نظرة في مفهوم المسيحية للخطيئة والكفارة

المسيحية رحلة من الحقائق إلى الخيال(2)

لحضرة ميرزا طاهر أحمد ( رحمه الله تعالى رحمة واسعة) الخليفة الرابع لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود

هذا الكتاب دراسة تحليلية موثقة للدفاع عن الحق الذي قامت عليه المسيحية الأولى النقية التي صدع بها المسيح الناصري عيسى بن مريم . كما أنه بيان يكشف الحقيقة التي حجبَها تجّار الدين وسماسرة الخلاص، زبانية الترهيب وأصحاب صكوك الغفران.

والحق أن العقائد المسيحية قد اكتسبت صورتها الحالية من خلال عملية تغيير ممتدة على تاريخ المسيحية كله تقريبًا. فبدلا من الخوض في جدال لا نهاية له حول عملية التغيير تلك، اختار الكاتب دراسة العقائد المسيحية الحالية واختبارها على مِحكّ المنطق والعقل. وبالإضافة إلى موضوعات أخرى قد تمّ في هذا الكتاب بحث مسائل هامة كبنوة المسيح، الكفَّارة، الثالوث، المجيء الثاني للمسيح.

هذا عزيزي القارئ باختصار شديد هو محتوى هذا الكتاب القيّم: “المسيحية رحلة من الحقائق إلى الخيال” لحضرة ميرزا طاهر أحمد (رحمه الله رحمة واسعة). ورأت أسرة “التقوى” نشره على صفحاتها عبر حلقات متسلسلة نظرا إلى الدعاية الواسعة التي نشطت بشكل خطير في الآونة الأخيرة صوتًا وصورةً وكتابةً بُعَيد الدمار الذي حلّ -ولا يزال يحلّ- بالمسلمين وأراضيهم من قِبل “الدجال”.. القوى المادية للمسيحية بالتواطؤ مع الصهاينة. ومما لا شك فيه أن هذا الكتاب بيان حُبٍّ صادق مخلص للمسيح والمسيحيين في جميع أنحاء المعمورة. كما أنه رسالة حبّ لهم، لأنه يقودهم إلى حقيقة مَن يحبّون، وما يحبّون: المسيح الحق، والمسيحية الحقة. ولقد آن الأوان لأن تُفني المسيحية الحقّة ضَلالَ من حرّفها وضيّعها، ولتعود بأجيالها وعالمها كلّه إلى هداية رب العالمين.

وقد حصل شرف نقل الكتاب إلى اللغة العربية للكاتب السوري الأستاذ محمد منير الإدلبي وراجعه ثلّة من أبناء الجماعة المتضلّعين في اللغة والدين. “التقوى”

الفصل الثاني

الخطيئة والكفّارة

والآن نعمد إلى العنصر الثاني والهام جدًّا في العقيدة المسيحية، ولكن لا بدّ أن أوضّح أن المسيحيين لا يؤمنون كلهم تمامًا بما سنعرضه فيما يلي، حتى بعض رؤساء الكنائس قد تراجعوا عن عن الحالة التعصّبية المتصلّبة للكنيسة. ومع ذلك فإن فلسفة الخطيئة والكفّارة هي المبدأ الأساسي في الإيمان المسيحي التقليدي العام.

إن أول عنصر في الفهم المسيحي للخطيئة والكفّارة، هو أن الله عادل، ويمارس العدل الطبيعي، وهو لا يغفر الخطايا دون أو يوقِع الجزاء؛ لأن ذلك يكون مناقضًا لمقتضيات العدل المطلق. وهذه الصفة الخاصة بالله جعلتْ عقيدة الكفارة عند المسيحيين أمرًا ضروريًّا. والعنصر الثاني هو أن الإنسان خاطئ، لأن (أبويه) آدم وحوّاء قد أخطأ، ونتيجة لذلك فإن ذرّيتها ورثت الخطيئة، وكأنها قد أُوْدِعت في جيناتهم، ومنذ ذلك الوقت فإن جميع أبناء آدم يولدون خاطئين بالوراثة!

والعنصر الثالث في هذه العقيدة هو أن الشخص الخاطئ لا يستطيع أن يكفّر عن خطايا شخص آخر إلا إذا كان بنفسه بلا خطيئة. وعلى هذا الأساس يبدو واضحًا -حسب المفهوم المسيحي- حسب المفهوم المسيحي- لماذا لا يستطيع نبي من أنبياء الله مهما بلغ من الصلاح والكمال أن يطهّر البشرية ويخلّصها من عواقب الخطيئة. بما أن كل نبي يكون من أبناء آدم، لذا فلا يمكن له أيضًا أن ينجو من تلك الخطيئة الموروثة التي وُلد عليها.

هذا هو موجز مبسّط للعيدة المسيحية. أمَّا الحل لهذه المسألة كما يقدمه رجال الدين المسيحيون فهو كالتالي:

الكفّارة عن الجنس البشري

ولحلّ هذه المشكلة التي تبدو عديمة الحل ظاهريًا، أعدّ الله خطّة عجيبة؛ ولكن ليس واضحًا فيما إذا كان الله قد تشاور مع ابنه، أو إذا كانا كلاهما قد اشتركا في وضع الخطة، أو فيما إذا كانت الخطة كلها من إبداع الابن وحده، ثم قَبِلَها الله (الأبُ) بعد ذلك! وملامح هذه الخطة كما تكشّفتْ زمنَ المسيح هي كما يلي:

إن ابن الله الذي وُلد من أم بشرية قبل ألفي عام قد شارك اللهَ في الأبدية. وبصفته ابنًا لله فقد جمَع في شخصه -إلى جانب الصفات التامة لكائن بشري- صفات الإله (الأب) أيضًا. ثم يقال لنا بعد ذلك بأن سيدةً تقية طاهرة اسمها مريم، قد تم اختيارُها لتكون أُمًّا لـ ابن الله؛ فَحَمَلَتْ يسوعَ ابنًا مشترَكًا لها ولله سبحانه وتعالى.

فبهذا المعنى، ولكونه ابنًا حقيقيًّا لله، وُلد يسوع بلا خطيئة، ومع ذلك فقد احتفظ -بشكل ما- بكينونته البشرية، ثم تطوّع ليحمل خطايا البشر الذين يؤمنون به ويقبَلونه مخلِّصًا لهم. فزعموا أن الله سبحانه وتعالى استطاع بهذه الخطة العبقرية أن يحافظ على صفة العدل المطلق التي يتّصف بها منذ الأزل، دون أن يُجري فيها أيّ تعديل.

تذكّروا أنه، بناءً على هذه الخطة، لن يُترك الإنسان بلا عقاب أيًّا كان مستوى خطئه! ورغم ذلك من الممكن أن يعاقب الله الخطاة من البشر دون الإخلال بعدله. ولكن الفرق الوحيد بين هذه الحالة والتي سبقتها -والتي كانت مسؤولة عن هذا التغير الدرامي- هو أن عيسى الذي سيعاقَب وليس الخطاة من أبناء آدم وبناته؛ وأن تضحية يسوع هي التي ستكون في نهاية المطاف السبب للتكفير عن خطايا بني آدم!

ومهما بدا هذا المنطق غريبًا وشاذًا فإن هذا هو بالضبط ما حدث على حد قول المسيحيين أي أن المسيح قد تطوّع بنفسه، وبالتالي عوقب على خطايا لم يرتكبها مطلقًا!

خطيئة آدم وحوّاء

لنتأمل الآن مرة أخرى في قصة آدم من البداية.

ليس هناك شيء واحد من تلك العقيدة السالفة الذكر يمكن أن يقبله الضمير الإنساني والعقل البشري.

أوّلاً، الفكرة أن آدم وحوّاء قد أخطأ، فأصبحت ذرّيتهما ملوَّثةً إلى الأبد بالخطيئة الوراثية.

فعلى النقيض من ذلك يبين علم الوراثة أن الأفكار والأفعال البشرية، سيئة كانت أم خيّرة، حتى ولو ظل شخص ما متمسكا بها طوال حياته، لا يمكن أن تنتقل وتدخل في نظام الوراثة الخاص بالتكاثر البشري -أي لا يمكن أن تورَّث. إن مدى الحياة أقصرُ بكثير من أن يلعب دورًا في مثل هذا التغيّر العميق. وحتى خطايا الناس أو أعمالهم الحسنة، جيلاً بعد جيل، لا يمكنها الانتقال إلى الذريّة كصفات وراثية، بل ربما يتطلب الأمر ملايين السنين لتكتسب جينات الإنسان صفات وراثية جديدة.

كذلك فإننا لو قبلنا جدلا بهذا الأمر الشاذ الغريب البعيد عن كل منطق مقبول، فيتحتّم علينا القبولُ بما يعاكسه أيضًا وبالمنطق نفسه، وهو أنه لو تاب مخطئ وجاء نظيفًا في نهاية المطاف فإن ذلك العمل أيضًا يجب أن يسجَّل في نظامه الوراثي ليمحو أثر الخطيئة السابقة تماما. وهذا مستحيل من الناحية العلمية، ولكنّ هذه الصورة المتوازنة هي أكثر منطقًا من أن نتصور أن النزوع إلى الخطأ وحده يمكن أن يندرح في الوراثة وليس النزوع إلى عمل الخير.

يبين علم الوراثة أن الأفكار والأفعال البشرية، سيئة كانت أم خيّرة، حتى ولو ظل شخص ما متمسكا بها طوال حياته، لا يمكن أن تنتقل وتدخل في نظام الوراثة الخاص بالتكاثر البشري -أي لا يمكن أن تورَّث.

ثانيًا، محاولةً لحلّ مشكلة آدم بافتراض أن الخطيئة يمكن أن تنتقل وراثيًا إلى الأجيال من بنيه فيما بعد، فإن كلّ ما قد تمّ إنجازه نتيجة لهذا الافتراض هو التدمير الشامل للأساس الذي بُنيتْ عليه عقيدة الخطيئة والكفّارة المسيحية وهي العدل المطلق التام لله تعالى. فإذا كان الله عادلاً مطلقًا فأين العدالة إذن في إدانة ذرّية آدم وحوّاء كلهم أجمعين، وإلى الأبد من أجل خطيئة عابرة ارتكباها ثم تابا عنها؟ تلك خطيئة قد عوقبا عليها بشدّة، وطُردا من الجنّة في ذِلَّة وهوان! أيّ نوع من العدالة هذه التي تُنسب إلى الله الذي لم يكتف بمعاقبة آدم وحواء على خطئهما ولم يخمد ولعه للانتقام، بل أدان الجنس البشري بأجمعه لأقصى درجات الخزي حيث جعلهم يولَدون جميعًا خاطئين بالوراثة؟! فأيّة فرصة أعطيتْ لبني آدم للنجاة من تلك الخطيئة؟! وإذا أخطأ الوالدان لماذا يعاني أطفالهم الأبرياء إلى الأبد نتيجة لذلك الخطأ؟

إذا كان الأمر كذلك فكم هو تصور مشوّه للعدل ذلك الذي يدّعي الله أنه يملكه ويتصف به! إذ يعاقِب أناسًا خَلقهم ليخطئوا، مهما كانوا للخطيئة كارهين، وقد جُعلت الخطيئة جزءًا لا يتجزّأ من طبيعتهم! إذن فلم تبق هناك فرصة لنبي آدم أن يظلّوا أبرياء! وإذا كانت الخطيئة جريمة فمن المنطقي -بحسب هذه العدالة الغريبة- أن تُعَدّ تلك الجريمة جريمةَ الخالق لا المخلوق![1] وفي تلك الحالة أيُّ عدل ذلك الذي يعاقب البريء على جريمة ارتكبها غيره؟

ما أكبره من خلاف بين الفهم المسيحي للخطيئة وعواقبها وبين ما يعلنه القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى:

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (فاطر: 19)،

وكذلك يقول الله تعالى:

{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 287).

إن تصريحات القرآن هذه، بالمقارنة مع المفهوم المسيحي للخطيئة والكفّارة، لهي موسيقى صافية للروح البشرية.

دعونا الآن نتحوّلْ إلى بيان التوراة حول ما حدث زمنَ خطيئة آدم وحوّاء، والنتائجِ التي أدّت إلى معاقبتهما. بناءً على ما جاء في سفر التكوين، قد قبل الله اعتذارهما جزئيًا فقط، وفرض عليهما عقوبة أبدية وُصفت في التوراة كما يلي:

ثم قال (الرب) للمرأة: “أُكثِّر تكثيرًا أوجاعَ مخاضك، فتنجبين بالآلام أولادًا، وإلى زوجك يكون اشتياقك وهو يتسلط عليك.” وقال لآدم: “لأنك أذعنتَ لقول امرأتك، وأكلت من الشجرة التي نهيتك عنها، فالأرض ملعونة بسببك، وبالمشقة تقتات منها طوال عمرك. شوكًا وحَسَكًا تُنبت لك، وأنت تأكل عشب الحقل. بعرق جبينك تكسب عيشك حتى تعودَ إلى الأرض، فمن تراب أُخذت، وإلى تراب تعود.” (سفر التكوين: 3: 16-19)

لقد وُجد الجنس البشري قبل أن يولد آدم وحوّاء بزمن طويل. العلماء الغربيون أنفسهم اكتشفوا بقايا عديد من “إنسان ما قبل التاريخ” وقاموا بتسميته بأسماء مختلفة تُميز بين أنواعه، وربما أشهرها هو إنسان نياندرتال. وقد عاش هؤلاء البشر في الفترة ما بين 100000 و 35000 سنة خلت، معظمهم في منطقة أوروبا والشرق الأدنى ووسط آسيا. وقد تم اكتشاف جثّة مكتملة التكوين لإنسان كان يطوف الأرض قبل أن يبدأ آدم وحوّاء إقامتهما القصيرة في الجنة بـ 29000 سنة. في ذلك الوقت كانت الكائنات البشرية من ناحية الجسد مثلنا تمامًا، وكانت تعيش في أوروبا وأفريقيا وآسيا، ثم خلال فترة العصر الجليدي انتشرت إلى أمريكا أيضًا، ثم في أستراليا حيث نجد أن الأستراليين الأصليين، بحسب المصادر الموثقة لثقافتهم، يعود وجودهم إلى ما قبل 40000 سنة مضت.

وبالمقارنة مع هذه الأزمنة الحديثة نسبيًّا، فقد اكتُشف هيكل عظمي لامرأة من منطقة “حيدر” في إثيوبيا عمره 2.9 مليون سنة. ولكن، بحسب التاريخ التوراتي، فإن آدم وحوّاء قد عاشا قبل حوالي ستة آلاف سنة فقط. وبهذا لا يملك الإنسان إلى أن ينظر بحيرة ودهشة إلى تاريخ وجود الكائن البشري أو الإنسان العاقل كما وُصف في المصطلح العلمي!

استمرار المعاناة البشرية

بعد قراءة الوصف التوراتي حول كيفية عقاب الله تعالى لآدم وحوّاء، لا يملك المرء إلا أن يتساءل: ألم تكن آلام المخاص والولادة معروفة للنساء قبل بداية عهد آدم وحوّاء!

إنه لمن الصعب أن نجد عالِمًا يؤمن بمثل هذه الخرافات. ثم إن لدينا الكثير من البراهين القاطعة التي تثبت أن الإنسان قد عاش على الأرض واستوطن قارات العالم حتى جزر المحيط الهادئ النائية، قبل آدم وحوّاء بزمن طويل، وأنه جاهد دائمًا من أجل البقاء. فالقول بأن آدم وحوّاء كانا أوّل من ارتكب الخطيئة وأنه بسببها قد قدر الله أن تكون ولادة الطفل مؤلمة عقابًا عليها، إنما هو أمر قد ثبت خطؤه من خلال دراسة تاريخ الحياة البشرية. فالحيوانات التي هي أدنى بكثير في مرتبة الأحياء تلد بألم أيضا. ولو راقب أحد بقرة تلد عجلاً لوجد أن آلامها تبدو شبيهة بآلام الأم البشرية عند الإنجاب. وإننا لنعلم أن الكثير من مثل هذه الحيوانات قد عاشت على ظهر الأرض قبل آدم وحوّاء بملايين وملايين السنين.

وأما كسب المرء عيشه بعرق جبينه فهو أمر اعتيادي بالنسبة إلى الرجال، ولكنه ليس خاصًا بهم وحدهم، فالنساء أيضًا يتعبن في سبيل قُوتهِهن ولقمة عيشهن، بل كلّ كائن حي يكسب عيشه بجهده. وهذه الحقيقة هي المفتاح المحرك لعملية تطوّر الحياة. إن الصراع من أجل البقاء قد يكون أوّل علامة مميّزة للحياة التي تَفصِلها عن الجمادات. إنها ظاهرة طبيعية ولا علاقة لها بالخطيئة على الإطلاق.

ثم إذا كان هذا هو العقاب المفروض على آدم وحوّاء بسبب خطيئتهما فإن الإنسان ليتعجب مما قد يحدث بعد الكفّارة؟ فإذا كان يسوع المسيح قد كفّر عن خطايا الخاطئين من البشر، فهل بعد صلب المسيح بطلت هذه العقوبةُ المفروضة على آدم وحوّاء؟ وهل النساء اللاتي آمنَّ بيسوع أنه ابن الله لم يعدنَ يتألمن من الولادة؟ وهل بدأ الرجال المؤمنون بهذه الكفارة يكسبون عيشهم بدون تعب؟ وهل ميل الإنسان إلى الخطيئة لم يعد ينتقل إلى الأجيال القادمة، وبدأت ولادة أطفال بلا خطيئة؟

إنني أميل إلى الاعتقاد بأن شخصًا ما، في مكان ما في تاريخ المسيحية، قد أساء فهم الأمور، وحاول أن يؤوّلها بناءً على معرفته الشخصية، فأضلّ بذلك الأجيالَ اللاحقة.

فإذا كان الجواب على جميع هذه التساؤلات هو “نعم”، إذن سيكون ثمة مبرّر للتفكير الجدّي بالفلسفة المسيحية المتعلقة بالخطيئة والكفّارة. ولكن، للأسف، فإن الإجابة على جميع هذه التساؤلات هي “لا” و”لا” ثم “لا”. وإذ لم يتغير شيء منذ حادثة الصَّلب، سواء في العالم المسيحي أو غير المسيحي، فما هو معنى الكفّارة؟ حتى بعد يسوع المسيح، فإن الشعور بالعدل العامل ظل يملي على البشر في جميع أنحاء العالم بأنه إذا ارتكب أحدٌ خطيئة، فإن عقوبتها يجب أن تقع على ذلك الشخص وحده وليس على غيره. على الجميع، ذكورًا وإناثًا، أن يتحملوا بأنفسهم نتائج أخطائهم. الأطفال دائمًا يولدون أبرياء من الخطيئة. وإذا لم تكن هذه هي الحقيقة فسوف يُضرب بالعدالة الإلهية عُرض الحائط.

نحن المسلمون نؤمن بأن جميع الكتب السماوية مبنية على أساس الحقيقة الخالدة، ولا يسع أحدًا أن يدعي عكس ذلك. وعندما نصادف أي تناقض أو تعارض في أيّ كتاب يُعتقدُ أنه سماوي موحى به من عند الله تعالى، فلا يكون موقفنا إنكارًا كاملاً أ, رفضًا كاملاً، بل موقف الحيطة والبحث المحايد. إن موقفنا حيال معظم مقولات العهد القديم والعهد الجديد التي نجدها مخالفة لحقائق الطبيعة هو إمّا أن نحاول التوفيق بينها في المعنى بقراءة معنى خفي أو رسالة رمزية وراء الكلام، أو أن نرفض جزءًا من النصّ على اعتبار أنه عملٌ صَنَعته أيدي البشر، وليس مُنزَلاً من عند الله. حين كانت المسيحية صحيحة نقية، فإنها لم تشتمل على أي تحريف أو أمور غير مقبولة أو معتقداتٍ تكذّب الطبيعةَ. ولذلك لم نبدأ بفحص النص، بل بدأنا بالمبادئ ذاتها التي صارت على مرِّ قرون من الإجماع أُسُسًا في الفلسفة المسيحية لا جدال فيها. ومن أهم هذه المبادئ مفهوم المسيحية للخطيئة والكفارة.

إنني أميل إلى الاعتقاد بأن شخصًا ما، في مكان ما في تاريخ المسيحية، قد أساء فهم الأمور، وحاول أن يؤوّلها بناءً على معرفته الشخصية، فأضلّ بذلك الأجيالَ اللاحقة.

[1] وذلك لأنه هو الذي خلق “هذه الجريمة” وهو الذي أودعها في الطبيعة الإنسانية. (المترجم)
Share via
تابعونا على الفايس بوك