عمر يومك بعلم ينفعك وعمل يرفعك

عمر يومك بعلم ينفعك وعمل يرفعك

التحرير

  • الوقت مورد هام من الموارد
  • الأمم التي لا تقدر قيمة الوقت يحكم عليها بالضياع
  • المسيح الموعود لا يضاع وقته

__

لقد أولى القرآن الكريم الوقتَ أهمية بالغة حيث ارتبطت معظم العبادات بمواعيد زمنية محددة وثابتة كالصلاة والصيام والحج. كما حث المسلمين على استثمار الوقت فيما يفيدهم وينهض بمجتمعهم. ولقد وردت في القرآن الكريم عدة آيات يقسم فيها الله تعالى بالزمن ومكوناته؛ الأمر الذي يشير إلى الأهمية البالغة التي أولاها الله سبحانه وتعالى للزمن، واتخذه عنوانًا يقسم به على أهمية الحقائق التي يريدها. كما ضمّنه إشارات إلى آخر الأزمنة وبزوغ شمس الإسلام حيث تعم الظلمات والانحطاط من جديد فيبزغ نور البدر الذي يشع بأنوار شمس المصطفى .

ويا حسرتاه فإن الغالبية العظمى من مسلمي اليوم أصبحوا لا يقدّرون قيمة الوقت في إصلاح شؤون حياتهم ومجتمعهم والقيام بواجباتهم الروحية بما يساهم في رقيهم. ولقد تعودت شريحة كبيرة على الحركة البطيئة، ورد الفعل المتأخر، وعدم الاحتياط والتخطيط للمستقبل، والتمسك باجتهادات الماضي دون تغيير، والإصرار على السير وراء آراء كتب التراث الديني بما تحمله من خصومات فكرية وفتاوى الماضي. يتحدثون كثيرا عن أهمية الوقت في هذا العصر، لكن التطبيق العملي مفقود؛ إذ يوجد لديهم انفصام بين ما يُقال وما يُفعل. وها هي الأمة في مؤخرة ركب الأمم !!

ولا شك أننا سوف نُسأل عن وقتنا أين أضعناه، ومالِنا في ما أنفقناه، فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ الله َ: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ . (سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله)

وبما أن الوقت سريع الانقضاء وما مضى منه لا يعود، وأنه وعاء لكل عمل وإنتاج فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان. لذا فلنحرص كل الحرص على ألا يمر يوم دون أن نتزود منه بعلم ينفعنا وعمل يرفعنا. ويجدر بالمسلم الأحمدي إن أراد أن يبارك الله له في عمره، أن يسير على ما نظمه الإسلام في يومه وليلته بل في حياته كلها، ويسترشد بما جاء به رسول الله وخادمه سيدنا أحمد من إرشادات مباركة، ويتمعن في أسوته الطاهرة التي هي أسوة سيده ومولاه المصطفى ، فعلينا أخذ الدرس والعبرة كيف كان حضرته يدرك قيمة الوقت وفيما كان يقضيه؟ ونود أن نسرد لكم بهذا الخصوص ما رواه صحابته حيث شاهدوه أثناء تأليف كتبه، أنه كان يحمل أوراقه وقلمه بيده الشريفة ويضع محبرة في زاوية من غرفته المباركة ومحبرة أخرى في الزاوية المقابلة منها، ويكتب وهو يمشي بين جنبات الغرفة ذهابا وإيابا مسرعا وكأنه يخاف أن يفوته الوقت!.. لقد ألف حضرته ما يزيد عن ثمانين كتابا إلى جانب إعلانات تبليغية طويلة ولو قدّر أحد هذا الكم الهائل من الكتابات لأيقن أنه كان يكتب بشكل يومي.. ولعل في الوحي الذي أوحاه الله إليه بالعربية الفصحى تزكيةً له وثناءً وتقديرًا لما كان يوليه من وقت في خدمة كلمة الإسلام وتبليغ دعوة ربه حيث جاء فيه: “أنت الشيخ المسيح الذي لا يُضاع وقتُه”.

إن كل مسلم مخلص يحتاج إلى إرادة قوية لتنظيم وقته الذي يمكن أن يكرس منه قسطا وافرا لخدمة الدين والخلق، ولتثبيت هذا الأمر كنمط يومي للحياة يجب أن نكتب خطوات تحقيق الأهداف؛ لأن الفرد يكون أكثر التزاما حين يقوم بذلك. كذلك لا بد من تقييم ذاتي بعد انتهاء الوقت المحدد لتحقيق الهدف، فعملية التقييم تساعد الفرد على التعرف على أسباب التقصير لتلافيها في المستقبل. ومن تنظيم الوقت أن يكون فيه جزء للراحة والترويح بعد أداء الواجب اليومي لأن النفس تسأم بطول القراءة والبحث والعمل، والقلوب تمل كما تمل الأبدان. ويجب أن لا ننسى أن من حق الإنسان أن يروح عن نفسه بالترويح المباح بما يعيد للنفس نشاطها وللقلب حيويته. فقد ذُكر عن علي رضي الله عنه أنه قال: “رَوِّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلب إذا أُكْرِهَ عَمِي”.

ولا شك أن من أشد الآفات خطرا على إيمان الإنسان وحاضره هو التأجيل لخدمة الدين، حتى تكاد تصبح كلمة “سوف” شعارا له وطابعا لسلوكه، فمن حق يومك عليك أن تعمره بالنافع من العلم والصالح من العمل لأنك لا تضمن أن تعيش إلى الغد. هذا بالإضافة إلى أن لكل يوم عمله، ولكل وقت واجباته، وتأخير الطاعات في فعل الخيرات يجعل النفس تعتاد تركها، حتى إن المرء يقتنع عقليا بوجوب المبادرة إلى الطاعة وعمل الصالحات، ولكنه لا يجد من إرادته ما يعينه على ذلك، بل يجد تثاقلا عن العمل وإذا خطا يوما إليه خطوة كان كأنما يحمل على ظهره جبلا. ومما لا شك فيه أن العمر أقصر وأنفس من أن يفرط فيه أو أن يضاع في اللهو والعبث. فخدمة الخلق والدين في هذا العصر ضرورة واجبة؛ وهذا جهاد في سبيل الله، ونهضة شاملة مستنيرة للفرد وللجماعة. وإذا كانت النظرية الغربية ترى أن الوقت هو المال: فإن النظرية الإسلامية أبعد من ذلك، فالوقت هو الحياة، هو فرصة للعمل بما تتزود به لأخراك وتصلح به أمر دنياك ومن حولك.. نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لاغتنام الوقت واستقطاعه لخدمة الدين والخلق فيما يرضيه ويسهم في إعلاء دعوة الحق،. اللّهم صلِّ وسلِّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك