المصطفى لم يضعف. لقد تفرقتم بسبب النفاق والجري وراء المصالح الشخصية، وذهبت ريحكم، كما يقول القرآن، وزال عن قلب العدو رعبكم، ولكن رعب دين محمد المصطفى لم يزل قط ولن يزول أبدًا. لقد قال محمد المصطفى أنه مما خصني به الله أنني “نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ”. ونفس الكلمات قد أُلهمت أيضا لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، وهي مذكورة في مجموعة إلهاماته (تذكرة) في حوالي خمسة أماكن، ومعنى إلهاماته هذه أن الرعب الذي نصر به الله ورسوله محمد المصطفى لم يزل، بل سوف ينتشر عن طريق خدامه في هذا العصر أيضا وفي كل قارة وفي كل مكان. هذه كلمات الله. إنها كلمات رب محمد المصطفى ، ولا بد أن تتحقق ولن تقدر قوة في الأرض على تبديلها.

بشرى للمسلمين

فإني أبشر المسلمين جميعا، لرفع معنوياتهم وتقوية عزيمتهم، بأن القرآن أنبأ مسبقًا عن أيام الفساد والآلام هذه، وعن ظهور تلك الأمم الذين سوف يتكبرون حتى يزعمون أنهم آلهة وأن خلق الله عبيدهم، أو بعبارة أخرى، جعلتهم غطرستهم وخيلاؤهم آلهة كاذبة، فجعلوا خلق الله عبيدا لهم. كما أخبرنا القرآن الكريم عن المصير التعيس الذي ينتظر هؤلاء. فلا تظنوا أنه لا سند لنا نحن المسلمين ضد هذه القوى العظيمة التي تتهيأ لتدوسنا وتمزقنا تحت أقدامها كلا، إن سند الإسلام هو الله الذي لم يخذل سيدنا محمد المصطفى قط، ولن يخذله أبدًا، فلا تيئسوا من روح الله، أيها المسلمون. إن آيات القرآن التي استهللت بها خطبتي تتحدث عن نفس هذا الموضوع. يقول الله تعالى:

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ* كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُون َ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ

أيها القوى الدنيوية العظمى، لقد أغفلكم (التكاثر) عن الحقيقة وعن الواقع.. عن قدركم وعن مصلحتكم، عن بدايتكم وعن نهايتكم المدمّرة المروّعة كل هذه المعاني تحملها الآية وتقول: إن التكاثر.. أي حبكم لجمع المال وسباقكم لتزدادوا قوة، ورغبتكم الجنونية للتمتع بالملذات الدنيوية.. كل ذلك قد ألهاكم عن الحقائق. فكانت  النتيجة (حتى زُرتم المقابر). تعتبر هذه الآية من قمم الفصاحة القرآنية.. وأثناء تفكيري في هذا الموضوع لمـَّـا تأملت هذه الآية فتيقنت أنها تنطبق تمامًا على الظروف الراهنة. فلم يقل الله فيها أنك أيها الإنسان سوف تصل إلى القبر، بل قال: سوف تصلون إلى المقابر. أي لن تنحصر المسألة في قبر أو مقبرة واحدة، بل ستُرى مقابركم مبعثرةٌ هنا وهناك في كل العالم. سوف ترى الدنيا مقابر غطرستكم وعاقبتكم الوخيمة في كل بلد تحاولون فيه استعباد خلق الله، بل قد استعبدتموهم فعلاً، وتتباهون بذلك في نشوة وسُكرٍ.

رحمة للعالمين

هذا النبأ ليس نابعًا عن كراهية من جانب المسلمين أو رغبة انتقام تجول بفكرهم، بل الواقع أن المسلم، رغم تعرضه لهذه المظالم، لا بد له من أن يكون رحمة لكل العالم.. هذا إذا كان حقًا خادمًا صادقا لمحمد رسول الله المبعوث رحمة للعالمين. ولكن الرحمة إذا رُفضت وقوبلت بالكراهية، فإن رب السماء يحطم رأس هذه الكراهية، وإلا لم يستطع أحد أن يعيش في الدنيا، ولصارت بحار العالم كلها مُرّةً بحيث استحالت الحياة فيها. فهذا قدر الله المحتم، ولا بد أن يحطم رأس الكبر، ليعيش الناس كعباد له ولا يتعدوا حدودهم.

هلاك الآلهة الباطلة حتمي

فقولي هذا ليس مبنيًّا على أية مشاعر للانتقام، وإنما هو حقيقة أزلية أبدية لا يقدر أحد على تبديلها. لقد جاءت من قبل أمم كبيرة ظنت خطأ أنها قد بلغت عنان السماء رفعةً وعظمة. لقد سبق أن ادعى فرعون بالألوهية، ولكن لم يَعْدُ عقلُه ارتفاع منارة فحسب. فأمر أن يُبنى له منارة مرتفعة يصعدها ليطلّع على إله موسى. فالفراعنة قد جاءوا بالأمس، وها قد ولدوا اليوم، وقد يظهرون غدًا. والقرآن في عدة أماكن قد بيّن أحوالهم بوضوح وجلاء وأخبرنا أن الله تعالى حطم رأس غطرستهم تحطيمًا. فكل ما ترونه من الزهو والخيلاء وما تسمعون من أقاصيص الأنانية والعظمة الكاذبة فهي أمور عارضة مؤقتة. إن قدر السماء لا بد وأن يحيق بهم، ولا بد أن يتحقق قول الله فيهم.

نصيحة للمسلمين

بَيْدَ أني أنصح المسلمين بأننا لم نُخلق للانتقام. إذا كان الله تعالى سيحطم رؤوس غطرسة هذه الأمم فإنما لكي تستعد عقولهم وقلوبهم ونفوسهم لقبول سيادة محمد رسول الله . هذا هو الهدف الأعلى من ذلك، وقد ذكره الله تعالى في صريح قوله:

يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ..

أي عندما تحطَّم رؤوس الكبرياء، وتسوَّى أرض القوى العظمى فتصبح صعيدًا زَلَقا..عندئد سوف يستعد هذا الإنسان المادي ذهنيًّا لِقبول سيادة محمد المصطفى الذي لا عوج فيه .

ولكن بالنظر إلى هذا الموضوع يجب على المسلمين أيضا إزالة كل اعوجاج فيهم. هناك في قلوبهم عِوَجٌ، وبأفكارهم عوج مما جَعلهم يقدمون للعالم صورة لأنانيتهم بدلا من صورة الإسلام الصحيحة. وما دام الأمر هكذا وما لم يزيلوا عوجهم فإن قدر الله تعالى في أعدائهم لن يظهر. لا بد للمسلمين أن يغيروا ما بأنفسهم. من اللازم أن يتبعوا سنة سيدهم ومولاهم محمد منقادين له مستقيمين مستوين لا عوج فيهم. افعلوا هذا أيها المسلمون، ثم انظروا كيف تنشق السماء لنصرتكم وتأييدكم كما تنشق بالويلات والكوارث، ولكن قسمًا بالله العظيم، لن تضركم هذه الويلات شيئا وإنما ستنصب على أعداء الإسلام وتصيبهم وحدهم. شقوا قلوبكم وسوُّوها لأجل محمد رسول الله ، وتألّموا لدين المصطفى، ثم انظروا كيف تنشق سماء الرب غضبًا لأجله ، ويحطم رؤوس هؤلاء المتكبرين.

ولكن لماذا يحطم رؤوسهم؟ أيفعل هذا لإهلاكهم فقط؟ كلا. هذا قولكم بأفواهكم. فلا تفرحوا بأن السماء تشققت بالغضب وأهلكت الأعداء. فرسول الله محمد لم يبعث للإهلاك وإنما بُعث للإحياء. يجب ألا تنسوا هذه الرسالة أبدًا. كلما ثارت نفوسكم وركب الانتقام عقولكم فمن الواجب أن تصححوا أفكاركم وتوجهوا مشاعركم إلى الصواب. وهذا واحد من أمثلة الاعوجاج المتواجد في نفوسكم أيها المسلمون. يجب أن تزيلوا من نفوسكم عوج الغضب والانتقام هذا. ولإزالته تحتاجون إلى بركة قدمي المصطفى . فضعوا قلوبكم بين يدي رسول الله .. أعني تأسَّوْوا بأسوته في هذا المجال. فإذا اتبعتم قدوته فسوف يزول كل عوج. وفي هذا يكمن علاج مشاكلكم كلها.

القيادة التعيسة للمسلمين

اليوم قد انقسمت قيادة المسلمين، لسوء الحظ، إلى قسمين، والأسوأ من ذلك أن كلتيهما عارية من العقل والفطنة. فلا نور لدى هؤلاء ولا لدى هؤلاء. الأولى دينية تسمى قيادة اليمين. وهؤلاء لا تصل أفكارهم إلى زمن رسول الله لينالوا البركة من اتباع خُطاه وأسوته ، وإنما تنحصر أفكارهم في أحداث القرون الوسطى المظلمة من تاريخ الإسلام. فلا يقدمون للعالم صورة مشوهة للإسلام فحسب، بل يدعون بأنهم سوف ينقذون الإسلام بحد السيف. والواقع أن هذه القيادة الفاسدة خالية من البركة ولا خير فيها. فكلما وقعت الأمة الإسلامية في المحن وتعرضت لمظالم الأعداء زاد هؤلاء الطين بلة برفع هتافات خاطئة ودفعوا العوام من المسلمين إلى نيران المصائب أكثر فأكثر. ليس خافيا عليكم ما يحدث في كشمير وما يقع في الهند وما يجري في البوسنة وما يفعل في بورما وما يحل ببغداد من أهوال كأهوال القيامة. لو كانت مصيبة واحدة لصبرت ولو كان ألم واحد لتحملت من أي ألم أشتكي ولأية مصيبة أبكي؟ فكل بلد من العالم الإسلامي واقع تحت المصائب وينوء بالآلام. ولكن هذه القيادة التعيسة لا تصحو ولا تشعر. إنها لا تدرك أن عافية الإسلام تكمن في سنة محمد رسول الله وسلامها في اتباع أسوته الحسنة. اعلموا ألا سلام لها في قصص عشق خيالية جوفاء. كل هذا كلام فارغ كاذب. تثيرون مشاعر المسلمين باسم عرضه وتشعلون النيران في البلاد ولكن من الذي يحترق بها؟ إنهم المسلمون الذين يحترقون بلظاها. لقد مارستم هذه المظالم ولكن إلى اليوم لم تدركوا خطأكم فبأي طريق أعظكم حتى تفهموا وبأي دواء أعالج عيونكم حتى تبصروا؟ لقد جربتم وصفتكم مرارا ورأيتم المسلمين يموتون ويهلكون بتأثيراتها السامة تكرارا ومع ذلك كله تصرون على استخدام نفس الوصفة. اعلموا أنه لن يجدي الإسلام شيئا هتافات تثير العواطف وتشعل النيران للانتقام. إن المسلمين اليوم ضعفاء ولو كان الأمر عكس ذلك لما هاجمهم الأعداء مرة بعد أخرى ولما تجاسروا على ظلمهم هكذا دون تردد وخوف. إنهم يعلمون أن المسلمين ضعفاء وليس بأيديهم شيء إلا هتافات فارغة. قلوبهم شتى. يجرون وراء مصالحهم الشخصية. يعيشون في جنة الأوهام. ومادام حال الأمة هكذا فلم لا يهاجمها الأعداء؟

وهناك قيادة سياسية تسمى قيادة اليسار وهي أيضا قيادة تعيسة جدا ويصدق عليهم ما قاله أحد السياسيين الباكستانيين (بير بكارا): “يتحدثون عن الشرق ويسجدون للغرب” وفعلا كل بلد إسلامي يسجد اليوم للغرب إلا ما شذ وندر ومع ذلك يتحدثون عن عظمة رسول الله وعن حبه !؟ فما دمتم قد وضعتم على أقدام الأعداء كل مصالح أمة الإسلام لحساب مصالحكم الشخصية فلم تتفوهون الآن باسم سيدنا ومولانا محمد المصطفى ؟ ورغم هذا الظلم الشديد، كلما تحصلون على أصوات الشعب عند الانتخابات تحصلون عليها باسمه !!

تعذر الوحدة الإسلامية

إذن فكل العالم الإسلامي تسحقه مظالم أهله.. مظالم القيادة الحمقاء، سواء من اليمين أو اليسار. فيتحتم علينا تنبيه هؤلاء بأن هناك حاجة ماسة لاتحاد العالم الإسلامي، ومن الطبيعي أن هذا الاتحاد على يد واحدة لا يمكن أن يحمل طابعا دينيا لما يوجد بين المسلمين من اختلافات مذهبية، وفرق متناحرة، ثم هناك اختلافات داخل الفرقة الواحدة نفسها، فمن أهلها من يتعصب لشيخ معين ومسجده، وغيره ينحاز لشيخ آخر ومسجده، ومادام الأمر هكذا فلا فائدة من محاولة توحيد العالم الإسلامي من ناحية الدين. هناك طريق وحيد اتبعه القائد الأعظم وفعلا جمع به مسلمي القارة الهندية على يد واحدة. قال: لا يهمني عقائدكم ولا مذاهبكم ولا يهمني ما إذا كنتم تصلون واضعين أيديكم على الصدور أو غير ذلك أو حتى لا تصلون أصلا. إذا كنتم تنتمون إلى الإسلام وتدعون أنكم مسلمون فتعالوا معي نتحد على يد واحدة بناء على هذا الانتماء. وكانت هذه وحدة سياسية وفي عالم السياسة هناك ضرورة لوحدة سياسية.

أما الوحدة الدينية فإنما تتم بيد الله فقط. تلك الوحدة تنزل من السماء ولا تنبت على الأرض. وقد هيأ الله تعالى بنفسه الأسباب لتحقيقها. فحبل الله الذي نزل على قلب محمد رسول الله في صورة القرآن والذي رأيناه كآية حية في شخص سيدنا محمد المصطفى والذي تمثل لنا بعد وفاته في الخلافة الراشدة، قد أنزل اليوم مرة أخرى من السماء لتوحيد المسلمين وذلك ببعث الإمام المهدي . إن الوحدة الدينية إنما تتم عن طريق هذا الحبل الإلهي أو القدر السماوي وعندما ترتفع من الأرض فلا تنزل من السماء إلا إذا شاء الله وكما شاء وليس بوسع الإنسان أن يقيمها بجهوده. فلا تسعوا عبثا وراء ما هو خارج عن نطاق مقدرتكم. فلو أنكم كنتم قبلتم دعوة هذا الإمام المهدي الذي أقامه الله تعالى واجتمعتم على يده لأجل حبكم للنبي لكان خيرا لكم. فقد جاء حسب وعد النبي وينوب عنه ويتبعه في قيامه وقعوده في حركته وسكونه، وفي البيعة على يده تكمن حلول مشاكل المسلمين كلها. ولكنكم قد تركتم هذه الفرصة تنفلت من أيديكم ولا تزالون مصرين على هذا الموقف. لقد حاولنا بألف طريق أن نفهمكم هذا ولكنكم قوم لا تفقهون لنا حديثا ولا تقبلون لنا قولا. حتى حاصركم قدر الله المتمثل في أنواع المصائب. اعلموا أن هذه المحن التي تنصب على من تشاء منكم ومتى تشاء هي في الواقع قدر سماوي وإن ظهر على أيدي الأعداء. لقد نزل هذا القدر لعقابكم على أخطائكم ولولا ذلك ما كان الله ليعذب خداما صادقين لرسول الله . إلا أنني على يقين بأنه عقاب مؤقت سيزول حتما. إنه لم يأت لإبادتكم وإنما ليبتليكم ويوقظكم. إنها قارعة نزلت من رب السماء. تقرع أبوابكم لتتنبهوا لصوت السماء وهي تقول: جاء المسيح جاء المسيح وتسمعوا لصوت الأرض التي تقول: جاء المهدي الذي وعد بظهوره سيدنا محمد المصطفى .

ولكن إذا لم تكن لديكم آذان تستمعون بها إلى هذا الصوت وأعين تبصرون بها وقلوب تفهمون بها هذه الحقائق، فبالله عليكم استمعوا على الأقل لصوت النصح الصادق الذي ترفعه هذه القيادة إنه صوت يرتفع لمصلحتكم. اقبلوا دعوة الأحمدية أو لا تقبلوها فأنتم أحرار مخيرون ولكن بالله العظيم ليس صلاح دينكم فحسب بل إن صلاح دنياكم أيضا منوط بالأحمدية ولا ملجأ لكم في الدنيا إلا في القيادة الأحمدية، وها إنني أكرر وإني أشهد الله على ما أقول بأنه كلما يأتيكم خير فإنما يأتيكم من قبل الأحمدية، وكلما يصيبكم شر فإنما يصيبكم بالإعراض عن نصحها وبسبب ارتكاب المظالم ضد أبنائها.

توحدوا على المصالح المشتركة

فبالله عليكم فكروا في هذه الأمور وتدبروا. الوقت وقت توحيد العالم الإسلامي على صوت واحد. قولوا لهم: تعالوا نتحد على فعل الخيرات. تعالوا نتحد على عمل ما فيه المصلحة المشتركة للأمة الإسلامية. لا نريد سيادة ولا قيادة وإنما نريد جمع خدام محمد المصطفى على يد واحدة، تعالوا نتحد على كلمة سواء بيننا وبينكم كما ذكر في القرآن الكريم. تعالوا نتحد على أن يكون في السماء حكم رب واحد وفي الأرض حكم رسول واحد هو سيدنا محمد المصطفى . تعالوا نتفق على أن نؤثر مصالح الأمة المسلمة على كل مصلحة شخصية وعن طيب خاطر.

بهذا الصوت وبهذا الهدف يجب أن يدعوا عالم الإسلام لمؤتمر خاص. عليهم ألا يناقشوا فيه الاختلافات المذهبية ولا يسمحوا بذكر عقائد الفرق الأخرى أو الطعن فيها وإنما يجتمعون فيه كأمة محمد المصطفى أمة واحدة ويناقشون فيه فقط مشاكل هذه الأمة ويضعون بالاتفاق خطة للعمل في هذا الوقت العصيب. وكل خطة يتفقون عليها يجب أن تكون مبنية على التقوى والعدل. فلا تكون خطة تؤدي إلى خلق شقة بين الأمة الإسلامية وبين بافي الأمم. لأن الانفصال لا يوافق طبيعة هذه الأمة. فلم نخلق للفصل وإنما خلقنا للوصل. إننا بعثنا لنصل إلى كل الأمم ونبلغهم دعوة الحق بفتح قلوبهم. فكل خطة تتسبب في فصل وإبعاد الأمة الإسلامية عن باقي العالم لن تكون خطة إسلامية في الحقيقة. فيجب أن يتفقوا على ما هو مبني على العدل الكامل الشامل للعالم كله وما هو مبني على الحق والتقوى ذلك الحق الذي ذكر في القرآن الكريم مرارا. الحق الذي لا يفرق بين زيد وعمرو. الحق الذي لا يراعي لونا ولا عنصرا. الحق الذي هو اسم الله. الحق الذي يمكن أن نجمع عليه كل الإنسانية.

سيد القوم خادمهم

فلأجل إقامة الحق وغلبته في العالم خذوا قيادة العالم في أيديكم عن طريق أعمال حقة صالحة. اسمعوا لتحرزوا تلك الرفعة القصوى في السيادة التي قدرها الله لمحمد رسول الله . وهذه السيادة لا تتحقق باستخدام القوة ولا بتعاليم الكراهية تجاه الغير ولا بتصور احتكار الحقوق الامتيازية وإنما تحرزونها بالوصفة التي نصحكم محمد رسول الله باستخدامها في قوله: “سيد القوم خادمهم” أي اتركوا أمر السيادة لرب السماء واخدموا الإنسانية. وإذا كنتم حقا خداما للناس ودعوتم الناس إلى الوحدة بهدف خدمة الإنسانية ووجهتموهم إلى الحق والإنصاف فلسوف تبرزون حتما كأسياد للعالم كله. لأن كلمات النبي لابد وأن تتحقق بكل دقة وتفصيل. الواقع أن سيدنا المصطفى بقوله هذا قد وضع في أيدينا جوهرة غالية من المعرفة وناولنا مفتاح سيادة العالم. قال: إذا أردتم أن تكونوا سادة للناس وأن تطول سيادتكم فلابد لكم من خدمتهم.

الأمم المتحدة الجديدة

فاتحدوا باسم خدمة الإنسانية ولا تفكروا في أعمال توسع الشقة بينكم وبين الأمم الأخرى. بل اعملوا من صالحات الأعمال ما تفتحون به قلوب كل شعوب العالم حتى يعتبروكم قادة لها، وناصحين أمناء ويتيقنوا أن خيرهم منوط بكم. أعملوا فكركم في هذا الاتجاه وتناقشوا حول هذه المواضيع. ضعوا خطة للعمل تؤدي في آخر المطاف إلى قيام الأمم المتحدة الجديدة والنظام العالمي الجديد. هذه المؤسسة الجديدة سوف تتأسس على قدوة المصطفى وتعاليمه وعلى قواعد العدل الشامل المذكور في القرآن الكريم مرات ومرات. ذلك العدل الذي ينبع عن ذات البارئ وينير الإنسانية دون أي تمييز وتفريق. اليوم هناك حاجة ماسة ليفكر المسلمون في هذا الاتجاه ويدرسوا هذه المواضيع ليتمكنوا من وضع النواة لنظام عالمي جديد.

لا تنفصلوا عن باقي الأمم

لقد سبق أن حذرت في خطبي أثناء حرب الخليج أن مشاكل العالم الإسلامي لن تنتهي بانتهاء هذه الحرب بل ستتفاقم فانتبهوا لخطورة الموقف ولا تفكروا في الانفصال عن باقي الأمم بل أنشئوا العلاقات معهم وبدلا من فصل العالم الإسلامي عنهم ضموهم إلى صفوفكم وفكروا معا فيما يحقق مصلحة عالمية. فالوقت ليس وقت الانفصال. هناك مصائب ودوائر تتربص بكم. وأخطار وأهوال تحدق بكم سوف يتعرض لها البلاد الإسلامية واحدة بعد أخرى. لقد كشف الله تعالى لي هذه المناظر المروعة بوضوح وجلاء فارتعد قلبي من أهوالها وكنت أبتهل وأبكي لربي وأقول: ربنا أعطنا نحن المسلمين قوة وهب لنا نور العقل والحكمة. هب لنا نور الإلهام الذي نمشي به ونتقدم ومكنا في هذه الأيام العصيبة من السير في طرق الحق والتقوى الذي هو خال من الأخطار. فاتحدوا باسم الحق والعدل وضعوا خططا جديدة واسعو لتحرير العالم الإسلامي من قيود الكذب والخداع وأغلال الخيانة والنفاق وإن لم تفعلوا ذلك فإن الموقف سوف ينفلت من سيطرتكم بسرعة فائقة.

الغطرسة الأمريكية

إن الأمم المتحدة قد صارت اليوم اسما آخر للغطرسة الأمريكية ولا اسم ولا مدلول لها غير هذا. كل الأمم قد انحنت للغطرسة الأمريكية ولا نجد لدى أي بلد أثرا من الغيرة والحياء.

لا يقوم أحد ليقول لأمريكا: تهينون الإنسانية وتهضمون حقوق الآخرين وتقتلون الحق والإنصاف ومع ذلك تدعون بالسيادة!! من أعطاكم حق السيادة على العالم؟ والواقع أن نبينا محمد عندما نصحنا: “سيد القوم خادمهم” أي في خدمة الإنسانية سيادتكم وفيها بقاؤها فإنه أيضا أخبرنا بالمصير التعيس لهؤلاء الأمم الغاشمة التي لا تتأسس سيادتهم على خدمة الإنسانية وإنما على الكبر والغطرسة وسحق الأمم الضعيفة تحت الأقدام.

سلاحنا الدعاء والوحدة

إننا لا نستطيع مقاومة هذه الأمم إلا بالدعاء والابتهال إلى الله تعالى. وسوف نقاومهم بالوحدة التي لا تتسم باسم الإسلام فحسب بل باسم الحق والعدالة واعلموا أن الوقت مناسب لذلك تماما لأن قلوب كل العالم تشهد أن النيران التي تصب على بغداد إنما تصب في الواقع على الحق والإنصاف. إنها نيران الغطرسة الأمريكية وقد أحس العالم كله بلظاها. ومع أن الحكومة البريطانية تؤيد الحكومة الأمريكية في ظلمها فإن العديد من البريطانيين قلقون جدا بسبب هذه المظالم. منهم من وجدوا في أنفسهم الجرأة لرفع الصوت ضد هذه الممارسة الغاشمة ومنهم من يستطيعوا ذلك.

معارضة الظلم ليس غدرا بالوطن

وسكوتك على مواقف خاطئة لحكومتك وتأييدك لها في ظلمها ليس وفاء ببلدك وإنما هو غدر في الواقع. فعلى كل المسلمين الأحمديين القاطنين في أمريكا وبريطانيا أن يكونوا أوفياء لبلادهم. عليهم أن يرفعوا أصواتهم مؤيدين الحق والعدل ولا يظنوا أن معارضتهم لمواقف خاطئة لحكوماتهم غدر ببلادهم. كلا إذا جاز “لتوني بن”  Tony Benn.. ولغيره من المثقفين الكبار من بلاده أن يحتجوا على هذه المواقف الغاشمة من حكومتهم دون أن يصمهم أحد بالغدر. فكيف يُعتبر المسلم الأحمدي البريطاني غادرا إذا احتج هو أيضا؟ والحق أن وفاءنا لا يمكن أن يمس في أي بلد ولا في أي وقت لأن وفاءنا نابع عن وفائنا لله وللحق وللعدل.

والواقع أن النظام العالمي كله مؤسس في زعمهم على الحق. بمعنى أنك إذا انتقدت موقف أية أمة من العالم مهما كان موقفها غاشما ومناقضا للحق والعدالة لردوا عليك: إن موقفنا مبني على الحق مائة بالمائة. هذا ما تفعله الأمم وهذا هو الواقع سواء اعترف به أحد أم لم يعترف. فما دام الكاذبون أنفسهم يرفعون أصواتهم الكاذبة باسم الحق والعدالة، فلم لا ترفعون صوت الحق وأنتم صادقون؟ ما الذي يمنعكم من ذلك؟ فنصيحتي لكل مسلم أحمدي أيا كان بلده وموطنه أن يركز كل جهوده على هذا العمل بصدق وإخلاص. عليهم أن يخبروا الناس في كل مكان أن هناك حاجة شديدة لإقامة نظام عالمي جديد نظام مبني على الحق والعدالة. فليخبروا حكام بلادهم إذا استمعوا لنصحهم أن الوقت مناسب جدا لرفع صوت الحق في الأمم المتحدة في هذا الصدد فليوضحوا بكل قوة للأمم العظمى: إما أن تتفقوا على مراعاة مبادئ التقوى والحق والعدالة عند اتخاذ أي موقف وتؤتونا ضمانا لذلك وإلا فنحن ننفصل عن هيئتكم هذه. إن كنتم تصرون على غطرستكم فهنيئا لكم سلطنة الغطرسة هذه ولكن لا تنتظروا منا أن نشترك معكم في ممارسة هذه المظالم.

هناك حاجة لرفع هذا الصوت بشيء من الجرأة. وإذا فعلوا ذلك فإني على يقين بأن صوتهم هذا سوف يلقى دعما وتأييدا وقوة. لقد جسست نبض الفطرة الإنسانية وأدركت أن ضمائر كل الأمم تشهد بأن ما يحدث اليوم هو ظلم صارخ ولن يستمر طويلا، ولا بد للإنسان أن يسترد للإنسانية احترامها وحقوقها، وما لم يفعل ذلك فليس هناك ضمان لاستتباب السلام والأمان في العالم. هناك أمور أخرى جديرة بالذكر ولكن لضيق وقت الخطبة لا أستطيع ذكرها.

الأمريكان ليسوا بهذا السوء

وبقدر ما درست الأمور فإن هذا الموقف الأمريكي سوف يدمر أمريكا نفسها. إنه انتحار مخيف وعلى نطاق كبير. فالسعادة لا تنال برؤية مناظر الرقص والغناء لبضعة أيام. إن أهل بلدكم سوف يرقصون اليوم لرؤية مواقفكم الغاشمة هذه ولكن غدا سوف يضيقون عليكم الخناق بسبب نفس هذه المظالم. ولسوف يتعطشون لدمائكم بسبب مواقفكم هذه ولسوف يشعرون بالخجل والحياء مما فعلتم بالضعفاء هذا الإحساس سوف ينمو فيهم حتما. لأن أكثرية الأمريكان يحبون العدالة والجمهورية. فلقد سافرت في هذه البلاد من أقصاها إلى أقصاها حتى قضيت أيامًا في الغابات مع العائشين فيها، وتحدثت مع الأمريكيين من كل طبقة. لقد تكلمت مع الطبقة العليا وأيضًا مع الطبقة السفلى منهم، ودرست طباعهم حتى الجذور، وإني أؤكد لكم أن أمريكا ليست سيئة للدرجة التي تبدو للعالم. إن الشعب الأمريكي مزود بصلاحيات عالية كثيرة بحيث لو تيسرت لهم قيادة صحيحة حكيمة لفعلوا لخدمة الإنسانية خيرًا كثيرًا وعظيمًا. لقد زودهم الله تعالى بكل كفاءة. ويوجد بين المواطنين الأمريكيين ممثلون من كل شعوب العالم. فلا تظنوا خطأ أن موقف الحكومة الأمريكية يعبر عن صوت قلوب الأمريكيين. كلا.

أمريكا.. أسيرة الصهيونية

وإنما الواقع أن أمريكا قد أسرها اليوم الصهاينة من اليهود. وهذه الخرائط الجديدة للعالم التي يتردد ذكرها على ألسنة الحكام الأمريكيين والتي تنكشف من خلال ممارساتهم الغاشمة إنما وضعها حكماء الصهاينة في الواقع. فما أدعوكم إليه ليس نابعًا عن كراهية مني لأمريكا، وإنما أود أن أفهم الأمريكيين أنفسهم بأن قيادتكم تظلمكم. فهبوا ضد هذا الظلم، وقولوا لزعمائكم أننا لم ننتخبكم لهذا الظلم. لم ننتخبكم لتقضوا على المبادئ التي تأسست عليها بلادنا. فأين دستور الحرية الذي طالما افتخرت به أمريكا. لقد داسوه تحت أقدامهم، وداسوا معه جميع مبادئ الإنصاف وقواعد الجمهورية. إذن فهذا الصوت ليس صوت قلوب الأمريكيين، وإنما هو صادر من قلب آخر قد تسيطر على هذا البلد. إنه صوت غول شرير استولى على قلب أمريكا. فلذلك إني أحذر الأمريكيين عامة والأحمديين منهم خاصة من هذا الخطر، وأنصحهم أن يوقظوا إخوانهم حبًا لوطنهم وحبًا للإنصاف والتقوى. وليقولوا لهم بأن هذه الأمور الشائنة لا تليق بنا وليست مفخرة لنا. إنها هتافات جوفاء يرفعها حكامنا ليصرفوا أنظارنا عن المشاكل الاقتصادية لدينا. والأمر الواقع أنه ليس هناك في الدنيا نظير لما يوجد في أمريكا من بون شاسع بين الثري والفقير، ولربما تصيبكم الدهشة بسماع أن 5 بالمائة من الأمريكيين يملكون من المال ما يملكه 95 بالمائة منهم! فطمع الأثرياء في المال هو السبب لكل ما يحدث. إنها “مافيا المال” التي استولت على أمريكا، وللحفاظ على مصالح هذه “المافيا” تقع كل هذه الأحداث المروعة في العالم.

فكل ما أقوله حق وصدق، وسوف أستمر في قوله ولن أخاف أحدًا إلا الله تعالى. وإني لراض بقضائه.. سواء تركني أعيش هنا لمدة أو دعاني إليه. فأنا عبده هو وحده، ولست عبدًا لأحد من أهل الدنيا، ولسوف أرفع صوتي في كل حال. وإني أقول، والحق أقول، إن أمريكا مظلومة ومقهورة على يد هذه “المافيا”. ويجب على المسلمين الأحمديين لتحرير أمريكا من قيودها، أن يرفعوا هناك أصواتهم ليوقظوا الرأي العام، بل وفي كل بلد. ليكتبوا المقالات في الجرائد، وليقابلوا الزعماء، ولينبهوهم بأننا نمر بفترة عصيبة حساسة للغاية. ولئن لم تصححوا أخطاءكم اليوم فلسوف تسوء الأحوال أكثر. أما أنا فأراها اليوم. أرى أيامًا تدفع الناس إلى حروب عالمية مروعة تقشعر الجلود بتصور أهوالها. إن الحرب التي تستعد لها أمريكا اليوم ضد كل العالم ستتضاءل أمامها أهوال الحربين العالميتين الماضيتين.

نور الله لا يحرِّق ولا يفرق

هذه الأفراح مؤقتة، وهذه الأضواء عارضة. إنها لا تقدر على إعطاء أنوار دائمة. فلربما اندلعت الحرائق من هذه الأضواء. أما النور الأبدي فإنما يوهب للإنسان بتمسكه بالعدل والتقوى. إن إنسان اليوم متخبط في الظلمات، وإنارة مستقبله تتطلب منا إضاءة أنوار الصدق والحق في نفوسنا. إنها تتطلب منا أن نستنير بنور الله الذي أعطاه لمحمد المصطفى .. ذلك النور الذي وصفه الله تعالى في القرآن بقوله: لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ (النور: 36). إنه النور الوحيد القادر على إنارة مستقبل الإنسانية، لأن الله جعله للشرق والغرب معًا. فلا يفرق بين الشرقي والغربي، وإنما هو نور مشترك بين الإنسانية جمعاء. وإن خير العالم قد أنيط اليوم بهذا النور للأبد. وبدون هذا النور لن تستطيع الدنيا أن تميز يمينها عن شمالها. هناك أمم كبيرة تزعم بوصولها إلى قمة العقل الإنساني، وتزهو بأنها تأخذ القرارات في ضوء ما تمليه عقولها النيرة، ومع ذلك ينكشف من قراراتهم أنهم متخبطون في الظلام، ومندفعون إلى هوة لن يلقوا فيها إلا الموت والدمار. فالحق أقول: إن نور الحق والعدل ينبع عن نور التقوى، وبدونه لن تجديكم فطنتكم ولا دهاؤكم شيئًا. إنني أرى اليوم أخطاء ترتكبها هذه القوى الكبرى، كما أرى عواقب أخطائهم، ولكنهم غافلون عن مصيرهم. إنها أخطاء قد ارتكبوها أيضًا في الماضي. إنها نفس الأخطاء التي دفعتهم إلى حروب هائلة من قبل. إنها الظلم، وعدم الإنصاف والغطرسة والزهو. يرتكبونها مرة بعد أخرى ولا ينتهون.

طهروا قلوبكم، أيها المسلمون

إذا كان الله قد كتب دمارهم في صحيفة القدر فلا نستطيع محو قدر السماء أو تبديله. ولكن، يا أمة الإسلام، لم لا توقظون أنتم بختكم، ولم لا تنيرون قدركم!! اعلموا أن بختكم إنما سيتنور ببركة قدم المصطفى . فخروا على أقدامه، وابكوا وابتهلوا لله تعالى واسترحموه باسم حب المصطفى. اسألوه أن ينزل عليكم نوره من السماء.. ذلك النور الذي لن يوقظ بختكم فحسب، بل سوف يوقظ بخت العالم كله. واعلموا أن بقاء العالم وخيره منوط بكم أنتم. فيا غلمان المصطفى ، هبوا وطهروا نفوسكم حتى ينزل هذا النور عليكم. فإنه لا ينزل على قلوب نجسة. ما لكم لاتفكرون في إصلاح أعمالكم؟ ما لكم لا تزيلون عوج قلوبكم؟ لو أن قلوبكم بقيت هكذا مظلمة بالآثام، فبالله العظيم، لن يطل عليها نور محمد، دعك من أن ينزل فيها. تتحدثون عن عشق المصطفى وقلوبكم بؤرة للظلمات؟!

رسالتي للقيادة الإسلامية

فرسالتي لساسة المسلمين أن طهروا أفكاركم ونقوا أذهانكم. طهروا قلوبكم تمامًا من نجاسة المصالح الشخصية. فكروا في خير الجميع، وتحدثوا عن خير الإنسانية، وتكلموا عن دين المصطفى والغيرة عليه.

أما المشائخ فرسالتي لهم: اعلموا أن الإسلام يعني مكارم الأخلاق وليس البذاءة والسباب. فإلى متى تكيلون الشتائم، وترغون وتزبدون، وتكدرون الجو بقبيح الكلام. فبالله عليكم، تعلموا استخدام لغة لينة طاهرة كما فعل سيدنا محمد المصطفى . اغرسوا في نفوس المسلمين المثل العليا ومكارم الأخلاق.. التي لا بد وأن تنتصر. من ذا الذي يقدر على أن يهزم أخلاق سيدي المصطفى ؟! والله لم تلد بنت حواء ولدًا يستطيع أن يهزم سيدي المصطفى . والله، لو اجتمعت بلايين الأمهات، وولدن ولدًا فلن يستطيع هذا أيضًا أن يهزم سنَّة محمد . إنها لسنة غالبة منتصرة دائما وأبدا، ولأجلها خلقت الأفلاك، وإذا اتبعها الإنسان فاز ونجا، وإلا خاب وخسر.

لذلك فإني، بكلمات واضحة صريحة أنصح الأمم القوية، وأنصح الأمم الضعيفة المقهورة أيضا. أنصحهم جميعا أن يطهروا نفوسهم، وينقوا قلوبهم، ويقوموا ويثبتوا على الحق والإنصاف. ففي هذا وحده خير الإنسانية وبقاء الإنسان. وإن لم يفعلوا ذلك فلن تبقى لهم باقية.

رب واحد ورسول واحد

أدعو وأبتهل إلى الله تعالى ليوفقنا أن نتخلق بأخلاق المصطفى، ونخضع أعمالنا لسنته الشريفة، ونصنع أقدار العالم باتباعها. نفعل هذا لكي تظهر خريطة النظام العالمي الجديد، فيكون رب واحد ورسول واحد.. سيدنا ومولانا محمد رسول الله .. الذي تحت رايته يحكم جميع الأنبياء في الأرض.

أما قولي: ويكون رسول واحد.. فأود أن أوضح أن الإسلام لا يعلمنا الحط من قدر الأديان الأخرى والتفريق بين الرسل. لقد وهبني الله عرفانًا لتعاليم الإسلام، وأعلم علم اليقين أن توطيد حكم رسول الله لا يعني أبدًا أنه يهدم حكم الأنبياء الآخرين. فرسولنا هو سيد الأنبياء وتحت رايته ترفرف أيضا راية كل نبي آخر. فإذا ارتفعت راية محمد ، فوالله، سوف ترفع رايات آدم، نوح، إبراهيم، موسى، إسحاق، إسماعيل وعيسى عليهم السلام. ولكن سوف تبقى راياتهم تحت راية المصطفى ، وإلا فلن يكون لراياتهم شرف ولا رفعة. هذا قدر صنعه رب السماء، ولم أصنعه من عندي. ولا يحيط بكنهه أحد. فلا تقولوا: ترفرف راية المصطفى فقط ورايات الأنبياء الآخرين لن ترتفع. كلا، فوالله، إن في حياة المصطفى لحياة كل نبي ورسول. فإذا حيي المصطفى فكأنما حيي كل نبي من الأولين والآخرين. وعندئذ سوف تجمع رسل الله كلهم مصداقًا لنبأ القرآن الكريم: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ .

ويا أيها المسلمون الأحمديون، بأنفسكم قد أناط الله هذا الوقت، وببختكم ربط خيوط هذا القدر. فتعالوا نبتهل إلى الله تعالى أن يمكننا من إقامة وإدارة ذلك النظام العالمي من جديد، بل سنقيمه لأول مرة.. حتى تستتب في كل العالم حكومة ذلك النور الذي ليس بشرقي ولا غربي، وحتى ترفرف راية محمد من الشرق إلى الغرب.. وترتفع تحتها رايات الأنبياء جميعا. سترتفع تحت رايته أعناق كل الأمم، وأما قلوبهم فتكون ساجدة على عتبة الله. إذ أن كل رفعة تكمن في التواضع أمام الله. وفقنا الله تعالى لذلك. آمين.

(مقتبس من خطبة الجمعة ليوم 29 رجب 1413 هـ؛ 22 يناير 1993 م)

**هو محمد علي جناح، مؤسس دولة باكستان. جمع مسلمي الهند تحت راية حزب رابطة المسلمين (مسلم ليغ). وشق طريق الاستقلال للمسلمين بين معارضة شديدة من قبل الحكام الإنجليز والهندوس وبعض مشائخ المسلمين.

*** هو عضو في البرلمان البريطاني، وكان وزيرا في حكومة حزب العمال السابقة. وهو لورد وابن لورد، ولكنه رفض استخدام لقب اللورد احتجاجا على ممارسات الحكام لكبت حرية الرأي وظلم الضعفاء. لقد ناضل دائما لإقامة الحق والعدل وناصر المظلومين في كل مكان سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم. له مكانة سامية في التاريخ البريطاني الحالي.

Share via
تابعونا على الفايس بوك