القرآن الكريم يبرئ ساحة يوسف الصديق من  أي تقصير
    • قبول سيدنا يوسف عليه السلام أن يلقى في السجن عوضا أن يستجيب لدعوة الفاحشة.
    • إيمان يوسف عليه السلام اليقيني بأن الله  على نصرته بعكس عديمي الايمان.
__
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ   (يوسف: 34)

شرح الكلمات:

أصبُ: صبا يصبو صَبْوًا وصُبُوّاً وصِبًا وصِباءً: مال إلى الصبوة أي جَهْلِ الفتوةِ، ومنه أن نفسه تصبو إلى الخير، وهو يصبو إلى معالي الأمور. صبا إليه صَبوَةً وصُبْوَةً وصُـبُوّاً: حنّ إليه (الأقرب).

الجاهلين: الجهلُ على ثلاثة أضربٍ: الأول: وهو خلو النفس من العلم؛ والثاني: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه؛ والثالث: فعلُ الشيء بخلاف ما حقُّه أن يُفعل (المفردات).

التفسـير:

لقد أكد الله في الآية السابقة براءة يوسف بلسان امرأة العزيز، وهنا  أكدها بلسان يوسف نفسه وهو يبتهل إلى ربه قائلاً: يا ربِّ إن لم تردَّ عني مكرهن فسوف أميل إليهن. مما يعني أنه لم يكن قد مال إليهن من قبل هذا، ناهيك أن يرتكب الفاحشة معها. أوليس غريبًا أن المرأة نفسها تعلن أنه لم يمل إليها، كما يؤكد ذلك يوسف بلسانه أيضًا، ثم إن النسوة اللاتي رأينه شهدْنَ أن صدور المعصية من مثل هذا الملَك الكريم أمر مستحيل، ويأتي المفسرون بعد الحادث بآلاف السنين لكي يعلنوا أن يوسف كان قد مال إلى ارتكاب الفاحـشة أولاً، ولكـنه تنبه فيـما بعد وتـاب!

وأرى أن المراد من الآيات المذكورة هنا هو الفضيحة المتزايدة التي تعرضت لها امرأة العزيز .. فرأوا من الأنسب أن يسجنوه ليتوهم الناس أن يوسف هو الجاني وأن امرأة العزيز بريئة، وذلك محاولةً منهم لاستعادة ما فقدته هذه المرأة من عزة واحترام.

لقد ذكرنا إلى الآن عديدًا من المشابهات بين سيدنا يوسف والرسول الكريم عليهما السلام، ولكن هذه الآية توضح الفارق بين النبيين الكريمين، وتبين فضل النبي وعظمته . ذلك أن سيدنا يوسف يستغيث الله تعالى بأن ينقذه من تلك المصيبة بإلقائه في المصيبة الأخرى، ولكن من سنة الرسول الكريم محمد أنه كان يسأل ربه العافية والخير دائماً، لأنه عزّ وجل قادر على ردّ المصيبة بإعطاء النعمة.

فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (يوسف: 35)

 شرح الكلمـات:

استجاب: استجاب الله فلاناً وله ومنه: قبِل دعاءه وقضى حاجته (الأقرب).

التفسـير:

أي أن الله تعالى خيّب آمالهن الشريرة في يوسف وجعلهن يَيْأسْن منه، كما زاد قلبه قوة وثباتًا.

ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْـدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُـنُنَّهُ حَـتَّى حِين (يوسف: 36)

شرح الكلمـات:

بَدا: بدا له في الأمر: نشأ له فيه رأيٌ (الأقرب).

التفسـير:

لم يكن دخوله السجن استجابة لدعائه، لأن الدعاء لدخول السجن لم يكن حلاً حقيقياً لما هو فيه، وقد ذكرت الآية السابقة أن الله تعالى صرفَ عنه كيدهن استجابة لدعائه. لا شك أن يوسف كان قد دعا ربّه أن يُدخله السجن، ولكن الله تعالى استجاب لدعائه بأن دفع بَلاءَه بطريق آخر أفضل دون أن يُدخله السجن. ثم إنه بعد مرورِ فترةٍ من الزمن طرأت ظروف مختلفة أدت إلى دخوله السجن، كما يصرح الله تعالى: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليَسجُنُنَّه حتى حين . وأرى أن المراد من الآيات المذكورة هنا هو الفضيحة المتزايدة التي تعرضت لها امرأة العزيز.. فرأوا من الأنسب أن يسجنوه ليتوهم الناس أن يوسف هو الجاني وأن امرأة العزيز بريئة، وذلك محاولةً منهم لاستعادة ما فقدته هذه المرأة من عزة واحترام.

تقول التوراة بأن العزيز سجن سيدنا يوسف أول ما نشب الخصام (التكوين 39: 19). ولكن القرآن الكريم يعارض التوراة في زعمها هذا ويرى أنه سُجن فيما بعد. وكما سبق أن بينتُ فإن بيان التوراة مرفوض حتى بناءً على ما ورد فيها في أماكن اُخرى، فمثلاً قد جاء فيها: “فسخط فرعون على خَصِيَّيه رئيسِ السقاة ورئيسِ الخبّازين، فوضعهما في حبس بيت رئيسِ الشُّرَط في بيتِ السجن المكانِ الذي كان يوسف محبوسًا فيه. فأقام رئيس الشرط يوسفَ عندهما”. (التكوين40: 2-4). فثبت جليًا أن العزيز كان يرى يوسف صادقًا في قوله حول الحادث، وأنه لم يسجنه في بداية الأمر، وإنما اضطر لسجنه فيما بعد لبعض المصالح الأخرى.

وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (يوسف: 37).

شرح الكلمـات:

أعصِرُ خمرًا: عصرَ العنبَ ونحوهُ يعصرُ عصرًا: استخرجَ ماءه. عصَرَ الثوبَ: استخرجَ ماءه بِلَيِّه. وعصرَ الدمّل: استخرجَ مِدّته.عصر الركضُ الفرسَ: عرّقه. عصر الشيءَ عنه: منعه. وعصر فلانًا: أعطاه العطيةَ. عصره: حبسه (الأقرب).

التفسـير:

قوله تعالى ودخل معه السجن فتيان لا يعني بالضرورة أنهما دخلا السجن في نفس اليوم أو الوقت الذي دخل فيه يوسف. نعم، لا بدّ أن يكونا قد أُسكنا في السجن في المكان الذي كان يسكنه يوسف . وهذا ما تؤكده التوراة أيضًا، حيث جاء فيها: فسخط فرعون على خصيّيه رئيس السقاة ورئيس الخبازين؛ فوضعهما في حبس بيت رئيس الشرط في بيتِ السجن، المكانِ الذي كان يوسف محبوسًا فيه. فأقام رئيس الشرط يوسف عندهما(التكوين40: 2).

وحُلم الفتيين هذا موجود في سفر (التكوين 40) بتفصيل أكثر ولكن المعنى واحد. والحق أن سؤالهما سيدَنا يوسف عن تأويل الحلم إنما يدل على أنه كان شهيرًا بين أهل السجن بحسن سيرته وعظيم صلاحه، وإلاّ لما سَألَهُ الناس عن تفسير الأحلام إذا كان من ذوي الصلاح العادي. ثم إن الفَتَيين أيضا يعترفان بعظيم صلاحه قائلين: إنا نراك من المحسنين .

قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِالله وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ   (يوسف: 38)

شرح الكلمـات:

نبـّأتكما: نبـّأه الخبر وبالخبر: خبّره، ويقال: نبأت زيدًا أمرًا منطلقًا أي أعلمته. النبأ: الخبر. وقال في الكليات: النبأ والأنباء لم يرد في القرآن إلا لما له وقعٌ وشأنٌ عظيم (الأقرب).

التفسـير:

لقد لفت سيدنا يوسف انتباه الفتيين إلى نفسه بطريقة بارعة.كان يخاف أن يتضايقا من تبليغه فلذا طمأنهما أولاً بأنني لن آخذ من وقتكما كثيرًا، بل سوف أقضي حاجتكما قبل أن يأتيكما الطعام. ويبدو من ذلك أنهم في القديم أيضًا كانوا يمنحون السجناء قبل موعد الطعام فسحة يروّحون فيها عن أنفسهم ويتجاذبون أَطراف الحديث كما هي العادة الشائعة في هذا العصر.

المماثلة الثانية عشرة: هنا أيضًا نجد تشابهًا بين سيدنا يوسف وبين نبينا المصطفى عليهما السلام، إذ إن سيدنا يوسف -كما يبدو- كان لا يجد فرصةً  لدعوتهما إلى الله فلذا وَجَدَ في سؤالهما إيّاه فرصةً سانحةً للتبليغ مدركاً أنهما لا بد أن يصغيا إلى حديثه  انتظاراً لسماع تأويل الأحلام.

هكذا كان يفعل رسولنا الكريم   ، ففي بداية دعوته عندما أراد تبليغ الرسالة ولم يسمعه أعيان مكة. دعاهم لمأدبة طعامٍ، وبعد أن فرغوا من الطعام أراد دعوتهم إلى الإسلام، ولكنهم لم يستمعوا له، وخرجوا من عنده. فأقام لهم مأدبة أخرى، ولكنه في هذه المرة أخذ حيطته وشرح لهم دعواه قبل إحضار الطعام، فاضطروا للإصغاء إليه وهم في انتظار الطعام.

فهذه الآية تبين لنا سنة أنبياء الله عليهم السلام في مجال تبليغ الدعوة، وعلينا أن نتأسّى بها دائمًا في وعظنا حتى نتمكن من قول ما نريد من حيث لا نثقل على الناس.

وبقوله ذلكما مما علّمني ربي برهن على أن ما اتبعه هو الدين الحق، لأن الدين الحق هو ما يؤتي ثماره في كل حين ويوصل الإنسان بخالقه عزّ وجل.

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بالله مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ الله عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (يوسف: 39)

التفسـير:

أي أن الدين الذي اتبعه قد ساعد الناس دوماً على الوصال بالله تعالى، وأنه لَفضلٌ كبير من الله علينا أنه مهَّد هذا الطريق للعباد لكي يصلوا إليه، ولكن المؤسف أنهم لا يقدِّرون هذه المنة الإلهية حق قدرها.

ووضح بقوله  ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس أن النبوة لا تمثل نعمة لمن يتشرف بها فحسب، بل أنها إنعام إلهي على المؤمنين جميعًا، إذ ينتفعون من هذا المعين السماوي على قدر مراتبهم وجهودهم، كما أن الكفار أيضًا ينتفعون به رغم رفضهم للنبي، إذ يبدأون في رفض العديد مما لديـهم من عـقائد فاسدة وأفـكار ضالة تأَثرًا بتعـاليمه.

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الْوَاحِدُ الْقَهَّار (يوسف: 40)

 شرح الكلمـات:

القهّارُ: قهرَه قهرًا: غلبه فهو قاهر. وتقول أخذتُهم قهرًا أي من غير رضاهم. القهّار فعّال للمبالغة وهواسم من الأسماء الحسنى (الأقرب).

التفسـير:

يقول سيدنا يوسف إن أهل الدنيا ينتصرون على الآخرين بكثرة الأعوان والمساعدين، ولكن ربي ذو شأن عجيب، فإنه واحد أحد ومع ذلك غالب يقهر الجميع.

إن هذا التركيز الشديد من يوسف على هذه الصفات الإلهية لدليل على كماله الروحاني، مما يجدد إيمان المرء ويزيده.

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ الله بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لله أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ   (يوسف: 41)

 شرح الكلمـات:

القيّم: دينًا قـيّمًا أي ثابتًا مقوِّما لأمور معاشهم ومعادهم (المفردات). القيِّم على الأمر: متولّيه. القـيّمة: الديانة المستقيمة (الأقرب).

التفسـير:

يقول سيدنا يوسف : ما الفائدة من عبادة أشياء لا دليل على وجودها، بل هي أسماء اخترعتموها من عند أنفسكم، لايقوم على وجودها أي برهان ولا يصحبها من الله تعالى أي تأييد.

لقد أشار بذلك إلى مبدأ هام للغاية وهو: أن من يبعثه الله تعالى نبـيًّا لابدَّ أن يأتي مصحوبًا ببرهان وتأييد من عنده تعالى. والواقع أن أهل الأديان المختلفة يختصمون فيما بينهم عبثًا. عليهم أن يلتفتوا إلى هذا المقياس اليقيني لمعرفة الصادق  ويروا ما هو الدليل الذي أتى به هذا المدّعي من عند الله. ذلك أن العقل لا يستسيغ أبداً أن يرتكز الدين الحق على الأدلة العقلية فقط من غير أي تأييد سماوي. كلا، بل إن الذي يأتي من السماء لا بدّ أن يأتي مصحوبًا بأدلة سماوية أيضًا.

وقد بين بقوله: (ذلك الدين القيّم) أن الدين الحق إنما هو ما يسدّ للإنسان حاجات المعاش والمعاد معًا ويقدم تعليمًا يُصلح حالتيه الروحانية والجسمانية.

كما أشار بـ“ذلك” إلى أنه لن يحقق هذه الأهداف إلاّ ذلك الدين الذي ينقذ الناس من الوثنية والشرك. وهذه حقيقة عظيمة للغاية، ولا جرم أن الشرك عقبة كأداء تعترض سبيل رقي الإنسان، إذ كيف يمكن لقوم يعبدون شتى عناصر الكون كالنار والهواء والجبال وغيرها أن يهبّوا لتحطيمها وتسخيرها لخدمتهم وتطورهم. إنما ينتفع من النواميس الطبيعية من يؤمن بأن كل ما في الكون هو من صنع الله تعالى خَلَقَه لنفع الإنسانية.

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (يوسف: 42)

شرح الكلمـات:

فيُصلب: صلَبه أي القاتلَ كضَرَبَه صلبًا: جعلهُ مصلوبًا. وفي لسان العرب: الصلبُ هذه القتلة المعروفة وأصله من الصليب وهو الودكُ. صَلَبَ اللحمَ: شواه فأساله أي الودكَ منه. صَلَبَ العظام: جمعها وطبخها واستخرج ودكها ليؤتدَم به. والصليب: الودك. وفي الصحاح: (الصليب) هو ودكُ العظام، وبه سُمّي المصلوب لما يسيل من ودكه، والصُلب- هذه القِتلة المعروفة- مشتق من ذلك، لأن ودكه وصديده يسيل (تاج العروس).

 التفسـير:

هنا ينشأ سؤال يقول: كان سيدنا يوسف مجرد معبّر للرؤيا، فكيف ادّعى بأنه قد حُسم الأمر الذي تسألانّي عنه؟ والجواب: إن للتفسير أيضاً علاقة وثيقة بما سيتحقق ويحدث نتيجة الحلم. والواقع أنه لا يكون للرؤيا أهمية كبيرة قبل أن يقصها صاحبها. أما إذا حُكِيَت فعُبِّرت فإن الله تعالى يغار لها ويحققها كما عُبِّرت في معظم الأحيان. ولذلك قال الصوفية، بل وقد أشار الحديث النبوي الشريف إلى أن الرؤيا المنذرة يجب على الأنسان أن يتجنب عن ذكرها للآخرين (البخاري، التعبير).  ولذلك نجد أن السجينَيْن لما ذَكَرا حلميهما، أخبرهما يوسف بتعبيرهما مؤكداً أن الحلمين سوفَ يتحققان حتمًا.

وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (يوسف: 43)

شرح الكلمـات:

بضع: البضعُ ما بين الثلاث إلى التسعِ (الأقرب).

التفسـير:

التمس يوسف من الفتى الذي أيقن بنجاته من العقاب أن يذكره عند الملك عندما يرجع إليه ويخبره أن يوسف مودع في السجن دونما ذنب. ولكن الفتى نسيَ التماس يوسف ولم يذكره عند الملك، وذلك لانشغاله بمشاغله الشريرة حيث كان يَسْقي الخمر للناس في البلاط.

كان يخاف أن يتضايقا من تبليغه فلذا طمأنهما أولاً بأنني لن آخذ من وقتكما كثيرًا، بل سوف أقضي حاجتكما قبل أن يأتيكما الطعام. ويبدو من ذلك أنهم في القديم أيضًا كانوا يمنحون السجناء قبل موعد الطعام فسحة يروّحون فيها عن أنفسهم ويتجاذبون أَطراف الحديث كما هي العادة الشائعة في هذا العصر.

لقد فسّر البعض قوله تعالى فأنساه الشيطان ذكر ربه بأن الشيطان أنسى يوسف أن يذكر ربّه أي أن يقول: إن شاء الله. والحق أنه لم يكن هناك من داعٍ ليقول يوسف: إن شاء الله، كما لم يحدث منه هذا التقصير. بل قد جاءت كلمة (رب) في قوله: “ذكر ربه” بمعنى الملك كما جاءت أيضاً في قوله:(عند ربك). فلا داعي لأخذ كلمة (رب) هنا بمعنى الرب ، لنستدل بذلك أَنَّ يوسف تغافل عن ذكر الله ، بل المعنى الواضح البسيط هو أن هذا الفتى الناجي من السجن أنساه الشيطان ذكر يوسف عند سيده، أي الملك، بمعنى أنه بسبب الأعمال الشيطانية مثل شرب الخمر وتوزيعها زال عن الفتى التأثيرُ الطيب الذي تركته فيه صُحبةُ يوسف ، فلم يفـكر في يـوسـف ولم يـذكـره عـند الملـك كـما وصّـاه بـذلـك.

فبالرغم من هذا المعنى الواضح للآية، الذي يبرئُ ساحة يوسف من مثل هذا التقصير، لا داعي أن نأخذ بأي معنىً آخر يسيء إليه .

وقد استخدم كلمة (ظنَّ) في قوله تعالى وقال للذي ظنّ أنه ناجٍ لأن رؤيا الإنسان الذي ليس نبيّـاً مهما كانت تحمل طابع اليقين إلاّ أنها لا تخلو من شائبة الشك، فلذلك يعبَّر عنها بالظن. إنما هم الأنبياء فقط الذين  يستطيع الإنسان أن يحلف عن وحيهم أنه حق وصدق. وهذا أحد الفروق الهامة بين وحي الأنبياء وغيرهم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك