العنف ضد الأطفال
  • العنف بأشكاله كافة ينتقل عبر الأجيال.
  • أصعب عنف هو تعنيف الأطفال وتعذيبهم وكسر شوكتهم.

__

تعريف العنف

إن العنف مشكلة معقدة ومنتشرة بشكل واسع، وتعريفه ليس أمرًا علميًا محضًا بقدر ما هو اجتهادي. فعرفه البعض بأنه الاستخدام غير الشرعي للقوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين.  ويعرفه عدد من علماء السلوك بأنه نمط من أنماط السلوك الذي ينبع عن حالة إحباط مصحوب بعلامات التوتر ويتضمن نية سيئة لإلحاق أذىً مادي أومعنوي بكائن حي أو ما ينوب عنه.

العنف ظاهرة عالمية

يهدد العنف حياة الكثير من الناس في العالم، كما يؤثر فينا جميعًا بصورة أو بأخرى. لا يوجد بلد ولا مجتمع لم يتأثر بالعنف، وإن صور العنف وقصصه قد عمت مختلف الأوساط، لقد أصبح العنف بلاء عالميا يمزق المجتمعات ويهدد حياتنا وصحتنا وسعادتنا جميعاً. وبسبب انتشاره الواسع، كثيراً ما ينظر للعنف أنه جزء لا يتجزأ من الحالة الإنسانية أو أنه حقيقة حياتية يمكن مواجهتها ولا يمكن توقّيها.

لقد انقضى القرن العشرون مخلفًا وراءه موروثاً هائلاً من الدمار والخراب لم تشهده البشرية من قبل، فقد قضى نحو 60 إلى 70 مليون تقريباً حياتهم في الحرب العالمية الثانية وأكثر من نصفهم من المدنيين، وهناك موروث آخر أقل وضوحا ولكنه الأكثر انتشارًا إنه موروث المعاناة الفردية التي تزداد يوماً بعد يوم. إنها آلام الأطفال الذين يعتدى عليهم من قبل من يجب عليه حمايتهم، والنسوة اللاتي يؤذَيْـن بعنف أزواجهن أو قرنائهن. والشيوخ الذين يُعَقُّون من قبل أولادهم…

يقول نيلسون مانديـلا: “إن هذه المعاناة موروث يجدد نفسه، حيث تتعلم الأجيال اللاحقة من عنف الأجيال السابقة، وحيث تتعلم الضحايا من الجناة… نحن نريد لأطفالنا – وهم الأكثر تأثرا بالعنف في أي مجتمع – حياة خالية من العنف والخوف. ولتحقيق ذلك يجب علينا أن نحدد جذور العنف ونتصدى لها، عندئذ فقط يمكننا أن نحول عبء القرن الماضي من ميراث مدمر إلى درس فيه عبرة وعظة”

لكن لا يبدو أن البشرية قد أخذت ما يكفي من العبر من أخطاء القرن الماضي، فقد أظهر تقرير لمنظمة الصحة العالمية عام 2002 أن عدد الذين فقدوا حياتهم بسبب العنف في عام 2000 وحده تجاوز ستة ملايين نسمة. ثلثهم بالقتل وخمسـهم بالأعمال العسكـريـة الحربية، هذا فضلاً عـن الأذيـات والخــراب الواسـع  الذي يصعب تقـديره.

أشكال العنف

يقسم العنف بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية إلى ثلاث فئات واسعة بحسب من يقوم به: العنف الموجه للذات والعنف بين الأشخاص والعنف الجماعي. ويقسم كل من هذه الأصناف الثلاثة الواسعة إلى زمر أصغر، فالعنف الموجه للذات يتضمن السلوك الانتحاري وإيذاء الذات كالتشويه والبتر. والعنف بين الأشخاص يقسم إلى مجموعتين:

العنف العائلي وعنف القرناء الحميمين، ويحدث في البيت عادة. ومن أمثلته الاعتداء على الأطفال.

والعنف المجتمعي: ويحدث خارج المنـزل عمومًا. مثل عنـف العصابات والاغتـصاب الجنسي وغيرها من أشكال العنف ضمن المؤسسات كالمدارس ومواطن العمل والسجون …

أما العنف الجماعي فهو الذي يقوم به أناس ينتمون لزمرة معينة ضد زمرة أخرى لتحقيق أغراض سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية: كالأعمال العسكرية والقتل الجماعي والإرهـاب والعنـف المنظم..

وسنركز في هذه المقالة على الاعتـداء على الأطـفال:

ما هو الاعتداء على الطفل

يعرف الاعتداء على الطفل بأنه أي فعل، أو امتناع عن فعل، يعرض حياة الطفل وأمنه وسلامته وصحته الجسدية والجنسية والعقلية والنفسية للخطر – كالقتل، والشروع في القتل، والإيذاء، والإهمال وكافـة الاعتـداءات الجنسية.

والطفل، حسب تعريف الأمم المتحدة، هو كل إنسان دون الثامنة عشرة من عمره، ما لم ينص قانون دولة ما على اعتباره ناضجاً قبل بلوغ هذا السن.

خلفية تاريخية

لقد مورس الاعتداء على الأطفال منذ أزمنة سحيقة، إلا أنه لم يحصل على تسمية معترف بها رسمياً إلا مؤخرًا. ومن أمثلة ذلك صدور قانون فرنسي في القرن السابع عشر يسمح للأب بقتل أولاده مما يدل على أن الطفل لم يكن موضوعاً ذا أهمية خاصة. إن إباحة القتل كانت تتعلق بالأطفال الشاذين أو المعاقين أو كثيري الصراخ، كما كانت ظاهرة بيع الأطفال للأغنياء مقابل الحصول على ثمنهم منتشرة، وكذلك ظاهرة استغلال الأطفال في العمل. كما كانت عادة وأد البنات ممارسة في جزيرة العرب قبل الإسلام.

لقد أحدث الإسلام ثورة عظيمة في القيم الأخلاقية والعلاقـات الأسـرية والاجتماعية، إلا أن محاولة التغيير في وضع الأطفال في العصور المتأخرة تعود إلى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. فقد سنت الحكومة البريطانية عام 1872 قانوناً بهذا الشأن، ويظهر أوضح إنجاز عام 1899 عندما استطاع الاتحاد النسوي لسيدات ولاية الينوي الأمريكية الحصول على موافقة الحكومة المحلية في إنشاء محكمة خاصة بالأحداث. وفي عام 1964 بدأ طبيب أمريكي مختص بالأشعة يدعى “كافيه” بالتحدث عن الإساءة الجسدية للأطفال من خلال وصف حالات من نزيف دماغي وكسور عظام كان يقوم بتصويرها أثناء عمله.

ويعتبر سنُّ القوانين الخاصة بذلك تحققاً لنبوءة قرآنية تتعلق بالزمن الأخير كما يقول المصلح الموعود رضي الله عنه في تفسير آية وإذا الموءودة سئلـت… “وككل النبوءات الأخرى الواردة في هذه السورة قد تحققت هذه النبوءة أيضاً في هذا العصر، حيث أخبر الله تعالى هنا أنه سيأتي زمان يتم فيه الحظر على وأد البنات بسـن القانون، وسيعاقب الوائد بموجبه”.

إن الأطفال الذي يتعرضون للاعتداء يكبرون بعواقب سيئة لا بد أن تؤثر سلباً على محيطهم، فتكاد كل ضحية له تنقله إلى ضحية أخرى. والأطفال الذين يتعرضون للاعتداء في صغرهم أقرب لممارسة هذا السلوك الشائن ضد أطفالهم الذين هم بدورهم يحملون آثار هذا الداء العضال في بواطنهم فيصبّون جـامه، إذا كبروا، على صغارهم.. . ليمتلئ المجتمع بأسقام السلبـية والتـشـاؤم  والغضب والعنف والجريمة والمخدرات والمـرض. وهكذا تستمر المعضلة في حلقة مفرغة لا بد من كسر طوقها.

وغالباً ما تكون آثار الاعتداء على الضحايا مدمّرة ومزمنة. وليس من السهل قياس معدّل الاعتداء على الأطفال في المجتمع لأنه مع الأسف أقل أنواع العنف ظهورًا وعرضة للاحتجاج.

هناك أربعة أنواع رئيسية للاعتداء على الأطفال: الاعتداء الجسدي، الاعتداء الجنسي، الاعتداء العاطفي والإهمال.

سنتناول منها الاعتداء الجسدي فقط.

ما هـو الاعـتداء الجسدي؟

يشير الاعتداء أو سوء المعاملة الجسدية عامةً إلى الأذى الجسدي الذي يلحق بالطفل على يد أحد والديه أو ذويه.  وهو لا ينجم بالضرورة عن رغبة متعمدة في إلحاق الأذى بالطفل، بل إنه في معظم الحالات ناتج عن أساليب تربوية قاسية أو عقوبة بدنية صارمة أدّت إلى إلحاق ضرر مادي بالطفل. وكثيراً ما يرافق الاعتداء الجسدي على الطفل أشكال أخرى من سوء المعاملة. ومن الأمثلة المؤسفة والشائعة على ذلك ضرب أحد الوالدين لطفله بقبضة اليد أو بأداة ما في الوقت الذي ينهال عليه بسيل من الإهانات والشتائم. وفي هذه الحالة، يعتبر الطفل ضحية اعتداء جسدي وعاطفي في آن واحد.

ويشمل الاعتداء البدني على الطفل الرضوض والكسـور والجـروح والخدوش والقطع والعض أو إصابة بدنية أخرى. ويشمل أيضاً ضربه بأداة أو بقبضة اليد واللطم والحرق والسفع والتسميم والخنق والإغراق والرفس والخض والضرب على مناطق حساسة من جسم الطفل، كما تشمل إعطاء الطفل كميات كبيرة من الأدوية أو المهدئات حتى يبقى نائماً . فكل هذه الممارسات وإن لم تسفر عن جروح أو كسور بدنية ظاهرة ولكنها تعتبر اعتداء بحد ذاتها.

المشكلة ومدى شيوعها

إن الاعتداء الجسدي مشكلة متفشية في أنحاء العالم، ومع أن المعطيات الموثوق نادرة جداً،  إلا أنه يقدر أنه قرابة 57000 طفلاً قتلوا عام 2000، وأكثر من ذلك بكثير هم ضحايا الاعتداء غير المميت وضحايا الإهمال.  وتشير الأبحاث أن 20% من النساء و5 – 10 % من الرجال قد عانوا من الاعتداء عندما كانوا أطفالاً.

إن بعـض العـوامل الاجتماعية تلعب دوراً في ازدياد خطر ممارسة العنف الجسدي ضد الأطفال. ومن تلك العوامل: الأسرة الفاقدة لأحد الوالدين وتدني مستوى المعيشة.

وبشكل عام، تبرهن الدراسات التي أجريت حول دوافع الاعتداء الجسدي، أن أية ظروف معيشية تفاقم الضغوط على الأسرة أو عائلها أو تصعب التفاعل بين الطفل ووالده ترفع احتمالات تعرض طفل هذه الأسرة للعنف الجسدي. وتشمل هذه الظروف الأطفال ذوي المشاكل الصحية أو بطيئي النمو، والأطفال غير المرغوب بهم والأطفال كثيري الحركة والأطفال الذين يعاني ذووهم من ضغوط معيشية أو يتوقعون من أطفالهم إنجازات غير واقعية أو سلوكًا لا يتناسب مع سنهم.

 التعرف على المشكلة

الاعتداء الجسدي هو أكثر أشكال الاعتداء أو سوء المعاملة افتضاحاً لأن مؤشراته الظاهرة تدل عليه. والخطوة الأولى في القضاء على مشكلة الاعتداء الجسدي على الأطفال هو الاعتراف بوجودها. والخطوة التالية هي تعلّم كيفية التعرف على مؤشراتها وأعراضها لتحديد ما إذا كان الطفل يتعرض للاعتداء بالفعل. وهناك العديد من العوامل التي ينبغي وضعها بعين الاعتبار عند التفكير باحتمالية تعرض طفل ما لاعتداء جسدي، وأول هذه العوامل: مكان وطبيعة وعمق أو مستوى الإصابة الظاهرة على الطفل وهل تطابق وصف السبب المزعوم الذي يقال أنه أدى إلى هذه الإصابة أم لا. وهل تتناسب الإصابة مع عمر الطفل أو مرحلة تطوره؟. فمثلا الحروق على شكل قاعدة مكواة أو مشواة أو لفافة التبغ من الصعب أن يكون الطفل قد ألحقها بنفسه خاصة إذا ما كانت في منطقة يصعب وصوله إليها. وكذلك آثار العض أو خدوش الأظافر التي تترك آثارًا طولية متوازية وغيرها من الجروح أو الخدوش التي تدّل على استخدام أداة ما. ومن آثار الاعتداء الأخرى التي قد تظهر على الطفل سن مفقودة أو مكسورة أو بقع صلعاء في الرأس قد تدل على شد الشعر ونزعه أو آثار خدوش أو جروح في طريقها للاندمال.

الوقـاية

قدمت الكلية الأمريكية لأطباء الأطفال في 30 مارس 2005 وثيقة  للأمم المتحدة من أجل الدراسة التي يقوم بها الأمين العام حول العنف ضد الأطفال، هذه الورقة لخصت ما هو معروف عن وسائل تقليل الاعتداء الجسدي على الأطفال وما هو معروف عن الأشكال الأكثر جدلاً من وسائل التأديب البدنية في الأسرة. باختصار لقد تمت مراجعة كل الدراسات المجراة حول أشهر البرامج المطبقة لمنع الاعتداء على الأطفال منذ 1995 ولغاية 2004 فتبين أن  أياً من هذه البرامج لم يحقق أية نتائج ملموسة على أرض الواقع في التقليل من نسبة الاعتداء على الأطفال. وعزي ذلك إلى عدم اعتماد أسس علمية من قبل هذه البرامج وإنما كانت معظمها مبنية على الاندفاع والحماس، وكانت بعض البرامج تُروْج لفترة ثم يكتشف بعد مدة أنها غير مجدية فيروَّج برنامج آخر.  ولم يكن الوضع أفضل بالنسبة لعلاج الآباء المعتدين على الأطفال. وباخـتصار، رغم مضي 4 عقود على الدعم الواسع للتقليل من الإساءة البدنية للأطفال فإنه لم تثبت فعالية أي من البرامج الوقائية أو العلاجية للاعتداء على الأطفال. ويذكرنا ذلك بفشل قانون حظر الكحول في الولايات المتحدة عام 1919 في التقليل من تعاطي الكحول. في حين نجد أن الإسلام قد أحدث ثورة في هذا الميدان…

التأديب البدني للأطفال

هنالك إجماع أو على الأقل شبه إجماع بين الثقافات والمجتمعات على رفض العنف ضد  الأطفال، إلا أن معايير السلوك العنيف تتباين بين الأفراد والمجتمعات والثقافات المختلفة،  فعصا الخيزران  مثلاً كانت جزءاً أساسياً مألوفاً من وسائل التأديب في مدارس بريطانيا العظمى، وتستخدم لضرب الطلاب على أوراكهم أو أقدامهم أو أيديهم.  أما في الوقت الحاضر فيمكن أن يحاكم المدرس الذي يستخدم عقوبات بدنية أخف من ذلك لتأديب الطلاب.  وفي جمهورية كوريا هناك 67% من الآباء يقبلون جلد أبنائهم بالسوط لتأديبهم، وقد أبلغ 45% منهم بأنهم يضربونهم أو يركلونهم  أو يضربونهم ضربا مبرحاً.

إن القضايا العلمية تصبح أكثر تعقيداً عندما يكون هناك اختلافات ثقافية جوهرية  فيما يتعلق بالحدود النهائية والوسطية.  وهذا هو الحال بالنسبة لوسائل التأديب البدنية كالصفع (على المؤخرة مثلاً) والتقييد، التي لها تاريخ طويل من الاستخدام الواسع في ثقافات كبيرة. إن التيار العام حديثاً  يتجه نحو التخلص من هذه الممارسات، إلا أن هناك العديد من القضايا المتداخلة منها الاختلافات الثقافية والدينية والحساسية المترتبة عن فرض القيم التي تتبناها المجتمعات الأكثر تقدماً، التي هي ممثلة بشكل أفضل وأعلى صوتاً، على المجتمعات والثقافات الأخرى الأقل حظا من التطور..

إن تأثيرات الضرب غير المؤذي قد نوقش في الأدب العلمي. وينقسم العلماء الباحثون في الموضوع إلى فريقين:  الفريق المعارض للعقاب البدني يرى أن كل أشكال الضرب هي مسيئة بغض النظر عن الدعم الموجود من قبل بعض الثقافات أو مهما كانت هذه العقوبات خفيفة.  الموقف الثاني هو الموقف الشرطي الذي يرى أن الضرب يمكن أن يكون سليماً أو حتى مفيداً تحت شروط محددة.

وخلال السنوات التسع السابقة للوثيقة، فإن عدداً من الدراسات قد فحصت نتائج العقاب البدني في العائلات الأمريكية من أصل إفريقي مقارنة بالعائلات الأمريكية من أصل أوربي، وجدت كل هذه الدراسات  اختلافات هامة في ارتباط العقاب البدني للأطفال مع السلوك المعادي للمجتمع عند الأطفال باختلاف المجموعة العرقية. ففي العينات الأمريكية من أصل إفريقي أدى العقاب البدني إلى تقليل العنف والسلوك المعادي للمجتمع. إن هذه النتائج تتحدى عمومية أن العقاب البدني للأطفال يتوافق مع نسبة أعلى من العنف، وهي أيضاً تؤكد أهمية احترام الاختلافات الثقافية  لدى وضع سياسات تتعلق بالعقاب البدني غير المؤذي للأطفال.

وحديثاً في مارس 2007 قام كل من الدكتور Robert E. Larzelere  من جامعة أوكلاهوما في الولايات المتحدة و الدكتور Brett Kohn من جامعة نبراسكا بنشر أول مراجعة علمية للدراسات التي أجريت على تأديب الأطفال البدني، وقارنت بينه وبين وسائل التأديب البديلة المستخدمة من قبل الأبوين.  وبمراجعة 50 سنة من البحث على تأديب الأطفال، حددا 26 دراسة ذات صلة بتأثيرات العقاب الفيزيائي على الأطفال. كانت النتيجة التي توصلا إليها أن نتائج التأديب البدني تكون أسوأ مقارنة بوسائل التأديب البديلة فقط عندما يكون التأديب البدني هو الوسيلة الأولية أو عندما يكون شديداً جداً (كضرب الوجه والرأس).  إن نتائج التأديب البدني الاعتيادية لم تكن أفضل ولا أسوا من أي وسيلة بديلة، باستثناء دراسة واحدة أظهرت أفضلية للتأديب البدني في منع تعاطي المخدرات. كما عرَفوا نمطاً مثالياً للعقاب البدني، عرِّف بالضرب المشروط، والذي أعطى نتائجًا أفضل من نتائج 10 وسائل تأديب بديلة من أصل 13، ونتائج مماثلة للتقنيات الثلاثة الباقية. وعرفوا الضرب المشروط بأنه ضرب غير مؤذ، يستخدم عندما لا تجدي وسائل التأديب البديلة الأخف مثل العزل (يبقى الطفل خارج الغرفة لفترة زمنية محددة) (بناء على بحث أجري على أطفال بعمر 2- 6 سنة).  وعرف الضرب غير المؤذي بأنه صفعتين تقريباً بيد مفتوحة على الأَلْيَتَيْن بشرط أن لا يكون الأب عندها فاقد السيطرة على نفسه نتيجة الغضب. إن الضرب المشروط يعلم الطفل أن يتجاوب مع وسائل التأديب الأخف، مما يقلل الحاجة للجوء للضرب مستقبلاً.

التطبـيقات

يشير البحث الحالي إلى أن التأديب البدني الاعتيادي لا يترافق بأي نتائج سيئة على الأطفال زيادة عن أي أسلوب تأديبي آخر.  وفضلاً عن ذلك فإن ضربتين غير مؤذيتين  هي واحدة من أكثر الوسائل التأديبية  جدوى عندما لا يستجيب الأطفال بعمر 2-6 سنوات للوسائل التأديبية الأخف، كالإخراج من الغرفة لبعض الوقت…  وهذا يعني أن حظر الضرب بالكامل سيكون له نتائج عكسية.  ومما يدعم هذا الموقف، أن سجلات الجريمة في السويد مثلاً تشير إلى أن الاعتداء البدني على الأطفال والاعتداءات الإجرامية  قد ازدادا خمسة أضعاف؛ بنسبة 489% من عام 1981 إلى عام 1994 أي خلال الـ 15 سنة التي تلت الحظر الذي فرض في السويد على كل أشكال ضرب الأطفال (في عام 1979).

إن خلاصة هذا البحث لا تعني أن على الوالدين أن يستخدموا التأديب البدني بأي طريقة يختارون.  إن هدف حظر الضرب المقترح هو التقليل من معدلات الإساءة للأطفال وأشكال التأديب البدني الشديدة.  وبقدر ما يتمكن الوالدان من المحافظة على علاقة إيجابية مع طفلهم، ويشجعوا السلوك الطيب، ويستجيبوا للسلوك السيئ بوسائل تأديب خفيفة وفعالة، بقدر ما تقل حاجتهم لاستخدام الضرب أو وسائل الردع الأخرى. يجب أن يستخدم الضرب وفقاً لنتائج البحث العلمي فقط عندما لا يستجيب الأطفال لوسائل التأديب الأخف، أو من أجل إيقاف سلوك مؤذ (كالركض إلى الشارع).  يجب عدم استخدامه مطلقاً لدى الرضيع خلال السنة الأولى ونادراً إن لم يكن مطلقا قبل سنة ونصف من العمر.  يجب على الأهل التأكد من أن أطفالهم يدركون  أن أي إجراء تأديبي بما في ذلك الضرب، يكون دافعه هو حب الأهل واهتمامهم.  وأخيراً فإن التأديب البدني يجب دائماً أن يستخدم بطريقة تقلل من الحاجة لاستخدامه مستقبلاً.  إن الضرب المشروط يحقق ذلك من خلال تعزيز الاستجابة للوسائل التأديبية الأخف.

الأطفال مختلفون، فالوسيلة التأديبية الواحدة قد لا تجدي مع كل الأطفال والوسيلة نفسها قد لا تناسب الطفل نفسه في كل الأوضاع، وينبغي على الأهل أن يستعملوا بحنكة طيفاً من خيارات التأديب لمساعدة أطفالهم للوصول إلى أقصى ما يمكنهم وفق قدراتهم الكامنة، بدلاً من أن نحظر أو نقيد خيارات فعالة من غير ضرورة.

هذه هي خلاصة أحدث الأبحاث العلمية في الموضوع إلا أننا يجب ألا نأخذ ما يقدمه العلماء بتقليد أعمى إنما نأخذ منه ما يتناسب مع قيمنا وأخلاقنا وديننا، فالعلم الحقيقي، كما يقول أمير المؤمنين نصره الله، لا يمكن أن يحصل عليه الإنسان ما لم يتحل بالتقوى، فالمؤمن يرى بنور الله اللطيف الخبير الذي لا تدركه الأبصار وهو يدركها. إلا أن هذه النتائج تثير تساؤلاً حول جدوى الجهود لحظر استخدام الضرب مطلقاً لتأديب الأطفال، وهل أدى ذلك لتأثيرات سلبية كان من شأنها زيادة العنف ضد الأطفال؟!.

وللحديث بقية في عدد قادم نتناول فيه موقف الإسلام من هذا الأمر إن شاء الله.

المصـادر:

  1. التقرير العالمي حول العنف والصحة الصادر عن منظمة الصحة العالمية 2002
  2. الوثيقة المقدمة من الكلية الأمريكية لأطباء الأطفال عام 2005 إلى الأمين العام للأمم المتحدة لدراسة العنف ضد الأطفال.
  3. دراسة Robert E. Larzelere و Brett Kohn: مقارنة نتائج العقاب البدني مع طرق التأديب البديلة. مارس 2007.
  4. الموقع الإلكتروني:  http://www.be-free.info/parents/Ar/emoabusepa.htmAr/
Share via
تابعونا على الفايس بوك