العنف ضد الأطفال
  • إن الإسلام يقدم مجموعة من التشريعات والأخلاقيات التي من شأنها خلق مناخ اجتماعي يمكن الانسان من إنجاز الهدف من خلقه وهو العبادة فهو يبني مجتمعا يقوم على التكافل الاجتماعي  يتراحم أفراده كبيرهم وصغيرهم ذكرهم وأنثاهم غنيهم وفقيرهم.
  • وضع الإسلام جملة من التشريعات بهدف صيانة الأسرة فأكد على سلوك العفة والطهارة للرجال والنساء والبعد عن كل فحش.
  • تربية الأطفال في الإسلام تبدأ بحسن اختيار الأم قال سيدنا عمر رضي الله عنه عن حقوق الولد على أبيه فأجاب ان ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب.

__

تحدثـت فـي العدد السابق عن العنف ضد الأطفال، ومدى استفحال هذه المشكلة في العالم، وخاصة في العالم الغربي ولعل ذلك يرجع بالدرجة الأولى لتفكك الروابط الأسرية، حيث عاثت الأخلاقيات المادية فسادًا بالبنيان الأسري، وانتشرت الرذيلة وكل نوع من الفواحش ولم تعد الحشمة والعفة فضيلة من الفضائل بل من المخلفات التي عفا عليها الزمن، فلم يعد الزواج مثلاً ضروريًا لبناء الأسرة؛ ففي أمريكا تعيش معظم النساء حاليًا بدون زواج، ففي عام 2005 ذكر تقرير في نيويورك تايمز أن 51% من النساء هناك يعشن بدون أزواج.

إن عدد الأطفال من دون آباء هو في ارتفاع مستمر، ففي الولايات المتحدة 25% فقط من الأطفال الآن يعيشون في عائلات تقليدية فيها أبوان عضويان.

إن الأطفال هم الأكثر عرضة للضرر في الأسر المفككة، ففي كاليفورنيا حيث 24 % مولودون من دون زواج ولم يعرفوا آباءهم قط، يتعرض 25% من الأطفال للعنف الجسدي أو الاعتداء الجنسي قبل إنهاء المرحلة الثانوية، و10% من الفتيات يحملن قبل إنهاء دراستهن الثانوية.

و ينفق سنويًا في الولايات المتحدة 3 إلى 5 ملايين دولار على النفقات الطبية المتعلقة بالعنف المنـزلي. وإن فتاة مراهقة من أصل 3 تتعرض للعنف.

يعزو David Blankenhorn في كتابه “أميريكا بدون أب” ”Fatherless America” أصل العنف بين اليافعين، والعنف المنـزلي ضد النساء والاعتداء الجنسي على الأطفال، وحمل المراهقات والعديد من المشاكل النفسية إلى الأسر المتفككة وعدم وجود الآباء.

هل من مخرج؟

إننا إذ نزعم بأن الإسلام يقدم الحلول لكل هذه المشاكل، فإن زعمنا هذا ليس اعتباطيًا، وإنما هو مبني على أسس قوية. إن نظرة الاسلام للمجتمع والحياة هي نظرة استباقية، فلا ينتظر المشكلة حتى تحدث ثم يحاول إيجاد حل لها، بل هدفه أن يمنع حدوث هذه المشاكل أصلاً، وإن من فضائل القرآن الكبرى –كما يقول المصلح الموعود – أنه لا ينهى عن الإثم فحسب، بل يدل على الوسائل التي تجنب الإنسان ارتكابه؛ ولا شك أن مثل هذا التعليم وحده كفيل بحماية المجتمع الإنساني. أما الكتاب الذي لا يدل الإنسان على ما يساعده على تجنب المعصية فإنه يدفعه إلى الحيرة والارتباك… ومن أجل هذه الحكمة يوصينا الله تعالى أن نقف بعيدين عن مواقع الإثم بحيث نظل قادرين على مكافحته.

إن الإسلام يقدم مجموعة من التشريعـات والأخلاقيات التي من شأنها خلق مناخ اجتماعي يمكن الإنسان من إنجاز الهدف من خلقه وهو عبادة الله تعالى، فهو يبني مجتمعًا يقوم على التكافل والتضامن، يتراحم أفراده كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، غنيهم وفقيرهم…

باختصار فهو يقيم جنة الله على الأرض ليعيش فيها الإنسان، لا يجوع فيها ولا يعرى ولا يظمأ فيها ولا يضحى، إلا إن اتبع الشيطان وعصى ربه وغوى، فإنه يخرج نفسه من هذه الجنة ويلقي بنفسه في الفلاة.

قال تعالى:

  وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (الأعراف 59)

فالإسلام يولي عناية خاصة لمنظومة الأسرة، فشرع الزواج كطريق وحيد لبناء الأسرة وحضَّ عليه حفظاً للأفراد والمجتمع من المفاسد الأخلاقية والرذيلة، وحدد مسؤوليات كل من الرجل والمرأة تجاه بعضهما وتجاه الأبناء، وواجبات الأبناء تجاه الوالدين.

يقرر القرآن الولاية المتبادلة بين الرجل والمرأة، فيجعل الرجل مسؤولاً عن رعاية المرأة، ويجعل المرأة مسؤولة عن رعاية الرجل‏.‏ إذ يقول تعـالى:

 ‏‏ ‏وَالْـمُؤْمِنُـونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..‏‏ ‏ (التوبة71)‏‏‏‏

وروى عبد الله بن عمر أن رسول اللّه قال:

“ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته: فالأمير الذي على الناس راعٍ عليهم وهو مسئولٌ عنهم، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئولٌ عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بعلها وولده وهي مسئولةٌ عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسئولٌ عنه؛ فكلُّكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته”. (رواه مسلم)

وضع الإسلام جملة من التشريعات بهدف صيانة الأسرة والحفاظ على تماسكها وحمايتها، فقد نهى عن كل ما من شأنه أن يعكر صفو هذه الأسرة، والتآلف بين أفرادها؛ فأكد على سلوك العفة والطهارة للرجال والنساء والبعد عن كل فحش؛ يقول تعالى:

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا (النور 31-32)

تربية الأطفال في الإسلام

قال تعالى:

  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (التحريم 7)

تبدأ العملية التربويية للأولاد في المنهج الإسلامي قبل ولادتهم بحسن اختيار الأم؛ أي باختيار التربة الصالحة بداية، فقد جعل النبي حسن الدين والتقوى الأساس الأول في اختيار الزوجة، وقد روى أبو هريره ، عن النبي قوله: “تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”

وسئل عمر بن الخطاب عن حقوق الولد على أبيه فأجاب: “أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب”

وها هو عمر بن الخطاب يخطب ابنة بائعة اللبن لابنه عاصم، لما أعجبه حسن دينها وتقواها وخشيتها ربها بالغيب، إذ رفضت أن تغش اللبن كما طلبت أمها، تلك الفتاة ولدت لعاصم بنتًا وولدت تلك البنت الخليفة الأموي العادل عمر بن العزيز رحمه الله.

  ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ (آل عمران 35)

لا تقتلوا أولادكم

لقد جعل الله تعالى من شروط البيعة التي أمر نبيه أن يأخذها من المؤمنات ألا يقتلن أولادهن:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ (الممتحنة 13)

 كما ورد التحذير من قتل الأولاد في موضعين آخرين، قال تعالى:

  قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الأنعام 152)

ويقول أيضًا:

  وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (الإسراء 32)

لقد ذكر الله تعالى قتل الأولاد بشكل مستقل عن قتل النفس، فنجد في الآيه المذكورة من سورة الأنعام أن الله تعالى ذكر في نفس الآية قتل الأولاد ثم قتل النفس، وفي سورة الإسراء نجد النهي عن قتل النفس بعد آيتين فقط من الآية التي نهت عن قتل الأولاد، فما السر في ذلك؟ أوَليس قتل الأولاد هو قتل للنفس التي حرم الله؟ فلماذا اختص قتل الأولاد؟ وهل قتل الأولاد يعني جريمة القتل المعهودة؟

يقول سيدنا المصلح الموعود مفسرا الآية المذكورة آنفا من سورة الإسراء: “..لا يمكن أن تفسر هذه الآية بألا تقتلوا أولادكم بسبب الفقر والضيق المالي، لأن الإملاق لا يعني الفقر والضيق المالي، وإنما معناه الإنفاق، والمراد من هذه الآية: لا تقتلوا أولادكم خوفًا من الإنفاق عليهم.

وهنا ينشأ سؤال: هل في الدنيا أحد يقتل أولاده خوفاً من الإنفاق عليهم؟ الحق أننا لا نجد بين أصحاب العقول من يرتكب جريمة قتل أولاده خشية الإنفاق عليهم، بل لا يوجد من يفعل ذلك حتى بين أولئك الذين لا يملكون المال. فثبت أن القتل هنا لا يعني معناه المعروف، بل له مفهوم آخر…وحين نفحص أحوال الناس على مختلف شرائحهم نجد أن هناك فئة منهم لا تربي الأولاد تربية سليمة من جراء البخل والشح، حيث لا يطعمونهم كما ينبغي، أو لا يطعمونهم ما هو ضروري لنموهم نموًا سليمًا. مما لا شك فيه أنه لا يوجد في الدنيا بخيل يقتل أولاده بدس السم في طعامهم أو خنق حلوقهم خوفًا من الإنفاق عليهم إلا بين المجانين فقط، ولكن ما أكثر ما نجد بين أصحاء العقول من يمنعه بخله من أن يهيئ لأولاده طعامًا مناسبًا وملائمًا، فيمرض أولاده أحيانًا لرداءة الغذاء، أو يقعون بسبب رداءة اللباس فريسة لأمراض فتاكة كالتهاب الرئة مثلاً. وهؤلاء البخلاء يوجدون في كل أنحاء العالم بالآلاف بل بالملايين.

وقد تعني هذه الآية قتل الأولاد قتلاً أخلاقيًا وروحانيًا، حيث لا يهيئ لهم الآباء فرصة التعليم المناسب خوفاً من إنفاق المال. لذا ينهى الله المؤمنين عن ذلك، ويوصيهم ألا يترددوا أبدًا في الإنفاق على أولادهم لضمان صحتهم وأخلاقهم.

هذا وتشنيعًا لهذه الفعلة فقد استخدم الله عز وجل كلمة “القتل”، لأن الإنسان بفطرته يكره قتل أولاده.  فالله تعالى ينبهنا أنكم لا يمكن أن تقتلوا أولادكم بأيديكم في حال من الأحوال، ومع ذلك فإنكم تقتلونهم بطرق أخرى، عندما لا تهتمون بإمدادهم بغذاء ولباس مناسبين بخلا وشحًا، وهكذا تدمرون صحتهم، أو تقصرون في تربيتهم وتعليمهم فتقتلونهم قتلا أخلاقياً….”

ومن الإشارات اللطيفة في القرآن الكريم أن النهي عن الزنا جاء هنا بعد النهي عن قتل الأولاد فورًا بقوله تعالى:

  وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (الإسراء 33)

وفي هذا كما يقول المصلح الموعود – الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام-  إشارة لطيفة إلى أن الزنا أيضًا يؤدي إلى قتل الأولاد؛ وذلك لسببين: أولهما أن الناس يسعون عموماً لإجهاض جنين الحرام، وثانيهما أنه إذا لم يتم التخلص من جنين الحرام فإن الأب لا يساهم – في الغالب- في تنشئة وتربية ولده الحرام بشكل علني، ومن ثم يدمَر مستقبل الطفل عمومًا ويعيش محروماً من الوالد الذي من واجبه أن يتولى رعايته. وباستخدام كلمات “ولا تقربوا الزنا” نبهنا الله إلى ضرورة تجنب مواقع الزنا أصلاً… أما قوله تعالى “وساء سبيلا” فقد نبه به أن في الزنا مضار عديدة أخرى بالإضافة إلى كونه معصية أخلاقية. فمثلاً من يريد الزواج يأخذ في الحسبان أن تكون الفتاة جيدة الصحة، وبريئة من أي عدوى، وذات خلق وسيرة طيبة، وكذلك يحسب أولياء الفتاة ألف حساب في شأن الفتى. ولكن هذه التدابير لا تتخذ وقت الزنا، لأنه لا يرتكب إلا عند هيجان العواطف الشهوانية، حيث لا يمكن لمرتكبه أن يتخذ أي حيطة، وتكون النتيجة تفشي الكثير من الأمراض والدمار الاقتصادي. ومن أجل ذلك حذر الله تعالى منه..

أسوة الرسول في مداعبة الأطفال وممازحتهم

إن للأطفال أحاسيس ومشاعر ورغبات وأهواء لا بد من مراعاتها وإشباعها بشكل مناسب، فالطفل يحب من يلاطفه ويمازحه ويبش في وجهه، وقد كان الرسول يداعب الأطفال، و إذا مر بهم سلم عليهم وربما مازحهم أو أركبهم معه على بغلته. وبذلك ملك قلوبهم فأصبحت كلماته وتعليماته تنطبع في قلوبهم مباشرة.

عن أبي هريرة قال :

“كان رسول الله ليُدلع لسانه للحسن بن علي، فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش له”.

وعن أنس قال: “كان رسول الله يلاعب زينب بنت أم سلمة وهو يقول : “يا زُوينب، يازوينب” مراراً “.

وعن محمود بن الربيع قال:

“عقلت من رسول الله مجة مجها في وجهي من دلو من بئر كانت في دارنا وأنا ابن خمس سنين” (مسلم)

الرحمة والرأفة بالأطفال

قال رسول الله :

“ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا” .

وكان تعامل النبي مع الأطفال في غاية الود والرحمة والرقة، فذات مرة قبَّل رسول الله أحد أبناء فاطمة وكان عنده رجل من الأعراب فقال تقبلون أبناءكم؟! إن عندي عشرة من الولد ما قبلت منهم واحداً فقال :

“وما يدرني لعل الله قد نزع من قلبك الرحمة”.

وقد بلغ من رأفته ورحمته أن يصعد الصبي على ظهره وهو ساجد يصلي بالناس فيطيل السجود مخافة أن يعجل الصبي، فيروى أن الحسن أو الحسين اعتلى ظهر الرسول وهو يؤم الناس في صلاة العشاء، فأطال النبي سجدته، فلما فرغ قال الناس يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك؟ قال: “كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته” (النسائي).

وكان يصلي وهو حامل حفيدته أمامة فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها.

وبلغت رحمته بأمته أنه يخفف الصلاة بسبب بكاء طفل مراعاة لحال أمه. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : “إني لأدخل في الصلاة وإني أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم لوجد أمه ببكائه.” (ابن ماجه).

وروى عبد الله بن بريدة عن أبيه، قال: خطبنا رسول الله فأقبل الحسن والحسين (رضي الله عنهما) عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنـزل فأخذهما فصعد بهما المنبر، ثم قال: “صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ رأيت هذين فلم أصبر ثم أخذ في الخطبة.

ولما توفي ابنه إبراهيم قبله وشمه، وذرفت عيناه ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال:

“يا ابن عوف، إنها رحمة لمن اتبعها بأخرى” وقال: “إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون” (البخاري)

وهذه الرحمة ليست لأبنائه فقط بل هي عامة لأبناء المسلمين. قالت أسماء بنت عميس زوجة جعفر رضي الله عنها : دخل علي رسول الله فدعا بني جعفر فرأيته شمهم وذرفت عيناه فقلت يا رسول الله أبلغك عن جعفر شيء؟ قال: “نعم قتل اليوم” فقمنا نبكي، ورجع فقال: “اصنعوا لآل جعفر طعامًا فإنه قد جاء ما يشغلهم” (الترمذي وابن ماجه).

 العدل بين الأولاد

إن الكثير من الآباء يلهبون الغيرة والتباغض بين الأولاد بتمييزهم في المعاملة بين أولادهم، كالاهتمام الزائد بتلبية حاجة واحد دون الآخر. وهذا مما نهى عنه رسول الله ، فيروى أن بنت رواحة طلبت من زوجها بعض الموهبة لابنها النعمان بن بشير ثم طلبت منه أن يُشهد الرسول على هذه الموهبة، فأخذ ابنه وأتى رسول الله فقال: يا رسول الله إن أم هذا (بنت رواحة) أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله : “يا بشير ألك ولد سوى هذا”؟ قال: نعم. فقال: “أكلهم وهبت له مثل هذا”؟ قال: لا. قال: “فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور” وفي رواية قال: ” أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء”؟ قال : بلى. قال النبي “فلا إذاً” (رواه مسلم).

الدعاء للأطفال

عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي يؤتى بالصبيان فيدعو لهم، فأُتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله”

يروي ابن عباس أنه طلب من خالته أن توقظه ليصلي ذات ليلة مع النبي وهو ابن 10 سنين،  ويروي كيف كان النبي يعطف عليه ويمسح بيده اليمنى على رأسه وأذنه حتى يؤنسه في ظلمة البيت. وأنه دعا الله له أن يفقهه في الدين، وكلنا نعرف ثمرة تربية النبي ودعاءه لهذا الغلام الذي أصبح فيما بعد حبر الأمة.

احترام وتقدير الطفلِ

وهذه من أهم الأمور التي يحتاج إليها الطفل دائمًا، ويغفل عنها الآباء غالبًا. فقد كان النبي يُشعر الناشئة بمكانتهم وتقدير ذاتهم، فيروي سيدنا أبو سعيد الخدري أن سعد بن مالك ممن استُصغِر يوم أحد، يقول إن الرسول نظر إليه، وقال: سعد بن مالك؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي. قال: فدنوت منه فقبّلت ركبته، فقال : “آجرك الله في أبيك”، وكان قد قتل يومئذٍ شهيداً. فقد عامله الرسول وعزّاه تعزية الكبار، وواساه في مصيبته بعد ميدان المعركة مباشرة.

وفي الحديث أنه:”كان إذا دخلت عليه فاطمـــة قــام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مجلسها.” (أبو داود والترمذي والنسائي)

عَنْ أنسٍ قال:

“أَتَانَا رَسُولُ الله وَنَحْنُ صِبْيَانٌ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا.”

عبد الله بن الزبير كان أول مولود للمهاجرين بالمدينة،  جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله ، فتبسم الرسول حين رآه مقبلاً إليه ثم بايعه … (مسلم).

تأديب الأطفال

حمل الإسـلام الآباء والأمهات مسؤولية كبيرة في تربية الأبناء ، وإعدادهم الكامل لحمل أعباء الحياة. يقـول : “أكرمـوا أولادكم، وأحسنوا أدبهم” (رواه بن ماجه).

وقال أيضاً: “من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه…” (رواه البيهقي في شعب الإيمان)

إن إكرام الأبناء يزيدهم حباً للآباء، ولكن لا ينبغي أن يكون الإكرام إلى الحد الذي يؤدي إلى سوء الأدب بالإفراط في التدليل، لذلك قال : “وأحسنوا أدبهم”.

وقال أيضاً: “ما نحل والد ولده نحلاً أفضل من أدب حسن” (رواه أحمد).

إذن فقد أكد الرسول على حسن تأديب الأبناء فكيف كانت أسوته في ذلك؟

لقد كان النبي رحمة متجسدة للناس ولاسيما مع الأطفال، فكان يأخذ بمجامع الرفق وزمام السكينة، وكانت العقوبة آخر وسيلة يستعملها النبي . عن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما ضرب رسول الله بيده قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا ضرب خادماً ولا زوجة” (مسلم). بل كان ينادي بالرفق والأناة والحلم: “إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله.” (متفق عليه). وروى أنس قال: “خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي أف قط، وما قال لي لشيء صنعته لِمَ صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته” (مسلم). يا لحلم المصطفى ، 10 سنوات كاملة لم ينهر فيها خادمه ولم يزجره وهو ليس ابنه، بل كان يطيب خاطره ويلبي حاجته وحاجة أهله ويدعو له فقال: “اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته” (البخاري).

إن مبدأ العقاب على الخطأ هو مبدأ تقره الفطرة الإنسانية والشريعة الإسلامية، وذلك لصيانة المجتمع وحياة الإنسان واجتثاث الشر قبل أن يستفحل أمره، إلا أن الإسلام قد شرع العفو أيضا وحث عليه وجعله سببا للتقرب إلى الله ونيل رضاه: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (الشورى 41)..  فالهدف هو الإصلاح فإن كانت العقوبة هي السبيل إلى ذلك فلتكن وإن كان العفو يؤدي للإصلاح فياحبذا.  إن هذا هو المبدأ العام في الشريعة الكاملة التي تراعي كل الظروف.

والأطفال عامة لا يعرفون ما ينفعهم  وما يضرهم، لذا فقد رفع عنهم التكليف حتى البلوغ وهم أيضا متفاوتون في الفهم والذكاء ومختلفون في الأمزجة والطباع، ولهذا يختلف الباعث فيهم على الخطأ وعدم الطاعة، والطفل أولى الناس بالرفق واللين، والعفو والصفح لاجتذاب قلب الطفل، فإذا كان العفو مرغوبا فيه مع الكبار فهو مع الصغار أولى وأوجب.

لذا ينبغي حال وقوع الطفل في الخطأ أن نبدأ معه بالتوجيه والإرشاد، والتنبيه والتعليم. ويتفاوت الأطفال في الاستجابة فمنهم من تكفيه الموعظة الرقيقة ومنهم من يحتاج للتوبيخ والتقريع، ومنهم من لا تجدي معه إلا العقوبة الحسية، لكن اجعل هذه الوسيلة آخر وسيلة عندما لا تجدي كل الوسائل الأخرى. ويجب أن يكون العقاب برحمة وهدفه الإصلاح وليس التشفي والانتقام، وأن يكون متفقًا مع الخطأ.

وفي الحديث قوله لعمر بن أبي سلمة ( ) وكان غلامًا في حجره، وكانت يده تطيش في الصحفة -الإناء الذي يوضع فيه الطعام-: “يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك” (متفق عليه).

وروى أبو هريرة قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي : (كخ كخ). ليطرحها، ثم قال: “أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة”.

وأخيراً أود أن أختم الكلام بقول المسيح الموعود عليه السلام الذي يرى أن ضرب الأولاد يندرج تحت الشرك وكأن الضارب الجلف يريد أن يشرك نفسه مع الله تعالى في الهداية والربوبية فيقول:

“إن الهداية والتربية الحقيقيتين من عمل الله تعالى. أما المطاردة الشديدة والتجاوز في الإصرار على أمر.. أعني زجر الأولاد وعتابهم في كل صغيرة وكبيرة وكأننا نحن نعطيهم الهدى وسنهديهم إلى الطريق الذي نبتغيه.. أقول إن هذا لمن الشرك الخفي الذي يجب على أصحابنا تجنبه. أما أنا فأدعو لأولادي وأعلمهم المبادئ الأساسية وآداب التعلم بشكل عابر، ثم أتوكل على الله كل التوكل”. (الملفوظات ج2 ص 5) (الخزائن الدفينة ص 403).

المراجـع:
* القرآن الكريم
* موسوعة الحديث النبوي الشريف (الصحاح والسنن والمسانيد)
* التفسير الكبير، لحضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد ، المجلد الرابع، سورة الإسراء
* كتاب الخزائن الدفينة
* Muhammad saw: The restorer of  Family values، مقالة للسيدة خولة شان.

Share via
تابعونا على الفايس بوك