أساس العبادة.. إقامة الصلاة
التاريخ: 2008-07-25

أساس العبادة.. إقامة الصلاة

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • ذكر التحضيرات لاحتفالات الجلسة السنوية لعام 2008 بالمملكة المتحدة تزامنًا مع الاحتفال بيوبيل الخلافة
  • في الجلسة: الصلاة.. الصلاة
  • عدم الصلاة يعني انقطاع بركات الخلافة عنك
  • الصلاة أساس الإيمان وصلاح الدينا أيضًا

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

قبل أيام قليلة من هذا الأسبوع احتفلنا بيوم الخلافة بفضل الله تعالى ومنّته. وكما قلت في كلمتي بتلك المناسبة فقد كان ليوم الخلافة في هذا العام أهمية عظيمة، لأن هذا اليوم لا يأتي في حياة الإنسان عادةً إلا مرة واحدة، أو إذا عاش حياة طويلة فإن مثل هذا اليوم يأتي مرة واحدة في حياته وهو في كامل وعيه، اللهم إلا إذا كان الله تعالى قد منّ عليه منة خاصة فأعطاه قوى قوية سليمة، فظلّ في كامل وعيه رغم طول العمر. على أية حال، إنه لمن فضل الله علينا أن أتاح لكثير من الأحمديين أن لا يشهدوا يوبيل الخلافة فحسب، بل يوبيلين اثنين في تاريخ الجماعة الممتد إلى 120 سنة. فنظرًا إلى هذه المنن تمتلئ قلوب الأحمديين بمشاعر الشكر لله تعالى. فقد احتفلنا باليوبيل المئوي الأول قبل 19 عاما أعني في عام 1989م لدى مرور مئة عام على تأسيس الجماعة الإسلامية الأحمدية، ثم احتفلنا في 27 مايو / أيار من هذا العام بعيد الشكر على مرور قرن على قيام نظام الخلافة، ولا تزال مختلف فروع الجماعة في العالم تحتفل بهذه المناسبة. وإن كثيرا من الأطفال في الجماعة اليوم لم يكونوا قد وُلدوا في عام 1989م، أو لم يكونوا قد بلغوا سن الإدراك، كما أن كثيرًا من الأحمديين لم يكونوا قد انضموا إلى الجماعة إلا بعد ذلك العام، فلا يعرف هؤلاء شيئا عن اليوبيل المئوي لتأسيس الجماعة، غير أنهم احتفلوا بهذا اليوبيل يوبيل الخلافة، ولا بد أنهم قد مروا ولا يزالون يمرون بتجربة رائعة لا مثيل لها. لقد أقام المسلمون الأحمديون في العالم كله برامج خاصة احتفالاً بيوبيل الخلافة ولا يزالون يقيمونها في فروع كثيرة، كما أنهم شاركوا في الاحتفال المركزي بواسطة MTA. قد تستمر برامج بعض فروع الجماعة إلى نهاية هذه السنة نظرًا لظروفهم المحلية. أما الاحتفال المركزي الذي عُقد في “إكسل سنتر” بلندن فقد بلغ عدد الحضور فيه 18000 أو 19000 نسمة، وشارك فيها مندوبون من فروع الجماعة في العالم كله. إن مشاهد الحضور التي نُقلت من قاديان وربوة قد تركت أثرًا عجيبا في نفوس المشاهدين، فقد بدأت تصلني رسائل وفاكسات الإخوة والأخوات حاملةً مشاعرهم بهذا الصدد. فبفضل الله وإحسانه، قد استولت حالة روحانية خاصة ليس على الحضور الموجودين أمامي في تلك الصالة فقط، بل على جميع الأحمديين الذين كانوا يستمعون ويشاهدون فعاليات هذا الاحتفال في مختلف أرجاء المعمورة، سواء كانوا يشاهدونها منفردين أو مع أفراد الجماعة، في بيوتهم أو مع أقاربهم وعائلاتهم، فكل واحد منهم نال نصيبًا من هذه الحالة الروحانية، وكأن الله تعالى قد جعل جميع الأحمديين في شتى بلاد وبقاع العالم يمرون بتجربة روحانية فريدة خرطتهم في سلك الوحدة. ولا جرم أن هذا دليل على صدق المسيح الموعود ، وتحقيق لوعود الله تعالى معه، ولقد عاينَه وشعر به الأحباب والأغيار على حد سواء. إن يوم 27 مايو / أيار الذي اكتملت فيه مئة عام على قيام الخلافة في الأحمدية، قد أرى الأحبابَ والأغيار آياتِ تأييد الله تعالى ونصرته. لقد سادت هذه الحالة الروحانية كل من كان حاضرًا في تلك الصالة رجالا ونساء وأطفالا بحيث أخبرني كل من لقيني أن هذا الاحتفال قد جدَّد إيمانه. وكما قلتُ، لم يكن حال الأحمديين الآخرين في العالم مختلفًا عن حالهم، إذ أعرب الجميع مِن كل مكان عن حبهم وتقديرهم وولائهم للخلافة. فقد كتب لي أحدهم: أشعر كأنني أصبحت اليوم أحمديا من جديد. وكان هناك البعض الذين كانت تراودهم بعض الشكوك رغم بيعتهم للخليفة الخامس، ولم تكن قلوبهم مطمئنة تمامًا، فقد كتب هؤلاء أيضا: لقد استغفرنا الله تعالى كثيرا الآن، ونعترف لكم بأن الله تعالى قد طهّر قلوبنا ببركة هذا الاحتفال، بل الأحرى أنه تعالى قد غسّلها ونقّاها وصقَلها، وها إننا نعاهدكم الآن أننا سنكون مستعدّين من الصميم لتقديم أية تضحية من أجل الخلافة، كما سننفخ في ذرياتنا روحًا تجعلهم يستفيضون بفيوض الخلافة على الدوام بإذن الله تعالى.

وكتب أحدهم: إذا كان مجلس ما سببًا لإحياء الموتى فكان هذا الاحتفال وخطابكم فيه يمثّل ذلك المجلس.

أدعو الله تعالى أن يكون هذا الاحتفال قد أحدث انقلابا حقيقيا في نفوس الأحمديين، كما أدعوه تعالى لدوام هذا الانقلاب، وأن نكون عبادا شاكرين له ونحافظ دوما على التغييرات الحسنة الحاصلة في قلوبنا.

لقد نظر الناس الساكنون حول “إكسل سنتر” إلى الأحمديين الذين اجتمعوا هناك بحيرة شديدة متسائلين: من هؤلاء القوم؟ علمًا أن الانطباع السائد في أوروبا أن المسلمين لا يعرفون الانضباط ولا النظام، ولهم تقاليد عجيبة غريبة؛ ولكن هؤلاء القوم قد دُهشوا كثيرًا لما رأوا الأحمديين في هذا الاحتفال إذ قالوا إنهم يبدون مسلمين ولكنهم يراعون النظام، وبرغم أن معظمهم من جنسيات آسيوية إلا أن هناك أناسًا من جنسيات أخرى قد انضموا إليهم، وأنهم جميعا رجالا ونساء وشيوخا وشبابا وأطفالا متّجهون إلى جهة واحدة، وأمارات الحب والتقدير المتبادلين اللذين يضمرونهما في قلوبهم باديةٌ في وجوههم، بل ترشح من كل عضو من أعضائهم.

قالت إحدى موظفات الأمن في “إكسل سنتر” لسيدة أحمدية: إن هذا المشهد غريب بالنسبة لي، وإني أمرّ بمثل هذه التجربة للمرة الأولى، وعرفت اليوم ما هو الإسلام، وإنني أرغب في أن أعتنق الإسلام برؤية هذه المشاهد وحدها.

إن هؤلاء القوم ينفعلون بسرعة من بعض الأمور فيُبدون انطباعهم فورا إزاءه، ولكننا ندعو أن يجعل الله تعالى تلك المشاهد تُحدثُ تغيرات حسنة في قلوبهم. إن غايتنا أن يعرف العالم خالقَه، ويجتمع تحت راية سيدنا محمد ، أيا كانت الوسيلة التي يفهم به هذه الحقيقة.

في هذا الاحتفال ليوبيل الخلافة قد رأى الأحباب والأغيار مشاهد وحدة الأمة، الأمر الذي هو خاص اليوم بجماعة المسيح الموعود . اليوم إذا كانت هناك جماعة في حرز العافية طبقًا لوعد الله تعالى فإنما هي جماعة المسيح المحمدي فقط، أما الآخرون فهم عرضة للتشتت والتشرذم، وسيبقون هكذا ما لم يُقَدِّروا نعمة الله هذه حق قدرها، وما لم يستجيبوا لدعوة النبي الذي أوصى الأمة أنه إذا ظهر الإمام المسيح والمهدي: “فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ” (مسند أحمد، مسند أبي هريرة ). وإن حالة المسلمين الآخرين خير شاهد على الفرقة والتشتت. وإن ابتعاد أهل الأديان الأخرى عن الله تعالى لدليل على أنهم سقطوا في حضن الشيطان، ونسوا إلههم الذي خلقهم، ونسوا الغاية التي خُلق الإنسان من أجلها، بل أصبحوا لا يشعرون الآن إذا كان ثمة هدف من خلقهم. فليس اليوم في العالم جماعة تعرف هذا الهدف وتسعى جاهدة للوصول إليه إلا جماعة المسيح الموعود ، وليس اليوم سوى جماعة المسيح الموعود التي استمسكت بتلك العروة الوثقى التي تنير لها دروبها القويمة، والتي أعطى الله ضمانا لها بأنه لا انفصام لها. لقد وفق الله بمحض فضله الأحمديين اليوم أن يستمسكوا بعروة ذلك الإناء الذي ملأه الله تعالى بواسطة المسيح المحمدي بماء روحاني زلال. إنه ماء يهب الحياة، وبِشُربه يستطيعُ المؤمن بلوغ الدرجات العلى من الروحانية. وثمة معنى آخر للاستمساك بالعروة وهو أن من يستمسكْ بها يسلَمْ إيمانُه. فمن يدخل في طاعة المسيح المحمدي، ويعقد معه عهد البيعة، ثم يحاول العمل بحسبه، فسوف يزداد إيمانًا على الدوام، وسيبقى إيمان المستمسكين بهذه العروة سليما في جميع الأحوال وعند كل معارضة. فإن المؤمن الذي يستمسك بهذه العروة لا يتخلى عنها ولو ضحى بحياته. إن تاريخ الأحمدية مليء بأحداث ووقائع تؤكد أن عواصف المعارضة لم تستطع زعزعة إيمان  المستمسكين بالعروة الوثقى. لقد قُتل الأبناء أمام الأمهات، وقُتل الآباء على مرأى من الأبناء بتعذيب شديد، واستُشهد الأبناء أمام أعين الآباء، وجُعل الأحمديون عرضةً لصنوف الأذى والتعذيب لردّهم عن إيمانهم، حتى تعرض بعضهم لتعذيب شديد بطيء مستمر، ومع ذلك لم يزلزل هذا كله أقدامهم من إيمانهم القوي الذي ثبتوا عليه. إنها ليست قصصا من الماضي بل قد حدثت أحداث مماثلة في السنة الراهنة أيضا.

فإن احتفالنا اليوم بيوبيل الخلافة، إنما هو تعبيرنا عن فرحتنا بنـزول أفضال الله علينا أمطارًا غزيرة حيث اكتملت مئة عام على قيام الخلافة. إنه احتفال بما أعطانا الله تعالى أثناء هذا القرن من حدائق غنّاء نتيجة اعتصامنا بهذه النعمة الإلهية، نعمة الخلافة. عندما نفرح برؤية هذه الحدائق الغنّاء شاكرين الله تعالى، فيجب أن نتذكر الشهداء الأحمديين الذين سقوا هذه الحدائق بدمائهم الزكية، وضربوا على قوة إيمانهم أروع أمثلة هي فصول ذهبية من التاريخ. وعلينا أن ندعو لهم ولأولادهم.

من معاني العروة: المرعى الأخضر الدائم الخضرة الذي لا يذبل نتيجة شح المطر. إذن، المراد من المرعى هنا جماعة المؤمنين التي أعطاها الله للمسيح الموعود، ومن المقدر لهذا المرعى أن يبقى مخضرًّا إلى الأبد، إذ تكفيه أقل بلّة لتجعله زروعًا خضراء وحدائق غنّاء. فلو تمسكتم بهذه العروة الوثقى لورثتم هذه الإنعامات العظيمة كابرًا عن كابر. فحين قال الله تعالى:

  فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ

 قال بعدها:

  فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا والله سميعٌ عليم ..

 أي أن الذين يتمسكون بهذه النعمة بإخلاص ويدعون الله تعالى ليوفقهم للتمسك بهذه العروة الوثقى فليعلموا أن الله تعالى مجيب الدعوات، ويعلم ما في الصدور، فلن يضيع الجهود والأدعية التي تتم بحسن النية، وستظل قلوبنا عامرة بالإيمان، ولن نبرح نتمتع بالإنعام الإلهي أيضا، ويقوّي الله إيمان كل واحد منا. وبسبب حسن نيّاتنا سيرزقنا الله تعالى وذرياتنا الإيمان، ويورثنا وذرياتنا زروعا خضراء وحدائق غنَّاء.

فالمشاهد التي نشاهدها اليوم بمناسبة مرور مائة عام على قيام الخلافة، والتي نحيي بها إيماننا، والحقول الخضراء التي نراها متمثلة في وحدة الجماعة وازدهارها والتي أذهلت الأغيار وزادت بعض الحساد منهم حسدًا كما يحدث في باكستان مثلا، أقول إن هذا كله ليس إلا نتيجة لإيماننا بالمسيح الموعود وتمسكنا بالخلافة كما تنبأ به سيدنا رسول الله . يقول المسيح الموعود : “إن معجزات الأنبياء السابقين قد انتهت مع وفاتهم، أما معجزات نبينا الأكرم فلا تزال تظهر حتى اليوم ولن تزال تظهر إلى يوم القيامة. وكلّ ما يظهر من آيات لتأييدي إنما هو معجزات النبي في الحقيقة.”

ندعو الله تعالى أن يوفق جميع الأحمديين للتمسك بعتبته وبأهداب النبي ، ويجعلنا خدامًا أوفياء للمسيح الموعود العاشقِ الصادق للنبي ، ويوفّقنا أيضا للوفاء بجميع العهود التي عاهدناه عليها لحماية الخلافة الإسلامية الأحمدية. الواقع أن المشاهد التي شاهدناها اليوم، والوحدة الموجودة في الجماعة، وعواطف الحب والوفاء للخلافة كل ذلك كان له وقعٌ عظيم على الأغيار، بل إنه بحد ذاته لمعجزة توجب علينا أن نظل خاضعين لله تعالى للحفاظ عليها، ليجعل الله تعالى إنعاماته علينا دائمة نتيجة شكرنا له . ذلك لأن الله تعالى قد وعد المؤمنين أنهم لو شكروه لزادهم نِعمة وإيمانا، وأورثهم أفضاله على الدوام حيث قال تعالى:

  وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم: 8)

وفي هذه الأيام حين أقرأ الرسائل التي أتلقاها من قبل الإخوة تطرأ على قلبي حالة غريبة، وأفكر في نفسي كيف أؤدي حق شكر الله تعالى، إذ إن أفضاله تنـزل على الجماعة بحيث إذا قامت كل ذرة من أجسامنا بحمد الله تعالى لما تمكنا من أداء حقه. وأطّلع أيضا من خلال الرسائل كيف تشكر الجماعة على نعمة الخلافة التي أكرمها الله بها بواسطة المسيح الموعود . أتلقى أعدادا كبيرة جدا من الرسائل المحتوية على الشكر على هذه النعمة بحيث أستطيع القول بدون أدنى تردد إنه ليس في الدنيا أحد إلا أفراد جماعة الإمام المهدي يقوم بأداء واجب الشكر إلى هذا الحد. وما دامت مثل هذه العواطف للشكر باقية ومستمرة ورثنا نحن وذرياتنا نِعم الله تعالى. فعليكم ألا تدَعوا هذه العواطف تفتر أو تخمد. فإن الشكر هو الذي سوف يزرع لنا حدائق خضراء باستمرار ويقوي إيماننا بإذن الله.

الدنيا غارقة اليوم في اللهو واللعب، وليس هناك مَن يرشدهم إلى الصواب. وجماعة المسيح الموعود هي الوحيدة التي تصوِّب اتجاهاتها تحت راية الخلافة. لا شك أنها لنعمة عظيمة لا يمكن لنا تأدية حق شكرها مهما حاولنا. والله تعالى يقول بأنكم لو حاولتم الشكر – لكن ليس باللسان فقط – بل بإصلاح الأعمال لأكثرتُ عليكم نعمتي. لذا فعليكم أن تكثروا من الدعاء. فأرجوكم أن تدعوا لي وأنا بدوري سأدعو لكم حتى لا تفتر عواطف الشكر وبالتالي لا تنقطع نِعم الله تعالى علينا بل تبقى في ازدياد واستمرار.

وكما قلت من قبل، تصلني رسائل كثيرة بالبريد وعبر الفاكس من قبل الإخوة والأخوات والصغار أيضا، فأحاول قدر المستطاع أن أرد بنفسي على تلك الرسائل الفياضة بالحب والإخلاص وبأسرع ما يمكن، ولكن يمكن أن يحدث بعض التأخير في ذلك لكثرة إنشغالي في هذه الأيام في أمور أخرى مثل التحضيرات للجولات المقبلة التي سأقوم بها بإذن الله قريبا.

على أية حال، كما قلت من قبل، وأكرر وأقول وأدعو الله تعالى أن يزيدكم جميعًا إيمانا وإخلاصا. من الرسائل التي أتلقاها ما يجعلني مغلوبا بالعواطف، وأقول في نفسي ما أجمل هذه الأزهار التي جعلها الله تعالى تتفتح في حديقة سيدنا المسيح الموعود والتي يعجز الإنسان من بيان جمالها. أدعو الله تعالى مرة أخرى أن يزيدكم إيمانا وإخلاصا.

من نِعم الله تعالى أيضا القمرالصناعي الذي هو من الاكتشافات الحديثة في هذا العصر، وقد أعطاه الله تعالى للمسيح الموعود . أريد الآن أن أقول شيئا عنه. كما تعلمون أن كثيرا من المتطوعين يعلمون في قناتنا الفضائية MTA، وقليل جدا هم الذين يتقاضون راتبا، بل إن معظهم يكرِّسون أوقاتهم للعمل في هذه القناة بدون أن يتقاضوا مقابلها شيئا. فإنهم يبذلون قصارى جهودهم لجعل برامجها ناجحة وبثها على القناة بأحسن وجه، كما يراها العالم كله. فهم يعملون لكي يقدموا للناس مشاهد نزول أفضال الله تعالى على الجماعة، ويُروهم مشاهد تلك الوحدة التي أكرم الله تعالى بها جماعة المسيح الموعود ، ويواصلون جهودهم ليوصلوا رسالة الله ورسوله إلى أكناف العالم لكي تتوجه إليها الأرواح السعيدة فتعرف الحق والصدق.

لقد بشر الله تعالى المسيح الموعود بازدهار الجماعة وتقدمها عن طريق الإلهامات وملأ قلبه باليقين بأنه سينال وجماعته الغلبة حتما. فهناك إلهامات كثيرة تلقاها حضرته في هذه الصدد، منها ما أوحى الله إليه بكلمات آية قرآنية:

“كتب الله لأغلبن أنا ورسلي”.

وهذه البشرى إشارة إلى غلبة الإسلام وإلى غلبة جماعة المسيح الموعود أيضا، لأن رقي الإسلام وغلبته في هذا الزمن منوطة بالمسيح الموعود بحسب نبوءات النبي ووعود الله تعالى. فمن المقدر أن الله تعالى سوف يهب للمسيح الموعود هذه الغلبة، ولكن لا بد له من أسباب مادية، وقد هيأ الله تعالى من أجله هذه الأسباب في الوقت المناسب دائما وسيظل يهيئها. إن الكتب التي ألفها ونشرها حضرته في زمنه – بل الأحرى أن أقول إن هذا الكنـز الكبير  الذي وزعه على الدنيا – كانت إحدى وسائل هذه الغلبة الموعودة. أما في هذا العصر فقد هيأ له الله تعالى أسبابا جديدة لتبليغ هذا الكنـز إلى كل أنحاء العالم عبر MTA. كما جعل قناتنا الفضائية MTA وسيلة لإظهار بركات الخلافة الإسلامية الأحمدية التي قامت حسب وعد الله تعالى. إذن، فقناتنا الفضائية هي إحدى الوسائل التي أوصلت ولا تزال توصل دعوة الأحمدية إلى كل أطراف الأرض، معلنةً بصوت عال أن الاكتشافات الحديثة إذا أُحسنَ استخدامها في وقت من الأوقات، فإنما تم ذلك في زمن المسيح الموعود . إن القنوات الثلاث لـ MTA لا تعمل جاهدة على تربية أبناء الجماعة فقط، بل تفحم أيضا المعارضين بالأدلة التي زوَّدنا بها المسيح الموعود . فالله تعالى قد جعل قناتنا الفضائية MTA سلاحًا لنيل الغلبة من جهة، ومن جهة ثانية جعلها وسيلة لإظهار هذه الغلبة. لقد دخلت قناتنا في البيوت كلها محققةً أهدافَ بعثة المسيح الموعود .. أي القيامَ بالمهمات التي كلف بها وقام بها سيده وسيدنا رسول الله ، إذ وُكِّلت إلى المسيح الموعود في هذا الزمن نفس الأعمال، بما فيها إظهار المعجزات وتزكية القلوب ونشر تعليم القرآن الكريم ونثر لآلئ الحكمة بين بني البشر.

وإذا استعرضنا أوضاع اليوم وجدنا القناة الفضائية الإسلامية الأحمدية هي القناة الوحيدة التي تفي بهذه الأغراض والأهداف كـلهـا. هناك قنوات حكومية كثيرة في البلدان الإسلامية إضافة إلى قنوات خاصة للمنظمات الإسلامية العديدة، ولكنكم إذا أمعنتم النظر في برامجها فلن تجدوا في أي منها هذه الأمور الأربعة مجتمعة. فإذا بثّت هذه القنوات شيئا جيدا مرة، فإنها تبث مرارا كثيرة برامج رديئة تثير الضحك، ولا تقدم أي فكرة صحيحة عن الإسلام. ثم هناك في العالم عدد هائل من القنوات، ومن الصعب استمرارها بدون دعايات مشتملة على لغو ولهو وإباحية، وهذا هو حال قنوات البلدان الإسلامية أيضا، حيث يقدمون برامج عابثة سخيفة باسم التسلية والترفيه والاستراحة. فهناك اليوم قناة وحيدة تحقق الغاية المنشودة من خلق البشر، الغاية التي من أجلها بُعث النبي ، وهي قناة غلمان المسيح المحمدي. فعلى الأحمديين أن ينتبهوا إلى أهمية قناتنا من أجل تربيتهم من ناحية، ومن ناحية لأن هذه القناة تدار ببذل جهود ومساع جبارة. فعليكم أن تشاهدوها وتستمعوا إليها باهتمام خاص، ولاسيما خطب الجمعة والبرامج التربوية الأخرى. فثمة حاجة ماسة للانتباه إلى هذا الأمر. وأقول ذلك لألفت انتباهكم إلى شكر الله تعالى على ما أكرمنا به من نِعم لا تُعَدّ ولا تحصى، وعلى ما منَّ على جماعة المسيح الموعود حسب وعوده من نعمة الخلافة التي تصل دعوتها إلى العالم عبر شاشة MTA. هنا يجب أن أوضح أنه إذا لم تكن الخلافة فينا لما كان بوسع أي هيئة أو منظمة إدارة هذه القناة كما تجري الآن عندنا على ما يرام مهما بُذلت الجهود لذلك بنية حسنة. إذًا فإن MTA بركة عظيمة من بركات الخلافة وفضلٌ من أفضال الله على جماعة المسيح الموعود ، فينبغي أن نستفيد منها حق الاستفادة. وقد قلت إن من المستحيل إدارة القناة بدون الخلافة على الشاكلة التي ذكرتها لكي يتولد عند كل واحد منكم الشعور بأن كل نظام أعطاه الله تعالى للمسيح الموعود بحسب وعده فقد ربطه بنعمة الخلافة فاحترِموها دائما. والتغير الذي حدث في كل أحمدي بمناسبة الاحتفال باليوبيل المئوي على تأسيس الخلافة الإسلامية الأحمدية يجب ألا يكون مؤقتا، ويجب ألا يكون هذا الحماس مؤقتًا عابرًا، بل ينبغي أن تتذكروه دائمًا وتجعلوه جزءا لا يتجزأ من حياتكم. كنت أخذت منكم بهذه المناسبة ميثاقا وكان له تأثير كبير في النفوس، وهذا التأثير بادٍ في الجميع، فاسعوا ألا تنسوا هذا العهد أبدًا، لأن الله تعالى قال:

  وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا (الإسراء 35).

وحيث إن تأثير هذا الحدث لا يزال حيًّا في أذهانكم فأذكّركم مرة أخرى بأن هذا العهد يجب أن يظل نصب أعينكم دومًا ليقوي إيمانكم باستمرار. واذكروا أيضا أن أي عهد وأي أمر لا يتحقق بدون فضل الله تعالى، وهذا ما يشعر به كثير من الإخوة، فيقولون لي في الرسائل إننا قد عقدنا العهد، وسوف نسعى للعمل به والوفاء والتمسك به بإذن الله، لكن نرجو منك الدعاء بأن يوفقنا الله تعالى في هذا المرام، إذ لا يتأتى ذلك بدون فضله تعالى.

إذًا فلا بد من العمل بما علَّمنا الله للوفاء بهذا العهد. وهو أن ترفعوا مستوى عباداتكم أكثر من ذي قبل، وأن تعملوا الخيرات أكثر من ذي قبل، وأن تسعوا جاهدين للأعمال الصالحة التي منها طاعة نظام الجماعة أيضا، فبدونه لا يوفَّق المرء لفعل الخيرات ولا للوفاء بهذا العهد، لأن الخلافة هي التي أقامت نظام الجماعة، فلا بد من احترامه وطاعته. وفَّق الله كلَّ واحد منكم للتمسك بعهده والوفاء به، والتقرب إليه تعالى باستمرار.

هذا، وكنا نسعى جاهدين منذ مدة طويلة لشراء قطعة أرض في إيطاليا لبناء مركز للجماعة هناك، والآن وفي اليوم السابع والعشرين من مايو بالضبط تلقينا بشارة من الله أن البلدية هناك استدعت ممثّلَ الجماعة وأخبرته بسماحها لنا بشراء قطعة أرض، وقد عُقدت الصفقة أيضًا. هذا البلد الذي فيه عاصمة المسيحية ومقر قيادتها الدينية إلى الآن قد وهب الله لنا فيه، عند اكتمال مائة عام على إقامة الخلافة الأحمدية، أرضًا لنبني فيها مركزا لغلمان المسيح المحمدي ونشيد فيها بإذن الله مسجدًا يُرفَع من مآذنه اسم الله الأحد ويصدر عنه إعلان وحدانية الله تعالى.

إن المسلمين الأحمديين في باكستان أيضا قد احتفلوا بهذه المناسبة بفضل الله تعالى رغم ضجة المشايخ. فاشتركوا عبر MTA   في الاحتفال الذي أقمناه هنا، كما أقاموا احتفالات محلية أيضا. ورغم الحظر المفروض على احتفالنا أمس أو اليوم من قبل الحكومة، إلا أن الأحمديين لم يشعروا بالحرمان الذي أصابهم عند اليوبيل المئوي على تأسيس الجماعة في عام 1889، حيث صدر عندها مرسوم حكومي يمنع الأحمديين من الاحتفالات رغم جميع الاستعدادات والترتيبات، وفُرض بموجبه حظرٌ على أي فرحة يبديها أي أحمدي، وبأي طريق كانت، حتى توزيع الحلويات والسكاكر على الأولاد. هذه هي الأوضاع هناك.

تذكّروا قبل كل شيء أن يكون الهدف من المشاركة في الجلسة ابتغاء مرضاة الله فحسب، لذا يجب أن تضعوا هذا الهدف نصب أعينكم على الدوام.

وفي هذه المرة أيضا كان الأحمديون قلقين لأن الحزب الحاكم في منطقة البنجاب التي تقع فيها مدينة ربوة مركزُ الجماعة، هو نفس الحزب الذي فرض الحظر في الماضي، ولكن الله تفضل علينا وأكرمنا وانقضى يوم السابع والعشرين بسلام، وشارك الأحمديون في الاحتفال المركزي الذي بُث عبر  MTA من هنا وقاموا باحتفالات أخرى محلية؛ حيث وزِّعت الأطعمة والحلويات أيضًا. وبما أن هذه البرامج كلها قد تمت بمنتهى الهدوء ولم يتنبه لها الكثيرون، فقد ظن المشايخ أن الحظر كان مفروضًا من قبل الحكومة، خاصة أن الجرائد قد نشرت إعلانات كهذه، لذا فقد أعلن المشايخ تفاخرًا بأن الحكومة قد فرضت الحظر على احتفال “القاديانيين” ومنعتهم من توزيع الحلويات على الأولاد ومنعتهم من الابتهاج، وهكذا قامت بإنجاز إسلامي عظيم وأنقذت الأمة المسلمة من الدمار. فكأن الأمة المسلمة إنما تهلك بتوزيع الحلويات على الأولاد! فهذا هو مبلغ عقلهم!! إنهم لا يدركون أن تصرفاتهم هذه تدفعهم إلى هوة الهلاك. لذا فأرجو منكم أن تدعو لباكستان أيضا. أما المشايخ فلم يُقدَّر لهم الهدى على ما يبدو، فادعوا للشعب الباكستاني أن يهديه الله الصراط المستقيم ويلهمه الصواب والرشاد. وادعوا ألا يظل الساسة المغرضون يلهثون وراء مصالحهم الشخصية، بل يقوموا بواجباتهم ومسؤولياتهم ويؤدوا حقوق الفقراء. إن الأوضاع في باكستان سيئة جدا، فالخزينة خالية، والغذاء والمياه غير متوفرة. قد كثرت أحداث النهب والسرقة، وعمت الرشوة، ويموت الشعب جوعا، والحكومة لا تحرك ساكنا، ولا يهمّ أصحابَها إلا المناصبُ. رحم الله الشعب الباكستاني. ونحن حين نقيم احتفالات الفرح والسرور في العالم كله شكرًا على ما أنعم علينا بنعمة الخلافة، فعلينا أن لا ننسى الجماهير الفقراء في باكستان أيضًا. فادعوا الله تعالى أن يحسِّن أوضاعهم ويفرّج عنهم ويخلِّصهم من القادة الظالمين ويهديهم إلى طريق الصواب. كما ادعوا للبلدان الإسلامية بشكل خاص بأن يوفق أهلها لمعرفة المسيح المحمدي وللإيمان به. ثم ادعوا للعالم بشكل عام أن يحفظه الله تعالى من عذابه، ويوفقه لمعرفة الحق، فإنه مندفع إلى الدمار. ادعوا ليشاهد العالم مشاهد ملكوت الله على الأرض مرة أخرى، حيث نرى راية النبي ترفرف عاليا في العالم كله. آمين.

مساء اليوم ستبدأ الجلسة السنوية للجماعة الإسلامية الأحمدية في بريطانيا بشكل رسمي بإذن الله، وتُعقد الجلسة هذا العام بمناسبة اليوبيل المئوي للخلافة أي بمناسبة مرور مائة سنة على قيام الخلافة الإسلامية الأحمدية. وقد اكتسبت هذه الجلسة أهمية كبيرة إذ قد اجتمعنا فيها لنشكر الله على ما أنزل على جماعتنا من أفضاله ورحمته وبركاته بغزارة. الحق أن جميع أبناء الجماعة، شيوخا وشبابا ورجالا ونساء، يشعرون من الأعماق بأهميتها العظيمة. ونظرًا إلى هذه الأهمية فإن القائمين على ترتيبات الجلسة قد وسَّعوا نطاقها تحسبًا لعدد أكبر من الضيوف من داخل بريطانيا وخارجها. وأتوقع أن الترتيبات بصفة عامة ستكون أفضل من ذي قبل إن شاء الله ما عدا الثغرات البسيطة التي لا بد منها في مثل هذه الترتيبات الهائلة التي تتم مؤقتا. إن المتطوعين قد اكتسبوا – من خلال خدمتهم في هذا المجال في سنوات ماضية – خبرة ومهارة جيدة بفضل الله تعالى. ثم إذا أُضيفَ إليها حماس الأحمديين الناتج عن إيمانهم فيمكن القول إن المتطوعين يعملون كالمجانين إن صح التعبير. وفي هذا العام، كما قلتُ، اكتسبت الجلسةُ طابعا مميزا لكونها تُعقَد بمناسبة اليوبيل المئوي للخلافة الإسلامية الأحمدية. فكل متطوع للخدمة يتحلى بحماس ملحوظ بفضل الله تعالى. وهذا الحماس وجدته في الأحمديين في كل جلسة حضرتُها في هذا العام سواء أكانت في الجماعات القديمة مثل غانا ونيجيريا وأمريكا وكندا، أو الحديثة مثل بينين.

هنا أود أن أتحدث بإيجاز عن أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية في أمريكا. ولا أعرف لماذا ساور الأحمديين في بلاد أخرى الشكُ والقلقُ أنه قد لا يتراءى في جلسة أمريكا نفس الحماس والرونق الذي نراه في بقية الجلسات في العالم. لا زلت أقرأ هذا الأمر في معظم الرسائل التي أتلقاها من أفراد الجماعة من مختلف البلاد. وقد يكون مبعثه الرأي السائد عن الشعب الأمريكي بشكل عام. فيفكر أصحاب هذه الرسائل أن الأحمديين الأمريكان أيضا يكونون قد تصبغوا بصبغة باقي الشعب الأمريكي، لأن عددا كبيرا من الشباب الأحمديين وُلدوا وترعرعوا في المجتمع الأمريكي. لكنني أقول إن هذا الانطباع عن الشعب الأمريكي أيضًا خاطئ، فالأمريكان بصفة عامة طيبون. أما الأحمديون الأمريكان فليسوا أقلَّ إخلاصًا عن سائر الأحمديين في العالم بشكل من الأشكـال. والفضـل في ذلك يعود إلى انتمـائهم إلى جماعة المسيـح الموعـود وبيعته.

على أية حال سأتحدث اليوم عن جلسة بريطانيا. وكما قلت سابقا، لا نجد في أية بقعة من بقاع العالم نظيرا لمثل هذه الترتيبات المؤقتة وواسعة النطاق التي تعمل ضمن حدود القانون وقيوده. وفيما يتعلق بعدد الحضور في الجلسات فإن الجلسة في ألمانيا وفي بريطانيا متماثلتان من حيث عدد المشاركين. وإن جلسة غانا في هذا العام قد سبقت بقية الجلسات كلها من حيث العدد. لم أذكر هنا باكستان قصدًا لأن الحكومات المتتالية فيها – وهي تدّعي التمسك بالعدل والإنصاف – لا تسمح لنا بعقد الجلسات منذ 24 سنة ماضـية. ولا أعرف ما الذي يخافونه من قِبل هذه الجماعة المسالمة.

هنا أريد أن أحثكم على أن تدعوا الله تعالى كثيرا في أيام الجلسة لتحسُّن الأوضاع في باكستان، أعني لأوضاع هذا البلد بصفة عامة. لا نعرف إلى أية جهة يسير حكام هذا البلد، وما الذي يريدون أن يصنعوا بهذا البلد المسكين. ففي الانتخابات الماضية لم يتمكن المشايخ من كسب الأصوات إذ لم ينتخبهم الشعب، والآن يريدون أن ينتقموا لذلك من الشعب كله ويعيثوا فسادا في كل مكان وينخروا أسس البلد. لكن الغريب في الأمر أن الحكام والساسة – رغم انكشاف الحقيقة عليهم أن الشعب قد رفض المشايخ رفضا باتًّا – يخافونهم بشدة، وبدلاً من أن يمنعوهم من تصرفاتهم الفاسدة يخضعون لهم ويتفقون معهم كأنهم تحت سيطرتهم وسلطتهم. باختصار، اُدعوا الله تعالى أن يرحم وطننا. وادعوا الله أيضا للأحمديين الباكستانيين ليتمكنوا من عقد احتفالاتهم بمناسبات مختلفة بحرية، وليعيشوا مطمئنين ويعقدوا جلساتهم بشأن لائق بها، ويختفي هذا القانون الغاشم الجائر. وهب الله العقل والرشد لأصحاب السلطة الذين لا يدرون ماذا يفعلون وماذا سيكون مصيرهم، وما الذي عسى أن يُفعَل بهم؟ يجب على الأحمديين الوافدين من باكستان أن يدعوا كثيرا في هذه الأيام لباكستان والأحمديين في باكستان.

والآن أعود إلى الحديث عن جلسة بريطانيا. ففي الخطبة الماضية لفتُّ انتباه المتطوعين والقائمين على أعمال الجلسة إلى مسؤولياتهم، وهذا هو دأبي، لكن ذلك لا يعني أن المتطوعين لا يعملون بإخلاص. الحق أن المتطوعين والعاملين في ترتيبات الجلسة هنا أيضا ينجزون بفضل الله تعالى الأعمال المعهودة إليهم بكل حماس وشوق كسائر فروع الجماعة في العالم. وكما قلت، لا توجد مثل هذه الترتيبات واسعة النطاق وبصورة مؤقتة في أي مكان آخر كما هي في بريطانيا. وإن الجلسة في ألمانيا، وإن كانت تماثل الجلسة البريطانية من حيث العدد، لكن التسهيلات والمرافق الكثيرة تتوفر لهم داخل مكان الجلسة، وهي غير متوفرة لنا هنا. في العام الماضي قد جعل الله تعالى المشرفين على الجلسة يمرّون بتجربة جديدة أعني أن مشاكل كثيرة وخللاً كبيرًا وقعت في الترتيبات بسبب هطول الأمطار، لكن المتطوعين بفضل الله تعالى تغلبوا على هذه الصعاب وأدوا الواجبات المعهودة إليهم على أحسن وجه. الحق أن العاملين في كل شعبة من شُعب الجلسة يواجهون بعض الصعاب حتمًا، كما واجهوها في العام الماضي. أما هذا العام فالتنبوءات عن الطقس إيجابية في الظاهر، فادعوا الله تعالى أن تبقى إيجابية، فإن مفتاح كل أمر بيد الله. لا يُنجز أي عمل دون فضله، ولا تتحقق هذه التنبوءات عن الطقس إلا إذا أراد هو كذلك، لأن الإنسان إنما يتنبأ عن حالة الطقس بناء على تقديره وتخمينه فحسب. إن الجو السيئ في العام الماضي أفادنا من حيث إن شبابنا اكتسبوا خبرة جديدة لمواجهة المشاكل الطارئة. لقد كانوا مهرة في إنجاز أعمالهم في الطقس غير الماطر، غير أنهم صاروا الآن مهرة في إنجاز أعمالهم في الوحل أيضا. هناك تعبير شائع عندنا أن مرشدنا لا يحسن العمل في الوحل، ولكننا نقول: ليس فقط مرشدنا يحسن العمل في الوحل بل إن شبابنا أيضا – رغم إقامتهم في بريطانيا – ينجزون أعمالهم بمهارة في الوحل أيضًا، فإنهم قد تدربوا لدرجة أن سيارة لو ساخت في الوحل فيستطيعون إخراجها منه بسهولة.

باختصار، أودّ أن أقول للضيوف إن المتطوعين بفضل الله تعالى يعملون بجهد وإخلاص، وسيعملون في المستقبل أيضا بإذن الله تعالى، لكن هناك مسؤوليات تقع على الضيوف أيضا، وعليهم أن يؤدوها. تَذكّروا قبل كل شيء أن يكون الهدف من المشاركة في الجلسة ابتغاء مرضاة الله فحسب، لذا يجب أن تضعوا هذا الهدف نصب أعينكم على الدوام. وأهم ما في هذا الهدف هو أداء الصلوات. ولا يمكن أن يتحقق الغرض من سفركم للاشتراك في الجلسة بمجرد الجلوس في الخيمة والاستماع إلى بعض الخطب المرغوب فيها، بل يجب أن يحاول كل واحد منكم في هذه الأيام أن يُحدِث في نفسه تغييرًا طاهرًا ويجعله جزءًا لا يتجزأ من حياته. يجب أن تتّسم صلواتكم بخشوع وخضوع. يجب أن تصلّوا كل صلاة في وقتها، بل اجعلوا لزامًا عليكم أداء الصلاة جماعةً. إن السوق في مكان الجلسة ستبقى مغلقة في أوقات الصلوات والخطب، فلا يتوجهْ إليها الضيوف الجدد ولا القدامى. يحاول بعض الناس أحيانا خرق القواعد دونما سبب، فعليهم ألا يسببوا المشاكل للعاملين بهذا الخصوص. ثم في مكان الجلسة يولَى الاهتمام لصلاة التهجد والناس يشاركون فيها بشكل عام، لكن المقيمين في الأماكن الأخرى يجب أن يلتزموا هم الآخرون بالتهجد، فهناك مبيت جماعي في “إسلام آباد” كما يبيت بعض الضيوف في مسجد “بيت الفتوح” أيضا، فيجب الالتزام بصلاة التهجد والفجر هناك. ثم هناك عدد كبير من الضيوف يقيمون في البيوت، فهم أيضا يجب أن يحاولوا أداء الصلاة في المسجد القريب منهم والذين يسهل عليهم الوصول إليه، فيجب أن يصلوا صلاة الفجر فيه. وإذا أمكنهم الوصول إلى المسجد قبل المغرب فيجب أن يصلوا المغرب والعشاء أيضا فيه. أما الذين يسكنون في لندن وأتون إلى مكان الجلسة يوميا، فعليهم أن يعملوا هم أيضا بهذا الأمر ويجعلوا ضيوفهم أيضا يتقيدون به؛ لأنهم إذا لم يولوا الصلاة اهتماما كافيا فهم لا يحققون أكبر هدف من هذه الجلسة، فلا تفيدهم أي خطبة، ولا ينفعهم التمتع بأي خطبة علمية إذا كانوا لا يهتمون بالصلاة ولا يحاولون أداءها كما يجب. لقد توافد عدد كبير من الضيوف هنا لكون هذه الجلسة تعقد في عام اليوبيل المئوي للخلافة الإسلامية الأحمدية، وإن أغلبية هؤلاء الوافدين تشارك في الجلسة نظرا لهذه الأهمية.

حينما ذكر الله تعالى نعمة الخلافة وقال:

  وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا (النور: 56)،

فإنه تعالى قد ذكر بعد ذلك في الآية نفسها أن هؤلاء المؤمنين “يعبدونني”، وبسبب عبادتهم لله تعالى وعدم الإشراك به سيحظون بهذه النعمة، بمعنى أنهم سينالون التمكين والقوة نتيجة الخلافة، مما سيبعثهم على المزيد من العبادة. ثم في مستهل الآية التالية لآية الاستخلاف قال الله تعالى وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ .. أي أن إقامة الصلاة أساس العبادة، وهي الخطوة الأولى لتجنب الإشراك بالله. وما هو المراد من إقامة الصلاة؟ أَلا إنها الصلاة جماعةً، وعلى وقتها، واعتبار كل شيء آخر إزاءها عديمَ القيمة. يجب على جميع الضيوف والمشاركين في الجلسة الاهتمام بالصلوات، وليس في هذه الأيام فحسب، بل يجب أن يدْعوا في هذه الأيام ويسعوا جاهدين أن يصبح ما يكتسبونه من المواظبة على الصلوات جزءًا لا يتجزأ من حياتهم إلى الأبد، ليتمتعوا بهذه النعمة التي وهبها الله تعالى لنا في صورة الخلافة على الدوام، والتي ستتسبب في تقوية كل أحمدي على صعيد فردي وعلى صعيد الجماعة على السواء. حافِظوا على صلواتكم في هذه الأيام بصفة خاصة، فهذا هو هدفنا الأساسي.

يقول سيدنا المسيح الموعود : إن الأمة إنما تظل باقية ما دامت متوجهةً إلى الله تعالى.

ثم قال : إن أساس الإيمان أيضًا هو الصلاة، فقد قال الله وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ .. أي أن الله تعالى وعد المؤمنين منكم أنه لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ ، وللاستفادة من هذا النعمة على كل مسلم أحمدي أن يسعى ليزداد إيمانا. وكما قال المسيح الموعود إن أساس الإيمان أيضًا هو الصلاة، لذا يجب التمسك بهذا الأساس، بل علينا أن نرسخ جذوره في قلوبنا بحيث لا تتزعزع مهما حدث، ولا تتضرر في حال من الأحوال، لأن تعرضه لأي صدمة أو التهاوُن في أداء الصلاة يعني أنّ الإيمان أصابه الضعفُ، وإن الضعف في الإيمان سيؤدي إلى ضعف العلاقة بالخلافة. ففي هذه الأيام التي اجتمعنا فيها هنا لهدفٍ معيَّن ينبغي علينا المحافظة على الصلوات لتحفظنا الصلواتُ حسبما وعَد الله، ويتقوى إيماننا، وننال قرب الله تعالى ونرث على الدوام إنعاماته التي وعد بها المؤمنين.

يقول المسيح الموعود موضحا أساليب الدعاء وحقيقتها:

“يجب أداء الصلاة بتضرع وخشوع، وينبغي أن يدعو فيها الإنسان لدينه ودنياه كثيرا.”

ثم يقول حضرته: “ورد في القرآن الكريم: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ .. أي أنهم يواظبون على أداء الصلاة ولا تفوتهم صلاة قط. والغرض الحقيقي من خلق الإنسان أن يتعلم حقيقة الصلاة. اعلموا أن الصلاة هو الشيء الذي يذلل الصعاب كلها، وتزول به الآفات كلها. ولكن المراد من الصلاة ليس تلك الصلاة التي يؤديها الناس كتقليد وعادة فقط، بل المراد منها تلك الصلاة التي يرق فيها قلب الإنسان ويخر على عتبات الله ويبدأ بالذوبان. وليكن معلوما أيضا أن الحفاظ على الصلاة ليس ضروريًا لأن الله تعالى بحاجة إليها. كلا، ليس لله تعالى حاجة إلى صلواتنا مطلقا لأنه غني عن العالمين وليس محتاجا لأحد، بل الحق أن الإنسان بحاجة إليها. والسر في ذلك أن الإنسان يريد لنفسه خيرًا، فيستعين به . الحقيقة أن نشوء العلاقة بين الله وبين الإنسان هو نوال الخير بعينه. ولو صارت الدنيا كلها معادية لمثل هذا الشخص وعكفت على هلاكه لم تضره شيئًا، ولو اقتضت الحاجة لأهلك الله الملايينَ والبلايين من الناس من أجل هذا الشخص.

اعلموا أن الصلاة شيء يؤدي إلى إصلاح دين المرء ودنياه أيضا.”

وقال أيضا: إن الصلاة شيء يُنقذ المصلي من السوء والفحشاء. ولكن أداء الصلاة على هذا النحو ليس في قدرة الإنسان، فلا يحظى بها بدون عون الله ونصرته. وما لم يظل الإنسان عاكفا على الأدعية لا يتولد في قلبه خشوعٌ ولا خضوع من هذا النوع. لذا يجب ألا يخلو من الأدعية ليلكم ولا نهاركم ولا لحظة من حياتكم.”

أقول: إن الله تعالى قد هيأ لنا هذه الأيام مرة أخرى لكي نصلح صلواتنا مستعينين بالله، ونعكف على الأدعية ليل نهار، ونسأله تعالى أفضاله والتوفيق لأداء تلك الصلوات التي تنقذنا من السوء والفحشاء، وللأدعية التي تجلب لنا رضا الله تعالى وتجعلنا وارثين لأفضاله ورحمته دائما.

ندعو الله أن يلهم معارضينا الفهم والفراسة، وإذا لم يكن ذلك في نصيبهم بحسب علمه فندعوه أن ينقذنا من شرورهم دائما. ففي هذه الأيام يجب أن تتوجهوا إلى الأدعية والصلوات والعبادات بخلوص النية، لأن هذا هو الهدف الحقيقي لاجتماعنا هنا. وعلى كل من يشارك في الجلسة أن يجعل هذا الهدف نصب عينيه قبل كل شيء.

والشيء الثاني الذي أريد أن أحثكم عليه هو أن تُفشوا السلام بينكم، لأنه من أهم ما أمرنا الله تعالى به، وهو وسيلة مُثلى لنشر الحب والوئام فيما بيننا. ويجب أن يتذكر الضيوف الوافدون أنه رغم أن حق الضيف على مضيفه كبير جدا، ولكن مع ذلك فهناك بعض الواجبات تقع على الضيوف أيضا. وفي هذا الصدد قد ورد في سورة الأحزاب أمر رباني هو موجَّه إلى رسول الله ، ولكنه في الحقيقة أمر عام وأساسي للضيوف، وليتذكروه حيثما حلّوا ونزلوا بشكل عام، وليتذكره الضيوف الوافدون إلى الجلسة السنوية بشكل خاص لأنهم يأتون إلى هنا لهدف خاص. فعلى الضيوف الذين يقيمون هنا تحت رعاية نظام الجلسة عليهم أن يهتموا بهذا الأمر جيدا.

أولا: يجب ألا ينـزل أحد ضيفًا لدى أحد بدون الدعوة. أمامنا أسوة النبي بهذا الخصوص، إذ حدث مرة أن صحبه إلى مأدبة طعام عدد كبير من المدعوين إليها، وكان هناك شخص واحد زائد رافقه متحدثا معه . فاستأذن النبيُّ صاحبَ البيت وقال: قد صحبني هذا بدون أن يُدعى، فلو أذنتَ له دخل معي وإلا فأخبرْني بدون تكلف أو خجل ووجل ولسوف أردّه دون تردد.

فأولاً يجب أن يتذكر الوافدون من الخارج أنهم قد أتوا للاشتراك في الجلسة، وقد دُعُوا إليها ولم يأتوا بدون دعوة، ولكن يجب أن يتذكروا جيدا أن الضيافة من قِبل الجماعة تُقدَّم لأيام معدودة فقط. وهناك من يصرّون على إطالة مكوثهم بعد هذه الأيام المعدودة أيضا، ومثلهم كمثل الذي يحل ضيفا دون دعوة ويسبب مشكلة للمضيف. وهناك من يشترون التذاكر التي تبقى صالحة لفترة طويلة ثم يقدمون الأعذار ويقولون: ماذا نفعل؟ إننا مضطرون للمكوث إلى فترة كذا وكذا بحكم طبيعة التذكرة، ثم إنهم يشتغلون أيضا بأعمال مختلفة في أثناء هذه الفترة. فإذا كانوا مضطرين للمكث فلينفقوا على أنفسهم من جيوبهم وليتحملوا نفقاتهم دون أن يكونوا عبأً على الجماعة. عندما تطلّ المشاكل الإدارية برؤوسها بسبب طول مكث هؤلاء الناس –  وقد حدث ذلك في السنوات الماضية أيضا مثل السنة الحالية – ويُطلب منهم إخلاء المكان فيشتكون. وبما أن القانون لا يسمح لهم بالعمل لكونهم يملكون تأشيرة الزيارة فقط، لذا يتعرضون للمشاكل والمصاعب كما تواجه الجماعة أيضا بعض المشاكل بسببهم إذا علمتْ عنهم الأوساط الحكومية، وقد تعلم أيضا عن بعضهم في بعض الأحيان. فأقول للذين يقومون بمثل هذه التصرفات إنهم إذا أرادوا أن يطيلوا المكوث فليدبروا حالهم، دون أن يشكوا من الجمـاعة شيـئا، وإلا سيُعتبر تصـرفهـم كتـصرف أولئـك الذيـن يطيـلون الجلـوس في بيـت المضيـف بعد الطعـام ويسـبـبون لـه حرجـا وإزعاجـا.

إقامة الصلاة أساس العبادة، وهي الخطوة الأولى لتجنب الإشراك بالله. وما هو المراد من إقامة الصلاة؟ أَلا إنها الصلاة جماعةً، وعلى وقتها، واعتبار كل شيء آخر إزاءها عديمَ القيمة.

كذلك يجب أن يتذكر الضيوف أيضا أن الذين يخدمونهم يأتون من شرائح مختلفة من المجتمع، وهم على درجات مختلفة من الثقافة والعلم. فمنهم مثقفون جدا ومنهم دون ذلك، ويزاولون مهنًا مختلفة، فيقدمون أنفسهم لخدمة ضيوف المسيح الموعود برحابة صدر. وكل واحد منهم يكون مستعدا لأية خدمة وفي كل مجال. وأنا أيضا أوجّههم – مرة أو مرتين قبل الجلسة كل سنة- إلى القيام بهذه الخدمة على أحسن ما يرام. ولو حدث من أحدهم تقصير ما فينبغي للضيوف أن يتحملوه برحابة صدر. ولو أحس كل من يشارك في الجلسة مسؤوليته – ضيفا كان أو غيره – لما حدثت أية مشاكل بين الطرفين أبدا.

في السنة الماضية حصلت بعض الصعاب في ترتيبات الجلسة نتيجة نزول الأمطار الغزيرة في أيام الجلسة وقبلها، مما أدى إلى بعض المشاكل بين بعض الضيوف والعاملين في مجال حركة المرور. وفي هذه السنة أيضا تلقيت بعض الشكاوى أن بعض الناس يوقفون سياراتهم على شوارع ضيقة رغم أن إيقاف السيارة على حافة الشوارع الضيقة في قرية صغيرة ممنوع من قبل الأوساط الحكومية أيضا، لأن ذلك يسبب إزعاجا للجيران ولأهل القرية بشكل عام. فيضطر المسؤولون للإعلان متكررا عن ذلك عبر MTA، وقد أُعلِنَ ذلك في الجماعة من قبل أيضا، ومع ذلك فإن بعض القادمين من أوروبا يوقفون سياراتهم على الشوارع الضيقة ويأتون إلى هنا بسيارة الأجرة، وهذا ليس صحيحا طبعا. فإذا كنتم قد أتيتم إلى هنا لنيل بركات الجلسة فعليكم أن تتقيدوا بالقوانين في كل الأحوال. عندما يحدث سوء التفاهم فإن العاملين أيضا يحتدمون أحيانا، فعلى الضيوف أن يغضّوا الطرف عن تقصيراتهم البسيطة معتبرين إياهم أناسا عاديين مثل بقية الناس. فلو فعلوا ذلك لما نشأ الشجار أصلا ناهيك عن تفاقمه.

وفيما يتعلق بالطعام، فهنا بعض السيدات والأطفال والمرضى المصابين بالسكري الذين لا يقدرون على تحمل الجوع، ولو تجوعوا فترة طويلة لعانوا كثيرا. وفي بعض الأحيان تطول برامج الجلسة لبعض الوقت، أو يضطرون لانتظار طويل لسبب الازدحام في حركة المرور، فيشعر الأطفال والمرضى بحاجة إلى الطعام. لذا أقول للمسؤولين أولاً ألا يقسوا على مثل هؤلاء، بل لو كان أحد منهم بحاجة إلى شيء للأكل أثناء فعاليات الجلسة أيضا فليوفروه له ولا حرج في ذلك.

وثانيا: أقول لهؤلاء المرضى أو الذين معهم أطفال صغار أن يأخذوا معهم شيئا بسيطا للأكل من قبيل الفواكه مثلاً حتى لا يتعرضوا لموقف محرج.

علاوة على ذلك، يمكن أن يضطر البعض للانتظار من أجل المواصلات، رغم أن الترتيبات في هذه السنة أفضل بكثير من السنة الماضية، فلن تكون هناك مشكلة أبدا بإذن الله تعالى، ومع ذلك لا نستطيع أن نردّ احتمال حدوث أي أمر أو مشكلة طارئة، ولا سيما عند العودة من مكان الجلسة، فيمكن أن يواجه البعض صعوبة ما بسبب زحام المرور. فعلى المسؤولين في قسم الضيافة أن يضعوا عند العاملين في مواقف الباصات أو موقف السيارات الخاصة شيئًا للأكل – ولو خبزًا عاديا – حتى إذا اضطر أحد الضيوف لأكل شيء بسبب الانتظار الطويل، فيجد على الأقل خبزًا عنـده. لقد وصلتني شكـاوى في السنة الماضية بهذا الخصوص.

لا شك أن المضيف سيؤدي واجبه حتمًا، ولكن على الضيوف أيضا أن يتذكروا ويعزموا على التأسي بأسوة سيدنا محمد كضيف، تلك الأسوة الحسنة التي أحياها في هذا العصر سيدنا المسيح الموعود بشكل رائع.

كيف كان المسيح الموعود ضيفًا عند الآخرين؟ سأقدم مثالاً واحدًا وجدته مذكورًا في إحدى الروايات. لقد سبق أن بينتُ في الخطبة الماضية أمثلة من سيرة المسيح الموعود كمضيف، إلا أني أذكر الآن كيف كان يتعامل عندما كان ينـزل ضيفا عند الآخرين.

كتب شيخ يعقوب علي عرفاني عن مناظرة “الحرب المقدسة” – وهي المناظرة التي تمت بين المسيح الموعود وبين المسيحيين الذين مثلهم فيها القسيس عبد الله آتهم، وكان المسيح الموعود قد سافر إلى مكان المناظرة فكان ضيفا هناك – ففي أثناء تلك المناظرة قد اجتمع الضيوف بكثرة. وفي أحد الأيام نسي أهل البيت الذي نزل فيه حضرته تقديم الطعام له أو الاحتفاظ بشيء منه له. ومع أني كنتُ قد أكّدت على زوجتي بهذا الخصوص، ولكنها نسيتْ لكثرة الأعمال والانشغال، حتى مضى جزء كبير من الليل. وبعد انتظار طويل سأل المسيحَ الموعود عن الطعام، فأصيب الجميع بقلق شديد. كانت السوق قد أُغلقت فلم تكن ثمة إمكانية لشراء الطعام منها. فذُكر له هذا الأمر فقال: ما الداعي لهذا القلق المتزايد؟ ابحثوا في خوان الطعام ولا بد أن تجدوا شيئا يكفيني. فلما بحثوا وجدوا فيه كسرات الخبز. فقال: هذا يكفي، وأخذ منها كسرة أو كسرتين وأكلهما.

يقول الراوي: لعل هذا الحدث يبدو عاديا في الظاهر، ولكنه يكشف لنا معجزة أخلاقه العظيمة حيث يدل على تواضعه وبساطته . كان من الممكن أن يحضَّر الطعام في ذلك الوقت وكان ذلك مدعاة لسرور الأحمديين حتى ولو استغرق ذلك الليل كله، ولكنه لم يشأ أن يُثقل على الآخرين في وقت غير مناسب. إنه لم يبال ببساطة الطعام، ولم يعاتب أحدا على هذا الإهمال وعدم الاعتناء به، ولم يسخط على أحد، بل بمسرة بالغة ووجه بشوش أزال قلق الآخرين  واضطرابهم.

فإن لاحظ الضيوف أي تقصير في ضيافتهم بسبب النسيان أو جراء بعض الأمور الطارئة فبدلاً من إبداء السخط والغضب يجب أن يتذكروا الهدف من مجيئهم إلى هنا. فإن لم يتذكر أحد الغرضَ مِن قطعه مسافة مئات أو آلاف الأميال، ولم يحاول تحسين حالته الروحانية والأخلاقية والعلمية فلا معنى لاشتراكه في الجلسة السنوية.

لقد ذكرت في إحدى الخطب الماضية أنه خلال جولتي السابقة إلى أفريقيا لم يجد بعض الضيوف الوافدين من دولة “بينين” و”ساحل العاج” وجبة الطعام لبعض الأسباب القاهرة – وفيما بعد تم تأمين الطعام لهم – ولكن عندما وُجه الاعتذار إليهم قالوا: لا داعي للاعتذار أبدًا، إذ قد تحقق الهدف الذي أتينا من أجله إلى هنا. لقد اشتركنا في الجلسة التي شارك فيها الخليفة بنفسه. هؤلاء هم الأفارقة الذين نقول عنهم إنهم لا يزالون حديثي العهد في الأحمدية، ومع ذلك فإن هؤلاء الأحمديين الجدد لا يزالون يتقدمون بسرعة قصوى.

ثم هناك شكاوى تُرفع عادة من قبل النساء على بعض الأمور البسيطة، فيجب أن يتذكر جميع الضيوف رجالا ونساء أنه ليس صحيحا أن الضيف يتمتع بالحقوق فحسب، بل كما  للمضيفين مسؤوليات وواجبات كذلك للضيوف أيضا مثلها. لقد حصر النبي حق الضيف في ثلاثة أيام وما بعدها إحسان المضيف إلى الضيف. عندما ينـزل مسلم أحمدي ضيفا في الجلسة السنوية فإنه لا يستهدف التمتعَ بالضيافة بل يتوخى تعلُّم الطرق والأساليب التي يؤدي بها حقوق الله وحقوق العباد. وإذا كان يعلم مسبقًا بمثل هذه الأمور ويؤدي الحقوق بحسبها فإنه يقصد صقل هذه الأخلاق ببركة الجلسة ويحاول أخذ حظ وافر من دعوات جماعية ليزداد فضلا من الله تعالى ونعمة. فرَكِّزوا على الصلوات والدعوات في هذه الأيام، واهتمّوا بأداء النوافل، وأَفْشُوا السلام بينكم في مكان الجلسة السنوية وفي ما حولكم حيثما كنتم، واملؤوا الجوَّ بالمحبة والوداد والأخوة، وذلك لكي تنالوا نصيبا من بركة الدعوات التي دعا بها المسيح الموعود لمن يسعى لنيل حظ منها بنية صالحة. إن فيض هذه الدعوات يصل إلى الذين يحضرون جلسات الجماعة المنعقدة في شتى البلاد كل سنة وسوف ينال المشتركون في هذه الجلسة حظا منها أيضا. عندما أعطى الله تعالى للمسيح الموعود ضمانًا لرقي الجماعة وازدهارها أعطاه ضمانًا أيضًا لاستجابة دعواته التي يدعو بها لجماعته. والحق أن أدعية النبي التي دعا بها لمن ينضم إلى جماعة خادمه الصادق المسيح الموعود هي التي تعمل وراء استجابة أدعيته . ونيل نصيب من هذه الأدعية يتوقف على أعمالنا، وفقنا الله لذلك آمين.

وأَفْشُوا السلام بينكم في مكان الجلسة السنوية وفي ما حولكم حيثما كنتم، واملؤوا الجوَّ بالمحبة والوداد والأخوة، وذلك لكي تنالوا نصيبا من بركة الدعوات التي دعا بها المسيح الموعود

الآن أريد أن أقول لكم بعض الأمور المتعلقة بالأمن. على الجميع أن ينظروا إلى ما حولهم بعيون مفتوحة لأنه مع ازدياد عدد الوافدين إلى الجلسة – كما حصل هذه السنة لأسباب عدة – أصبح لزامًا علينا التنبه إلى ما يجري حولنا. إذا رأيتم شخصا مشبوها ومشكوكا فيه أخبروا عنه المسؤولين فورا. كما يجب أن تكونوا متيقظين عند جلوسكم في الخيمة أيضا، وإن رأيتم أحدا يترك أمتعته في مكان ما فنبِّهوه إليها، الأمر الذي يجب على المسؤولين في قسم الحرس والأمن الانتباه إليه. ولا بد من أخذ الحذر والحيطة والتيقظ في خيمة النساء، فيجب ألا تجلس فيها واحدة منهن منقبة وجهها. وإذا وُجدت إحداهن كذلك فعلى المسؤولات والجالسات بقربها المحاولة للتعرف عليها.

علاوة على ذلك يجب الاهتمام بالنظافة. إن جميع هذه الأمور مذكورة ضمن التعليمات المذكورة في كراس برنامج الجلسة، فيجب قراءتها بإمعان. الإرشادات لا يؤبه بها عادة. فمثلاً عندما نسافر بالطائرة نجد كثيرًا من المسافرين يتجاهلون التعليمات والإعلانات التي تتم في الطائرة من أجل أخذ الاحتياطات في حالة الطوارئ، مع أنه يجب الاستماع إليها بأذن صاغية. إنني أصغي إليها بكل إمعان أثناء جميع أسفاري، وفي كل مرة يظهر لي شيء جديد من زاوية مختلفة، بل إضافةً إلى ذلك أقرأ بطاقة التعليمات والإرشادات أيضا. لعل بعض المسافرين لا يسمعون إلى هذه التعليمات بحجة أنها تثير لديهم أوهامًا ومخاوف تؤثر على صحتهم، ولكن عليهم أن لا يخضعوا للأوهام والمخاوف وإنما أن يستمعوا إلى التعليمات ثم يدعوا الله تعالى لأنفسهم وللمسافرين أيضا. بل الحق أن مثل هذه الظروف تكون فرصة سانحة للتركيز على الدعاء. وبشكل عام ينبغي المواظبة والتركيز على الأدعية أثناء السفر.

قبل أيام قليلة خرج بعض أقاربنا للنـزهة إلى شاطئ نهر في أمريكا، وكانت في النهر أمواج ونتوءات جبلية أيضا. وبحسب متطلبات الطوارئ تُوَجّهُ إلى الزوار تعليمات وإرشادات كثيرة. كتبتْ إلي قريبة لي: لم نُعِرْ لتعليماتهم اهتماما عندما وجَّهوها إلينا، ولكن اتفق أن تعرضت سفينتنا لحادث وانقلبت، ولكن بفضل الله تعالى نجا الجميع، ولكن في ذلك الوقت حاولنا أن نتذكر تلك التعليمات، ومن تذكر منها شيئا عمل بحسبه.

فالإرشادات والتعليمات لا تكون إلا لفائدة الناس، والتعليمات الصادرة في مناسبة معينة لا تستهدف إلا الاستفادة منها بشكل أفضل، لذلك ينبغي على الإخوة عدم إهمالها ظنًّا منهم أنهم يشتركون في الجلسة باستمرار، أو أنهم يسمعون مثل هذه التعليمات منذ 24 أو 25 أو 100 عام ماضية فلا فرق سواءً إن سمعوها الآن أم لا. كلا، لا بد أن يكون هناك فرق بين الحالتين، فمن لا يسمع إلى هذه التعليمات يعتاد على عدم المبالاة، فيتضرر كثيرا. فيجب الاهتمام بالتعليمات والتمعن فيها والعمل بحسبها دائمًا. كذلك ينبغي التفكر في التعليمات الصادرة في هذه الجلسة أيضا ولا سيما التعليمات المتعلقة بالأمن والنظافة والمواصلات. أَفْشُوا السلام وانتبِهوا بشكل خاص إلى أداء الصلوات بالجماعة. حفظ الله تعالى جميع المشتركين في الجلسة السنوية، وجعل اشتراكهم فيها مباركا لهم، ووفقهم للقيام بالدعوات الكثيرة. اسعوا جاهدين أن تتعاونوا مع المسؤولين من جميع النواحي، وفقكم الله تعالى لذلك.

Share via
تابعونا على الفايس بوك