لا أمن من دون إيمان و سلامة من دون سلام

لا أمن من دون إيمان و سلامة من دون سلام

التحرير

  • لا استقرار لمجتمع لا أمن فيه
  • الفرق بين الأمن والأمان
  • الإيمان يجلب الأمن والطمأنينة

__

لا شك أن الإنسان بحاجة إلى جميع نِعَمَ الله ، ولكن هنالك نعمة لا يهنأ البال لدى فقْدانها، إنها النِّعْمَةُ التي تشرئب لها أعناق الصغير والكبير.. نعمة لا يعرف قيمتها إلا من ذاق الأمرّين بعد فقدانها، إنَّها نعمة الأَمْن والأمان. ولقد أرسى سيدنا إبراهيم الخليل حجر أساس هذه النعمة العظيمة ووضح أبعادها إذ ناجى المولى قائلا:

  رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (1).

ومن خلال الترتيب اللفظي في هذه الآية يمكن أن نستنج حكمة تقديم سيدنا إبراهيم طلب الإنعام بالأمن قبل طلب الرزق بالثمرات، أي الغذاء المادي والروحي. وذلك لأنه كان يعلم أنه بدون الأمن والأمان لا يتم استقرار المجتمع. فلا يهنأ فيه بالطعام والشراب، ولا يكون نهاره معاشًا، ونومه سباتًا، وليله لباسًا، كما يصعب في هذا الجو الخشوع لدى أداء الواجبات الدينية.. ونرى على مر العصور وإلى يومنا هذا أن الشعوب التي انتُزِع منها الأمن والأمان، عاش أهلها في خوفٍ وذُعْرٍ وقلَقٍ واضطراب.  فالكل ينتظر حتْفَه الذي قد يباغته بين لحظةٍ وأخرى!وفي هذا المقام نود أن نلقي بعض الضوء على مصطلحي الأمن والأمان اللذين يستخدمان كمصطلح واحد دون التفريق بينهما غالبا. فالأمن مهمة المؤسسات الأمنية التي تتصدى لدرء الجرائم أو الحروب. أما الأمان فهو بث الطمأنينة والاستقرار وسحق الخوف والقلق والاضطراب. وكما لا يخفى على المطلعين فإنه على مر العصور دخل على بعض التعبيرات تغييرات غيرت من معناها الأصلي، وتحديدا هذا ما حدث مع مصطلح “الأمن والأمان” حيث كان من وهبه الله جوامع الكلم إذا رأى هلال شهر جديد، دعا الله قائلاً: “اللهُمَّ أهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تُحب وترضى.” (2)

ويبدو أنهم لم يتعلموا درسا من خيانة هذه القوى وغدرها بهم في الماضي، ونسوا أن النجاة الحقيقية التي تضمن لهم العزة والكرامة، تكمن فقط في الفرار إلى الله…

وهكذا نرى أن كلمة الإيمان حَلت مكانها كلمة الأمان. ولسنا في هذا المقام بصدد بحث عوامل ودوافع هذه التغييرات ولكن نود أن نركز على أن الأمة التي اختارها الله لنشر نِير محمد قُرن أمنها بالإيمان وقرنت سلامتها بالإسلام. وتاريخ الإنسانية أحسن شاهد على حالات مماثلة حيث تنعمت أمم كثيرة بنعمة الأمن بناء على إيمانها، ولكنها لما كفرت بنعم الله العديدة المادية منها والروحية من إيمان بوحدانية الله وتخطت حدوده، نزل عليها قحط مادي وروحاني.. وهذا ما تنص عليه الآية القرآنية الكريمة:

  وَضَرَبَ الله مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعـُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (3)

فلا بد أن ندرك أن نعمة الأمن لا توجد إلا بوجود مقوماتها، ولا تدوم إلا بدوام أسبابها، والتي من أعظمها توحيد الله والإيمان به وتربية الأمة على ذلك. إنها سنة الله الجارية في الكون منذ الأزل.. فدوام النِّعَم يزول بكفر من وُهبوا إياها. ولدى اضمحلال الإيمان يتبخر الأمن ويتولد مناخ إجرامي عدواني تتفشى من خلاله كثْرة الاعتداءات، وإزهاق وقتل الأنْفُس البريئة، من غير دليل أو برهان.

إن حالة عدم الأمن والاستقرار التي تعيشها حاليا كثير من البلدان العربية لها أسبابها وتداعياتها العديدة. ففي كل مجتمع يرسم الأفراد بأيديهم معالم الحالة الاجتماعية التي يعيشونها، وذلك من خلال التعامل مع الواقع بميزان العدل، دون تخطي حدود الله. والابتعاد عن الخوض مع الخائضين وإفشاء الشائعات وإثارة الفتن في البلاد من أجل الحصول على مكاسب شخصية وعدم المبالاة بمصلحة البلاد. أما الذين بأيديهم مقاليد إدارة شؤون العامة فتراهم يستنجدون مرة بالقوى الشرقية وأخرى بالقوى الغربية. ويبدو أنهم لم يتعلموا درسا من خيانة هذه القوى وغدرها بهم في الماضي، ونسوا أن النجاة الحقيقية التي تضمن لهم العزة والكرامة، تكمن فقط في الفرار إلى الله  وذلك بالتمسك بحبله المتجسد في نظام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والذي هو جوهر الإيمان في عصرنا الحاضر. ولنا في كتاب الله دروس وعبر:

  وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا (4)

إنها دعوة نرفعها مجددا لأصحاب الفطرة السليمة الباحثين عن مخرج مما هم فيه من حالات الخوف والفزع والهلع. وندعوهم أن يفيقوا من سباتهم العميق.. فليكونوا على يقين أنه: لا أمن مِن دون الإيمان ولا سلامة مِن دون الإسلام.

وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا محمد المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.

(1) البقرة: 127(2) الترمذي(3) النحل: 113(4) النور: 56
Share via
تابعونا على الفايس بوك