الحجاب.. عادة أم عبادة

الحجاب.. عادة أم عبادة

التحرير

    • اصدار بعض الدول الغربية قانون بمنع ارتداء المسلمات للحجاب أحدث ضجة في الأوساط الدينية والإعلامية.
    • ولا شك أن شريحة كبيرة من السيدات المسلميات يرتدين الحجاب كعبادة وليس عادة.

__

يُثار في الساحة العالمية بين فينة وأخرى موضوع الحجاب الإسلامي، الأمر الذي يستقطب اهتمام وسائل الإعلام لمناقشة جوانبه ودواعيه ومشروعيته فتُعد برامج وندوات تلوح تارة بمشكك فيه وأخرى بطاعن. وإن المشاهد لهذه الحملات يدرك مدى تأثير هذه المواضيع التي لم يكن القصد منها سوى تسجيل موقف على حساب تعاليم الدين الحنيف الذي أكرم المرأة وصان كرامتها وعفّتها بما يصونها من شرور المُهْلِكَات من ذوي القلوب المريضة الذين يستبيحون الحرمات والأعراض.

ولعل في ثقافة المجتمعات الغربية صورة حية ومثال واضح لهذه المهلكات حيث يُنظر للمرأة كمادة للإثارة والدعاية والتسويق وأداة لإشباع الغرائز. فبالرغم من أنها قد ارتقت ماديا وعلميا وتتمتع بحقوق مدنية إلا أنها لم تتطور روحانيا بما يساعدها على التخلص من الأدناس والأرجاس التي ما فتئت تُلوث منظومتهم الاجتماعية وهذا من أخطر العلل وأعظم الزلات. ولم يخفَ عن النبي وصف حال المرأة في هذه الأزمنة الأخيرة حيث قال: “صنفان من أهل النار لم أرهما. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات، مميلات، مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.” (صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة)

والمقصود من نساء كاسيات عاريات جَلِيٌّ كالشمس أي أنهن سيكسُنّ ويغطين أجسادهن جزئيا ولكنهن يظهرن عاريات رغم كسوتهن. ولا يخفى على أحد ما ابتدع من فنون الملبوسات وعروض الأزياء التي يطلق عليها “الموضة” نوازع قوم مالوا إلى إظهار المفاتن وتحفيز السفور ونشره بين النساء في كل الأمم والشعوب والثقافات. فإن كان اللباس في أصله وحقيقته ستر الجسد والعورة على مرِّ التاريخ الإنساني إلا أنه في عصرنا قد تجرد عن هذا الأصل والمقصد إلى ما يناقضه.

فلما علم القوم أن الحجاب في تعاليم الإسلام يضمن للمرأة المسلمة علياءها وتقواها ويؤكد إيمانها وإخلاصها لربها شهروا عليها أقلاما شرسة وحرضوا أهل التمكين والساسة. وإن المتابع لساحة الأحداث يجد على سبيل المثال دولة كفرنسا التي تحمل شعار الحرية والأخوة والمساواة تنوي سن قانون يمنع السيدات المسلمات من حقهن في ارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية والعامة وجعلوا هذه المسألة على هرم برنامجهم الانتخابي بل وتعالت تصريحات كبار ساستها تحيزا وشططا همزا ولمزا في أمر يخص المرأة المسلمة واعتبار تعليم القرآن تعليما رجعيا يحتقر المرأة على حد زعمهم. ويتذرعون أنه من الرموز الدينية التي يجب عدم إبرازها في الأماكن ذات الصلة بالمؤسسات العامة باعتبارها تتنافى والقوانين العلمانية التي تأسست عليها الدولة. ولا يكاد المتابع للأحداث يستفيق من هول الصدمة حتى تلحقه أخرى بما صدر من أحد المؤسسات الإسلامية العريقة في البلاد العربية التي ألبست الحق بالباطل فارتضت لنفسها التكتم بمعرفتها وعلمها الديني وألجمت نفسها بلجام من نار ليصفو هاجِسُ أسيادها فعدَلتْ عن الطريق القويم والصراط المستقيم الذي كان عليها أن تصدع به وتتمسك به، لكن للأسف فقد اختارت أن يكون صوتها عُجْمَةً بلسان غيرها استرضاء وموالاة، مبررة موقفها أن هذا الأمر راجع لفرنسا وحدها في تقرير مصير رعاياها. في حين أننا نجد في دول مجاورة لفرنسا كبريطانيا شخصيات عديدة منصفة لها من المواقف السديدة التي تقف سدًّا في وجه الغلاة العلمانيين المتطرفين منبهين إياهم أنه لو سمحنا بمنع الحجاب اليوم فهذا يعني أننا سنحرم غدا السيخي من عمامته ثم القسيس من ارتداء الصليب على صدره.

ولم تكن  فرنسا السباقة في هذا المضمار بل إننا سمعنا الكثير عن ما تشنه إحدى الدول الإسلامية في شمال أفريقيا من ويلات على المتحجبات رغم أنها لم تسن قانونا من أجل ذلك. ولكن حملاتها العنيفة هي بمثابة حرب باردة، ولعل إفراطها في محاربته يكون خضوعا لإملاءات الغير، إذ ما الداعي لكل هذا الإفراط في ردة الفعل هذه ضد الحجاب؟ ونرى أن ذلك تجاوز على حق من حقوق الإنسان في الاعتقاد والممارسة الدينية. ونحن لا ننكر أن الحجاب قد تم استغلاله استغلالا فاحشا عن طريق حركات دينية سياسية أصولية متعطشة إلى السلطة، للترويج لبرنامجها وفكرها المتعصب الذي يُوحي بالعدد الكبير للمنخرطين في تنظيماتها الحزبية أو حركاتها السرية المسلحة الملطخة بدماء الأبرياء، بما يجعل الأجهزة الأمنية تتوجس من تلك الحركات لمسلكها المريب فتسعى للتدخل في شأن الحياة الاجتماعية للأسر الملتزمة التي ترتدي فيه الأم أو الأخت الحجاب امتثالا لأمر الله لتسد الطريق أمام خطر داهم يخترق المجتمع ويهدد كيان الوطن والمواطن.. فلولا أن قطعة القماش البيضاء الصغيرة التي يخيط منها أصحاب فكر التكفير والتفجير الحجاب تركوها لمن يصنع منها علما أبيضا يلوح في أفق الشارع الإسلامي لإبراز سلم الدين الحنيف على الملأ، لاتضح الأمر لكل من هبَّ ودبَّ. ولكن ولسوء الحظ أصبحت قطعة القماش هذه دلالة على الإرهاب الذي نُسب ظلما وعدوانا للدين الإسلامي. ففي خِضم هذه الحملة مهما قدمنا من أدلة وبراهين لن نتمكن من إثبات أن الحجاب عبادة لا عادة ما لم يبرئه من يرتديه من نجس الإرهاب، سلّم الله منه العالم أجمع.

ولعله من المغالطات السائدة عن الحجاب أنه يُنظر إليه باعتباره من العادات الإسلامية لا باعتباره عبادة، كما اقتصرت نظرة كثير من الناس عن إدراك فلسفته ومقاصده ظاهرا فحسب دون أن يدركوا أن الشريعة زُينت بمقاصده الروحية لإصلاح النفس. فقد بينت الجماعة الإسلامية الأحمدية معناه في ضوء تعاليم القرآن والسنة وأقوال المسيح الموعود وخلفائه الأطهار. ولسنا هنا في معرض التأصيل للحجاب بقدر ما يهمنا بيان مقاصده الباطنة أو الروحية التي هي الحجاب الروحي قبل الحجاب الخارجي والذي لا غنى لأحدهما عن الآخر بحال من الأحوال. كما نود التأكيد أن الحجاب الباطني فُرض على كل مسلم ومسلمة ذَكرا كان أو أنثى بدليل ما أمر الله به كلا الجنسين مؤمنين ومؤمنات بغض البصر صيانة للنفس وتطهيرا للقلب كأول مدخل للحديث عن الحجاب الظاهري التعبدي المخصوص بالنساء.

إن الجماعة الإسلامية الأحمدية تتمسك بالحجاب الإسلامي بتأصيله الصحيح ومغزاه الظاهري والباطني عقيدة ومسلكا وتجدون بين طيات أقوال سيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي وخلفائه الأطهار ما يُبين أهميته وضرورته وحقيقته، وفقنا الله تعالى للحفاظ على قيمنا في هذا الزمن وحمانا من الإنجراف وراء الدجال وأفكاره الزائفة حول حرية المرأة ولنقتدي بما قامت به نساء النبي الكريم . وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك