والصائمين والصائمات

والصائمين والصائمات

حلمي مرمر

كاتب
  • من إنعامات الله في رمضان
  • منحة رمضانية من الرحمن الرحيم
  • المفهوم الحقيقي للصيام

__

من إنعامات الله في رمضان

لله تعالى إنعامات خاصة في أوقات وحالات خاصة، كذلك له أيام خاصة، وللدعاء أوقاتٌ مخصوصة يُستجاب فيها بخرق العادة عن أوقات أخرى، ومثال على ذلك فقد أكد سبحانه على أن الدعاء وقت الفجر يحظى بالقبول أكثر من الدعاء في غير هذا الوقت، فقال:

وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (1)،

كذلك فإن رسول الله قد أكد على أن عناية الله تتنزّل على العباد في الثلث الأخير من الليل بدرجات تفوق الثلث الأول والثلث الأوسط منه، فقال:

«يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فأعْطِيَهُ، مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له.»(2)،

حتى  الصلاة فإنّ قُرب العبد من ربه ودرجة استماعه لصوته واستجابته لأدعيته أثناء السجود تكون أضعاف قربه منه أثناء القيام أو الركوع أو غير ذلك من هيئات الصلاة الأخرى، كذلك له إنعامات وبركات في رمضان لا تضاهيها أيام سواها، فإن الشياطين يظل حبلها متروكًا على غاربها طوال العام، تصارع الناسَ ويصارعونها، فإذا جاء رمضان قُيّدت وسُلسلت. وإذا كانت أبواب النار مفتوحة على مصاريعها طوال العام إلا أنه إذا جاء رمضان غُلّقت وأُحكِم إغلاقها، وإذا كانت أبواب الجنة مفتوحٌ منها ومغلقٌ طوال العام إلا أنه إذا جاء رمضان فُتّحت جميعًا ولم يبق منها بابٌ واحدٌ مغلق حتى تسع الجميع، وتكون الظروف مهيأة لكل فاعل خير، وتكون كل الطرق مسدودة دون كل باغي شر، ويعتق الله كل ليلة من أهل النار ما شاء له أن يعتق بفضل أيام رمضان ولياليه المباركات، فأي أيام تفوق أيامَه، وأي ليالٍ تداني لياليه في الفضل والشرف؟

منحة رمضانية من الرحمن الرحيم

إنه «أوله رحمة، وأوسطه مغفره، وآخره عتق من النار.»(3) كما قال ، وليس هذا إلا في رمضان، ينال المرء فيه من الرحمة والمغفرة والنجاة ما لا ينالُه في غيره، والرحمة التي يتجلى الله بها على عباده في رمضان تفيض من كلا اسميه: الرحمن والرحيم، ورحمته الرحمانية تتجلى في كون هذا الشهر هدية ومنحة مجانية منه سبحانه، يقدمه لكل من أسرف على نفسه طوال العام فرصة سانحة للاعتراف بالذنب والاعتذار وطلب العفو، وهو بذلك يبرهن لعباده أن الباب لم يُغلق بل هو لا يزال مفتوحًا للعودة وتعديل المسار، ورحمة رحيمية لمن امتثل وصام النهار وقام الليل فرفع درجاته ونال من القرب ما كان بعيدًا عن نواله في سائر أيام العام الأخرى، فصار من اعتمر كمن حج، وصار من قام بسُنة كمن أدى فريضة، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله لامرأة من الأنصار: «ما منعك أن تحجي معنا؟ .. فأبدت شيئًا مِنَ الأعذار، قال: فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة.»(4)

من امتنع عن الفحش والسب وإيذاء الناس بأي شكل من الأشكال فهو عند الله صائم، وهذا هو الذي يسمى عند الله صيامًا، والمقصود أن الصيام حالة عامة يحافظ عليها الإنسان على مدار حياته وليست مجرد انقطاع عن الطعام والشراب لوقت معلوم، بل هي حالة انقطاع عن الحلال عمومًا قبل الحرام، بمعنى أنه على الإنسان أن يمتنع عما هو حلالٌ أحيانًا لو أن الله أمره بذلك، وأن الصائمين عند الله ليسوا من صاموا رمضان فقط، بل من صاموا الدهر كله

المفهوم الحقيقي للصيام

وللصائم دعوة مستجابة حين يفطر، وليس له سائر العام دعوة مستجابة عند تناول أي طعام، وللصائم فرحتان، إحداهما عند فطره، والأخرى عند لقاء ربه، إذ لقي ربه وقد دخل في زمرة الصائمين الذين أعد الله لهم مكانة خاصّةً ليست لسواهم، وكان من أصحاب الثواب الخفيّ الذي جعله الله سرًّا لا يعلمه غيره، والحديث: «من سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم.» (5) يدل على أن من امتنع عن الفحش والسب وإيذاء الناس بأي شكل من الأشكال فهو عند الله صائم، وهذا هو الذي يسمى عند الله صيامًا، والمقصود أن الصيام حالة عامة يحافظ عليها الإنسان على مدار حياته وليست مجرد انقطاع عن الطعام والشراب لوقت معلوم، بل هي حالة انقطاع عن الحلال عمومًا قبل الحرام، بمعنى أنه على الإنسان أن يمتنع عما هو حلالٌ أحيانًا لو أن الله أمره بذلك، وأن الصائمين عند الله ليسوا من صاموا رمضان فقط، بل من صاموا الدهر كله، بمعنى أنهم تعاملوا مع سائر أيام حياتهم على أنها أيام صيام، فامتنعوا عن كل ما نهى الله عنه، فحق لهم أن يسموا عند الله «الصائمين» وأن تكون لهم معاملة خاصة، وباب خاص يدخلون منه الجنة لا يزاحمهم فيه أحد، ومقام رفيع لا يناله غيرهم، ولذلك قال تعالى:

وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ (6)

لأن الصيام ليس مجرد امتناع مؤقت، وهذا الامتناع المؤقت لا يجعل صاحبه يستحق مقام «والصائمين والصائمات» بل الصيام حالة إيمانية راسخة لا تتعلق بشهر واحد، لكنها ممارسة على وجه الخصوص، ويعزز هذا المفهوم دعاء مأثور يقول:

«اللَّهُمَّ اجْعَلْ صِيامِي فِيْهِ صِيامَ الصَّائِمِينَ، وَقِيامِي فِيْهِ قِيامَ القائِمِينَ، وَنَبِّهْنِي فِيْهِ عَنْ نومة الغافِلِينَ».

والمعنى أن هناك صياماً لكنه ليس صيام الصائمين، وهناك قيام ليل لكنه لا يسمى عند الله قيام القائمين، إذن صيام الصائمين الذي هو حالة عامة هو صيام على وجه مخصوص، وليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب والشهوات خلال شهر، كذلك الحديث: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به.»(7)، وكما أن هذا العمل يظل ملازما للإنسان على مدار حياته ولا يكون خلال شهر واحد دون بقية العام؛ كذلك الصوم تماما، فهو حالة عامة تلازم الإنسان على مدار حياته كلها، لكن الصيام الذي يقصده الله هنا هو فعل يمارسه الإنسان كل يوم وكل ساعة، وليس مجرد صيام شهر من اثنيْ عشر شهراً، ونضيف إلى ذلك قوله تعالى:

الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا (8)

وهي حالة مريمية تقوم على ترك الممنوعات، وعندما يأتي دور الأعمال يأتي على أرضية نقية خالية من أي دنس، فليس من الصواب أن أبذر البذور في أرض تغطيها الحشائش وتعمها مخلفات المحصول القديم، بل لابد من إزالة كافة العوائق والعوالق، وسد الأبواب على كل آفة، حتى نهيء المناخ المناسب لتنبت البذور وتستغلظ الزروع وتستوي على سوقها، ولنا أن نتأمل قوله تعالى:

وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (9)،

إنه نوع من الصوم، أي امتناع عن أكل أموال الغير بدون وجه حق، ولا يكون هذا في وقت دون بقية الأوقات، وإنما هو سلوك عام يسلكه الإنسان بصورة متكررة خلال اليوم الواحد، وهؤلاء هم الذين يسمون عند الله بالصائمين والصائمات.

الهوامش

  1. (الإسراء 79)
  2. أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758)
  3. شعب الإيمان للحافظ البيهقي
  4. (البخاري ومسلم)، وفي رواية لمسلم: «حجة معي».
  5. (فتح الباري) 6. (الأحزاب: 36) 7. رواه البخاري (5927)
  6. (التحريم: 13)
  7. (البقرة 189)
Share via
تابعونا على الفايس بوك