إتخام الصيام بكثرة الكلام

إتخام الصيام بكثرة الكلام

هاني طاهر

  • مادام الصيام هو الامتناع عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر حتى مغيب الشمس، ومادامت التقوى هي الهدف من الصيام فما قيمة أن يمارس الصائم المعاصي وهو صائم.
  • النصيحة هي ترك المعاصي والاستمرار في تركها بعد رمضان ايضا.
  • أيها المشايخ عوّدوا الناس على سهولة الأحكام الشرعية،  الدين والفقه ليس بحاجة إلى علم متخم بل بحاجة إلى تقوى، وغير التقي لايستفيد من الفتاوى ولاتستطيعون لجم شهواته.

__

لم يتحدث القرآن الكريم عن شهر رمضان وصيامه إلا في هذه الآيات الكريمة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ* أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (البقرة)

كما أن الرسول اهتمّ بالتركيز على التقوى وعلى تحلي المسلم بأخلاق مميزة في هذا الشهر. فلو فتحنا صحيح البخاري في باب الصيام فلن نجد إلا هذه الأحاديث أو ما في معناها، فقد قال : الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلا يَرْفُثْ ولا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْن.ِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ الله تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي. الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. وقال : إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ. وقال : مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ.

أما علماء التخمة فقد اهتموا بالإجابة على أسئلة افتراضية لا قيمة لها، ولا علاقة لها بالتقوى. وكلما هلّ علينا هذا الشهر الفضيل كَثُرت استفتاءات الناس، وكثُر محترفو الفتاوى الذين يجدون متعتهم ومكانتهم في الإجابات المطوّلة.

طالما استغربتُ من هذا الفقه الذي هو بحاجة إلى علماء ومجتهدين ومحترفين في قراءة (أمهات الكتب!) فما دامت الآيات القرآنية التي تتحدث عن الصيام محدودة جدا، ومثلها الأحاديث، وما دام الناس يفهمون العربية، فلماذا هذه الحِرفة؟! ألا تكفي هذه الآيات والأحاديث؟ أهي معقدة؟

خذ هذه الأسئلة الموجهة لعالميْن كبيريْن من نجد:

خروج الدم من الصائم هل يفطر؟

هل يجوز للصائم أن يقبل زوجته ويداعبها في الفراش وهو في رمضان؟

إذا احتلم الصائم في نهار الصوم من رمضان فما حكم صومه؟

هل يجوز استعمال الطيب، كدهن العود والكولونيا والبخور في نهار رمضان؟

رجل صائم اغتسل وبسبب قوة ضغط الماء دخل الماء إلى جوفه من غير اختياره فهل عليه القضاء؟

هل اغتياب الناس يفطر في رمضان؟

هل يبطل الصوم بتذوق الطعام؟

ومن هذا القبيل يوجد مئات من الأسئلة! وتنفق مئات الحلقات التلفزيونية على إجابتها والاختلاف فيها واللغط حولها. مع أن الآيات القرآنية حول رمضان محدودة جدا، ولا يكاد يجهلها أحد، وكذلك الأحاديث.

وما دام الصيام هو الامتناع عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر حتى مغيب الشمس بهدف التقوى، فلماذا يسألون عن خروج الدم وعن الحقنة وعن القيء؟ أهذه أطعمة؟

وما دامت التقوى هي الهدف من الصيام فما قيمة أن يمارس الصائم المعاصي وهو صائم، لكن هل ننصحه بترك الصوم أم ننصحه بترك المعاصي والتدرب على تركها؟ لا شك أننا ننصحه بترك المعاصي والاستمرار في تركها بعد رمضان كذلك. لذا لا قيمة لسؤال: ما حكم الغيبة في رمضان؟ لأن الجواب البديهي هو أن لا تغتاب، وأن تمرّن نفسك على ذِكْر الناس بما يُحِبّون لا بما يَكرهون، فاكتفِ بعدم الغيبة في رمضان وغير رمضان ولا تسأل هكذا سؤالاً. إذا ظلّ المرء يقوم بالسيئات في رمضان، فلا قيمة لصيامه. ولسنا من يحدد النتيجة النهائية للحسنات والسيئات. والغيبة درجات، والمحرمات كلها درجات، والصائم يحاول أن لا يمارس أي إثم. وكفى.

أما السائل عن مداعبة الزوجة فنقول له: ألا تعرف أنت الجواب أكثر منا؟ ألا تعرف أن الأصل أن لا يقترب المرء من الممنوعات؟ والجماع هو الممنوع، فابتعد عنه.. وأنت تعرف نفسك وظروفك وبيئتك، فلا داعي لتسأل هذا السؤال ما دمتَ تعرف القاعدة.. تنبه إلى الغاية من رمضان وعندها ستعرف الإجابة.

أما السائل عن حكم التطيب في نهار رمضان، فيُنهر على سؤاله عديم القيمة، فلماذا يخطر بباله أن يكون العطر مفطرًا، أهو طعام وشراب؟

وليت الفقهاء الذين يُسألون هذه الأسئلة يتفقون عليها! فكثيرا ما يختلفون. وظني أن العوامّ أكثر قدرة على الفتوى منهم، لأنهم ليسوا بمُتخمين. فعلى الأقل لا يقول أحد من العوامّ أن آية في الصيام منسوخة، بينما يقول هذا عدد من الفقهاء!!! فالعوامّ ينـزِّهون القرآن العظيم عن مثل هذا.فيا أيها المشايخ، تحدثوا عن الحكمة من الصيام.. عن الأخلاق.. عن فساد المجتمعات ووجوب التغيير.. بدل الحديث عن فقه مُتخم.

عَوّدوا الناس على سهولة الأحكام الشرعية، وأنها في متناول أيديهم، وأن لهم قدرة على إجابة أنفسهم إن اتقوا الله، لأن الله يقول واتَّقُوا الله ويُعَلِّمَكُمُ الله . الدين والفقه ليس بحاجة إلى علم مُتخم، بل بحاجة إلى تقوى. وغير المتقي لا يستفيد من الفتوى، ولا تستطيعون لجم شهواته بفتاوى.

Share via
تابعونا على الفايس بوك