الافتتاحية

الافتتاحية

التحرير

لقد بعث الله سبحانه وتعالى سيدنا ميرزا غلام أحمد القادياني إماماً مهدياً ومسيحاً موعوداً وحكماً عدلاً، وذلك تحقيقاً لأنباء نبيّنا محمد المصطفى الواردة في أحاديثه. وأسس سيدنا الإمام المهدي الجماعة الإسلامية الأحمدية في مارس 1889م. ولقيت جماعته، شأن كل جماعةٍ يُقيمها الله تعالى، معارضةً شديدة، ولكن الله تعالى كان معه في كل موطن وجعله منتصراً على أعدائه رغم أنوفهم.

وعندما عرف حضرته بإلهامات من الله تعالى بقرب أجله نبّأ أتباعه بذلك ونصحهم بألّا يضيقوا ذرعاً بهذا، لأنّ هذا قدرُ كل حيّ، ولكن الله حيٌّ لا يموت وسوف يتولّاكم وينصركم، وما دام الله قد غرس هذه الغرسة بيده فسوف يرعاها ويُنميّها إلى أن تُصبح دوحةً تأوي إليها الطيور الروحانيّة من كل أنحاء العالَم وتجد الإنسانيّة في ظلها راحتها المنشودة، فيكون إله واحد وكتابٌ واحد ودينٌ واحد ورسولٌ واحد محمد .

وما قاله حضرته في هذه الوصية الشهيرة:

“الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وأصحابه أجمعين. أما بعد فلما تواتر وحيُ الله عز وجل أنَّ موعد وفاتي قد دنا، وقد تواتر هذا الوحي لدرجة هزّت أصول كياني وفترت رغبتي في الحياة لذلك رأيتُ من المناسب تحبيرَ بعض النصائح لأحبابي ولكل من يرغب في الاستفادة من كلامي. وعلى هذا فإنّي أُطلعهم أولاً على ذلك الوحي المقدّس الذي تلقّيته باللسان العربي والذي دفعني إلى هذه الخطوة….. لقد أوحى الله إليَّ: “قَرُبَ أَجَلُكَ الــمُقدَّر. ولا نُبْقِي لكَ مِنَ الــمُخْزِياتِ ذِكراً. قَلَّ مِيعَادُ رَبِّكَ ولا نُبْقي لكَ من الــمُخْزِياتِ شَيْئاً. وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أو نَتَوَفَيَنَّكَ.. تَمُوتُ وأَنَا رَاضٍ مِنْكَ…..”

وأنبأني أنّه سوف يكتب النصر الكامل لجماعتي، بعضه على يدي وبعضه على من بعدي….. إذا أرادَ الله أن يُقيم العالَم على الحقّ ويُزهِق الباطل فإنّه يُرسل رسولاً ويغرس الغرسة على يديه، ويتوفَّاه قبل اكتمال الأثمار، ويُفسح المجال بذلك للمكذّبين ليسخروا ويستهزءوا، ويطعنوا ويُشنِّعوا، وحينما يطفح الكيل يُظهرُ الله يد قدرته الثانية، ويُهيّئ أسباباً توصل الغرسة التي كانت ناقصة النموّ لحدٍّ ما إلى منزلها المقصود.

فالحاصل أنّه تعالى يُبدي قسمين من قدرته، يُري أولّهما على أيدي أنبيائه، ويُري ثانيهما عندما يتوفّى أنبيائه، وتكثر المشاكل، ويشتدُّ عضد الأعداء حتى يظنُّوا أنَّ انتصارهم على الأبواب، ويستيقنوا أنَّ نهاية جماعة الرسول قد دنت، وحتى يستولي التردُّد والحيرة على المؤمنين، وتُقصم ظهورهم، ويرتدُّ بعض الأشقياء.. فحينئذٍ يُظهرُ الله قدرته القوية الثانية ويتعهَّد تلك الجماعة المتداعية. فمن يثبتُ صابراً حتى اللحظة الأخيرة تتجلّى لعينيه معجزة الله هذه، كما حدث في عهد أبي بكرٍ الصدِّيق حين اعتبر الناس وفاة الرسول في غير أوانها، وارتدَّ معظم الأعراب الجُهَّال، وأصبح صحابته كالمجانين من شدّة الحزن. فأقام الله في تلك اللحظات أبا بكرٍ الصدِّيق ، وأرى نموذج القدرة الثانية ونصر الإسلام المتهالك، وأتمَّ وعده الذي قال فيه:

وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (النور: 56).

أي يُثبِّت أقدامهم من خوفهم….

فيا أحبائي، ما دامت هذه هي سنة الله منذ القِدم بأن يُظهر قُدرتين ليحطّم فرحتَين كاذبتين للأعداء، فمن المستحيل الآن أن يُغيّر الله سُنّته الأزليّة. فلا تكتئبوا مما أخبرتكم ولا تضطربوا لأنّه لا بدَّ لكم أن تشاهدوا قدرة الله الثانية. إنّ مجيئها خيرٌ لكم، لأنّها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وما لم أُغادر الدنيا لن تأتي هذه القدرة الثانية… لقد بعثني الله في حُلل قدرته، فأنا قُدرته المتجسِّدة. وسيأتي بعدي آخرون ليكونوا مظاهر قدرته الثانية… وعلى صُلحاء الجماعة من أزكياء النفوس أن يأخذوا من الناس البيعة باسمي من بعدي..” (الخزائن الروحانيّة ج20، الوصية ص 301 إلى 307)

فأقام الله بعد وفاة سيدنا المهدي (مايو 1908) الخلافة الراشدة بحسب ما وعد به، بل بالأحرى بحسب ما نبّأ به سيدنا محمد المصطفى في حديثٍ طويل جاء في آخره: ” … ثم تكون خلافة على منهاج نُبوّةٍ” (مشكاة، كتاب الرقاق)

واستمرارُ الخلافة في جماعته – رغم أعاصير الفتن والعداء سواءً من المشائخ المتعصِّبين أو من أعداء الإسلام – واكتسابُ جماعته انتصاراً بعد انتصار.. لدليلٌ على كونها من الله تعالى وأنّه معها ينصرها إلى أن يتجلّى صدقها للجميع إن شاء الله. (المحرر)

Share via
تابعونا على الفايس بوك