آدم ونظام الخلق الجديد
  • ما علاقة خلق آدم بالتجديد؟
  • وما المفاهيم المستخلصة من وصف الله تعالى للإنسان بأنه أكثرُ شيء جدلا؟

__

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (الكهف 50)

شرح الكلمات:

مشفِقين: أشفقَ عليه: خاف وحاذَر (الأقرب).

أحصاها: أحصَى الشيءَ إحصاءً: عَدَّه (الأقرب).

التفسير:

المراد من وضع الكتاب هنا العمل بما فيه من القرار والحكم، كما يقال «وضَعْنا فيهم السيف» أي بدأ سيفُنا يعمل فيهم عمله أي يقتلهم قتلاً.

أما قولـه تعالى فترى المجرمين مشفقين مما فيه فمعناه أن فكرة الحكم الدائم ستنمحي من رؤوس هذه الشعوب، وستمتلئ قلوبهم خوفًا على الحضارة التي كانوا يزهون بها زهوًا كبيرًا، والتي أوشكت على الانهيار.

والمراد من قولهم يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا أنهم سيعاقَبون على كل خطأ ارتكبوه من قبل عقابًا يدركون به في قرارة نفوسهم أن الله هو الحاكم على الكون فعلاً، إذ لا يترك أي عمل من أعمال الإنسان بدون جزاء.

وأخيرًا يخبر الله : إن مصيرهم جدُّ مرير، ولكنه ليس ظلمًا من الله تعالى، بل كان جزاء وفاقًا لأعمالهم.

إن الله تعالى هو الذي خلق منذ القِدم عالمًا جديدًا ونظامًا جديدًا بواسطة آدم والملائكة، وهكذا سيكون الآن أيضًا، وسيُخلَق العالم الجديد والنظام الجديد عن طريق آدم. إن عملية خلق الإنسان من جديد – أي عملية إزالة العيوب والمساوئ المتسربة إلى البشر وعملية إصلاح الناس من جديد – لن تتمّ بالتدابير الدنيوية، وإنما ستتمّ وفقًا لسنة الله المستمرة منذ القِدم.

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (الكهف 51)

شرح الكلمات:

لآدم: اللام هنا بمعنى «مع».

فسَق: فسَق الرجلُ فِسقًا وفسوقًا: ترَك أمرَ الله؛ عصى وجارَ عن قصد السبيل؛ خرَج عن طريق الحق. وفسَقت الرُّطَبةُ عن قشرها: خرَجت (الأقرب).

بَدَلاً: البَدَل: العِوَضُ؛ الخَلَفُ (الأقرب).

التفسير:

اعلم أن القرآن الكريم كلما تحدَّثَ عن دمار قوم جراء إنكارهم لمأمور من الله تعالى أردفَه بقصة آدم، وذلك تنبيهًا للناس أن يأخذوا العبرة من هذه القصة، ولا يكونوا أولياء الشيطان.

وبهذه الآية حذر الله المسلمين وغيرهم من الأمم من الشيطان وقال: لقد حاول الشيطان إغواءَ آدم من قبل، فاتبَعَه؛ فخُذوا حذركم، يا أبناءَ آدم، من الشيطان ولا تلبّوا نداءه.

مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (الكهف 52)

شرح الكلمات:

عَضُدًا: العُضُد: ما بين المِرفق إلى الكَتِف؛ ويُستعار العضدُ للمُعين (المفردات).

التفسير:

اعلم أن ضمير (هم) في قوله ما أشهدتهم راجع إلى الشيطان وذريته. ومعنى الآية: أيها الناس، هل تتخذون الشيطان وليًّا لكي تتقدموا وتزدهروا، مع أنه لم يكن لـه أي علاقة في خلقكم ولا في خلق السماوات والأرض. لقد خلق الله قوى الإنسان كلها من أجل الخير، وما كان الله ليتخذ المضلِّين الأشرار أنصارًا ولا أعوانًا. فلو أن أمة محرومة من قرب الله تعالى أحرزت التقدمَ المادي فلا تظنُّنَّ أن الله تعالى سيفوّض إليها الآن مُلكَه. كلا، بل إن الله تعالى لم ولن يجعل مقاليد الكون إلا في يده. إن إنجازات هؤلاء القوم تكون مؤقتة عابرة، ولا يلبث الله أن يأتي بالإنسان إلى الخير مرة أخرى.

بالتدبر البسيط يدرك المرء أن هذه الآية تتضمن موضوعًا جليل الشأن، وإليكم بيانه. لقد أكدت الآيات السابقة أن الشيطان أو ذريته ليس لهم أدنى علاقة بخلق السماوات والأرض بلهَ أن يكون لهم دخل فيها؛ مما يكشف جليًّا أنه في الزمن الذي تتحدث عنه هذه الآية سيدّعي بعض أعداء آدم أو أعداء الدين بأنهم سينشئون بقوتهم عالمًا جديدًا ويقيمون نظامًا جديدًا. والله تعالى يردّ عليهم ويقول: هل حدث في الماضي أن استعان الله بالشيطان وذريته في خلق عالم جديد وتوطيد نظام جديد؟ فما دام هذا لم يحصل في الماضي فكيف يمكن أن يحصل في المستقبل. إن الله تعالى هو الذي خلق منذ القِدم عالمًا جديدًا ونظامًا جديدًا بواسطة آدم والملائكة، وهكذا سيكون الآن أيضًا، وسيُخلَق العالم الجديد والنظام الجديد عن طريق آدم. إن عملية خلق الإنسان من جديد – أي عملية إزالة العيوب والمساوئ المتسربة إلى البشر وعملية إصلاح الناس من جديد – لن تتمّ بالتدابير الدنيوية، وإنما ستتمّ وفقًا لسنة الله المستمرة منذ القِدم.

ما أعظمَ معجرةَ القرآن الكريم! فقد استخدم قبل 13 قرنًا تلك المصطلحات التي كانت ستُستخدَم في زمننا هذا الزمن الأخير، مثل New World  وNew Order. ثم ما أروعَ ما ردّ به على الذين يدّعون ذلك! يعلن القرآن الكريم أن الله تعالى لم يستخدم أعداءَ آدم في إنشاء العالم الجديد ولا النظام الجديد قطُّ، بل عهِد هذه المهمة إلى آدم والملائكة دائمًا، وهكذا سيفعل الآن أيضًا.

  وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (الكهف 53)

شرح الكلمات:

مَوبِقًا: وَبِقَ يَوبَقُ مَوبِقًا: هلَك. والمَوبِق: مصدرٌ؛ المَوبِق: الموعِدُ؛ المحبِسُ؛ كلُّ شيء حال بين شيئين؛ وقيل مسافةٌ تهلِكُ فيها الأسواطُ لبُعدها (الأقرب).

التفسير:

يخبر الله تعالى أن المسيحيين سيَدْعُون حينئذ آلهتَهم الباطلة.. أي سيتوسلون تارة إلى قدّيسيهم الذين يزعمون أنهم سيشفعون لهم، وتارة أخرى سيدعُون المسيح، وتارة ثالثة ينادون أُمَّه عليهما السلام، ولكن لن يستجيب لدعائهم أحد من هؤلاء.

وأما قولـه تعالى وجعَلْنا بينهم مَوبِقًا فاعلم أن المَوبِق هو حجاب يحول بين شيئين ويفصلهما، كما يعني الهلاك. ونظرًا إلى معنى الحجاب فتعني هذه الجملة أن هؤلاء سيفرض بعضهم على بعض مقاطعة تامة من جراء الحروب. ونظرًا إلى معنى الهلاك فالمراد أنه سيُهلكُ بعضُهم بعضًا.

أما إذا كان الضمير في «بينهم» عائدًا إلى الآلهة الباطلة وإلى مَن يعبدها فالجملة تكون تأكيدًا، والمراد أنه سيقع بينهم وبين آلهتهم الباطلة حجابٌ يحول دون وصول صراخهم إليها؛ أو المعنى أن أرواح آلهتهم ستبدأ في الدعاء على من عبدوها.

وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (الكهف 54)

شرح الكلمات:

مُواقِعوها: وقَع الشيءُ وقوعًا: سقَط. ووقَع في الشَّرَك: حصَل فيه. (الأقرب). والمُواقِع اسمُ فاعل مِن واقَعَ؛ وقوله تعالى هم مُواقِعوها أي هم ساقطون فيها.

مَصـرِفًا: المصرِف اسمُ مكان مِن صرَفه أي ردَّه عن وجهه (الأقرب).

التفسير:

يقرر الله تعالى أنهم لن يروا حينذاك إلا هلاكهم. علمًا أن النار تعني الحرب أيضًا، كما في قوله تعالى كلما أَوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللهُ (المائدة: 65).. أي أن اليهود كلما أشعلوا نارَ الحرب أطفأها الله تعالى؛ إذن فقوله تعالى ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مُواقعوها ولم يجدوا عنها مَصرِفًا يعني أن خطر الحرب لن يزال يهدد هذه الشعوب المسيحية حتى توقن أن لا مناص من الحرب، فستسعى لتفاديها السعي كله، ولكنها لن تنجح في مسعاها.

وأما قوله تعالى فظنّوا فالظن هنا جاء بمعنى اليقين لا الشك، إذ الظن من الأضداد ويعني الشك واليقين كذلك (الأقرب).

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (الكهف 54)

شرح الكلمات:

جَدَلاً: الجَدَلُ: شدةُ الخصومة (الأقرب).

التفسير:

لقوله تعالى وكان الإنسان أكثرَ شيء جدلاً مفهومان: الأول أن الإنسان أكثرُ شيءٍ يتأتى منه الجدلُ، أي مهما حاولتَ شرح الأمر لـه فإنه يجد فيه طريقًا للخصومة، ولا يريد أن يطمئن. والمفهوم الثاني هو: جدلُ الإنسان أكثرُ مِن جدلِ كلِّ مجادِلٍ (روح المعاني).. أي أن الله تعالى وهب لـه العقل لكي يحرز الرقي الروحاني وينال معرفته ‍ ، ولكنه يتخذ من هذه القوة – التي تميّزه عن سائر الحيوانات – سببًا للمفخرة، ويصبح أحطَّ درجةً من الحيوانات بدلاً من أن يكون بعمله أشرفَ المخلوقات.

علمًا أن كلمة «الناس» في هذه الآية تعني أبناء آدم كلهم، بينما تعني كلمة «الإنسان» النوعَ الخاص منهم الذي مرّ ذكره، والمراد أن الله تعالى قد بين في القرآن الكريم جميع المسائل أيما بيان وبأساليب شتى حتى ينتفع بها البشر، ولكن ذلك النوع الخاص من البشر الذي مر ذكره يتخذ من هذا البيان ذريعة للجدال والنقاش، ويطعن في هذه الأساليب البيانية القرآنية.

وإن في ذلك إيماءة إلى أن المسيحـيين سيعتبرون تفــاصيل الشرع هذه لعنةً وذلك تنـصلاً من العمل بالشرع، مع أنها إنما تستـهدف إنقاذ البشر من الهاك.

Share via
تابعونا على الفايس بوك