فزيولوجيا التدين المظهر والأثر الماديان للعبادة الروحية

فزيولوجيا التدين المظهر والأثر الماديان للعبادة الروحية

أحمد وائل

كاتب
  • حزمة من المعاني في لفظ واحد
  • فلسفة الصلاة والدعاء
  • شهادة المختبرات عن فسيولوجيا المتدين

__

في خضم الجدل المستمر بين الدين والإلحاد، لا تمر برهة دون أن يلقي الملحد وابلاً من استغراباته وتهكماته، إن لم نقل جام غضبه، على بعض الممارسات التي يؤديها المتدينون كشعيرة دينية خاصة، من تلك الممارسات الصلاة والصوم حج بيت الله الحرام، وما إلى ذلك من الممارسات الأخرى التي نصفها بأنها المظهر المادي لمجاهداتنا الروحية، والتي نحاول جاهدين إقناع الملحد بفلسفتها. ولكن هيهات أن يقتنع الملحد بفلسفة شعائرنا، اللهم إلا إذا كنا نحن مدركين لها أولا، فهذا المقال دورة في فلك فلسفة إحدى الشعائر الدينية الإسلامية، والتي هي عماد ديننا الحنيف ودعامته، حديثنا عن «الصلاة».. ماذا عساها تكون؟! ولماذا نمارسها؟!

حزمة من المعاني في لفظ واحد

إلى جانب المعنى اللغوي الأشيع للصلاة، والمشتق من الصلة والاتصال والوصال، فـ «الصلاة» أيضًا في اللسان العربي لفظ جامع للعديد من الدلالات اللفظية الفريدة، والتي يستحيل اجتماعها في لفظ واحد في أي لسان آخر سوى لسان العرب. فمما تُحدثنا به المعاجم أنَّ «الصلاة من الصلي، فصلي النَّار، وَصلي بهَا صَلًى وصليَــا: احْتَرَقَ فِيهَا، وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز:

لَا يصلاها إِلَّا الأشقى ،

وَصليَ الْأَمرَ وَصلي بِه عانى شدته وتعبه، وَيُقَال صلي بفلان وَصلي بشر فلَان فَهُوَ صال وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز: إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم »(1). وجاء في تحفة الأريب معنى صلي: اصلوها : ذوقوا حرها. تصطلون : تسخنون. نــصليــهم نارا : نشويهم بها» (2). واصْطَلَى بالنار: اسْتَدْفأَ وفي التنزيل:

إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (النمل: 8).

وفي معرض حديثه عن الصلاة، يقتطف حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله تعالى) من دوحة القرآن الكريم الثمرة الآتية:

إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (العنْكبوت 46)،

ويعلق عليها حضرته بما تعريبه: «هذه الآية لها دلالات إيجابية وسلبية، وهي ضرورية للغاية لخلق سلوك بشري مثالي. وهكذا، في دلالتها السلبية، تعين المصلي على التخلص من جميع أنواع الخطايا. وفي دلالتها الإيجابية، تعلّم الإنسان، وتصقل طبعه وترقّي صفاته إلى السمو الذي يجعله جديرًا بالتواصل مع الله.»(3)، وإذ تعمل الصلاة عملها في تطهير المصلي من الخطايا، فهي كالنار التي تُصلي وتنقي المعدن.

فلسفة الصلاة والدعاء

جميعنا نؤمل من وراء صلاتنا استجابة الله عز وجل، وقد أوضح المسيح الموعود أنه عندما يبكي الطفل ويندب بسبب الجوع، يتدفق الحليب إلى ثدي الأم. لا يعرف الطفل حتى معنى الصلاة، ومع ذلك فإن صرخاته تدر الحليب. وبالمثل، عندما يصلي الشخص، يشبه الطفل الذي يبكي من أجل حليب ثدي أمه. يتم إنتاج حليب الثدي فقط بسبب الغريزة الطبيعية للأم عندما تسمع الصرخة البريئة للطفل الجائع. وهكذا، عندما يتوسل الإنسان بصدق وبتواضع، أو يبكي حتى، فإنه يتوق إلى مساعدة من الخالق كما الطفل الضعيف الذي يبكي طلبًا لحليب أمه. (4)

شهادة المختبرات عن فسيولوجيا المتدين

على مدى العقود الأربعة الماضية، كانت العلاقة بين الصلاة والصحة موضوع دراسات واسعة. والإنسان هو ذلك الكيان المعقد والمتكون من اتصال الجواهر الثلاثة: جوهر الروح وجوهر النفس وجوهر الجسد، فمعنى أن تعمل الصلاة عملها أن تفيض بركاتها على الجواهر الثلاثة المذكورة، ففيما يتعلق بالفائدة الجسدية المتحققة من الصلاة فقط، فوفقًا لدراسة طبية  نشرتها وكالة سكاي نيوز العربية لاختصاصي الجراحة العامة الدكتور عبد الله محمد نصرت، تحت عنوان «أثرالصلاة على كفاءة الدورة الدموية بالدماغ» ونشرت ضمن بحوث العلوم الإنسانية والحكم التشريعية للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أكدت هذه الدراسة العلمية أن حركات أداء الصلوات الخمس بالغة الفائدة للدورة الدموية الدماغية، وذلك لتزايد سريان الدم إلى المخ أثناء السجود بفعل ميل الرأس إلى أسفل، إضافة إلى أن انطواء الجسم على نفسه أثناء السجود يساعد على توجيه الدم من الأطراف إلى الأعضاء الداخلية والمخ. كما بينت الدراسة أن معدلات ثاني أكسيد الكربون تزداد في الدم بشكل وظيفي أثناء ميل الرأس إلى أسفل أثناء السجود، وذلك نتيجة ضغط الأحشاء على الرئتين مما يساعد على إضافة المزيد من تدفق الدم إلى المخ. وأشارت إلى أن تكرار ميل الرأس إلى أسفل أثناء الركوع والسجود ثم ارتفاعه أثناء القيام والجلوس يساعد في المحافظة على نظام التوازن التلقائي للدورة الدموية في المخ، لا سيما وأن وظيفة هذا النظام التلقائي تضعف مع تقدم العمر. وأفادت الدراسة أن الكثير من المسلمين الكبار في السن والمعروف عنهم المداومة على الصلاة، يحتفظون ببنيان جسمي وعقلي سليم إلى حد كبير حتى عمر متقدم مقارنة بأقرانهم، مؤكدة أن تطبيق أداء حركات الصلاة من سجود وركوع وقيام وغيرها بالشكل المشروط لها يساعد على تحقيق أكبر قدر من الفائدة الجسمانية الموجودة. وأوضحت الدراسة أن الرد الفعلي المزدوج لنظام الدورة الدموية المخية التلقائي أثناء السجود يدعو إلى مزيد من الفهم للفائدة التي تتحقق مع الأمر الإسلامي في التأني في حركات أداء الصلاة حتى الاطمئنان مع كل حركة، مما يتيح تحقيق الفائدة المرجوة من كل حركة منها تجاه الدورة الدموية المخية. علاوة على ذلك فالدراسة تشير إلى أن بضع لحظات من السجود لله تستطيع أن تبرئ من كثير من الآثار الضارة على الدورة الدموية الدماغية الناجمة عن أنشطة الحياة اليومية وعن ممارسة أنواع الرياضة المختلفة.(5) كما اكتشف الدكتور هربرت بنسون، المختص بالقلب والأوعية الدموية في كلية الطب بجامعة هارفارد ورائد في مجال طب العقل/الجسد، ما يسميه «الاستجابة للاسترخاء» التي تحدث خلال فترات الصلاة والتأمل. ينخفض خلالها الاستقلاب في الجسم، ويتباطأ معدل ضربات القلب، وينخفض ضغط الدم، وتصبح أنفاسنا أكثر هدوءًا وأكثر انتظامًا.(6) ترتبط هذه الحالة الفيزيولوجية بموجات الدماغ البطيئة، ومشاعر السيطرة، واليقظة الهادئة وراحة البال. هذا أمر مهم لأن بنسون يقدر أن أكثر من نصف مجموع زيارات المرضى للأطباء في الولايات المتحدة اليوم سببها أمراض مثل الاكتئاب وارتفاع ضغط الدم والقرحة والصداع النصفي، والتي تحدث جزئيًا على الأقل بسبب ارتفاع مستويات التوتر والقلق.(7)  كما أجرى د. أندرو نيوبيرج، مدير مركز الروحانية والعقل في جامعة بنسلفانيا، دراسة عن البوذيين التبتيين في التأمل وعن الراهبات الفرنسيسكان في الصلاة أظهروا انخفاضًا في النشاط في أجزاء الدماغ المرتبطة بالشعور بالذات والقدرة المكانية في كلتا المجموعتين. كما وجد أن الصلاة والتأمل يزيدان من مستويات الدوبامين الذي يعزز من الشعور بالسعادة.(8)

على مدى العقود الأربعة الماضية، كانت العلاقة بين الصلاة والصحة موضوع دراسات واسعة. والإنسان هو ذلك الكيان المعقد والمتكون من اتصال الجواهر الثلاثة: جوهر الروح وجوهر النفس وجوهر الجسد، فمعنى أن تعمل الصلاة عملها أن تفيض بركاتها على الجواهر الثلاثة المذكورة

إن آثار الممارسة الروحية لا تقتصر على حصيلة ازدياد التركيز. طلب كين بارجمنت، من جامعة بولينغ غرين ستيت، من مجموعة واحدة من الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي أن يقوموا كل يوم بالتأمل لمدة 20 دقيقة مكررين جملة روحانية مثل «الله خير. الله سلام. الله محبة». بينما استخدمت المجموعة الأخرى شعارًا غير روحي: «العشب أخضر. الرمال ناعمة.» فكان لدى المتأملين الروحيين صداعًا أقل وأكثر تحملًا للألم من أولئك الذين ركزوا على العبارات المحايدة. (9)

في إحدى الدراسات التي يمولها المعهد الوطني للصحة، تَبيّن أن الأفراد الذين يصلّون يوميًّا أقل عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم بنسبة 40 بالمائة من أولئك الذين لا يمارسون الصلاة بانتظام. وجد البحث في كلية الطب في دارتموث أن المرضى الذين لديهم معتقدات دينية قوية والذين خضعوا لجراحة قلب اختيارية كانت قدرتهم على التعافي أكثر بثلاث مرات ممن هم أقل تدينًا. تشير دراسة أجريت عام 2011 على شباب المدينة المصابين بالربو من قبل الباحثين في جامعة سينسيناتي إلى أن الذين مارسوا الصلاة والتأمل كانت الأعراض عندهم أقل وأخف من الذين لم يفعلوا ذلك.(10)

ما يمكن أن يخبرنا به العلم هو أن الأشخاص الذين يُصلّون ويتأملون يميلون إلى أن يكونوا أكثر صحة من الناحية الإحصائية ويعيشون لفترة أطول من الذين لا يصلون. وتبقى مسألة كون هذه النعم مجرد آثار جانبية غير مقصودة لفوائد روحية أعمق، مسألة إيمان.

ولا تقتصر مزايا الصلاة على فائدتها الروحية وحسب، إنها تفيد الجسم أيضًا، فمجرد الجلوس في حالة تأمّل هادئ، وهذا الأصل في ممارسة الصلاة، له العديد من التأثيرات الإيجابية على الصحة العامة، إذ تعمل هذه الطريقة على خفض ضغط الدم المرتفع، وخفض مستويات هرمون الإجهاد، وإبطاء معدل النبض ودعم الجهاز المناعي. وقد أصبحت هذه المعلومة من المسلمات العلاجية، وتعرف باسم العلاج بالتأمل أو الاسترخاء. باختصار، يوضح الإسلام المعنى الفلسفي العميق للصلاة، ولا يزال فعل الصلاة الموصوف في الإسلام، وخاصة صلاة الجماعة، يثبت في آن واحد فوائده الجسدية والروحية التي لا تعد ولا تحصى. ويصف مؤسس الجماعة الأحمدية، المسيح الموعود والإمام المهدي، حضرة مرزا غلام أحمد ، بشكل جميل ما يمكن أن تفعله الصلاة بالمصلي فيقول:

«إن الصلاة التي تُنتج حلاوة وحماسة لمزيد من العبادة وتقرِّب من الله والتي تقدَّم بكل تواضع..  تؤدي إلى تغيير في حياة الإنسان. وهذا التغيير يدركه هذا المصلي على الفور، فيدرك أنه مختلف عن ذي قبل.» (11)

  1. المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مادة ص ل ي
  2. تحفة الأريب، مادة ص ل ي
  3. حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله تعالى) ، دراسة ابتدائية عن الإسلام، نقلا عن مقال بالإنكليزية للكاتبة خالدة جميلة في مجلة Muslim Sunrise
  4. حضرة مرزا مسرور أحمد نصره الله، قوة الصلاة، خطبة الجمعة، 26 كانون الثاني 2018.
  5. سكاي نيوز العربية
  6. حضرة مرزا مسرور أحمد نصره الله، قوة الصلاة، خطبة الجمعة، 26 كانون الثاني 2018.
  7. علم الأعصاب واللاهوت: ما يقوله دماغك عن الدين.
  8. و 9.  نفس المرجع السابق

10. الفوائد الصحية للصلاة

11. حضرة مرزا غلام أحمد عليه السلام، خمس صلوات يومية (ملفوظات المجلد 6 الصفحة378)

Share via
تابعونا على الفايس بوك