قراءة في تسونامي

قراءة في تسونامي

التحرير

حتى في مِثل كارثة تسونامي – الزلزال البحري الذي ضرب إندونيسيا، سيريلانكا وعدداً من دول جنوب شرق آسيا – تتكرر المشاهد.. غربٌ دجّال وشرقٌ قاسٍ. الغرب ترك تعاليم المسيح المؤكِّدة على الصدق والتسامح، والشرق تأخر في تقديم يد المساعدة للمنكوبين.

منذ أفاق العالم على صدمة تسونامي أخذت حكومات الدول الغربية تتسابق على مساعدة منكوبي هذا الزلزال المدمِّر. وسرعان ما تبرعت حكومة أستراليا ببلايين الدولارات، وتلتها اليابان وألمانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها..

والناظر من بعيد يتساءل: لماذا تأتي مئات الملايين من حكومات العالم المسيحي لتساعد المنكوبين ومعظمهم من المسلمين، بينما لا تأتي من حكومات العالم الإسلامي إلا مساعداتٌ شحيحة! فهل المسيحيون أرحم بالمسلمين من المسلمين بأنفسهم؟

ولكن الناظر من قريب يعرف من هو هذا العالم الرأسمالي الذي يتبرع بمثل هذه المبالغ. إنَّ بعضهم غالباً لا يدفعونها مالاً، بل يدفعونها سلعاً، وملابسَ، وأجرةً للقائمين على توزيع هذه السلع والملابس من الموظفين الأوربيين الذين لا يرضوْن بالقليل من الأجرة. وفي آخر المطاف يتبرعون بقليل من المال.

ويختلف الحال لدى مواطني هذه البلدان حيث إنهم تبرعوا بسخاء عبر منظمات خيرية عديدة ولجمع المزيد من التبرعات أقاموا تظاهرات اجتماعية وثقافية في الأماكن العمومية وعبر وسائل الإعلام. وما من مركز تجاري إلا ظهرت فيه لافتات وصناديق لجمع التبرعات، حتى إنَّ المدارس الابتدائية جمعت الملابس وعلب الأكل التي تبرع بها التلاميذ وآباؤهم. وقد فاقت في بعض الدول الغربية نسبة تبرعات المواطنين تبرعات حكوماتهم!! ولا شك أنَّ هؤلاء المتطوعين قاموا بهذا العمل الخيري شفقة بإخوانهم في الإنسانية ولا يسعنا إلا أن ندعوه عز وجل أن يجزيهم على ذلك خير الجزاء ويهديهم إلى دين الإسلام لما أظهروه من شفقة ورحمة على عباد الله.

أما حكومات الدول العربية والإسلامية فقد اضطرت لجمع بعض التبرعات بعد الانتقادات الحادّة التي وُجِّهت إليها لأنها في البداية وقفت موقف المتفرج على ما يحدث. ولكن أبناء الأمة الإسلامية المقيمين على أرضها وخارجها لم يتأخروا في تقديم يد المساعدات لإخوانهم المنكوبين منذ الوهلة الأولى حيث تبرّع بعضهم بمبالغ فائقة من المال. وقد ازداد شغف عامة الناس بالتبرع حتى إنَّ بعض السيدات اللاتي لم يكن لديهنَّ نقداً مدّخراً تبرعنَّ بِحُلِيهنَّ، كما جاد الفقير قبل الغني بما عنده.

هذا الدين العظيم الذي ظلمه أهلُه أولاً ثم أعداؤه ثانياً. ذلك أنَّ قيام غير المسلمين بالإشراف الكامل على مساعدة المسلمين المنكوبين في دول شرق آسيا وجنوبها يشكّل صدمة لكل مسلم حيّ. فالآيات القرآنية التي تحضّ على إطعام الفقراء وإيواء الأيتام ومساعدة المنكوبين أكثر من أن تُحصر.

ويجدر التنويه هنا إلى أنَّ جماعتنا ليست دولة ولا تملك نفطاً ولا نخلاً لذلك لا يجوز مقارنتها بمن أسلفنا ذكرهم. ولكنها لم تتأخر في تقديم يد المساعدة إلى أقصى حدود إمكانياتها وجمعت التبرعات من أبنائها المخلصين على الصعيد العالمي واختارت أن تقدّم جميع المساعدات لمنظمةٍ خيرية أقامها ثلة من أبنائها المخلصين باسم “Humanity First” “الإنسانية أولاً” حتى تقوم بمساعدة إخوانهم المنكوبين في جميع البلاد المتضررة. علماً أنَّ هذه المنظمة الخيرية تكرّس اهتمامها بالإنسان كإنسان أينما وُجد، بغضّ النظر عن دينه وعن مواقفه السياسية؛ فهي منظمة محايدة تجاه الأديان والسياسات، ولا تسعى إلا إلى مساعدة المنكوبين أينما وُجدوا. وقد اكتسبت سمعة جيدة واحتراماً فائقاً في أوساط المنظمات الخيرية العالمية. حيث إنها لا تسعى لكسب الأموال، وليس لها شركات كي تسعى لاستغلال الكوارث لتسويقها، ولا تعرف الاختلاس والكذب. فقد اتصلت بها في مقرّها بلندن سفارةُ إندونيسيا.. أكبر دولة منكوبة في هذا الزلزال، طالبةً منها تنسيق إيصال المساعدات من الجهات المتبرعة في بريطانيا كلها لضحايا الزلزال. ومما لا شك فيه أنَّ طَلَب السفارة شرفٌ لنا، وقبل ذلك لديننا.. هذا الدين العظيم الذي ظلمه أهلُه أولاً ثم أعداؤه ثانياً. ذلك أنَّ قيام غير المسلمين بالإشراف الكامل على مساعدة المسلمين المنكوبين في دول شرق آسيا وجنوبها يشكّل صدمة لكل مسلم حيّ. فالآيات القرآنية التي تحضّ على إطعام الفقراء وإيواء الأيتام ومساعدة المنكوبين أكثر من أن تُحصر.

ومما لا شك فيه أنَّ كارثة تسونامي أحدثت شرخاً في الإحساس البشري بالأمن والأمان حيث دقّت نواقيس الخطر التي بعثت في الشعوب الإحساس بالضعف والعجز التام أمام ما تخفيه لهم الكوارث الطبيعية. وفي حالة الهلع هذه اجتمعت الشعوب باسم الإنسانية لمساعدة المنكوبين، ولم تشهد الساحة العالمية منذ حقبةٍ زمنية طويلة اجتماعاً مماثلاً للإنسانية جمعاء لإنقاذ وإسعاف منكوبي أكبر كارثةٍ عرفها العصر. وإن دلَّ هذا الأمر على شيء فإنما يدلّ على أنَّ الشعور بالخوف هو الوازع المشترك والركيزة الأساسية للالتفاف الإنسان حول أخيه الإنسان في محنته هذه. ولكن الواقع الذي غاب عن معظم الأذهان هو أنَّ الخوف يجب أن يكون من الله عز وجل خالق الأكوان ومسبّب الأسباب وليس من هول وعظمة الكوارث الطبيعية. ويُعتبر هذا الأمر خللاً في وعي الإنسان بحقائق الأمور، وحبذا لو تفطّن لهذا الأمر وأخذ منه العِبر ووعى أنَّ ما شهدته الإنسانية مؤخراً هو بمثابة تحذير. فحريٌّ بالإنسانية التي تخشى الله عز وجل أن تخاف تحذيراته، ولكنها قد ابتعدت أشواطاً عن الحضرة الأحدية وها هي نواقيس التحذير قد دُقّت فهل من مدَّكر! ورحم الله من قال: بإمكانك أن توقظ النائمين ولكن كيف تُوقظ المستيقظين!!

Share via
تابعونا على الفايس بوك