المسيحية رحلة من الحقائق إلى الخيال (13)

اسـألوا التـاريخ.. هل عاد شخص واحد إلى الدنيا

من الذين زُعم أنهم صعدوا إلى السماء؟!!

هذا الكتاب دراسة تحليلية موثقة للدفاع عن الحق الذي قامت عليه المسيحية الأولى النقية التي صدع بها المسيح الناصري عيسى بن مريم كما أنه بيان يكشف الحقيقة التي حجبَها تجّار الدين وسماسرة الخلاص، زبانية الترهيب وأصحاب صكوك الغفران.

والحق أن العقائد المسيحية قد اكتسبت صورتها الحالية من خلال عملية تغيير ممتدة على تاريخ المسيحية كله تقريبًا. فبدلا من الخوض في جدال لا نهاية لـه حول عملية التغيير تلك، اختار الكاتب دراسة العقائد المسيحية الحالية واختبارها على محكّ المنطق والعقل. وبالإضافة إلى موضوعات أخرى قد تمّ في هذا الكتاب بحث مسائل هامة كبنوة المسيح، الكفَّارة، الثالوث، المجيء الثاني للمسيح.

هذا عزيزي القارئ باختصار شديد هو محتوى هذا الكتاب القيِّم: «المسيحية رحلة من الحقائق إلى الخيال» لحضرة ميرزا طاهر أحمد (رحمه الله رحمة واسعة). ورأت أسرة «التقوى» نشره على صفحاتها عبر حلقات متسلسلة نظرا إلى الدعاية الواسعة التي نشطت بشكل خطير في الآونة الأخيرة صوتًا وصورةً وكتابةً بُعَيد الدمار الذي حلّ – ولا يزال يحلّ – بالمسلمين وأراضيهم من قِبل «الدجال».. القوى المادية للمسيحية بالتواطؤ مع الصهاينة. ومما لا شك فيه أن هذا الكتاب بيان حُبٍّ صادق مخلص للمسيح والمسيحيين في جميع أنحاء المعمورة. كما أنه رسالة حبّ لهم، لأنه يقودهم إلى حقيقة مَن يحبّون، وما يحبّون: المسيح الحق، والمسيحية الحقة. ولقد آن الأوان لأن تُفني المسيحية الحقّة ضَلالَ من حرّفها وضيّعها، ولتعود بأجيالها وعالمها كلّه إلى هداية رب العالمين.

ومما يبعث على الحزن أن العالم اليوم لا يريد أن يقبل إلا عيسى الخيالي الذي لم يأت مثله من قبل في جميع مراحل التاريخ البشري. وإذا ما أُخذ التاريخ الديني بشكل جاد، فإن المرء ليجد أعدادًا كبيرة من الأمثلة والروايات القائلة بأن مؤسسي الأديان أو رجال الدين الآخرين قد صعدوا إلى السماء بأجسادهم.

وقد حصل شرف نقل الكتاب إلى اللغة العربية للكاتب السوري الأستاذ محمد منير الإدلبي وراجعه ثُلّة من أبناء الجماعة المتضلّعين في اللغة والدين. «التقوى»

المجيء الثاني للمسيح عيسى

إن تطبيق الملاحظات التي قمنا بها إلى هنا يمكن أن تتضح الآن. إن المسألة الحيوية للبقاء والخلاص الإنسانيين اليوم تدور حول الصورة المركزية لعيسى المسيح. ولذلك فإن من الهام والأساسي جدًّا أن نفهم حقيقته.

ماذا كان، وأيّ دور لعب في حالته الأولى كمسيح في المجتمع اليهودي المنحلّ؟ وبأية جدّية يمكننا أن نأخذ الوعد بمجيئه الثاني في الأيام الأخيرة؟

هذه هي الأسئلة الحيوية التي يجب أن نعالجها.

فإذا كانت صورة المسيح غير حقيقية، وكانت مجرد نتاج للخيال البشري، فمن المستحيل تصوّر عودته الثانية.

على أية حال، عيسى لم يكن نتاج خيال. كان إنسانًا حقيقيًّا، وبكونه كذلك فقط، يمكن أن يولد – من جديد – كطفل بشري، لا أن يهبط كالشبح ليعود فيزور البشر الفانين. إن مثل هذه الخيالات لا تمت إلى حقائق الحياة البشرية بصلة؛ والناس الذين يعيشون مع الخرافة والأساطير، يستمرون في عيشهم هذا دون أن يكون  ثمة فرصة لهم – أبدًا – ليعرفوا فيها مخلّصهم، إذا كان قد جاء، أو عندما يجيء.

إذا كان عيسى حقا ابن الله، كما يريدنا المسيحيون أن نعتقد ونؤمن، إذن سيعود بمجد عظيم، واضعًا يديه على أكتاف ملائكة حقيقيين. ولكن إذا كانت تلك مجرد أساطير رومانسية من نسج آمال المسيحيين وطموحاتهم؛ فلن يحدث ذلك أبدًا. لن يرى العالم أبدًا هذا الحدَث الغريب لإله ما هابط من السماء بهيئةٍ بشرية مع جيش من الملائكة تسانده وتنشد له ترانيم التمجيد!

إن هذه الفكرة بحدّ ذاتها مرفوضة مستنكَرة لدى المنطق والضمير البشريين!

إنها أعجب قصة أسطورية إطلاقا تمّ اختراعها في الخيال لتثبيط قدرات الناس! ومن ناحية أخرى، إذا ما كان الفهم الأحمدي لعيسى المسيح مقبولاً، فسوف يحلّ محلّ هذا السيناريو الخيالي سيناريو آخر ليس مقبولاً لدى الفهم البشري فحسب بل سيكون مدعومًا أيضًا بقوة التاريخ الديني للجنس البشري بأكمله. في تلك الحالة فإننا سوف نتوقع مخلِّصًا لا يختلف عن المسيح الأول. سنتوقع إنسانًا متواضعًا يولد من أصل متواضع مثل عيسى المسيح الأول، وأن يبدأ ولايته الدينية بالأسلوب السابق نفسه الذي بدأه شبيهه. سوف ينتمي إلى فئة دينية تشبه اليهود في فلسطين، سواء في أخلاقهم أو ظروفهم. وهم لن يرفضوه ويتبرؤوا منه – بسبب دعواه أنه المصلح الموعود الذي كانوا يتوقعونه كمخلّص لهم من عند الله – فحسب، بل إنهم سيبذلون أيضًا كل ما في طاقتهم وإمكانياتهم لإذلاله وإهانته.

سوف يعيش ثانية حياة المسيح، وسيُعامل بالاحتقار والازدراء والكراهية والغطرسة نفسها. وسوف يُعاني ثانية ليس على أيدي قومه، ولكن على أيدي قوى معادية مشابهة للتي عارضَته سابقًا. وسيعاني أيضًا على أيدي قوة إمبريالية أجنبية متفوقة يكون قد ولِد تحت ظلها ضِمن شعب مستعبد.

كتب (بي دي أوسبينسكي) P.D. Ouspensky – صحفي روسي بارز من أوائل القرن العشرين – حول موضوع عودة المسيح مشاركًا في وجهة النظر هذه تقريبًا فقال:

“إنها ليست أبدًا فكرة جديدة تلك التي تقول إن المسيح إذا ما وُلد على الأرض فيما بعد فإنه لن يكون رأس الكنيسة المسيحية، لا بل ومن المحتمل أيضًا ألا يكون منتميًا إليها مطلقًا، وفي أكثر الفترات إشعاعًا لقوة وقدرة الكنيسة المسيحية سوف يُعلَن بالتأكيد أنه زنديق ويتهمونه بالهرطقة ويُحرق على عمود.

وحتى في أوقاتنا الأكثر استنارة، حين بدأت الكنائس المسيحية بإخفاء ملامح عدائها للمسيحية الحقّة في كل الأحوال – وإن لم تكن قد فقدتها – فإنه سيكون ممكنا عندئذٍ للمسيح أن يعيش دون معاناةِ اضطهاد الكتبة والفريسيين، ربما فقط في مكانٍ ما، في صومعة روسية.” *

هذا هو الأسلوب الحقيقي الوحيد الذي بُعث به جميع رسل الله والمصلحين. وإن أي مفهوم يخالف هذا هو محض هراء فارغ زائف لا معنى له.

يحدث دائمًا في زمنِ تحقّق النبوءات المتعلّقة بمجيء المصلحين السماويين، أن الناس – الذين يُرسَل هؤلاء المصلحون لهدايتهم – يفشلون في معرفتهم.

في تلك الفترة التاريخية يكون الناس قد حَوّلوا صورة مُصلحهم من الحقيقة إلى الخيال. إنهم يبدؤون بتوقّع ظهور كيانٍ خيالي وتحقّقه مادّيًا، في حين أن الذي يحدث هو مجرّد إعادة للتاريخ الديني، كما نراه حادثا دون أي تغيير منذ زمنِ أول مصلح سماوي.

هذه المزاعم كثيرة جدًّا، ومنتشرة بشكل واسع، بحيث تبدو أنها نزعة عالمية تدفع بالناس إلى اختلاق مثل هذه القصص، كي يرفعوا من شأن قادتهم الدينيين ويجعلوا منهم بشرًا خارقين.

كان المصلحون يظهرون دائمًا بمظهر بَشر متواضعين يولدون من أمهاتٍ بَشر، وكان الناس دائمًا يُعاملونهم أثناء حياتهم  على أساس حقيقةِ أنهم بَشر. ثم تبدأ بعد موتهم بزمن طويل عملية الانحراف عن تعاليمهم. وعلى هذا، فإن قبولهم بهدوء وسلاسة أثناء زيارتهم الثانية يكون مستحيلاً.

وعندما يُواجَه مثل هؤلاء المتدينين بحقائق يأتي بها المصلحون السماويون، الذين يظهرون دائمًا كأناس عاديين متواضعين، فإنهم يَرفضونهم تمامًا فورًا وعلنًا. إذ عندما يتوقع المرء ظهور جنّي أو شبح ليتّخذ شكلاً ماديًا أمامه، فكيف له أن يقبل مجيء إنسان بشر عادي بدلاً عنه؟

هذا هو السبب الذي يبّين فشل العالم في معرفة المجيء الثاني للمسيح عيسى الذي قد حدث فعلاً.

ربما هو زعم كبير، ومن المحتمل أكثر أن يرفضه معظم القراء ببساطة. كيف يمكن لعيسى المسيح أن يكون قد جاء ومضى دون أن يلحظ العالم مجيئه حقًا؟ كيف لم يُلاحَظ مجيئه من قِبل العالمَين المسيحي والإسلامي بأجمعهما؟

لقد شهدت الأزمنة الحديثة الكثير من أمثال هؤلاء الأدعياء الذين أحدثوا زوابع مؤقتة في كثير من الفناجين، ولكن أين هم اليوم؟

إنه عصرٌ نجدُ فيه الطوائف تنتشر بسرعة كبزوغ الفطر في بلاد كثيرة، ونسمع عن مزاعم عجيبة غريبة تتكرر بين حين وآخر بأن المسيح قد عاد، أو أنه قد أَرسل المبشِّرين به.

هذا الزعم ربما يكون واحدًا من تلك المزاعم السابقة. ولماذا يضيّع صاحب تفكير جادّ وقته بأدنى تفكّر أو تأمّل في مثل هذا الزعم؟ سوف يَخلق هذا بالتأكيد شكوكًا جادة، ويؤدّي إلى مواجهةِ معضلةٍ ومأزق عميقين.

إننا نرجو القارئ أن يتصور حالةً حين يكون المسيح قد جاء فعلاً. فهل تكون عودته مجرد خيال (فانتازيا)، أو أنه يمكن حقًا أن يعود إلى الأرض في شخصه أو من خلال شخص يقوم بدوره ومهمته؟

هذا سؤال لا بدّ من الإجابة عليه، وتقديم حلّ له، لنتمكن من الإجابة على الشكوك المختلفة المذكورة أعلاه.

هل العالم، مسيحيًا كان أم مسلمًا، هو حقًا في حالةٍ نفسية وذهنية تجعله مستعدًّا ومهيّئًا لقبول المجيء الثاني للمسيح؟ إذا كان الأمر كذلك، فبأي شكل وبأية طريقة؟

عندما يُنظر إلى الأمر من وجهة نظر المسلمين والمسيحيين معًا، فإن عيسى – إذا كان سيعود – سيأتي بمجد عظيم وآيات واضحة هابطًا من السماء في وضح النهار مع ملائكة تسانده بحيث يكون من المستحيل حتى لأكثر الناس شكًّا أن يرفضوه.

ومما يبعث على الحزن أن العالم اليوم لا يريد أن يقبل إلا عيسى الخيالي الذي لم يأت مثله من قبل في جميع مراحل التاريخ البشري. وإذا ما أُخذ التاريخ الديني بشكل جاد، فإن المرء ليجد أعدادًا كبيرة من الأمثلة والروايات القائلة بأن مؤسسي الأديان أو رجال الدين الآخرين قد صعدوا إلى السماء بأجسادهم.

هذه المزاعم كثيرة جدًّا، ومنتشرة بشكل واسع، بحيث تبدو أنها نزعة عالمية تدفع بالناس إلى اختلاق مثل هذه القصص، كي يرفعوا من شأن قادتهم الدينيين ويجعلوا منهم بشرًا خارقين. والسؤال هو كيف يمكننا أن نرفض هذه الروايات المنقولة التي هي مقبولة ومعتقدٌ بها ربما من قِبل بلايين الناس في العالم اليوم؟

المسيحيون المسلمون، الذين يؤمنون بهذه المعتقدات وبأحداثٍ عجيبة غيرها، يُعَدّون أكثر من ألفي مليون. إذًا يمكن للقارئ أن يتساءل: بأي حق يمكن لأي واحد منهم، أو حتى لأي واحد آخر في العالم، أن يرفض جميع هذه المزاعم باعتبارها تخيّلية وغير حقيقية؟

هل يمكن للتاريخ البشري أن يقدِّم مثالاً واحدًا على عودةٍ جسدية لأي شخص إلـى العالم، من الذين روي أنهم قد صعدوا بأجسادهم إلى السماء؟!

لا شك أن فحص المسألة من هذه الزاوية يتطلب وقفة تأملية للتّمكن من رفضِ مثل هذه المزاعم، باعتبار أنها غير مدعومة بالكتب والنصوص الدينية. وحالما يُقاد المرء إلى هذه المتاهة من التفسيرات الممكنة والبديلة، يتضح له أن المسألةَ مسألةُ تفضيلاتٍ واختيارات شخصية فقط. ثم يصبح ذلك لعبة أيّ شخص ليقوم بتفسير الكتب الدينية، أو نصوص التاريخ الديني المنقول بصورة حرفية أو مجازية رمزية.

وإن دخولنا في متاهة هذه الأرض الهشّة من التفاسير المتنازعة المتضاربة، لن يخدم أيّ هدف. وعلى ذلك، فإن ثمة منفذًا واحدًا للخروج من هذه الممارسات الأحادية، وهو أن نشرح ونبيّن الحقائق للقراء ثم نَدَعهم وشأنهم فيقبلوا، أو يرفضوا كما يحلو لهم.

دعونا نقبل جدلاً جميع هذه المزاعم – التي تقول بأن القادة الدينيين قد صعدوا إلى السماء صعودًا مادّيًا – على ظاهرها. فإذا تمّت معالجة مسألة رفعِ عيسى بتفكّر سطحي يؤدّي إلى تفسير مجيئه الثاني بشكلٍ حَرفي ومادّي أيضًا، إذن فليس ثمة سبب يجعلنا نرفض حالات أخرى مشابهة في العالم.

لماذا نستثني حالة النبي إيليا، والملك سالم، والأئمة الاثني عشر لدى طائفة الشيعة في الإسلام، أو صعود آلهة الهندوس أو الرجال المقدسين المشابهين الآخرين وما يسمونهم بتجسيدات إلهية؟!

ولذلك فمن المأمولِ تجنّبُ الدخول في مثل هذه المحاولات العقيمة غير المثمرة مع أولئك الذين يؤمنون بمثل هذه المعتقدات.

يمكن للمرء أن يستعلم من جميع أولئك المؤمنين السذج المصدقين بالخيال، إذا كان بإمكانهم أن يرونا أو يدلونا على حالة واحدة من عودةٍ أو رجوعٍ شخصيٍّ لأولئك الذين يروى أنهم قد اختفوا بالصعود إلى أعالي السماوات!

هل يمكن للتاريخ البشري أن يقدِّم مثالاً واحدًا على عودةٍ جسدية لأي شخص إلى العالم، من الذين روي أنهم قد صعدوا بأجسادهم إلى السماء؟!

أرونا – إن وجد – مثالا واحدا فقط!

وبالنظر إلى عدم تحقق مثل هذه المزاعم بصورة حرفية، فإن المرء يجد نفسه أمام خيارين: إما أن يرفض مثل هذه المزاعم باعتبارها اختلاقًا أو محض خيال؛ أو أن يقبلها فقط على أساس أنها رمزية مثلما فعل عيسى ذاته في مسألة المجيء الثاني للنبي إيليا.

وهكذا يتبيّن جليًّا، أن أولئك الذين ينتظرون نزول المسيح عيسى – بالمعنى الحرفي – من السماء، قد أقاموا حاجزًا بين أنفسهم وبين حقيقة عيسى؛ لأنه إذا جاء ثانية، فإنه سوف يأتي مجرّد بَشر، تمامًا مثل جميع المصلحين السماويين المتوقَّعين الذين سبقوه. وإذا ما ظهر اليوم كشخص عادي متواضع، وُلد في أرضٍ شبيهة بأرض فلسطين وأراده الله أن يقوم بنفس الدور الذي قام به أثناء مجيئه الأول، فهل سيعامله أهل تلك الأرض بغير ما كان قد عومل به من قبل؟

Share via
تابعونا على الفايس بوك