التربية الحسنة وجيل المستقبل
  • خطورة التعامل مع الأولاد
  • ضرب الأولاد ضرب من ضروب الشرك بالله، كيف هذا؟!
  • خطورة دور الأم في عملية تربية الأولاد

__

يتساءل المرء عن سبب كثرة الفساد والانحراف وخيانة الأمانة والخداع والغش في بلاد العالم الثالث بالمقارنة مع البلاد المتقدمة. فهذا السلوك المعوج ليس إلا وسيلة لتحقيق مكاسب اقتصادية سريعة، يكون قد حُرم منها الناس، بسبب جشع القائمين على الأمر.

يمكن للمرء أن يجمع ثروة مالية ضخمة، وأن ينال كل وسائل الترف والراحة في الحياة ولكن في الواقع قليلاً ما يكون هذا الشخص سعيدا وراضيا حقاً. السبب في ذلك أن فطرته الإنسانية تشده باستمرار إلى الغاية من وجوده والبحث عن المعبود الحقيقي سبحانه وتعالى.

فحبيبنا المصطفى يعلمنا ما معنى الغنى الحقيقي من خلال حواره اللطيف مع أبي ذر :

قال رسول الله : “يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى؟” فأجابه أبو ذر “نعم يا رسول الله”. فتابع سيدنا محمد قائلا ً “أفترى قلة المال هو الفقر؟” فأجاب أبو ذر بنعم يا رسول الله. قال: “إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب، ومن كان الغنى في قلبه فلا يضره ما لقي من الدنيا، ومن كان الفقر في قلبه فلا يغنيه ما أكثر من الدنيا وإنما يضر نفسه شحها”. (أخرجه ابن حيان في صحيحه)

ويصف القرآن الكريم هؤلاء الذين يسعون وراء المال ويبين شعورهم الدائم بالاضطراب.

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (الهمزة: 2-10)

فالقناعة الحقيقية والرضا النفسي لا ينالهما الفرد ما لم يشبع في فطرته الإنسانية تلك الرغبة الشديدة ليفعل خيرا، ويكون خيراً، وأن يحيا حياة نبيلة. ويؤكد القرآن الكريم أن فعل الخير هو جوهر التعاليم الإسلامية، يقول الله في كتابه العزيز:

وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة: 149)

ولن يصل المرء إلى هذا المستوى من الأخلاق في فعل الخير لوجه الله تعالى ما لم يلق تربية حسنة. تقوم هذه التربية مقام الممارسة لفطرة سليمة خلقها الله عز وجل سلفا في كل إنسان.

فهناك حاجة ماسة إلى التركيز على التربية لتحسين نوعية الفرد الذي يلعب دورا في المجتمع يشبه دور اللبنة في البناء، فدون تحسين نوعية اللبنة لا يمكن تحسين نوعية البناء. وهذا هو سر العلاج الذي تحتاجه مجتمعاتنا.

ولما كان الهدف النهائي من الخلق هو إيجاد كائن واع يستطيع أن يقود الآخرين نحو التوجه الى الله وفعل الخير ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى؛ كان لا بد من تسليط الضوء على الدور الهام المناط بالآباء في تربية أبنائهم للوصول إلى جيل في المستقبل يذكرون الله في جميع أعمالهم ويعيشون بسلام مع أنفسهم أولاً ومع الآخرين ثانياً. وللأمهات دور عظيم في تربية هذا الجيل بسبب العلاقة القوية التي تربط الأم بولدها. فهذا السيد ظفر الله خان رضي الله عنه يصف تلك العلاقة في كتابه “والدتي” فيقول:

“إن العلاقة الرائعة العجيبة بين الأم وطفلها هي نعمة إلهية، فرغم انفصالهما الجسدي عند الولادة تزداد هذه العلاقة قوة ومتانة بمرور الوقت. إن ابنها يبقى طفلاً بالنسبة لها مهما بلغ من العمر ومهما نال من وظيفة أو رتبة. هذه العلاقة تشد حبال قلب الابن حتى من وراء القبر. فعندما تغادر الأم هذه الحياة تهتز جميع أسس حياة الابن وتفقد الحياة لذتها”.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ: “إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.” (سنن النسائي، كتاب الوصايا)

إلا أنه من الملاحظ أن الأمهات الصغيرات في السن والمتفرغات كلياً لتربية أطفالهن يقضين جل وقتهن بمشاهدة التلفاز أو بالزيارات اليومية والتحدث بما يفيد وما لا يفيد. وقد يقضين وقتًا أطول عبر الوسائل الحديثة للتواصل الاجتماعي، ويتباهين فيما بينهن بعدد الصديقات بواسطة هذه البرامج.

فالأمهات اللواتي ينجبن ولا يربين أولادهن حالهن كحال المزارع الذي يغرس شتلة ويتركها لتجف أو تقضي عليها الأعشاب الضارة. وإنما الغاية من الغرس هو الحصول على ثمرة صالحة وأطفال صالحين.على السيدة أن تعي تماماً حجم المسئولية التي تقع على عاتقها من اللحظة التي تطلق عليها صفة الأم العظيمة. وقد ينذر الآباء أطفالهم لخدمة الدين، وهنا المسئولية تكون أعظم وأعظم.

إن التعامل مع الأطفال والصغار ليس بالأمر السهل، فعلينا أن لا نجرح إحساسهم بكلمة أو حركة، فما بالكم بالضرب، فعلى الأم أن تثقف نفسها، على سبيل المثال في مجال علم نفس الأطفال، علّ ذلك يعينها في كيفية التصرف معهم وتعليمهم بشكل أفضل وأسرع.

فعلى الأم أن تهتم دوماً بنظافة أبنائها لأنه حق للأطفال على الأم ولأنه يبعد الأمراض. كما على الأم أن تعتنى بنوعية غذاء أطفالها وأن يكون صحياً لأنه كما هو معروف أن للغذاء تأثيرا في السلوك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى على الأم أن تغرس في أبنائها حب الله وتعلمهم كلامه أي القرآن الكريم. وأن تدربهم على العادات والآداب الإسلامية، مستفيدة من كتاب الله سبحانه وأحاديث النبي الكريم . فالأم هي معلمة ومربية بالدرجة الأولى فعليها أن تبدع وتكتشف الطرق الملائمة لغرس الأخلاق الحسنة في أطفالها كأن يكون بالصور والرسم أو بالأناشيد أو القصص والحكايات.

إن التعامل مع الأطفال والصغار ليس بالأمر السهل، فعلينا أن لا نجرح إحساسهم بكلمة أو حركة، فما بالكم بالضرب، فعلى الأم أن تثقف نفسها، على سبيل المثال في مجال علم نفس الأطفال، علّ ذلك يعينها في كيفية التصرف معهم وتعليمهم بشكل أفضل وأسرع. فأداء الأم التي تتعلم وتطالع يكون أفضل من أداء الأم التي تهمل نفسها والتي ينطبق عليها المثل القائل: فاقد الشيء لا يعطيه.

يوصينا نبينا الأكرم في أولادنا فيقول: “أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ” (سنن ابن ماجه، كتاب الأدب). فالأم الناجحة هي التي تجاهد بالتوازي؛ فمجاهدة على نفسها ليرقى مستواها وأخرى على أبنائها لتقدم لهم أفضل تربية.

ولن تستقر تلك الأم ويهدأ بالها ما لم تر ولدها ممتثلاً للتربية الإسلامية السامية التي ربته عليها، تلك التربية التي ستحقق له السعادة الحقيقية. وسعادة الأبناء هي جنة الأم. يقول سيدنا محمد بأن الجنة تحت أقدام الأمهات. والأمهات اللواتي سيتمتعن بتلك الجنة هن المجاهدات المخلصات والمتفانيات اللواتي يربين أبناءهن في طاعة الله تعالى. وإنها حقاً لمسئولية جسيمة. فهل بقي لدينا وقت لإضاعته بالاستخدام الخاطئ للوسائل الحديثة كشبكات التواصل الاجتماعي مثلا التي خلقها لنا الناس الدنيويون بهدف اللهو والتسلية، والتي قد تلهي البعض عن مهامهن الأساسية من عبادة وتربية. يقول سيدنا ميرزا مسرور أحمد في الخطبة التي ألقاها في 6/12/2013 بأن: “العدو يهاجم بطريق غير ملحوظ بوجه عام ويقتحم بيوتنا باسم الترفيه وتمضية الوقت ويريد أن يؤثر في شباب الجماعة وضعاف الإيمان ويسعى أن يعيث فيهم الفساد”.

أيتها الأمهات أنتن معلمات وتشكلن نصف المجتمع ودوركن في تربية أبناء هذا المجتمع عظيم فلنرقَ بهذه التربية إلى أعلى المستويات. فلنتعلم ونعلم أبناءنا حتى نقدم ثمارا طيبة خالصة لوجه الله تعالى. فطوبى لمن تعلم وعلم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك