الطابع الـمُوحد للجماعة.. التسابق في الخيرات والحسنات
التاريخ: 2008-06-27

الطابع الـمُوحد للجماعة.. التسابق في الخيرات والحسنات

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • الطابع المميز الموحد للأحمديين في العالم
  • الهدف من بيعة إمام الزمان
  • خلقنا للعبادة، فكيف نحيا؟!
  • التفكر في خلق الله
  • ملخص العبادة
  • بركات الخلافة
  • احتفالات فروع الجماعة باليوبيل المئوي للخلافة

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ . (آمين)

قبل أيام قليلة من هذا الأسبوع احتفلنا بيوم الخلافة بفضل الله تعالى ومنّته. وكما قلت في كلمتي بتلك المناسبة فقد كان ليوم الخلافة في هذا العام أهمية عظيمة، لأن هذا اليوم لا يأتي في حياة الإنسان عادةً إلا مرة واحدة، أو إذا عاش حياة طويلة فإن مثل هذا اليوم يأتي مرة واحدة في حياته وهو في كامل وعيه، اللهم إلا إذا كان الله تعالى قد منّ عليه منة خاصة فأعطاه قوى قوية سليمة، فظلّ في كامل وعيه رغم طول العمر. على أية حال، إنه لمن فضل الله علينا أن أتاح لكثير من الأحمديين أن لا يشهدوا يوبيل الخلافة فحسب، بل يوبيلين اثنين في تاريخ الجماعة الممتد إلى 120 سنة. فنظرًا إلى هذه المنن تمتلئ قلوب الأحمديين بمشاعر الشكر لله تعالى. فقد احتفلنا باليوبيل المئوي الأول قبل 19 عاما أعني في عام 1989م لدى مرور مئة عام على تأسيس الجماعة الإسلامية الأحمدية، ثم احتفلنا في 27 مايو / أيار من هذا العام بعيد الشكر على مرور قرن على قيام نظام الخلافة، ولا تزال مختلف فروع الجماعة في العالم تحتفل بهذه المناسبة. وإن كثيرا من الأطفال في الجماعة اليوم لم يكونوا قد وُلدوا في عام 1989م، أو لم يكونوا قد بلغوا سن الإدراك، كما أن كثيرًا من الأحمديين لم يكونوا قد انضموا إلى الجماعة إلا بعد ذلك العام، فلا يعرف هؤلاء شيئا عن اليوبيل المئوي لتأسيس الجماعة، غير أنهم احتفلوا بهذا اليوبيل يوبيل الخلافة، ولا بد أنهم قد مروا ولا يزالون يمرون بتجربة رائعة لا مثيل لها. لقد أقام المسلمون الأحمديون في العالم كله برامج خاصة احتفالاً بيوبيل الخلافة ولا يزالون يقيمونها في فروع كثيرة، كما أنهم شاركوا في الاحتفال المركزي بواسطة MTA. قد تستمر برامج بعض فروع الجماعة إلى نهاية هذه السنة نظرًا لظروفهم المحلية. أما الاحتفال المركزي الذي عُقد في “إكسل سنتر” بلندن فقد بلغ عدد الحضور فيه 18000 أو 19000 نسمة، وشارك فيها مندوبون من فروع الجماعة في العالم كله. إن مشاهد الحضور التي نُقلت من قاديان وربوة قد تركت أثرًا عجيبا في نفوس المشاهدين، فقد بدأت تصلني رسائل وفاكسات الإخوة والأخوات حاملةً مشاعرهم بهذا الصدد. فبفضل الله وإحسانه، قد استولت حالة روحانية خاصة ليس على الحضور الموجودين أمامي في تلك الصالة فقط، بل على جميع الأحمديين الذين كانوا يستمعون ويشاهدون فعاليات هذا الاحتفال في مختلف أرجاء المعمورة، سواء كانوا يشاهدونها منفردين أو مع أفراد الجماعة، في بيوتهم أو مع أقاربهم وعائلاتهم، فكل واحد منهم نال نصيبًا من هذه الحالة الروحانية، وكأن الله تعالى قد جعل جميع الأحمديين في شتى بلاد وبقاع العالم يمرون بتجربة روحانية فريدة خرطتهم في سلك الوحدة. ولا جرم أن هذا دليل على صدق المسيح الموعود ، وتحقيق لوعود الله تعالى معه، ولقد عاينَه وشعر به الأحباب والأغيار على حد سواء. إن يوم 27 مايو / أيار الذي اكتملت فيه مئة عام على قيام الخلافة في الأحمدية، قد أرى الأحبابَ والأغيار آياتِ تأييد الله تعالى ونصرته. لقد سادت هذه الحالة الروحانية كل من كان حاضرًا في تلك الصالة رجالا ونساء وأطفالا بحيث أخبرني كل من لقيني أن هذا الاحتفال قد جدَّد إيمانه. وكما قلتُ، لم يكن حال الأحمديين الآخرين في العالم مختلفًا عن حالهم، إذ أعرب الجميع مِن كل مكان عن حبهم وتقديرهم وولائهم للخلافة. فقد كتب لي أحدهم: أشعر كأنني أصبحت اليوم أحمديا من جديد. وكان هناك البعض الذين كانت تراودهم بعض الشكوك رغم بيعتهم للخليفة الخامس، ولم تكن قلوبهم مطمئنة تمامًا، فقد كتب هؤلاء أيضا: لقد استغفرنا الله تعالى كثيرا الآن، ونعترف لكم بأن الله تعالى قد طهّر قلوبنا ببركة هذا الاحتفال، بل الأحرى أنه تعالى قد غسّلها ونقّاها وصقَلها، وها إننا نعاهدكم الآن أننا سنكون مستعدّين من الصميم لتقديم أية تضحية من أجل الخلافة، كما سننفخ في ذرياتنا روحًا تجعلهم يستفيضون بفيوض الخلافة على الدوام بإذن الله تعالى.

وكتب أحدهم: إذا كان مجلس ما سببًا لإحياء الموتى فكان هذا الاحتفال وخطابكم فيه يمثّل ذلك المجلس.

أدعو الله تعالى أن يكون هذا الاحتفال قد أحدث انقلابا حقيقيا في نفوس الأحمديين، كما أدعوه تعالى لدوام هذا الانقلاب، وأن نكون عبادا شاكرين له ونحافظ دوما على التغييرات الحسنة الحاصلة في قلوبنا.

لقد نظر الناس الساكنون حول “إكسل سنتر” إلى الأحمديين الذين اجتمعوا هناك بحيرة شديدة متسائلين: من هؤلاء القوم؟ علمًا أن الانطباع السائد في أوروبا أن المسلمين لا يعرفون الانضباط ولا النظام، ولهم تقاليد عجيبة غريبة؛ ولكن هؤلاء القوم قد دُهشوا كثيرًا لما رأوا الأحمديين في هذا الاحتفال إذ قالوا إنهم يبدون مسلمين ولكنهم يراعون النظام، وبرغم أن معظمهم من جنسيات آسيوية إلا أن هناك أناسًا من جنسيات أخرى قد انضموا إليهم، وأنهم جميعا رجالا ونساء وشيوخا وشبابا وأطفالا متّجهون إلى جهة واحدة، وأمارات الحب والتقدير المتبادلين اللذين يضمرونهما في قلوبهم باديةٌ في وجوههم، بل ترشح من كل عضو من أعضائهم.

قالت إحدى موظفات الأمن في “إكسل سنتر” لسيدة أحمدية: إن هذا المشهد غريب بالنسبة لي، وإني أمرّ بمثل هذه التجربة للمرة الأولى، وعرفت اليوم ما هو الإسلام، وإنني أرغب في أن أعتنق الإسلام برؤية هذه المشاهد وحدها.

إن هؤلاء القوم ينفعلون بسرعة من بعض الأمور فيُبدون انطباعهم فورا إزاءه، ولكننا ندعو أن يجعل الله تعالى تلك المشاهد تُحدثُ تغيرات حسنة في قلوبهم. إن غايتنا أن يعرف العالم خالقَه، ويجتمع تحت راية سيدنا محمد ، أيا كانت الوسيلة التي يفهم به هذه الحقيقة.

في هذا الاحتفال ليوبيل الخلافة قد رأى الأحباب والأغيار مشاهد وحدة الأمة، الأمر الذي هو خاص اليوم بجماعة المسيح الموعود . اليوم إذا كانت هناك جماعة في حرز العافية طبقًا لوعد الله تعالى فإنما هي جماعة المسيح المحمدي فقط، أما الآخرون فهم عرضة للتشتت والتشرذم، وسيبقون هكذا ما لم يُقَدِّروا نعمة الله هذه حق قدرها، وما لم يستجيبوا لدعوة النبي الذي أوصى الأمة أنه إذا ظهر الإمام المسيح والمهدي: “فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ” (مسند أحمد، مسند أبي هريرة ). وإن حالة المسلمين الآخرين خير شاهد على الفرقة والتشتت. وإن ابتعاد أهل الأديان الأخرى عن الله تعالى لدليل على أنهم سقطوا في حضن الشيطان، ونسوا إلههم الذي خلقهم، ونسوا الغاية التي خُلق الإنسان من أجلها، بل أصبحوا لا يشعرون الآن إذا كان ثمة هدف من خلقهم. فليس اليوم في العالم جماعة تعرف هذا الهدف وتسعى جاهدة للوصول إليه إلا جماعة المسيح الموعود ، وليس اليوم سوى جماعة المسيح الموعود التي استمسكت بتلك العروة الوثقى التي تنير لها دروبها القويمة، والتي أعطى الله ضمانا لها بأنه لا انفصام لها. لقد وفق الله بمحض فضله الأحمديين اليوم أن يستمسكوا بعروة ذلك الإناء الذي ملأه الله تعالى بواسطة المسيح المحمدي بماء روحاني زلال. إنه ماء يهب الحياة، وبِشُربه يستطيعُ المؤمن بلوغ الدرجات العلى من الروحانية. وثمة معنى آخر للاستمساك بالعروة وهو أن من يستمسكْ بها يسلَمْ إيمانُه. فمن يدخل في طاعة المسيح المحمدي، ويعقد معه عهد البيعة، ثم يحاول العمل بحسبه، فسوف يزداد إيمانًا على الدوام، وسيبقى إيمان المستمسكين بهذه العروة سليما في جميع الأحوال وعند كل معارضة. فإن المؤمن الذي يستمسك بهذه العروة لا يتخلى عنها ولو ضحى بحياته. إن تاريخ الأحمدية مليء بأحداث ووقائع تؤكد أن عواصف المعارضة لم تستطع زعزعة إيمان  المستمسكين بالعروة الوثقى. لقد قُتل الأبناء أمام الأمهات، وقُتل الآباء على مرأى من الأبناء بتعذيب شديد، واستُشهد الأبناء أمام أعين الآباء، وجُعل الأحمديون عرضةً لصنوف الأذى والتعذيب لردّهم عن إيمانهم، حتى تعرض بعضهم لتعذيب شديد بطيء مستمر، ومع ذلك لم يزلزل هذا كله أقدامهم من إيمانهم القوي الذي ثبتوا عليه. إنها ليست قصصا من الماضي بل قد حدثت أحداث مماثلة في السنة الراهنة أيضا.

أما الذين هم عباد الرحمن فإنهم بعد النجاة من المصائب يزدادون خضوعًا أمام الله تعالى، ويسخرون مواهبهم وكفاءاتهم للفوز بقرب الله تعالى أكثر من ذي قبل.

فإن احتفالنا اليوم بيوبيل الخلافة، إنما هو تعبيرنا عن فرحتنا بنـزول أفضال الله علينا أمطارًا غزيرة حيث اكتملت مئة عام على قيام الخلافة. إنه احتفال بما أعطانا الله تعالى أثناء هذا القرن من حدائق غنّاء نتيجة اعتصامنا بهذه النعمة الإلهية، نعمة الخلافة. عندما نفرح برؤية هذه الحدائق الغنّاء شاكرين الله تعالى، فيجب أن نتذكر الشهداء الأحمديين الذين سقوا هذه الحدائق بدمائهم الزكية، وضربوا على قوة إيمانهم أروع أمثلة هي فصول ذهبية من التاريخ. وعلينا أن ندعو لهم ولأولادهم.

من معاني العروة: المرعى الأخضر الدائم الخضرة الذي لا يذبل نتيجة شح المطر. إذن، المراد من المرعى هنا جماعة المؤمنين التي أعطاها الله للمسيح الموعود، ومن المقدر لهذا المرعى أن يبقى مخضرًّا إلى الأبد، إذ تكفيه أقل بلّة لتجعله زروعًا خضراء وحدائق غنّاء. فلو تمسكتم بهذه العروة الوثقى لورثتم هذه الإنعامات العظيمة كابرًا عن كابر. فحين قال الله تعالى:

فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ

قال بعدها:

فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا والله سميعٌ عليم ..

 أي أن الذين يتمسكون بهذه النعمة بإخلاص ويدعون الله تعالى ليوفقهم للتمسك بهذه العروة الوثقى فليعلموا أن الله تعالى مجيب الدعوات، ويعلم ما في الصدور، فلن يضيع الجهود والأدعية التي تتم بحسن النية، وستظل قلوبنا عامرة بالإيمان، ولن نبرح نتمتع بالإنعام الإلهي أيضا، ويقوّي الله إيمان كل واحد منا. وبسبب حسن نيّاتنا سيرزقنا الله تعالى وذرياتنا الإيمان، ويورثنا وذرياتنا زروعا خضراء وحدائق غنَّاء.

فالمشاهد التي نشاهدها اليوم بمناسبة مرور مائة عام على قيام الخلافة، والتي نحيي بها إيماننا، والحقول الخضراء التي نراها متمثلة في وحدة الجماعة وازدهارها والتي أذهلت الأغيار وزادت بعض الحساد منهم حسدًا كما يحدث في باكستان مثلا، أقول إن هذا كله ليس إلا نتيجة لإيماننا بالمسيح الموعود وتمسكنا بالخلافة كما تنبأ به سيدنا رسول الله . يقول المسيح الموعود :

“إن معجزات الأنبياء السابقين قد انتهت مع وفاتهم، أما معجزات نبينا الأكرم فلا تزال تظهر حتى اليوم ولن تزال تظهر إلى يوم القيامة. وكلّ ما يظهر من آيات لتأييدي إنما هو معجزات النبي في الحقيقة.”

ندعو الله تعالى أن يوفق جميع الأحمديين للتمسك بعتبته وبأهداب النبي ، ويجعلنا خدامًا أوفياء للمسيح الموعود العاشقِ الصادق للنبي ، ويوفّقنا أيضا للوفاء بجميع العهود التي عاهدناه عليها لحماية الخلافة الإسلامية الأحمدية. الواقع أن المشاهد التي شاهدناها اليوم، والوحدة الموجودة في الجماعة، وعواطف الحب والوفاء للخلافة كل ذلك كان له وقعٌ عظيم على الأغيار، بل إنه بحد ذاته لمعجزة توجب علينا أن نظل خاضعين لله تعالى للحفاظ عليها، ليجعل الله تعالى إنعاماته علينا دائمة نتيجة شكرنا له . ذلك لأن الله تعالى قد وعد المؤمنين أنهم لو شكروه لزادهم نِعمة وإيمانا، وأورثهم أفضاله على الدوام حيث قال تعالى:

  وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم: 8)

وفي هذه الأيام حين أقرأ الرسائل التي أتلقاها من قبل الإخوة تطرأ على قلبي حالة غريبة، وأفكر في نفسي كيف أؤدي حق شكر الله تعالى، إذ إن أفضاله تنـزل على الجماعة بحيث إذا قامت كل ذرة من أجسامنا بحمد الله تعالى لما تمكنا من أداء حقه. وأطّلع أيضا من خلال الرسائل كيف تشكر الجماعة على نعمة الخلافة التي أكرمها الله بها بواسطة المسيح الموعود . أتلقى أعدادا كبيرة جدا من الرسائل المحتوية على الشكر على هذه النعمة بحيث أستطيع القول بدون أدنى تردد إنه ليس في الدنيا أحد إلا أفراد جماعة الإمام المهدي يقوم بأداء واجب الشكر إلى هذا الحد. وما دامت مثل هذه العواطف للشكر باقية ومستمرة ورثنا نحن وذرياتنا نِعم الله تعالى. فعليكم ألا تدَعوا هذه العواطف تفتر أو تخمد. فإن الشكر هو الذي سوف يزرع لنا حدائق خضراء باستمرار ويقوي إيماننا بإذن الله.

الدنيا غارقة اليوم في اللهو واللعب، وليس هناك مَن يرشدهم إلى الصواب. وجماعة المسيح الموعود هي الوحيدة التي تصوِّب اتجاهاتها تحت راية الخلافة. لا شك أنها لنعمة عظيمة لا يمكن لنا تأدية حق شكرها مهما حاولنا. والله تعالى يقول بأنكم لو حاولتم الشكر – لكن ليس باللسان فقط – بل بإصلاح الأعمال لأكثرتُ عليكم نعمتي. لذا فعليكم أن تكثروا من الدعاء. فأرجوكم أن تدعوا لي وأنا بدوري سأدعو لكم حتى لا تفتر عواطف الشكر وبالتالي لا تنقطع نِعم الله تعالى علينا بل تبقى في ازدياد واستمرار.

وكما قلت من قبل، تصلني رسائل كثيرة بالبريد وعبر الفاكس من قبل الإخوة والأخوات والصغار أيضا، فأحاول قدر المستطاع أن أرد بنفسي على تلك الرسائل الفياضة بالحب والإخلاص وبأسرع ما يمكن، ولكن يمكن أن يحدث بعض التأخير في ذلك لكثرة إنشغالي في هذه الأيام في أمور أخرى مثل التحضيرات للجولات المقبلة التي سأقوم بها بإذن الله قريبا.

على أية حال، كما قلت من قبل، وأكرر وأقول وأدعو الله تعالى أن يزيدكم جميعًا إيمانا وإخلاصا. من الرسائل التي أتلقاها ما يجعلني مغلوبا بالعواطف، وأقول في نفسي ما أجمل هذه الأزهار التي جعلها الله تعالى تتفتح في حديقة سيدنا المسيح الموعود والتي يعجز الإنسان من بيان جمالها. أدعو الله تعالى مرة أخرى أن يزيدكم إيمانا وإخلاصا.

من نِعم الله تعالى أيضا القمرالصناعي الذي هو من الاكتشافات الحديثة في هذا العصر، وقد أعطاه الله تعالى للمسيح الموعود . أريد الآن أن أقول شيئا عنه. كما تعلمون أن كثيرا من المتطوعين يعلمون في قناتنا الفضائية MTA، وقليل جدا هم الذين يتقاضون راتبا، بل إن معظهم يكرِّسون أوقاتهم للعمل في هذه القناة بدون أن يتقاضوا مقابلها شيئا. فإنهم يبذلون قصارى جهودهم لجعل برامجها ناجحة وبثها على القناة بأحسن وجه، كما يراها العالم كله. فهم يعملون لكي يقدموا للناس مشاهد نزول أفضال الله تعالى على الجماعة، ويُروهم مشاهد تلك الوحدة التي أكرم الله تعالى بها جماعة المسيح الموعود ، ويواصلون جهودهم ليوصلوا رسالة الله ورسوله إلى أكناف العالم لكي تتوجه إليها الأرواح السعيدة فتعرف الحق والصدق.

لقد بشر الله تعالى المسيح الموعود بازدهار الجماعة وتقدمها عن طريق الإلهامات وملأ قلبه باليقين بأنه سينال وجماعته الغلبة حتما. فهناك إلهامات كثيرة تلقاها حضرته في هذه الصدد، منها ما أوحى الله إليه بكلمات آية قرآنية: “كتب الله لأغلبن أنا ورسلي”.

وهذه البشرى إشارة إلى غلبة الإسلام وإلى غلبة جماعة المسيح الموعود أيضا، لأن رقي الإسلام وغلبته في هذا الزمن منوطة بالمسيح الموعود بحسب نبوءات النبي ووعود الله تعالى. فمن المقدر أن الله تعالى سوف يهب للمسيح الموعود هذه الغلبة، ولكن لا بد له من أسباب مادية، وقد هيأ الله تعالى من أجله هذه الأسباب في الوقت المناسب دائما وسيظل يهيئها. إن الكتب التي ألفها ونشرها حضرته في زمنه – بل الأحرى أن أقول إن هذا الكنـز الكبير  الذي وزعه على الدنيا – كانت إحدى وسائل هذه الغلبة الموعودة. أما في هذا العصر فقد هيأ له الله تعالى أسبابا جديدة لتبليغ هذا الكنـز إلى كل أنحاء العالم عبر MTA. كما جعل قناتنا الفضائية MTA وسيلة لإظهار بركات الخلافة الإسلامية الأحمدية التي قامت حسب وعد الله تعالى. إذن، فقناتنا الفضائية هي إحدى الوسائل التي أوصلت ولا تزال توصل دعوة الأحمدية إلى كل أطراف الأرض، معلنةً بصوت عال أن الاكتشافات الحديثة إذا أُحسنَ استخدامها في وقت من الأوقات، فإنما تم ذلك في زمن المسيح الموعود . إن القنوات الثلاث لـ MTA لا تعمل جاهدة على تربية أبناء الجماعة فقط، بل تفحم أيضا المعارضين بالأدلة التي زوَّدنا بها المسيح الموعود . فالله تعالى قد جعل قناتنا الفضائية MTA سلاحًا لنيل الغلبة من جهة، ومن جهة ثانية جعلها وسيلة لإظهار هذه الغلبة. لقد دخلت قناتنا في البيوت كلها محققةً أهدافَ بعثة المسيح الموعود .. أي القيامَ بالمهمات التي كلف بها وقام بها سيده وسيدنا رسول الله ، إذ وُكِّلت إلى المسيح الموعود في هذا الزمن نفس الأعمال، بما فيها إظهار المعجزات وتزكية القلوب ونشر تعليم القرآن الكريم ونثر لآلئ الحكمة بين بني البشر.

وإذا استعرضنا أوضاع اليوم وجدنا القناة الفضائية الإسلامية الأحمدية هي القناة الوحيدة التي تفي بهذه الأغراض والأهداف كـلهـا. هناك قنوات حكومية كثيرة في البلدان الإسلامية إضافة إلى قنوات خاصة للمنظمات الإسلامية العديدة، ولكنكم إذا أمعنتم النظر في برامجها فلن تجدوا في أي منها هذه الأمور الأربعة مجتمعة. فإذا بثّت هذه القنوات شيئا جيدا مرة، فإنها تبث مرارا كثيرة برامج رديئة تثير الضحك، ولا تقدم أي فكرة صحيحة عن الإسلام. ثم هناك في العالم عدد هائل من القنوات، ومن الصعب استمرارها بدون دعايات مشتملة على لغو ولهو وإباحية، وهذا هو حال قنوات البلدان الإسلامية أيضا، حيث يقدمون برامج عابثة سخيفة باسم التسلية والترفيه والاستراحة. فهناك اليوم قناة وحيدة تحقق الغاية المنشودة من خلق البشر، الغاية التي من أجلها بُعث النبي ، وهي قناة غلمان المسيح المحمدي. فعلى الأحمديين أن ينتبهوا إلى أهمية قناتنا من أجل تربيتهم من ناحية، ومن ناحية لأن هذه القناة تدار ببذل جهود ومساع جبارة. فعليكم أن تشاهدوها وتستمعوا إليها باهتمام خاص، ولاسيما خطب الجمعة والبرامج التربوية الأخرى. فثمة حاجة ماسة للانتباه إلى هذا الأمر. وأقول ذلك لألفت انتباهكم إلى شكر الله تعالى على ما أكرمنا به من نِعم لا تُعَدّ ولا تحصى، وعلى ما منَّ على جماعة المسيح الموعود حسب وعوده من نعمة الخلافة التي تصل دعوتها إلى العالم عبر شاشة MTA. هنا يجب أن أوضح أنه إذا لم تكن الخلافة فينا لما كان بوسع أي هيئة أو منظمة إدارة هذه القناة كما تجري الآن عندنا على ما يرام مهما بُذلت الجهود لذلك بنية حسنة. إذًا فإن MTA بركة عظيمة من بركات الخلافة وفضلٌ من أفضال الله على جماعة المسيح الموعود ، فينبغي أن نستفيد منها حق الاستفادة. وقد قلت إن من المستحيل إدارة القناة بدون الخلافة على الشاكلة التي ذكرتها لكي يتولد عند كل واحد منكم الشعور بأن كل نظام أعطاه الله تعالى للمسيح الموعود بحسب وعده فقد ربطه بنعمة الخلافة فاحترِموها دائما. والتغير الذي حدث في كل أحمدي بمناسبة الاحتفال باليوبيل المئوي على تأسيس الخلافة الإسلامية الأحمدية يجب ألا يكون مؤقتا، ويجب ألا يكون هذا الحماس مؤقتًا عابرًا، بل ينبغي أن تتذكروه دائمًا وتجعلوه جزءا لا يتجزأ من حياتكم. كنت أخذت منكم بهذه المناسبة ميثاقا وكان له تأثير كبير في النفوس، وهذا التأثير بادٍ في الجميع، فاسعوا ألا تنسوا هذا العهد أبدًا، لأن الله تعالى قال:

  وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا (الإسراء 35).

وحيث إن تأثير هذا الحدث لا يزال حيًّا في أذهانكم فأذكّركم مرة أخرى بأن هذا العهد يجب أن يظل نصب أعينكم دومًا ليقوي إيمانكم باستمرار. واذكروا أيضا أن أي عهد وأي أمر لا يتحقق بدون فضل الله تعالى، وهذا ما يشعر به كثير من الإخوة، فيقولون لي في الرسائل إننا قد عقدنا العهد، وسوف نسعى للعمل به والوفاء والتمسك به بإذن الله، لكن نرجو منك الدعاء بأن يوفقنا الله تعالى في هذا المرام، إذ لا يتأتى ذلك بدون فضله تعالى.

إذًا فلا بد من العمل بما علَّمنا الله للوفاء بهذا العهد. وهو أن ترفعوا مستوى عباداتكم أكثر من ذي قبل، وأن تعملوا الخيرات أكثر من ذي قبل، وأن تسعوا جاهدين للأعمال الصالحة التي منها طاعة نظام الجماعة أيضا، فبدونه لا يوفَّق المرء لفعل الخيرات ولا للوفاء بهذا العهد، لأن الخلافة هي التي أقامت نظام الجماعة، فلا بد من احترامه وطاعته. وفَّق الله كلَّ واحد منكم للتمسك بعهده والوفاء به، والتقرب إليه تعالى باستمرار.

هذا، وكنا نسعى جاهدين منذ مدة طويلة لشراء قطعة أرض في إيطاليا لبناء مركز للجماعة هناك، والآن وفي اليوم السابع والعشرين من مايو بالضبط تلقينا بشارة من الله أن البلدية هناك استدعت ممثّلَ الجماعة وأخبرته بسماحها لنا بشراء قطعة أرض، وقد عُقدت الصفقة أيضًا. هذا البلد الذي فيه عاصمة المسيحية ومقر قيادتها الدينية إلى الآن قد وهب الله لنا فيه، عند اكتمال مائة عام على إقامة الخلافة الأحمدية، أرضًا لنبني فيها مركزا لغلمان المسيح المحمدي ونشيد فيها بإذن الله مسجدًا يُرفَع من مآذنه اسم الله الأحد ويصدر عنه إعلان وحدانية الله تعالى.

إن المسلمين الأحمديين في باكستان أيضا قد احتفلوا بهذه المناسبة بفضل الله تعالى رغم ضجة المشايخ. فاشتركوا عبر MTA   في الاحتفال الذي أقمناه هنا، كما أقاموا احتفالات محلية أيضا. ورغم الحظر المفروض على احتفالنا أمس أو اليوم من قبل الحكومة، إلا أن الأحمديين لم يشعروا بالحرمان الذي أصابهم عند اليوبيل المئوي على تأسيس الجماعة في عام 1889، حيث صدر عندها مرسوم حكومي يمنع الأحمديين من الاحتفالات رغم جميع الاستعدادات والترتيبات، وفُرض بموجبه حظرٌ على أي فرحة يبديها أي أحمدي، وبأي طريق كانت، حتى توزيع الحلويات والسكاكر على الأولاد. هذه هي الأوضاع هناك.

وفي هذه المرة أيضا كان الأحمديون قلقين لأن الحزب الحاكم في منطقة البنجاب التي تقع فيها مدينة ربوة مركزُ الجماعة، هو نفس الحزب الذي فرض الحظر في الماضي، ولكن الله تفضل علينا وأكرمنا وانقضى يوم السابع والعشرين بسلام، وشارك الأحمديون في الاحتفال المركزي الذي بُث عبر  MTA من هنا وقاموا باحتفالات أخرى محلية؛ حيث وزِّعت الأطعمة والحلويات أيضًا. وبما أن هذه البرامج كلها قد تمت بمنتهى الهدوء ولم يتنبه لها الكثيرون، فقد ظن المشايخ أن الحظر كان مفروضًا من قبل الحكومة، خاصة أن الجرائد قد نشرت إعلانات كهذه، لذا فقد أعلن المشايخ تفاخرًا بأن الحكومة قد فرضت الحظر على احتفال “القاديانيين” ومنعتهم من توزيع الحلويات على الأولاد ومنعتهم من الابتهاج، وهكذا قامت بإنجاز إسلامي عظيم وأنقذت الأمة المسلمة من الدمار. فكأن الأمة المسلمة إنما تهلك بتوزيع الحلويات على الأولاد! فهذا هو مبلغ عقلهم!! إنهم لا يدركون أن تصرفاتهم هذه تدفعهم إلى هوة الهلاك. لذا فأرجو منكم أن تدعو لباكستان أيضا. أما المشايخ فلم يُقدَّر لهم الهدى على ما يبدو، فادعوا للشعب الباكستاني أن يهديه الله الصراط المستقيم ويلهمه الصواب والرشاد. وادعوا ألا يظل الساسة المغرضون يلهثون وراء مصالحهم الشخصية، بل يقوموا بواجباتهم ومسؤولياتهم ويؤدوا حقوق الفقراء. إن الأوضاع في باكستان سيئة جدا، فالخزينة خالية، والغذاء والمياه غير متوفرة. قد كثرت أحداث النهب والسرقة، وعمت الرشوة، ويموت الشعب جوعا، والحكومة لا تحرك ساكنا، ولا يهمّ أصحابَها إلا المناصبُ. رحم الله الشعب الباكستاني. ونحن حين نقيم احتفالات الفرح والسرور في العالم كله شكرًا على ما أنعم علينا بنعمة الخلافة، فعلينا أن لا ننسى الجماهير الفقراء في باكستان أيضًا. فادعوا الله تعالى أن يحسِّن أوضاعهم ويفرّج عنهم ويخلِّصهم من القادة الظالمين ويهديهم إلى طريق الصواب. كما ادعوا للبلدان الإسلامية بشكل خاص بأن يوفق أهلها لمعرفة المسيح المحمدي وللإيمان به. ثم ادعوا للعالم بشكل عام أن يحفظه الله تعالى من عذابه، ويوفقه لمعرفة الحق، فإنه مندفع إلى الدمار. ادعوا ليشاهد العالم مشاهد ملكوت الله على الأرض مرة أخرى، حيث نرى راية النبي ترفرف عاليا في العالم كله. آمين.

بخطبتي هذه تبدأ الجلسةُ السنوية للجماعة الإسلامية الأحمدية بكندا. بفضل الله تعالى قد فهمت الجماعة جيدًا الغاية من عقد هذه الجلسات وتقاليدها نتيجة انعقادها منذ فترة طويلة في كل بلد توجد فيه الجماعة بصورة رسمية. بل إن الفضائية الإسلامية الأحمدية (MTA) قد نَظَمَت المشاهدين الأحمديين في سلك الوحدة بنقلها مشاهد حية للجلسات المختلفة المنعقدة في شتى بلدان العالم، وجعلت للأحمديين من أقوام وأمزجة مختلفة طابعا موحَّدا، حيث تتجلى على وجوههم آثار البر والصلاح. ونتحدى العالم بهذا الأمر ونقول إن هذا هو طابع الجماعة بشكل عام. عُقِدت أول الأمس مأدبةُ الاستقبال بمناسبة اليوبيل المئوي وقد حضرها عمدة مدينة “أونتاريو” أيضا، وفي أثناء الحديث أخبرته أن طابع الأحمديين في كل بقعة من العالم وفي كل بلد من الدنيا موحّد متماثل، وهذا الطابع هو التسابق في الخيرات والحسنات وبذل المساعي لإحداث التغيير الطاهر في نفوسهم. فما دام الأحمديون يسعوْن لنيل هذا الهدف فسيظلون أعضاء نشيطين في الجماعة وسينتفعون بالنعمة التي وهبنا الله إياها بواسطة المسيح الموعود . وسوف تتجلى على وجوههم تلك الآثار التي تعلو، ويجب أن تعلو وجوه السبّاقين إلى الله تعالى. إن هؤلاء هم العابدون لله. وحيثما ارتحلوا وحلّوا في العالم تجدونهم يقدمون التضحيات من أجل الجماعة، ويسعون لرفع مستوى عبادتهم. يقول الله تعالى في وصف مثل هؤلاء في كلامه المجيد:

  تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (الفتح 30)

هذه هي علامة أولئك المؤمنين الذين قد وهبهم الله تعالى للنبي محمد ووصفهم في القرآن الكريم. ولكي يخلُق الله عبادًا للرحمن مثل هؤلاء في هذا العصر، قد بعث سيدَنا مرزا غلام أحمد القادياني المحبَّ الصادق للنبي ، الذي أسّس جماعة طاهرة أنتجتْ عباد الرحمن الذين ضربوا أروع الأمثلة على جدارتهم بلحوقهم بالمسلمين الأولين. ومن خلال التعليم والنصح المستمريْن لفت أنظار جماعته إلى ضرورة أن يكون فيها أناس أطهار دائمًا يجعلون معرفةَ خالقهم والخشوعَ له غايةَ حياتهم. فقد وجّه انتباه الجماعة إلى أن يكونوا في نظر الله مؤمنين حقيقيين يستهدفون رفع مستوى العبادة. فيقول :

“إن المؤمنين الصادقين عند الله، والذين قد اجتباهم الله تعالى لنفسه، وطهرهم بيده، وأدخلهم في زمرة المخلصين ووصفهم بقوله: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (الفتح 30)، يجب أن توجد فيهم آثارُ السجود والعبودية فعلاً، لأن الله لا يخلف الميعاد.”

فإذا كنا نعلن وندّعي أننا آمنّا بإمام العصر فيجب أن يشهد سجودنا وعبادتنا على هذا الإيمان. لا بد أن نجتهد لبلوغ المستويات التي تقرِّبنا إلى الله تعالى. لقد لفت المسيح الموعود انتباهنا مرارا وفي مواضع شتى وبأساليب عديدة إلى أن نبلغ ذلك المستوى الذي يجعلنا من زمرة عباده الحقيقيين، حتى لا تبقى عباداتنا جوفاء، ولا يكون إيماننا إيمانا ظاهريا فحسب، بل يجب أن يرتقي حتى يكون الله لعبده لسانَه الذي يتكلم به، ويده التي يبطش بها وينجز بها شؤونه، وقدَمه التي يمشي بها ويتقدم إلى الحسنات، فينصره الله في كل مأزق ومحنة. وكما قلت سابقا، إن سيدنا المسيح الموعود قد نصحنا في خطبه وكتبه لكي نحرز هذا المعيار، وقد أسس حضرته الاجتماع السنوي لتحقيق الهدف نفسه.

يقول حضرته في موضع آخر:

 “فليتضح لجميع المخلصين الداخلين في بيعة هذا العبد الضعيف أن الهدف الحقيقي من البيعة هو أن يفتُر حبُّ الدنيا ويستولي على القلوب حبُّ الله – عز وجل – وحبُّ الرسول الأكرم ، وتتيسر لهم حالة من الانقطاع عن الدنيا حتى لا يعود السفر إلى الآخرة مكروهًا لديهم. (آسماني فيصله أي الحكم السماوي، الخزائن الروحانية ج 4، ص 351)

والآن، ما السبيل إلى أن يتغلب على القلب حب الله؟ وكيف يجب أن تكون عبادتنا؟ يقول في هذا الصدد:

ما لم يسجد القلب سجود التواضع الكامل، فإن عقد الأمل على السجود الظاهري وحده عبث لا جدوى منه. فكما أن دماء القرابين ولحومها لا تنال اللـهَ وإنما يناله التقوى، كذلك لا فائدة من السجدة والركوع الظاهريين ما لم يسجد القلب ولم يركع ولم يقم. إن قيام القلب يعني أن يعمل المرء بأوامر الله تعالى، والمراد من الركوع أن ينيب إليه ، والمراد من السجود أن يضحي نفسه في سبيل الله تعالى.

الحق أننا بحاجة ماسة للخضوع لله تعالى ولعبادته من أجل التقرب إليه. وإن أفضل عبادةٍ هي الصلاة.

ثم يقول حضرته:

أدعو الله تعالى أن يُطهِّر قلوب أبناء جماعتي، ويمدّ إليهم يد رحمته، ليُميل قلوبهم إليه، وينـزع منها كل أنواع الشر والحقد، ويولِّد فيها الحب المتبادل والصادق. وإنني على يقين أن دعائي هذا سيستجاب يوما بإذن الله، وأن الله لن يضيِّع أدعيتي.”

في هذه الأيام يجب أن نتحرى تلك السجدات التي هي سجدات التذلل والتفاني. وإذا بحثنا في أجواء الجلسة المليئة بالروحانية والبركات عن تلك السجدات والعبادات التي تقرِّبُنا إلى الله مستفيضين بغيث أفضال الله ومستفيدين بدعوات المسيح الموعود التي دعا بها لمن يحضر الجلسة، فسوف نحتاج إلى الدعاء أكثر ليثبِّتنا الله عليها ولا ينقطع عنا نزول أفضال الله الغزيرة، وتظل معايير عبادتنا ترتفع باستمرار على الدوام، ونكون من الذين يستجيبون لجميع أوامر الله . نسأل الله تعالى أن يستجيب دعاء المسيح الموعود في حق كل واحد منا، ويزكّي قلوبنا لتخضع لملكوت الله ورسوله وحدهما، ومِن ثَمّ نجْني نحن وأجيالُنا القادمة الثمارَ الحلوة لهذه العبادات، ونُطعِمها أيضا مَن حولنا وغيرهم، وتنال قلوبُنا حظًا من رحمة الله، وتسعى دومًا لأداء حقوق الله وحقوق العباد، وأن نشعر بالألم الذي عبّر عنه المسيح الموعود لجماعته، وبالتالي نُعَدّ من الذين يعبدون الله حق العبادة، ونتمتع نحن وأجيالنا القادمة من بركة أدعيته إلى الأبد.

بماذا يأمرنا الله في القرآن الكريم حين يحثّنا على الدعاء؟ قد ذكر القرآن الكريم هذا الأمر في مواضع عديدة من منطلقات مختلفة، لكن أهم شيء بيَّنه الله لنا هو أنه تعالى قد  متَّع الإنسان الذي جعله أشرف المخلوقات بعقل لم يعطه لغيره من المخلوقات، كما قد أعطاه مواهب وقدرات خاصة لم يعطِها لمخلوق سواه. فقد بشّره الله تعالى – دون أي مخلوق سواه – بحياة جديدة غير فانية بعد الموت يتلقى فيها ثوابًا أو عقابا بحسب أعماله. فالذين يفهمون هذه النقطة الهامة فأولئك هم المفلحون. لقد حدد الله تعالى لكم سبلاً ومناهج، فإن سلكتموها نلتم رضوانه في هذه الدنيا والآخرة أيضا. وما هي تلك السبل التي تضمن لكم رضاء الله تعالى؟ إنما هي أن يصبح الإنسان عبدًا لله تعالى، ويعمل الصالحات. فقد بين الله تعالى أن أعظم الأعمال عبادةُ الله التي خُلق الإنسان من أجلها. قال الله تعالى في القرآن الكريم:

  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات:57).

 ويقول سيدنا المسيح الموعود مفسرا هذه الآية:

لقد خُلق الإنسان مفطورًا على أن يصير لله تعالى، وذلك كما قال :

  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ .

فقد أودع اللهُ فطرةَ الإنسان شيئا لنفسه هو وخلَقه لنفسه هو بأسباب خفية جدًّا، مما يدل على أن الله تعالى قد جعل عبادته هي الغاية من خلق الناس. ولكن الذين ينحرفون عن غاية خلقهم، ويعتبرون الأكل والشرب والنوم كالبهائم هو الغاية من حياتهم، يبتعدون عن فضل الله تعالى فيصبحون محرومين من ذمة الله. وإنما يحظى بذمة الله مَن يعمل بحسب قوله تعالى:

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ،

ويغير مسار حياته بحسبه، لأن الإنسان لا يدري متى يفاجئه أجله…. اعلموا أن الغرض من خلقكم هو أن تعبدوا الله وتكونوا له وحده. يجب ألا تكون الدنيا أكبر همكم. أقول لكم هذا مرة بعد أخرى، لأنني أرى أن هذا هو الأمر الذي خُلق الإنسان من أجله، وهو الأمر الذي ابتعد عنه الإنسان. لا أقول لكم أن تتخلوا عن أعمال الدنيا، وأن تقصدوا الفلوات والجبال معرضين عن الأهل والأولاد. كلا! بل إن الإسلام لا يجيز ذلك، ولا يهدف إلى الرهبانية، بل يريد أن يجعل الإنسان نشيطا يقظا، لذلك أقول لكم: عليكم إنجاز أعمالكم بسعي وجدّ. ورد في الحديث: من عطّل أرضًا ولم يعمرها فسوف يؤاخذ على ذلك. فمخطئ من يظن أننا نعني أن يتخلى المرء عن الدنيا وما فيها. بل عليكم أن تفحصوا جميع أعمالكم، واحرصوا على أن يكون رِضى الله تعالى هو الهدف الحقيقي من ورائها. فلا تقدِّموا أهدافكم ومشاعركم على مشيئة الله وإرادته. (جريدة “الحكم” مجلد 5 رقم 29 عدد 10 أغسطس/ آب 1901م ص 2)

ويقول أيضا:

لقد خلق الله تعالى الإنسان لينال معرفة الله ويحظى بقربه…. فالذي لا يتذكر هذا الهدف الحقيقي بل يظل منغمسًا في التفكير لكسب حطام الدنيا.. مثل شراء قطعة أرض كذا أو تعمير بيت كذا، أو تملُّكِ عقار كذا، فماذا عسى أن يلقى من الله إلا أن يمهله لأيام قليلة ثم يدعوه إليه. يجب أن يكون في قلب الإنسان لوعة لنيل قرب الله تعالى، الأمر الذي يجعله عند الله ذا قدر وقيمة. أما إذا لم يكن مثل هذا الألم في قلبه وإنما كان يملؤه همّ الدنيا وما فيها فسوف يلقى مهلة وجيزة ثم يهلك. (جريدة بدر مجلد 4 رقم 3 عدد 20 يناير/ كانون الثاني 1905 ص 2)

هذه غاية خلقنا، وقد شرحها المسيح الموعود شرحًا وافيًا، وبين أن الله تعالى قد وضع أمر عبادته في فطرة الإنسان. وهذه الفطرة الإنسانية تظهر للعيان عندما يتعرض لمصيبةٍ شخصٌ قد نسي الله لانغماسه في الدنيا، أو يحيطه طوفان فيتّجه نظرُه نحو السماء غصبًا عنه، ولكن  مثل هؤلاء القوم ينسون الله بعد النجاة لكونهم ماديين جدًّا. لقد بين الله تعالى هذا الموضوع في أماكن عديدة من القرآن الكريم. أما الذين هم عباد الرحمن فإنهم بعد النجاة من المصائب يزدادون خضوعًا أمام الله تعالى، ويسخرون مواهبهم وكفاءاتهم للفوز بقرب الله تعالى أكثر من ذي قبل.

ثم بين الله تعالى أن جميع مخلوقاته وكل شيء يعلمه الإنسان في هذا الكون يزيد عبادَ الله معرفةً بوجوده وعبادةً له. فعندما يفكر العابد في خلق الله يزداد ذكرًا له . قال الله تعالى:

  إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (آل عمران: 191-192)

إن العقل الذي وهبه الله للإنسان والذي جعله بسببه أشرف المخلوقات، عندما يفكر به الإنسان العابد في خلق الله تعالى فإنه يزيده قربًا منه . ولكن مع الأسف أن بعض المتعلمين والمثقفين اليوم عندما يتفكرون في هذا الخَلق يظنون أن عقولهم لا يمكن أن تخطئ أبدًا، فيحيدون عن الصراط المستقيم. ولكن العابدين والمؤمنين بالله يستخدمون جميع مواهبهم وقدراتهم لنيل العرفان الإلهي والاستفاضة بفيض وحدانية الله.

لقد أثبت الدكتور عبد السلام نظريته مستعينًا بالله تعالى ومسترشدًا بآية قرآنية. لذا يجب أن يتذكر الشباب الذين نشأوا في هذه البلاد أنهم كلما ركزوا على عبادة الله تعالى، وصقلوا مواهبهم الخفية مستعينين به ، ازدادوا معرفةً بخلق الله تعالى وتفوقوا في مجال العلوم المادية على الآخرين الذين لا يعرفون الذات الإلهية. إن المواضيع الكونية التي سلط الله عليها الضوء في القرآن الكريم لا يمكن لأحد أن يفهمها أكثر من مسلم أحمدي طاهر القلب وعابدا لله. لقد قال المسيح الموعود إن الله تعالى قد خلق الإنسان لنفسه بأسباب خفية جدًّا، وأحد معاني قوله أن الله تعالى يُطلِع العابدَ على أسرار خلقه في الأرض والسماء والأكوان، لا يمكن أن يطّلع عليها شخص غير عابد، لأن بحوث الباحث غير المسلم تزيده كبرًا وغرورًا، بدلاً من أن تؤدي إلى إيمانه بالله تعالى، ولكن العابد عندما يرى عجائب خلق الله يزداد خضوعا له. إن كل شيء خلقه الله تعالى يزيد المؤمن إيمانا ويجعله أكثر خضوعًا وعبادة لله تعالى.

يقول سيدنا المسيح الموعود في شرح هذه الآية:

إنما المؤمنون الذين يذكرون الله قياما وقعودا وفي مضاجعهم، ويفكّرون في كل ما في الأرض والسماء من صنائع عجيبة. عندما تنكشف عليهم أسرار صنع الله تعالى يقولون ربنا ما خلقتَها باطلا.. أي أن الخواص من المؤمنين لا يقصدون بمعرفة الصنائع الكونية وعلوم الهيئة أن يعرفوا شكل الأرض وقُطرَها وكيفية جاذبيتها وعلاقتها بالشمس والقمر كما يفعل عُبّاد الدنيا، بل إنهم بعد اكتشاف كمال الصنعة الكونية وخواصها يرجعون إلى صانعها، وهكذا يزدادون إيمانًا مع إيمانهم. (سرمه جشم آريا – كحل عين آريا – الخزائن الروحانية ج2  ص 143-144)

ويخبرنا الله تعالى عن علامة أولئك الذين يزدادون إيمانًا، فيقول:

  إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (السجدة: 16)

إذنْ فعلامة المؤمن الحقيقي أنه كلما نال معرفة حقيقية بآيات الله خضع لله تعالى. والمراد من آيات الله هو تعاليم القرآن والمعجزات التي تظهر على أيدي الأنبياء، بل إن كل خَلْق الله يندرج تحت آيات الله. فكلما يتدبر المؤمن في تعليم القرآن، ويتدبر في ما حوله ويتأمل في شتى أنواع خلق الله، ويتفكر في الكون، فلا يبقى أمامه مجال إلا أن يزداد عبادة لخالقه.

إن كلام المسيح الموعود يجب أن يكون تحذيرًا لنا، نحن الأحمديين خاصة، حيث يقول حضرته: “إن الذين ينحرفون عن غاية خلقهم، ويعتبرون الأكل والشرب والنوم كالبهائم هو الغاية من حياتهم، يبتعدون عن فضل الله تعالى فيصبحون محرومين من ذمة الله.”

إنها رسالة تحذير شديد لكل مسلم أحمدي، لأننا ندعي، من ناحية، أننا انضممنا إلى جماعة المسيح الموعود ، إمامِ هذا العصر لابتغاء مرضاة الله وأفضاله ، ولهذا السبب وحده نتعرض للمعارضة المريرة من العالم كله، كما يواجه بعض منا معارضة شديدة من قِبل أقاربهم غير الأحمديين، ولكننا إذا لم نتوجه إلى عبادة الله كما ينبغي تعرضنا لمعارضة الناس وابتعدنا عن فضل الله تعالى أيضا. لذا فيجب على الكسالى منا في الصلوات أن يحاسبوا أنفسهم جيدا. من واجبنا أن نشعر بالألم الذي كان يشعر به المسيح الموعود من أجلنا، بل من أجل البشرية كلها. ولكن حين يقول : لا بد أن يكون في قلب الإنسان لوعة من أجل التقرب إلى الله، فإنه يخاطبنا نحن المسلمين الأحمديين قبل غيرنا. الحق أننا بحاجة ماسة للخضوع لله تعالى ولعبادته من أجل التقرب إليه. وإن أفضل عبادةٍ هي الصلاة.

أما كيف يجب أن نؤدي صلواتنا؟ فيقول سيدنا المسيح الموعود في هذا الصدد:

“إن ملخص العبادة هو أن يقوم الإنسان أمام ربه وكأنه يراه، أو كأن الله يراه، وأن يتنـزه عن كل الشوائب ومن جميع أنواع الشرك، وينتبه جيدا إلى عظمته وربوبيته، ويُكثِر من الابتهال في حضرته بالأدعية المأثورة وغيرها، ويستغفره ويتوب إليه بكثرة، ويعترف بضعفه مرة بعد أخرى، لكي يحظى بتزكية النفس، ولكي تنشأ له علاقة صادقة مع الله، ويفنى في حبه تعالى، وهذا هو ملخص الصلاة.”

ثم يقول :

“الصلاة في الحقيقة دعاء ندعو به بطريقة عُلِّمناها، أي يقف الإنسان أثناء الصلاة حينا ويركع ويسجد أحيانا أخرى.”

إذن، يجب أن يكون التقرب إلى الله تعالى وإنشاء العلاقة الصادقة معه نصب أعيننا جميعا. وعندما تتوطد العلاقة الصادقة بين الله وعبده فإنه يحرره من مصاعب الدنيا كلها. إن عباد الله لا يبقون محرومين من نِعم الله، ولكن لا تكون تلك النِعم غايتَهم. إنهم  يشكّلون – على الصعيد الجماعي والفردي أيضا – قوةً يرتعب منها العدو دائما. هذه هي المعايير التي يجب على كل واحد منا أن يسعى لنيلها دومًا. يقول سيدنا المسيح الموعود :

“إن الذي يأتي إلى الله بحماس صادق، وصدق طوية وإخلاص كامل، لا يضيع أبدا. القول الحق واليقين هو أن الذين يكونون لله يكون الله لهم، وينصرهم ويعينهم في كل موطن، بل يُنـزِّل عليهم نِعمه وأفضاله بكثرة حتى يتبرَّك الناس بثيابهم.”

بعد بعثة المسيح الموعود في هذا العصر وعد الله  الذين يعبدونه حق العبادة بنعمة عظيمة، ألا وهي نعمة الخلافة. وإن هذا الوعد خاص بالذين يؤدون حق العبادة. إذًا فاليوم تقع على عاتق كل واحد من أبناء الجماعة، رجالا ونساء صغارا وكبارا، مسؤولية كبيرة، ألا وهي أن يرفعوا مستوى عبادتهم. ألا إن فيوض بركات الخلافة لن تصل إلا إلى الذين يعبدون الله حق العبادة، كما ينفخون هذه الروح في أولادهم أيضا. ولن يستفيد من نعمة الله تعالى هذه إلا الذين لا يشركون به شيئا. وفي هذا العصر الذي هو عصر “الآخَرين* – حين وُجِدت طرق كثيرة تحثّ على الشرك، واتُّخِدت التجارةُ وأسباب اللهو واللعب وسيلةً لإبعاد الناس عن الله تعالى، وتنشّطَ الشيطانُ في إغواء الإنسان أكثر من ذي قبل – لا بد من السعي للتقرب إلى الله تعالى والاهتمام بعبادته أيضا أكثر بكثير من ذي قبل. وكما قال سيدنا المسيح الموعود : “الذي يأتي إلى الله بحماس صادق، وصدق طوية وإخلاص كامل لا يضيع أبدا”، فإن القائمين بالعبادة لن يضيعوا أبدا بإذن الله تعالى. إن ذرياتهم أيضا ستكون مصونة من شر الشيطان، وإن أدعية خليفة الوقت في حقهم وأدعيتهم في حق الخليفة ستكون مستجابة على الدوام.

من فضل الله تعالى ومنته أنه قد وهب لجماعة المسيح الموعود أناسًا يعبدون الله حق عبادته، وبالتالي يستفيدون من بركات الخلافة. ولقد وعد الله تعالى أنه سوف يهب على الدوام عباده العابدين أسبابا لتمكين الدين بواسطة الخلافة. ولكن أكرر وأقول: يجب على كل واحد منا أن يسعى جاهدا ليكون دائما من الذين سبق ذكرهم آنفا. لقد أقيم بمناسبة يوبيل الخلافة احتفال كبير في لندن في السابع والعشرين من مايو/أيار الماضي، كما احتفلتْ به كافة فروع الجماعة في مختلف أنحاء العالم فرتّبوا شتى الفعاليات في هذا الصدد. وكان ضمن تلك الفعاليات أداء صلاة التهجد جماعةً. إن مختلف فروع الجماعة في بلاد شتى قامت بأداء صلاة التهجد جماعةً. لقد تلقيت رسالة من كندا قال فيها صاحبها إننا خرجنا من البيت إلى المسجد في السيارة، والسفر من بيتنا إلى المسجد يستغرق 45 دقيقة عادة، ولكن لما كان الوقت مبكرا جدا والشوارع فارغة، فقد وصلنا إلى قرب المسجد في عشرين دقيقة. ولكن حين وصلنا إلى هناك وجدنا طوابير طويلة للسيارات المتجهة إلى المسجد حتى استغرقت مسافة بضع مئات من الأمتار نصف ساعة أو أكثر، فتأخر وصولنا إلى المسجد، فلم نلحق إلا ركعة أو ركعتين أخيرتين من النوافل.

ألا إن فيوض بركات الخلافة لن تصل إلا إلى الذين يعبدون الله حق العبادة، كما ينفخون هذه الروح في أولادهم أيضا. ولن يستفيد من نعمة الله تعالى هذه إلا الذين لا يشركون به شيئا.

إذن، فإن سعيكم للوصول إلى هذه المعايير السامية للعبادة برهان واضح على حبكم للخلافة الراشدة القائمة في الجماعة الإسلامية الأحمدية. إن جذوة هذا الحب لموجودة حتى في قلب أضعف الأحمديين أيضا، وقد تأكدَ تأثيرها في ذلك اليوم، الأمر الذي أدى إلى توجه الإخوة جميعا إلى عبادة الله ليتضرعوا في حضرته تعالى من أجل بقاء الخلافة واستحكامها. عليكم أن تحوِّلوا  هذه الجذوة إلى شعلة ملتهبة على الدوام، ولا تدَعوها تخمد أبدا. وعلى كل أحمدي أن يحاول إيصال هذه الشعلة إلى السماء بحرقة ولوعة في قلبه، فهذه هي الوسيلة للتقرب إلى الله تعالى، وهذه هي الوسيلة للتمتع بالفيوض الربانية، وهذه هي الوسيلة للانضمام إلى حزب الله المحظوظين.

ولقد هيأ الله تعالى لكم اليوم – بتوفيقه إياكم للاشتراك في هذه الجلسة – فرصةً للتقدم في مجال الروحانية والعبادات. إن هذه الجلسة أكثر أهمية من الجلسات الأخرى لكونها جلسة يوبيل الخلافة. لقد قطعتم على أنفسكم عهدا قبل شهر تقريبا من هذه الجلسة، وقد أعطاكم الله فرصة مرة أخرى لتجديد ذلك العهد. فليعاهدْ كل واحد منكم ربَّه في السجدات مرة أخرى أن يسعى جاهدًا ليجعل المثلَ الذي ضربه في السابع والعشرين من مايو/ أيار 2008م، واهتمامَه بالعبادات والأدعية التي قام بها بفضله ، جزءًا لا يتجزأ من حياته إلى الأبد، ليُعَدَّ دائما من عباده الصادقين الذين وعدهم الله تعالى بالخلافة. وفَّق الله جميع الأحمديين لذلك. ندعو الله تعالى أن تكون هذه الجلسة مدعاة لتوجيه الجميع إلى أداء حق العبادة، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك