في رمضان.. تغيِير العالم يبدأُ من «هاهنا»!

في رمضان.. تغيِير العالم يبدأُ من «هاهنا»!

التحرير

  • كيف أن رغبة التغيير متجذرة في فطرتنا!
  • فمن أين يبدأ هذا التغيير؟!
  • ولماذا يعد رمضان فرصة ذهبية لإحداث التغيير المرجو؟!

__

الحُلم بالتغيير سمة من سمات الإنسان الواعي؟! أوَليس التقدم العلمي المستمر منذ آلاف السنين يكفي دليلًا على تطلعه منذ القِدم نحو التغيير إلى الأفضل؟! غير أننا خلال عملية التغيير المحمود نسعى إلى تغيير العالم المحيط بأسره، دون أن تشمل عملية التغيير تلك عالمنا الداخلي، نعم، عالمنا الداخلي، ففي داخل كل منا كون فسيح الرقعة مترامي الأطراف، يصرخ فينا بكل عناصره ومكوناته أن «غيِّرني أرجوك»، ولكن، من يا ترى يصغي لتلك الصرخات ويعير لها انتباها؟! قليل ما هم!

ذات مرة في إحدى الفعاليات الاحتفالية ضمن برامج قوات البحرية الأمريكية التي تُبثُّ عبر شاشات التلفاز، أثارت إعجاب المشاهدين حكمة في رداء الدعابة ألقاها أحد القادة العسكريين على جمع من الجنود، إنها حكمة جديرة بالاقتناء والتعلم على أية حال.. لقد خاطب جنوده قائلًا: “إن منكم من يستيقظ صباحًا عازمًا على تغيير العالم، في حين أنه عاجز عن ترتيب سريره”، وهنا انطلقت قهقهات الجنود من الأعماق، فهل ترى لامست حكمة قائدهم شيئًا ما لديهم؟! ثم ماذا عنا، نحن مسلمي القرن الحادي والعشرين؟! إننا نحتل رأس قائمة الراغبين في التغيير والساعين إليه بشتى السبل، المشروعة منها وغير المشروعة، بكل مرارة وأسف! وذلك بحكم تردي أوضاعنا الروحانية والأخلاقية، بما انعكس على أوضاعنا المادية في هذا العصر، بحيث يصدق علينا تعبير أننا أمسينا قابعين في قاع الحضارة..

وفي رمضان الـمُعظَّم من كل عام تتهيَّأ للمؤمنين الفرصة للتغيير المحمود، وبالفعل تتم تعبئة الجهود قبيل رمضان بإعلان حالة النفير العام، غير أن كثيرًا من العزائم تُمنى بالخوار، فما السر يا ترى؟!

أما السِّر فقد كشفه المسيح الموعود حين حدثنا عن أحوال الإنسان الطبعية والأخلاقية والروحانية، وأن ثمة أفعالًا لو اعتادها المرء لتركت فيه صفة محمودة أو مذمومة، فهناك أخلاق الإقلاع عن السيئات، وأخلاق فعل الحسنات، مما يعني أن الشياطين التي تُصفَّد في رمضان لا تُصفَّد من تلقائها، وإنما بأعمالنا نحن، من ترك السيئة أولًا، ثم الإقبال على فعل الحسنة ثانيًا.. هذا هو مفتاح التغيير المنتظر في رمضان المعظم، أن نبدأ بأنفسنا، مقلعين عما كنا عليه عاكفين من شرور وآثام طوال العام، فنولي وجوهنا شطر أداء حق الله تعالى وحقوق عباده، والتي قال عنها خليفتنا الخامس حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز) أننا لو أحصيناها لأصابنا نوع من القلق جرَّاء التقصير فيها، الأمر الذي يأتي تفصيله في خطبة الجمعة المتخيرة للعرض في هذا العدد بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم، وفيها يردد حضرته بلسان المعنى حديث سيدنا خاتم النبيين :

«… التَّقْوَى هَاهُنَا (وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْقَلْبِ) قَالَ: وَحَسْبُ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ»(1).

فليكن رمضان هذا العام فرصتنا المستثمرة لاستعادة تقوانا، باذلين أقصى ما لدينا من أسباب مادية، آخذين في الحسبان أن تلك الأسباب بدون الدعاء هي مجرد صفر على الشمال، فإن الدعاء بعد استنفاد الأسباب المادية المتاحة يولد حالة الاضطرار التي بسببها يجاب دعاء الداعي.

إن منكم من يستيقظ صباحًا عازمًا على تغيير العالم، في حين أنه عاجز عن ترتيب سريره”، وهنا انطلقت قهقهات الجنود من الأعماق، فهل ترى لامست حكمة قائدهم شيئًا ما لديهم؟! ثم ماذا عنا، نحن مسلمي القرن الحادي والعشرين؟! إننا نحتل رأس قائمة الراغبين في التغيير والساعين إليه بشتى السبل، المشروعة منها وغير المشروعة، بكل مرارة وأسف! وذلك بحكم تردي أوضاعنا الروحانية والأخلاقية، بما انعكس على أوضاعنا المادية في هذا العصر، بحيث يصدق علينا تعبير أننا أمسينا قابعين في قاع الحضارة..

ولا شك أن الظروف الراهنة من شأنها أن تلجئ الناس إلى سلاح الدعاء، لا سيما في خضم جائحة كورونا العالمية، بحيث يمكننا القول أنها فرصة لأن يستعيد العالم تقواه من جديد؟!

وتشير إحصائيات أجريت مؤخرًا على خلفية وضع الحجر الصحي المنزلي إلى ارتفاع نسبة المشاكل الزوجية بما أفضى إلى الطلاق في أغلب الأحيان لدى مجتمعات كثيرة، مادية على الأغلب، بينما في المجتمعات ذات الميل الروحي أو الديني عمومًا، بدت النتيجة مغايرة بل ومُبشِّرة، فَلِم لا نستثمر هذا الجو الطيب الذي أشاعته ظروف الجائحة في بيوتنا عمومًا؟! ولله در أمير الشعراء حين قال:

وَإِذَا الخَيْرُ لِعَبْدٍ قُسِمَا
سَنَحَ السَّعْدُ لَهُ فِي النَّحَسِ (2)

عزيزي قارئ التقوى، لئن كانت شعيرة الصيام المقدسة في هذا الشهر المعظم يفسدها الطعام المادي، فإنها تقوى وتُصقل بالطعام العقلي والروحي، والذي تسعى التقوى إلى تزويدك به بصفة منتظمة، وعلى رأس قائمة أولويات هذا العدد وكل عدد نُطلعك على كلمة حضرة خليفة الوقت – كما أشرنا لها آنفًا – والتي تُمثل السلك الذهبي الناظم لكافة مواد العدد ومواضيعه، وفي إطار سعي حضرته (أيده الله تعالى بنصره العزيز) إلى إحلال الربيع الروحاني في هذا العالم، رأى فريق التحرير أن القراء بحاجة إلى استذكار خطبة حضرته الشريفة عن رمضان العام الماضي الذي واكب أولى موجات الجائحة، ففي الإعادة عظيم الإفادة! ولأن رمضان ربيع القلوب المطهرة، ففيه.. «التقوى.. أصل كل خير».

  1. (مسند أحمد، كتاب مسند المكيين)
  2. أحمد شوقي، «الشوقيات»، الموشح الأندلسي «صقر قريش».
Share via
تابعونا على الفايس بوك