رمضان.. شهر الرحمة، المغفرة والعتق من النار
التاريخ: 2008-09-19

رمضان.. شهر الرحمة، المغفرة والعتق من النار

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • رمضان هو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار،  والحقيقة أن الرحمة والمغفرة والعتق من النار هي محطات للوصول إلى الهدف الوحيد وهو الابتعاد عن الشيطان والتقرب من الله سبحان وتعالى والفوز برضوانه فبرحمة من الله ينال الإنسان التوفيق للصيام والعبادة.
  • يجب على الانسان ترويض النفس على الصبر والتضحية وأداء حقوق الله وحقوق العباد ليس فقط في رمضان وانما على طول العمر والايام.

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

في هذه الأيام نمر بشهر رمضان ويبدو كأنه بدأ أمس. فالأيام تمر بسرعة كبيرة والعشرة الثانية منه أيضا على وشك الانتهاء حيث تبدأ العشرة الأخيرة بعد يومين أو ثلاثة، وقد وردت فضيلة وأهمية رمضان في الحديث على النحو التالي حيث قال رسول الله : هو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.

وهذا الحديث روي عن عدد من الرواة، لكن جميع الروايات تتفق على ذكر أهمية رمضان المذكورة فيها. نحن في هذه الأيام كما أخبرت نمر بالعشرة الثانية التي بقي منها يومان أو ثلاثة وبعدها ستبدأ العشرة الثالثة التي وُصِفت حسب هذا الحديث بأنها عتق من النار، واليوم سأتكلم عن العشرة الحالية من رمضان والعشرة التالية لها. فأبين لكم الطرق والأساليب المختلفة التي نُبّهنا من خلالها إلى طلب المغفرة والتوبة والنجاة من النار. لقد أمر الله المؤمنين بالاستغفار كما لفت إليه انتباههم عن طريق الأنبياء أيضا الذين أمرهم الله تعالى بأن يحثّوا المؤمنين على الاستغفار. فلما قال الله تعالى اِسْتَغْفِرُوا اللهَ قال في الآية نفسها: إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة 200).

المعنى الأصلي والحقيقي للاستغفار هو أن يلتمس العبد من الله ألا يظهر فيه أي نوع من الضعف البشري، وأن يساند الله بقوته العبدَ ويُدخله في حلقة نصرته وحمايته. فمعناه أن يستر الله بقوته الضعفَ الفطري للإنسان المستغفِر.»

إذن فإذا كان الله قد طلب من رسول الله أن يعلن أن هذا شهر المغفرة، وقال بنفسه في القرآن الكريم أن اطلبوا مني المغفرة فسوف أغفر لكم فإني غفور رحيم، فلا بد أنه سيغفر لعباده بعد إعلانه هذا، ويستحيل ألا يحصل على المغفرة مَن يستغفرونه منيبين إليه. والواقع أن الرحمة والمغفرة والعتق من النار هي محطات للوصول إلى الهدف الوحيد وهو الابتعاد عن الشيطان والتقرب إلى الله والفوز برضوانه، فبرحمة من الله ينال الإنسان التوفيق للصيام والعبادةِ والامتناع حتى عن الأمور المشروعة ابتغاء مرضاته، فإن الله يغفر لمثل هذا العبد جميع ما تقدم من الخطايا والتقصيرات والذنوب ويستره تحت رداء مغفرته، فالمغفرة هي الأخرى من رحمة الله ، فبعد بدء عشرة المغفرة لا تنقطع رحمة الله بل تستمر بفضل الله تعالى سلسلة التوبة والمغفرة على الدوام. فالإنسان الذي يداوم على التوبة ونيل المغفرة ويسعى جاهدا لأن يصبح لله فقط، تصدر منه أعمال تستنـزل رضى الله ، وينجز أعمالا صالحة قد أمر الله بالقيام بها فينجو من النار. فإذا كان أحد يسعى على الدوام لتجنب الذنوب ويحظى برحمة الله نتيجة استغفاره وينال الفيوض من جنات رضوانه، فقد ظفر بالنجاة وأنى للنار في هذه الحالة أن تمسه؟! فهذه العشرات الثلاث لرمضان متلاصقة ببعضها ومشروطة بالأعمال التي لا بد منها، وإلا فشهر رمضان في حد ذاته أو الامتناعُ عن الأكل والشرب بين وقت السحور والإفطار لا يجعل أحدا مستحقا لرحمة الله ومغفرته والعتقِ من النار. فإذا كان الله تعالى يخلق في رمضان جوًّا روحانيًا مميزًا ليتحقق لعبده كلُّ هذه الأمور فيصفِّد الشيطانَ ويتقرب إلى عباده لإجابة دعواتهم، فعلى العباد أيضا أن يستنـزفوا جهودهم لتحقيق ذلك كله. يقول سيدنا المسيح الموعود :

“إن الله قال في القرآن الكريم يا عبادي لا تقنطوا من رحمتي، فإني رحيم كريم وستار وغفار، وأنا أرحمكم أكثر من الجميع، ولن يرحمكم أحد كما أرحمكم، فأحِبُّوني أكثر من حبكم لآبائكم لأنني في الحقيقة أكثر حبا لكم منهم، إذا أتيتموني فسوف أغفر لكم جميع الذنوب، وإن تتوبوا أستجب لكم، وإذا أتيتموني ببطء فسآتيكم هرولة، ومَن بحث عني فسوف يجدني، ومن تاب إلي فسوف يجد بابي مفتوحا له. أنا أغفر ذنوب التائب وإن كانت أكثر من الجبال، ورحمتي عليكم كثيرة والغضب قليل لأنكم مخلوقيَّ. وَسِعَتْكم رحمتي لأنني خلقتُكم.”

 فإذا كان الله في الأيام العادية رحيمًا لهذا الحد فلا أحد يقدر على تصوّر مدى رحمته في رمضان. فالسعداء منا أولئك الذين استفادوا من رحمة الله ومغفرته في الأيام الماضية من رمضان، والفرصة ما زالت سانحة لاكتساب فيوض هذه الأيام، فعندما ينيب إليه الإنسان متواضعا يجده رحيما كما قال سيدنا المسيح الموعود بأن الله تعالى يقول لا أحد يرحمكم كما أرحمكم أنا، فمن تحرّاني فسوف يفوز بي، فللفوز برحمة الله ومغفرته لا بد من البحث عنه، وهو يعلن أنه من بحث عني ولاسيما في هذه الأيام فسيجد بابي مفتوحا، فلست خفيا متواريا؛ كلا بل إنني أمامكم والباب مفتوح. فحين أكد الله في القرآن الكريم على صيام رمضان فقد قال: إني قريب فالله قريب والباب مفتوح؛ يقول : تعالوا والجأوا إلى مغفرتي يقول الله تعالى إن غضبي على الخلق قليل حتى في الأيام العادية ورحمتي أكثر، أما في أيام رمضان هذه فمن سنتي أني أفتح للناس أبواب الرحمة أكثر من ذي قبل وأسترهم برداء مغفرتي. إن الله تعالى قد أبدى نوعا من الأسف على العباد في قوله:

  لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (النساء 65)

أي إنني رحيم وكريم وأقبل التوبة وأستر تحت رداء مغفرتي لكن الإنسان رغم ذلك كله يظلم نفسه ولا يطلب مني المغفرة. فإن تنبيه الله لنا إلى الاستغفار بشتى الأساليب ومختلف الطرق يفيد أن استغفار العبد يستنـزل رحمة الله. ويخطئ من يقول إن الاستغفار لم يفدهم شيئا، كما يقول سيدنا المسيح الموعود مشيرا إلى الحديث القدسي الذي يقول فيه الله : ومن أتاني مشيا أتيته هرولة، وكما قال الله نفسه في القرآن الكريم:

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُـمْ سُبـُلَنَا (العنكبوت 70).

فالاستغفار أحد سبل التقرب لله ، لكن يجب أن نعرف ما هو الاستغفار. أقدم لكم معانيه التي بيَّنها سيدنا المسيح الموعود ؛ حيث يقول حضرته: المعنى الأصلي والحقيقي للاستغفار هو أن يلتمس العبد من الله ألا يظهر فيه أي نوع من الضعف البشري، وأن يساند الله بقوته العبدَ ويُدخله في حلقة نصرته وحمايته. فمعناه أن يستر الله بقوته الضعفَ الفطري للإنسان المستغفِر.”

الحق أنه لا بد أن يظهر من الإنسان ضعفُه الفطري، فالإنسان بشر ضعيف ويظهر منه الضعف بين حين وآخر، والشيطان يتربص به كل حين وآن. وعندما يضعف الإنسان روحانيا يهاجمه الشيطان فورا فلا يمكن أن ينجو الإنسان من هجمات الشيطان إلا بالدوام على الاستغفار وبذل المساعي للفوز برضوان الله تعالى. وعندئذ يمكن للإنسان أن يعيش في حلقة حماية الله ونصرته. وإلا فكما قال رسول الله إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، فحيثما حصل الضعف هاجمه الشيطان. فلن تنفعنا أيام المغفرة هذه إلا إذا حاولنا أن نجعل فيوض هذه الأيام جزءا لا يتجزأ من حياتنا، وننتبه إلى نقاط ضعفنا ونعالجها بالاستغفار لكي نبقى داخل حلقة الله، وإلا فكما أن الإنسان لا يشفى من بعض الأمراض كاملة رغم علاجها ولا تفارق جسده بل تختفي بحيث لا تظهر أي علاماتها في بادي النظر لكنها تتنشط وتعاود المريض مرة أخرى أحيانا. وحين يصاب الإنسان بمرض آخر أو حين يضعُف جسدُه تتنشط هذه الأمراض القديمة النائمة وتهاجمه من جديد، كذلك الحال بالنسبة لأمراض الإنسان النفسية والأخلاقية والروحانية. فما لم يسْعَ المرءُ للعمل بأحكام الله باستمرار ولم يكبح هذه الحالات أو هذه الأمراض الروحانية بعون الله تعالى مستغفرا إياه لتنشطت الأمراض من جديد وحاولت إعادة الإنسان إلى حالته الأولى. فالاستغفار لا يعني طلب المغفرة من الذنوب فقط، بل لا بد منه من أجل التجنب من الذنوب في المستقبل أيضا، لكي يتبدل الضعف الفطري باستمرار بالقوة التي تمكنه من السير على دروب رضوان الله بصورة كاملة.

فمن منّة الله العظيم علينا أنه أمرنا بالدوام على الاستغفار بالجهد الدؤوب من ناحية، ومن ناحية أخرى يدرّبنا مرة واحدة في العام في دورة تربوية مكثفة لنسعى للفوز بمزيد من قرب الله . وحين ندخل في حلقته مرة يجب أن نسعى للترقي إلى مزيد من الدرجات العليا داخل تلك الحلقة. وعندما نطلب من الله المغفرة واضعين نصب أعيننا هذا الهدف السامي فعندئذ ستكون هذه العشرة التي نمر بها مدعاة لستر ذنوبنا وخطايانا وتقريبنا إلى الله تعالى. لكن لو كان مفهومنا لهذه العشرة مقتصرا على صيام رمضان وأداء الصلاة وبعض ركعات النفل أثناء شهر رمضان فقط، ثم ضربنا عرض الحائط في بقية أيام السنة ما قمنا به من العبادات أثناء هذا الشهر الفضيل فلن تكون هذه العشرةُ عشرةَ المغفرة. ولا يمكن أن نستفيد من هذا الشهر وهذه العشرة حق الاستفادة ولا يمكن أن نخرج منهما بنجاح إلا إذا عقدنا العزم وبذلنا السعي ألا نعيد ونكرر الذنوب والخطايا التي صدرت منا في الماضي. فهذا هو الاستغفار الحقيقي والتوبة التي يريدها الله منا. الاستغفار والتوبة كلمتان اثنتان وسأشرح لكم ما هو الفرق بينهما. فكما يعرف كل من يقرأ القرآن الكريم أن الله استخدم هاتين الكلمتين في قوله:

  أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (هود 4)

وفي هذا الخصوص يقول سيدنا المسيح الموعود :

“تذكروا أن هذه الأمة قد أُعطِيت شيئان، أولهما اكتساب القوة، والثاني: إظهار القوة المكتسبة على صعيد عملي.”

أي أن الاستغفار سلاح نقاوم به الشيطان، أما التوبة فهي استخدام ذاك السلاح، أي استخدام تلك القوى التي تُبعد الشيطان عنا ولا تخضع له نفسنا. ولنيل هذا الهدف هناك حاجة لبذل المساعي باستمرار لإحراز الحسنات والأعمال التي أمرنا الله بها. وإلا لن يسفر الاستغفار عن نتيجة مرضية ولن تترتب عليه المغفرة. وإذا كان الصائم يصلي النوافل بالإضافة إلى الصلاة المكتوبة ويقرأ القرآن الكريم وإذا سنحت له الفرصة يجلس في درس القرآن أيضا.. لكنه رغم ذلك كله لن يكون استغفاره استغفارا حقيقيا إذا كان لا يعمل بالأحكام التي أنزلها الله تعالى في القرآن الكريم حول حقوق الإخوة كما أن توبته ليست حقيقية، وإن سعيه للاستفادة من بركات الصيام أيضا ليس سعيا صادقا. ولن يفيدكم الاستغفار إلا إذا استخدمتم القوة – التي نحصل عليها بالاستغفار- من أجل الله وفي سبيله بإخلاص. لقد وهبنا الله قوة للتخلص الذنوب، ووفّقنا للاستغفار لكي نجعل قلوبنا فارغة من الذنوب فعلينا أن نحاول أن نملأ هذا الفراغ بالحسنات فورا، ونحدث تغييرا طيبا في النفوس فورا وإلا إذا ظل إناء القلب خاليا فسوف يملؤه الشيطان مرة أخرى بالأنجاس والأدران. لذا فقد قال الله :

  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا (التحريم: 9)

فالاستغفار الذي يجلب لكم الغفران الدائم هو ذاك الذي يقترن بالتوبة النصوح، والذي يزيِّنه الإنسان بالحسنات حيث يولي دوما حقوقَ الله وحقوقَ العباد اهتماما خاصا ويقوم بهذا الصدد بجهد دؤوب.

ما الذي يجب على الإنسان فعله للتمكن من التوبة النصوح؟ ففي هذا الصدد قد وجّه سيدنا المسيح الموعود أنظارنا إلى ثلاثة أمور،

أولها: أن كل سيئة وفكرة خبيثة تنشأ أولا في الدماغ. وما دمتم لا تبذلون المساعي لتطهير الأذهان فلن تتمكنوا من توبة نصوح إذ لا يجدي مجرد النطق باللسان “أستغفر الله ربي من كل ذنب وأتوب إليه” ما لم يتماش الذهن معه.

ثانيا: إذا استولت الفكرة السيئة على الذهن ولم تفارقه فيجب أن يقلق الإنسان بسببها ويندم بالإضافة إلى السعي لطردها. وكلمة الذنوب لا تقتصر على الكبائر فقط بل إن الذنوب الصغيرة مثل غصب حقوق الآخرين والتنابز بالألقاب أيضا يندرج تحت قائمة الذنوب وهي تحرم الإنسان من أن تُقبل توبته. إن كثيرا من الناس يحاولون هضم حقوق الآخرين، حتى إن بعض الأشقاء أيضا يسلبون حقوق بعضهم بعضا ويحاول الزوجان خداع بعضهما بعضا. فإذا كان أحد يقوم بمثل هذه التصرفات وإلى جانب ذلك يرجو من الله تعالى المغفرة ويزعم أنه يتوب إليه أيضا، فإن زعمه هذا باطل تماما ولا حقيقة له مطلقا. إن التوبة الحقيقية والصادقة هي أنه إذا صدر من الإنسان خطأ أو تقصير – مهما كان بسيطا – فإنه يندم عليه ندامة حقيقية.

ثالثا: أن تكون لدى المستغفِر عزيمة قوية على ترك السيئات. فلو ظن أحد أنه سيتحاشى السيئات وغصْبَ حقوق الآخرين  في شهر رمضان لأنه شهر المغفرة، وأنه سوف يعود إلى ما كان عليه قبل رمضان، فإن الله تعالى العليم بذات الصدور لا يغفر لمثل هؤلاء الناس. فقد قال الله تعالى بصراحة تامة:

  تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا (التحريم 9)

 أي عليكم أن تتوبوا توبة خالصة وصادقة لا تشوبها شائبة من الخديعة. والحق أنه لا يمكن لأحد أن يخدع الله .

فالاستغفار لا يعني طلب المغفرة من الذنوب فقط، بل لا بد منه من أجل التجنب من الذنوب في المستقبل أيضا، لكي يتبدل الضعف الفطري باستمرار بالقوة التي تمكنه من السير على دروب رضوان الله بصورة كاملة.

يقول سيدنا المسيح الموعود عمّن يتمسّك بهذه الأمور الثلاثة: “عندها يوفقه الله تعالى للتوبة الخالصة حتى تزول عنه تلك السيئات كاملة وتحل محلها الأخلاق الحسنة والأوصاف الحميدة. ويُعتبَر ذلك انتصار للأخلاق الفاضلة، ولا يأتي التوفيق لذلك إلا من الله لأن القدرة والقوة كلها في يده .”

لقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم هذه التوبة النصوح التي تُبدِّل السيئاتِ حسناتٍ فقال:

  إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا (الفرقان 71)

إذن، فهناك حاجة لإحداث الانقلاب في النفوس، وهو أن يجاهد الإنسان بالاستغفار أولا من أجل تطهير الأذهان، ثم يظهر الندامة على كل سيئة تصدر منه – مهما كانت صغيرة – ثم يعقد عزما صميما على أنه لن يقترب السيئة مهما كانت الظروف ومهما كانت الإغراءات قوية، بل سيحاول أن يجعل كل عمله وفعله تابعا لمرضاة الله . كما سيحاول في أيام الصيام هذه التي أتيحت له أن يروِّض نفسه على الصبر والتضحية. وإن هذه المحاولة المخلصة هي التي سوف تفيده لنيل بركات الصيام لذا عليه أن يثابر عليها. وعندها فقط تنفعه عشرة المغفرة هذه لكي تُغتَفَر ذنوبه. وفي هذه الحالة لن تقتصر المغفرة على العشرة الوسطى من رمضان فقط بل العشرة الثالثة أيضا ستصبح مدعاة لمغفرته. ثم لن يقتصر الأمر على رمضان فقط بل كل شهر وكل سنة بل كل يوم من أيام السنة سيكون سببا لمغفرته. فعلينا أن نفهم جيدا هذا السر الذي يكمن في قول النبي حيث قال:

 “أوسطه مغفرة.”

يقول سيدنا المسيح الموعود :

 “هل يُعقل أن يتوب الإنسان إلى الله بصدق القلب ولا يتوب الله عليه؟ بل الحق أن الله الذي هو كريم ورحيم للغاية يتوب على العبد أكثر من توبة العبد إليه ، لذا فقد وردت في القرآن الكريم صفة الله: “التواب”. إن توبة العبد تكون عن طريق الندم والتذلل والتواضع. أما توبة الله فتكون بالرحمة والمغفرة.”

فالسعداء منا هم أولئك الذين يستغفرون الله تعالى استغفارا حقيقيا ويتوبون إليه توبة نصوحا، ثم يلاحظون تأثيراتهما على أنفسهم في شهر رمضان ويشاهدون مشاهد رحمة الله ومغفرته.”

الحق أن التقصيرات لا تصدر إلا من العباد فحسب، وإلا فكما قال سيدنا المسيح الموعود إن الله تعالى يتوب على العبد أكثر من توبة العبد إليه بكثير. بل يقول الله تعالى أنه يريد أن يعود العبد إليه ويتوب فيَقبل توبتَه كما يقول:

وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ (النساء 28)

فكيف يمكن ألا يفعل أو ينجز الله تعالى ما اختاره بنفسه. فمن واجب العبد أن يخضع أمام الله تعالى مستغفرا إياه ثم يرى كيف يتوب الله عليه ويأتيه. ففي هذا الشهر، حين تنـزل رحمة الله ومغفرته على عباده أكثر بكثير مقارنة بالأشهر الأخرى، علينا أن نستفيد منها بكل ما في وسعنا ونجعل نصب أعيننا دائما قول الله :

  وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا (الفرقان 72).

فكما يتضح من هذه الآية أن التوبة الصادقة والحقيقية مشروطة بالأعمال الصالحة.

فكما قال النبي أن الله تعالى قد جعل العشرة الوسطى من رمضان عشرة المغفرة. وإن هذه المغفرة سوف تُظهر تأثيرها حين نجعل جميع أعمالنا تابعة لمرضاة الله . فحين ندخل بالأعمال الصالحة والاستغفار في العشرة الأخيرة من رمضان تصبح هذه العشرة مدعاة لعتقنا من النار كما قال النبي . يقول الله تعالى:

  وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (الأنفال: 34)

إن الله تعالى ينصحنا بطرق عديدة بما فيها بيان أحداث الذين خلوا من قبل، وبيان أحداث الأنبياء السابقين وتقديم النصائح بواسطة الأنبياء، فيوضح لنا كيف يمكننا أن نستغفره وكيف عامل الأمم الخالية وكيف ستكون معاملته مع الأمم المعاصرة.

ومن البدهي أن الإنسان إذا كان يسعى لأداء حقوق الله وحقوق العباد بتركيز خاص، ويحافظ على صلواته ويزيِّنها بالنوافل، ويداوم على الاستغفار، ويسعى للعمل بالصالحات الأخرى. فقد ورد في الحديث النبوي الشريف أنه إذا خاصمه أحد أو شاتمه فلا يرد عليه بمثله بل يقول له: إني صائم، وأمرّ في التدريب الروحاني الذي أسعى جاهدا أثناءه أن أجعل طاعة أوامر الله تعالى جزءا من حياتي اليومية. فلا بد أن شخصا مثل هذا يفوز برضوان الله تعالى. ومن نال رضى الله تعالى فقد نجا من النار، ودخل الجنة. وورد في مستهل الحديث الذي ذكرته أن مَن تقرَّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر. والصبرُ ثوابُه الجنة، وشهر المواساة والأخوة أي مشاطرة أحزان الآخرين ومعاملتهم بلطف ولين، والعفو والصفح عنهم، وإقامة التآخي والتحابب والتآلف فيما بينهم. وإنها لأمورٌ تقود الإنسان نحو أداء حقوق العباد واكتساب الأعمال الصالحة. بل بعبارة أخرى هي نفسها تلك الحقوق والأعمال. فمَن اجتمعت فيهم جميع هذه الخصال فقد بشرهم الله تعالى بالنجاة من النار، وبشرهم النبي بالجنة بسبب التزامهم بالحسنات وطاعتهم لأوامر الله وتمسكهم بالصبر مقابل الاضطهاد والظلم.

نلاحظ في رمضان أن العلماء المزعومين يحاولون استخدام طرق جديدة لممارسة الظلم والاضطهاد على الأحمديين في باكستان، وفي البلاد الأخرى التي استطاع فيها العلماء المزعومون إضلال الناس بشكل عام.

فكما قلتُ في الخطبة الماضية إن الأحمديين يتعرضون لجرح مشاعرهم ويتحملون الأذى النفسي والمالي والاضطهاد. ولكن المسيح الموعود أوصانا أن نبقى متشبثين بأهداب الصبر ولا ندعه يفلت من أيدينا. وإن المؤمن الذي يتحلى بالصبر في رمضان ويعمل الصالحات يبشره الله تعالى ورسوله بالجنة. لذلك ينبغي على كل أحمدي في هذا الشهر التربوي بشكل خاص أن يسعى من خلال أدعيته واستغفاره وأدائه النوافل وتحلّيه بالصبر لجذب رضى الله تعالى ونيلِ جنته. يقول الله تعالى لأمثال هؤلاء الذين يرجون رضى الله وجنانه:

  وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (الإنسان:13)

أي إنهم يوهَبون الجنة والحرير بسبب ثباتهم على الحسنات وتمسكهم بالصبر. يعرف الأحمديون أنهم لا يتعرضون للظلم والاضطهاد اليوم إلا لأنهم آمنوا بالإمام المنتظَر طاعةً لأمر الله. فإذا كان العدو يضطهدنا لهذا السبب فدعوه يمارس اضطهاده، وعليكم أن تتحملوه بكل صبر وثبات لأن ذلك سيجلب لنا رضى الله تعالى. لقد تكرر في القرآن الكريم إنذار للظالمين، والله أعلم ماذا سيفعل بهؤلاء الذين يذكون نار العداوة ضدنا، غير أنه من واجبنا في هذه الأيام أن نسترحم الله تعالى للبشرية عموما وللأمة الإسلامية خصوصا. يظن بعض الأحمديين أنه لا يمكن أن تخرج كلمة الدعاء للظالمين بعد أن مارسوا مظالمهم. ولكن يجب أن نتذكر دوما أن أغلبية المسلمين يتحلون بحماس لدينهم بشكل عام ولكنهم يجهلون علوم الدين أو لا يعرفون إلا النـزر القليل منها، أو أنهم يخافون العلماء المزعومين الذين يُضِلّونهم عن سواء السبيل. فاسعوا جاهدين في هذه العشر الأواخر من رمضان لنيل درجة العتق من النار ودخول الجنة متحلين بالصبر، ومركّزين على الأدعية وأداء النوافل، ومستغفرين وتائبين وعاملين الصالحات، ومتشبثين بأهداب الورع والتقوى. ويجب أن نسعى أيضا للانتفاع من أيام رمضان حق الانتفاع حتى نصبح من أولئك الذين يقول الله تعالى عنهم:

  وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (ق 32-33)..

وهذا هو وعد لمن يخضع أمام الله تعالى ويحافظ على أعماله الحسنة، ويعمل بحسب أوامر الشريعة وأحكامها. فينبغي أن يسعى كل واحد منا لقضاء أيام رمضان هذه بحسب ما أمرنا الله تعالى ورسوله. وفّقنا الله تعالى في العشر الأواخر لكسب الأعمال الصالحة ولجمع البركات والفوز برضوانه والدخول في جنانه، آمين.

اليوم أيضا سوف أصلي صلاة الغائب على بعض المتوفين……… صلاة الجنازة الثانية التي سوف نصليها بعد قليل هي لأختنا السورية “مروة الغالول” التي توفيت إثر حادث تعرضت له عندما صدمتها سيارة بينما كانت تمشي، فنُقلت إلى المشفى حيث توفيت عن عمر يناهز 24 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون.

كانت قد عملت بكل جد وإخلاص في موقع “أجوبة عن الإيمان”، حيث أنجزت بعض الأعمال الصعبة فيه. ونقلت إلى العربية كتابا بعنوان “الزكاة” من موقعنا المركزي “الإسلام” www.alislam.org

وكانت عند تعرضها للحادث ذاهبة إلى المطبعة أو أي مكان آخر لطباعة نسخة أولى لهذا الكتاب. كانت ورعة وتقية ومتحمسة لخدمة الدين، كانت تطلب دوما أن يُعهَد إليها أي عمل لخدمة الدين. وهي خطيبة السيد محمد ملص المقيم في لندن الذي يخدم في قناتنا العربية. وكانا سيتزوجان قريبا ولكن هكذا كانت مشيئة الله. غفر الله تعالى لها ورفع درجاتها وألهم أهلها الصبر والسلوان.

لكي نجعل قلوبنا فارغة من الذنوب فعلينا أن نحاول أن نملأ هذا الفراغ بالحسنات فورا، ونحدث تغييرا طيبا في النفوس فورا وإلا إذا ظل إناء القلب خاليا فسوف يملؤه الشيطان مرة أخرى بالأنجاس والأدران.

الجنازة الثالثة أيضا لأخ مخلص من سوريا السيد سامي قزق الذي توفي قبل أيام قليلة. كان ابنا لأحمدي فلسطيني مخلص هو خضر قزق. كان في فترة شبابه خادما متحمسا. اشترك في الجلسة السنوية ببريطانيا عام 1996م وحظي بلقاء الخليفة الرابع رحمه الله، ولما تلقى منه رحمه الله معاملة الكرم والمحبة ازداد إيمانا وإخلاصا. فلما رجع إلى سوريا أعطى بيتا ملكا له هناك ليُستخدم لأغراض الجماعة دون أن يأخذ مقابله مليمًا واحد. وقال عندما جاء إلى الجلسة: الآن عرفت ما هي الجماعة الإسلامية الأحمدية. كان إنسانا صالحا لطيفا وطيب المعشر، مساعدا للفقراء والمحتاجين، رفع الله درجاته، ووفق أولاده أيضا للدخول في الأحمدية. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك