البحث عن الهوية في ظل الحرية

البحث عن الهوية في ظل الحرية

التحرير

  •  تدريب الشباب على عدم التأثر بالمحيط الخارجي
  • الحرية لا تعني الخروج عن سنة الرسول عليه السلام
  • اهتمام الأهل بالشباب واعطائهم بعض الوقت للكشف عن مشاكلهم يمتن العلاقة الأسرية.

__

في الظاهر يبدو لنا أن الشاب المسلم ينعم بالعيش في مجتمع إسلامي مبني على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله الكريم ، ولكنه في واقع الأمر يخضع إلى تأثيرات تفرض عليه العيش في مناخ فكري وثقافي يشارك فيه باقي شباب العالم. وذلك من جراء التقدم المذهل الذي شَهِده العالم في السنوات الأخيرة في مجال الاتصالات حيث أصبح قرية صغيرة ذات مقومات حضارية وثقافية مشتركة.

وهكذا يتعرض الشاب المسلم إلى ضغوط نفسية وتحديات اجتماعية تسبب له انفعالات متناقضة يحاول أن يكتمها،  وهذا ما يُشعره بالفشل والإحباط وغالبا ما يدفعه إلى الانطواء على ذاته والميل نحو العزلة، ليعيش مع أحزانه وهمومه وهواجسه وما لديه من آمال بناها في خياله الواسع، ثم يراها تتحطم قبل أن ترى نور الوجود.

ويؤدي به هذا الأمر إلى الإحساس بأن الناس لا يفهمونه وأن والديه يريدان فرض السلطة عليه، وكأنه لا يزال طفلا. وأن المجتمع لا يساعده على تحقيق أمانيه. فيريد أن يثبت وجوده وشخصيته بالعصيان والتمرد. وللهروب من هذا الواقع الـمُر الذي وجد نفسه فيه يجد ملجأ ومفرا تحت غطاء أحلام اليقظة.. تلك السرحات الذهنية التي يُحلق بها بعيدا عما حوله ليعيش آملا أن يحقق ما يريد أو يتصور. فيجد في هذا البُعد منفذا لرغباته وإشباعا لآماله، فيلتمس أبسط الطرق وأقربها حتى ينعم بتحقيقها في أجواء خيالية من عالم أحلام اليقظة التي يجد فيها راحة وإشباعا وسلوانا لما يفتقده في الحياة الواقعية العملية.

وغالبا ما يستيقظ الشباب من هذا السبات حيث يكتسبون نضجا من جراء العوامل الصعبة للحياة وتكاليفها الباهظة مما يخلق لديهم وعيا بحقيقة الحياة والواجبات التي وضعت على عواتقهم، الأمر الذي يؤدي بهم إلى تنمية وعي ديني من خلال محاولتهم لفهم فلسفة الحياة. وقد لا يستيقظ بعض الشباب من سباتهم كلية فيأخذون بثأرهم مِمن ظنوا أنهم السبب في نكستهم وفشلهم الذريع تحت عباءة الدين فيطيلون اللحي ويرتدون العباءات ويتشبثون بالقشر ويرمون اللب. وهذه هي الكارثة.. كارثة عدم الفهم الصحيح لتعاليم الإسلام أو المغالاة فيه حيث تكون مرجعياتهم خرافات ضالة وتفاسير واهية.

ولسنا في هذا المقام بصدد انتقاد سلوكيات هذه الفئة أو تلك، ولكننا نحاول عرض وتبيان الأسس السليمة التي يجب التقيد بها لبناء هوية الشاب المسلم الذى يترعرع تحت تربية والديه وإخوانه وأصدقائه وأفراد عائلته. فبقدر التشجيع والحماية التي يحظى بهما تتقوى ثقته بنفسه، وبقدر التنقيص من قدره وإحباطه يفقد ثقته بنفسه وبالآخرين، وينهار أمام عينيه بنيان القيم والمعتقدات.

إنه مال العلم والمعرفة الإلهية الذي يُكسب الأمة أعظم هوية في ظل أقوم حرية.

ويرغب الشباب في أن يشعر بالطمأنينة ويتمتع بالرضى، فيجد البعض في التصوف الإسلامي ما يرتضيه والبعض الآخر قد يجد في العلم ما يبتغيه، وعدد منهم يتمسك بمبادئ سياسية. ونجد منهم من يتعاطف بسهولة مع من يعتقدهم ضحايا عدم التسامح، ويرغب في أن يعود العالم كما كان في الماضي، وأن الحوار والتواصل من شأنه أن يفتح الآفاق المجهولة أمام الشباب ويقرب ذهنهم المتعطش للمعرفة  إلى شاطئ الأمان. وملخص ما يرغب فيه الشباب المسلم اليوم هو الحرية على جميع الأصعدة، وإن سألتهم عن تحديد ماهية الحرية يعجزون عن تعريفها لأنها ليست منوطة بقوانين وضعتها سلطة تشريعية فحسب، بل إنها واقع اجتماعي وثقافي يدعمه إيمان راسخ بمبادئها مبني على أسس سليمة. وليست الحرية كما يحددها البعض هو أن يُسمح لك أن تفعل ما تريد، بل إنها تخضع لضوابط وحدود تحدد صلاحيات كل فرد في المجتمع كي لا تسود الفوضى. ولكن الدارس المنصف للأوضاع الاجتماعية والدينية والسياسية التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم يستخلص إلى أن ثقافة الجيل الجديد هي في الحقيقة مزيج من عادات وتقاليد عربية بالية أكل عليها الدهر وشرب، ومبادئ ثقافية غربية لا تتمتع بجذور إيمانية. ولا بأس للمسلم أن يتقبل أو بالأحرى يتبنى مبادئ ثقافية جديدة «فالحكمة ضالة المؤمن» ولكن حذار من تبني ما هو مخالف للدين والعرف. وهذا فعلا هو الجو السائد على الساحة الإسلامية التي اختلطت عليها الأمور فتارة تنادي بتحديد الهوية وأخرى تطالب بالحرية حيث إن الكبت الناجم عن مؤشرات عديدة وعلى رأسها حرمان الشباب من أن يكون لهم صوت يحظى بالاحترام على الساحة السياسية زاد الطين بلة.

فإذا شخصنا أعراض الشارع الإسلامي اليوم نستخلص إلى أنه يعاني من  أزمة البحث عن الهوية في ظل الحرية. ولا يشك منصف اطلع على حقائق التاريخ وأسراره بنظرة محايدة أن نبينا الكريم محمد المصطفى هو رسول الحرية بجميع أنواعها. فهو الذي عتق العبيد ورحم الأنثى من الوأد وأرسى معالم حقوق الإنسان… ولم تشهد الإنسانية من قبل ولا بعد عدلا مطلقا تحت مظلة حرية فكرية واجتماعية وعقائدية تتماشى مع الفطرة الإنسانية مثل التي وضعها رسول الحرية.

ولم يصل المجتمع الإسلامي إلى كماله إلا في ظل نور النبوة المحمدية والتي بعد أن انطفأ شعاع نورها بانتهاء الخلافة الراشدة حارت الأمة في أمرها. واليوم فنحن على يقين أنه لن تُحل مشاكل الأمة إلا بنور النبوة المحمدية التي ظهرت ثانية رحمة وفضلا من رب العزة حيث أظهر أنوارها على الدنيا خادمه سيدنا مرزا غلام أحمد مرة أخرى. ذلك الحَكم العدل الذي أنبأ المصطفى أنه سيُفيض المال حتى لا يقبله أحد. إنه مال العلم والمعرفة الإلهية الذي يُكسب الأمة أعظم هوية في ظل أقوم حرية.

Share via
تابعونا على الفايس بوك